كان الأمر مشابهًا لمرّة ذَهبتُ فيها لمقابلة أحد مسؤولي منظّمة ليليان.
‘بالطّبع هو أكثر نظافة من هناك…’
ومع ذلك، لم يكن بالإمكان تجنّب الشّعور المخيف الذي يسبّبه القبو بحدّ ذاته.
مظلم ومخيف ورطب—بصراحة، تردّدتُ في الدّخول.
للعلم، هذا ليس لأنّني جبانة.
أيّ شخص طبيعيّ كان سيفكّر مثلي تمامًا.
‘لكن لا يمكنني العودة ببساطة بعد أن أتيتُ إلى هنا!’
تشجّعتُ وخطوتُ خطوات مرتعشة.
شعرتُ على الفور بالهواء الخانق المميّز للمساحات تحت الأرض.
لحسن الحظّ، شعرتُ بالأرض فور نزولي بضع درجات.
شعرتُ بالرّاحة في داخلي ورفعتُ نظري الذي كان يركّز فقط على الأسفل.
وسرعان ما استوعبت عيناي المتكيّفتان مع الظّلام مشهد مساحة القبو.
وعندئذ، فقدتُ القدرة على الكلام.
‘هذا المكان…’
مساحة قاتمة بها كرسيّان.
على الجّانبين، كانت هناك أدوات خطيرة بمجرّد النّظر إليها.
والأهمّ من ذلك كلّه، كانت بقع دم حمراء داكنة قد جفّت في كلّ مكان.
شعرتُ فجأةً بقشعريرة تجتاح جسدي كلّه.
‘إنّها غرفة، غرفة تعذيب…!’
المكان الذي جُرَّ إليه العديد من الجواسيس حتّى الآن، بما في ذلك العميل رقم 32 كارين.
لا، بل هو مكان استُخدِم حتّى وقت قريب.
أصبحتُ أتنفّس بصعوبة.
كان هذا لأنّ المساحة التي كانت مخيفة بالفعل أصبحت تبدو أكثر رعبًا.
تراجعتُ إلى الخلف دون وعي.
جَلجَلَة-
تردّد ضجيج صغير في جميع أنحاء القبو.
لقد لمستُ سلسلة حديديّة معلّقة خلفي عن طريق الخطأ بسبب خوفي.
تك—
سمعتُ خطوات تقترب من هذا المكان من الخارج.
يبدو أنّهم تحرّكوا بعد سماع صوت هذه السّلسلة الحديديّة.
‘آه!’
أخذتُ شهيقًا كالعادة وقلّبتُ عينيّ بحثًا.
يجب أن أختبئ أوّلاً.
لكن غرفة التّعذيب المخيفة والقاتمة هذه لم يكن لديها مكان مناسب للاختباء.
في هذه الأثناء، كان أحد الفرسان ينزل درجات القبو.
لم يعد هناك وقت—
طقطقة— ، طرق—
قفزتُ على عجل باستخدام الكرسيّ والجّدار كنقطة ارتكاز.
وبعد ذلك، التّصقتُ بالسّقف بسرعة.
مثل زيز حشرة.
ظهر الفارس بفارق ضئيل جدًّا.
“هممم…”
كان فارسًا شابًّا التقيتُ به عدّة مرّات داخل القصر.
ضيّق حاجبيه ومسح نظره على القبو بأكمله.
بلع—
ابتلعتُ ريقي دون وعي.
تمكّنتُ بصعوبة من الاختباء بالتّمسّك بالتّجويف المحفور في زاوية السّقف، ولكن إذا رفع الفارس رأسه هكذا، فسوف أنكشف.
‘أرجوك، أرجوك …’
صلّيتُ بيأس ألّا ينظر إلى الأعلى.
لكن على عكس أمنيتي، دخل أعمق إلى غرفة التّعذيب.
وعندما كان على وشك رفع رأسه.
“لماذا، ما الأمر؟”
سُمع صوت فارس آخر من خارج القبو.
عند ذلك، لم يرفع الفارس الشّابّ رأسه واستدار.
“إنّه أمر يتعلّق بالباب هنا، لم يكن مغلقًا بالكامل!”
“آه، هذا أمر يتعلّق بقائد الفرسان-“
أجاب الطّرف الآخر بلا مبالاة.
عندئذٍ، أومأ الفارس الشّابّ برأسه وصعد الدّرج مرّة أخرى.
