‘الأمر ليس بذي أهمية، ولكن الشائعات المتداولة مؤخرًا في العاصمة غريبة بعض الشيء. هذا مجرّد تخمين منّي فحسب … لكن يبدو أنّ له علاقة بدار مزادات كاليم أيضًا.’
كان رايموند يستقصي عن تلك “الشائعة” بالفعل حتّى قبل صدور أمر الإمبراطور.
وقد اكتشف نويل، الذي كان يراقب دار مزادات كاليم بين الحين والآخر حتّى بعد زيارتها، خيط اتصال غريبًا بين الأمرين.
‘الأموال تتسرّب إلى مكان ما.’
كان الدفتر الذي سُرِق سرًّا مستغلًا غفلة مديري دار المزادات أكثر هشاشة ممّا كان متوقعًا.
بدا الأمر وكأنّ أرقامًا فقط قد أُدرجت عشوائيًّا في بنود محدّدة مسبقًا منذ البداية.
المال قاسٍ وصادق.
حتّى لو كان المال يُستخدَم لإخفاء شيء ما وسرقته، فمن المؤكّد أنّك ستواجه الحقيقة إذا تتبّعت مصدره.
وينطبق الشيء نفسه على دار المزادات غير القانونيّة تلك والشائعات المشؤومة التي تتردّد في العاصمة.
لقد تسرّبت أموال كاليم، ألم يختفِ الأطفال واحدًا تلو الآخر حول تلك المنطقة؟
‘حسنًا، لقد حُلَّت الشائعة إلى حدّ ما، ولكنّ …’
كان عدم الكشف عن التواطؤ مع كاليم أمرًا مزعجًا للغاية.
ألا يبدو هذا وكأنّه “قطع للذّيل”؟
“أشعر وكأنّني لُعِبت على رقعة شطرنج مُعَدّة مسبقًا.”
تضيّقت ملامح رايموند.
انتابه شعور بالاستياء مرّة أخرى عندما فكّر في افتراض معقول جدًّا.
وخاصّةً ذلك الشاب الذي ألقى القبض على الجاني أمامي واختفى كان مثيرًا للشبهة.
‘لقد أنقذني ذلك الشّخص!’
أن يظهر في مثل ذلك الوقت، وبمثل تلك الملابس، ومع ذلك لا يكون هو الجاني؟
دافعت الطّفلة التي كادت أن تُختطَف في ذلك اليوم عن ذلك الشاب المريب بمجرّد استعادتها لوعيها.
لقد تبيّن أنّ الشاب الذي ظُنَّ أنّه شريك الجاني هو من أنقذ الطّفلة.
‘هل تتذكّرين شيئًا آخر؟’
‘…أنا آسفة.’
كانت ذاكرة الطّفلة، التي كانت تحت تأثير المخدّر في ذلك الوقت، ضبابيّة جدًّا.
لم تتذكّر سوى حقيقة أنّ شخصًا ما أنقذها.
“تُرى، ما هي هويّته في النّهاية.”
تمتم رايموند بصوت خافت وهو يتحدّث إلى نفسه.
كان ينبغي عليه أن يسيطر عليه في تلك اللّحظة.
الغريب أنّ الأجواء المنبعثة من ذلك الشّخص المريب لم تكن غريبة، ولذلك لُدغ بالكامل.
كان هذا خطأه.
‘إذا تعمّقت في التّحقيق، فستظهر الإجابة.’
بالطّبع، سيوبّخه الإمبراطور متسائلًا عن سبب إثارته مجدّدًا لشيء تمّ الانتهاء منه بشكل جيّد.
لذلك، كان عليه أن يتحرّك في سرّيّة تامّة، إلى درجة لن يلاحظها أحد.
‘هل يجب أن أوكل الأمر إلى تشيستر؟’
تشيستر سكوت، رئيس نقابة تجّار تشيستر.
منذ عامين، بعد أن أنقذه الدّوق بالصّدفة عندما كاد أن يُقتَل ضربًا على يد ابن الأرملة بسبب تودّده إليها، بدأ بتبجيله كمنقذ لحياته.
يبدو تشيستر ظاهريًّا مالكًا لنقابة تجاريّة محترمة، ولكن في الواقع، كانت علاقاته في العالم السّفليّ أكثر فخامة، كونه الرّجل الذي زوّر دعوة دار مزادات كالم في المرّة الماضية.
ربّما كان ذلك الرّجل يتفوّق على مدام براندت في المعلومات المتداولة في الخفاء.
‘سيواجه نويل بعض المتاعب.’
تشيستر، الذي كان دائمًا مشغولًا بالمزاح واللّهو طوال اليوم، لم يكن متوافقًا بشكل أساسيّ مع الفرسان.
وخاصّةً نويل، الذي كان عليه أن يلتقي تشيستر بشكل متكرّر بحكم طبيعة المهمّة، كان يكره مقابلته بشدّة.
أرسل الدّوق الأعظم اعتذارًا صادقًا، ولو في سرّه، إلى نويل الذي كان يتدّرب على الأرجح دون أن يعلم شيئًا.