يبدو أنّه كان ينوي المغادرة دون التّحقّق أكثر.
بعد ذلك بوقت قصير، أُغلِق باب غرفة التّعذيب.
دويّ—
بقيتُ متشبّثةً لفترة طويلة بعد التّأكّد من مغادرة الفارس بالكامل.
وعندما ابتعد صوت خطاه واختفت كلّ الآثار المحيطة، نزلتُ من السّقف وكأنّني أسقط جزئيًّا.
كان كلّ إصبع من أصابعي قد تخدر من التّعلّق.
‘آه! كادوا أن يكتشفوني لا محالة.’
في تلك اللّحظة القصيرة، قمتُ بتشغيل عدد لا يحصى من السّيناريوهات في رأسي.
إغماء الخصم قبل أن يكتشفني، أو اختلاق الأعذار بوجه بائس، أو الاقتراب من خلفه وتهديده، وما إلى ذلك.
كانت هذه احتمالات لا يمكن لخادمة عاديّة أن تتخيّلها حقًّا.
‘آه، لا يمكنني الاستمرار في فعل هذا حقًّا!’
أنا بجسارتي الصّغيرة، جاسوسة؟
مهما فكّرتُ في الأمر، كان شيئًا لن أستطيع فعله لفترة طويلة.
صعدتُ الدّرج ببطء، حالمةً بيوم تحريري من الجّاسوسيّة.
على الرّغم من أنّ عينيّ كانت ترى جيّدًا في الظّلام، إلاّ أنّ المكان أصبح أكثر قتامة عندما أُغلِق الباب، لذلك كان عليّ أن أخطو بحذر.
‘لحظة.’
فجأةً، راودتني فكرة مشؤومة.
تذكّرتُ المحادثة بين الشّخصين حول ما إذا كان باب القبو مفتوحًا أم لا.
من الطّبيعيّ إغلاق الباب إذا فُتِح من تلقاء نفسه.
أنا … هل من المحتمل أنّني محاصرة في الدّاخل؟
* * *
هوو-
عدتُ إلى مكان إقامتي وتمدّدتُ على السّرير وأنا أترنّح.
لقد كان حقًّا سلسلة من التّوتّر المتواصل.
‘لقد كان … مفتوحًا؟’
لحسن الحظّ، لم يغلق الفرسان الباب.
ربّما كان هذا لأنّ السّلطة لفتح وإغلاق غرفة التّعذيب كانت مع قائد الفرسان، السّيّد برانت.
‘لا أعرف لماذا تركوا المكان مفتوحًا في الأصل.’
على أيّ حال، لا يهمّ ما دمتُ قد هربتُ.
لقد تحقّقتُ أيضًا بشكل مؤكّد من نوع المكان الذي هو عليه.
تمدّدتُ بلا حراك وغلبتني الأفكار.
“لكن هل يجب أن أبلّغ عن هذا؟”
بعد التّحقّق من هويّة المكان، بدأتُ في التّفكير.
هل موقع غرفة تعذيب الدّوق ضروريّ حقًّا للمنظّمة؟
لم تكن له أهمّيّة كبيرة، إلاّ إذا كان الجّانب الآخر سيحاول التّخلّص من الجّاسوس المقبوض عليه أوّلاً.
بل قد يثير غضبهم.
‘قد يكون الأمر ضارًّا لي أيضًا.’
إذا أثرتُ الشّبهات وجُررتُ إلى غرفة التّعذيب، فمن المرجّح أن أُقتَل على يد المنظّمة وليس الدّوق.
لأنّ لا أحد يعرف ما يخبّئه المستقبل.
‘حسنًا.’
يبدو أنّه من الأفضل عدم الإبلاغ عن هذا.
كانت غريزة البقاء الفطريّة تصرخ بذلك.
بعد أن اتّخذتُ قراري، رفعتُ جسدي الثّقيل وجلستُ أمام المكتب.
على أيّ حال، كان عليّ تقديم تقرير وإعادة مخطّط القصر إلى مكانه، لذلك كانت هناك طريقة واحدة فقط.
خَشْخَشة-
وضعتُ المخطّط وورقة فارغة على كلا الجانبين جنبًا إلى جنب.
كنتُ أخطّط لرسم المخطّط وإرساله مع استثناء غرفة التّعذيب.
‘يا إلهي، لا أجيد الرّسم.’
كلّ ما تعلّمتُه عن الفنّ كان في التّعليم النّظاميّ في المدرسة.
علاوة على ذلك، لم يكن لديّ حتّى ممحاة أو مسطرة هنا.
بعد تفكير قصير، أخرجتُ الخنجر الذي كانت تحمله ليليان.
كانت الشّفرة المشحوذة جيّدًا تومض بشكل مخيف.
لكن ما كان مهمًّا الآن لم يكن حالة الخنجر.
وضعتُ الخنجر على الورقة الفارغة.
وبعد أن ضبطتُ الموضع بعناية، وضعتُ القلم على ظهر النّصل ورسمتُ خطًّا.
خَشْخَشة-
كانت هذه هي اللّحظة التي تحوّل فيها سلاح ليليان إلى مسطرة معدنيّة عاديّة.
* * *
هل كان ذلك بفضل استخدام الأداة؟
نُسِخَ مخطّط القصر بشكل معقول.
لدرجة أنّني أردتُ أن أصدّق أنّه لا يوجد فرق كبير للوهلة الأولى.
بعد أن أخمدتُ الحريق العاجل بهذه الطّريقة، عادت صورة غرفة التّعذيب لتخطر في بالي مرّة أخرى.
وخاصّةً بقع الدّم الجّافّة تلك.
إنّه مكان مرعب بمجرّد النّظر إليه، ولكنّه لا يبدو كأمر يخصّ شخصًا آخر.
لو لم أكذب بشأن حبّي للدّوق من طرف واحد، لَكانوا قد جرّوني بهدوء إلى غرفة التّعذيب تلك، أليس كذلك؟
على الرّغم من أنّني أعرف أنّه لا يمكن للدّوق أن يفعل شيئًا آخر من وجهة نظره، إلاّ أنّني شعرتُ بالحزن الشّديد.
لدرجة أنّه لم تكن لديّ طاقة للرّدّ على دعابة الدّوق غير الممتعة، “ألن تقومي بتمارين الإطالة اليوم؟”
“ليلي.”
ناداني الدّوق الذي كان يراقبني وأعطاني شيئًا.
“إذًا، اقرئي هذا.”
كانت ورقة رسالة نظيفة باللّون الكريميّ.
كان اسم “مدام براندت” مكتوبًا على وجهها بخطّ أنيق.
[ إلى راعينا العزيز. ]
بدأت رسالتها بتحيّة عامّة وانتهت بدعوة إلى صالونها.
لا، بالتّحديد، إلى “معرض الفنون” الذي سيُقام في الصّالون.
“قيل لي إنّ الفنّان النّاشئ الذي أرعاه سيشارك أيضًا.”
آه، هذا صحيح.
لقد قيل إنّ الدّوق هو أكبر راعٍ لصالون المدام.
إذن هو يدعمها بهذه الطّريقة.
عندما أومأتُ برأسي متفّقةً مع نفسي، سألني الدّوق، “هل نذهب؟”
“ماذا؟ المعرض؟”
“نعم.”
“متى؟”
“الآن.”
بهذه المحادثة الوجيزة، تقرّر برنامجه لهذا اليوم.
وأنا أيضًا.
***
وصلنا إلى الصّالون بعد المرور في شوارع مزدحمة.
وعندئذٍ، ظهرت مدام براندت، التي كانت ترتدي ملابس أكثر فخامة من المعتاد.
“يا إلهي، لقد أتيت حقًّا.”
هي رمت الدّوق بنظرة وكأنّها فوجئت حقًّا وأكملت كلامها.
“في وقت سابق، طلبتَ منّي ألّا أرسل مثل هذه الدّعوات-“
“توقّعاتي لهذا المعرض كبيرة جدًّا.”
أجاب الدّوق وكأنّه يقطع كلامها.
“لندخل.”
ألم يوشك على الدّخول إلى الصّالون على الفور؟
‘هل هذا، هل هذا صحيح؟’
أنا أيضًا تبعتُه دون تفكير ورمقتُ المدام بنظرة خاطفة.
كان هذا لأنّني كنتُ قلقة بشأن عدم التّحيّة بشكل صحيح.
لكنّها كانت … تحبس ضحكة تكاد تنفجر.
‘لماذا تتصرّف هكذا؟’
أنا أيضًا أملتُ رأسي دون وعي.
عندئذٍ، فتحت مدام براندت فمها نحوي بصمت.
‘أتمنى لكما، موعدًا، ممتعًا، اليوم…؟’
التعليقات لهذا الفصل " 49"