* * *
“أيّها العم!”
استدار البستاني فجأة بينما كان يزيل الأعشاب الضّارة.
وعليه، صرختُ من بعيد.
“لقد أزهرت الزّهرة! زهرة الياسمين تلك!”
“أوه، حقًّا؟”
“نعم! لقد أزهرت فورًا بمجرّد أن نقلتُها، تمامًا كما قلت أيّها العم!”
“هذا جيّد، ههه.”
ابتسم وهو يُطْبقُ عينيه برفق.
وصلتُ إلى أمام البستانيّ دون أن أشعر، والتَقَطتُ أنفاسي بخفّة وقلت.
“شكرًا جزيلًا لك. لولا مساعدتك، لكانت قد ذبلت منذ زمن بعيد!”
لم يكن هذا كلامًا فارغًا، بل حقيقة.
فحتّى عندما قدّمتُ النّبتة في أصيص كهدية للدّوق الأعظم، كان كلّ ما أعرفه عن النّباتات هو الفطرة السّليمة الأساسيّة وما قاله لي صاحب متجر الزّهور.
وبالرّغم من ذلك، لم يكن بوسعي أن أهمل نباتًا في أصيص قدّمتُه كهدية …
وفجأةً، تذكّرتُ البستانيّ.
‘خبير النّباتات غير الرّسميّ!’
لم يكن هناك شيء يجهله فيما يتعلّق بالنّباتات.
وبفضله، أثمرت أيضًا محاولتي العشوائيّة لزراعة الياسمين (؟)، لذلك لم يكن لديّ إلّا أن أكون ممتنّة حقًّا له.
“إذا استمررتِ في رعايتها جيّدًا، فسيمكنكِ رؤية الزّهور لعدّة أسابيع قادمة.”
“يا إلهي، حقًّا؟”
“بالطّبع! لا داعي للقلق كثيرًا، فقط واصلي رعايتها كما تفعلين عادةً-“
استمرّ الرّجل في شرح تفاصيل عن الياسمين.
وعليه، أومأتُ برأسي باجتهاد وأصغيتُ باهتمام.
“في الواقع، لقد فشلتُ أيضًا عدّة مرّات عندما حاولتُ زراعة النّباتات بلا مبالاة. لكن كلّ ذلك كان عندما كنتُ صغيرًا.”
“إذًا، متى بدأتَ بالقيام بهذا العمل أيّها العم؟”
انتقل الموضوع بشكل طبيعيّ.
بينما كنّا نتبادل الحديث هكذا، وجدنا أنفسنا نتحدّث فجأة عن شيء مختلف تمامًا عمّا بدأنا به.
“على أيّ حال، أليس من المفترض أن تكوني في سنّ يسمح بوجود خطيب لكِ الآن؟”
“أوه، هذا مبكّر جدًّا!”
تراجعتُ ولوّحتُ بيديّ باشمئزاز.
بالطّبع، قد يكون الأمر كذلك وفقًا لمعايير هذا المكان حيث يُقام حفل بلوغ السّنّ القانونيّة في السّادسة عشرة من العمر، ولكن بالنّسبة لي، التي كنتُ أعيش في العصر الحديث، كان ذلك مبكّرًا جدًّا.
أنا منزعجة أصلًا لأنّ ليليان أصغر من عمري الحقيقي.
ونتيجة لردّة فعلي هذه، هزّ الرّجل كتفيه.
“حسنًا، هناك العديد من الحالات التي لا تكون كذلك في أيّامنا هذه … ولكن مع ذلك، لا ضرر من التّعرّف على شخص ما.”
“مهلًا، أنا مشغولة جدًّا بالعمل.”
“مشغولة! انظري إلى الخادمات الأخريات. إنّهنّ جميعًا يقابلن أحدهم سرًّا، حتّى لو تظاهرن بالعكس.”
“كيف عرفتَ ذلك أيّها العم؟”
“أين سيلتقي سِرًّا الشّباب الذين التقوا صدفةً في قصر الدّوق الأكبر؟ إنّه أمر واضح.”
يا للعجب.
اكتشفتُ دون قصد سرّ هذا البستان الخفيّ.
كانت هذه قصّة لم أكن أرغب في معرفتها على الإطلاق.
وفي اللّحظة التي كنتُ فيها على وشك تغيير الموضوع بسرعة خوفًا من أن أسمع أسماء الأزواج الذين يتقابلون سرًّا.
“ماذا عن هذا الشّاب؟”
سأل الرّجل وهو يشير إلى مكان معيّن.
في ذلك المكان، كان رجل طويل القامة ذو مظهر لطيف يتحدّث مع رئيس الطّهاة.
لم يكن يتمتّع بمظهر خارجيّ متميّز بشعره الّذي بلون القمح وعينيه اللّطيفتين، لكنّه كان ينضح بجوّ من شأنه أن يكسب الإعجاب في أيّ مكان.
‘وجهه مألوف…’
يبدو وكأنّني رأيته عدّة مرّات وأنا أمرّ من هنا؟
في تلك اللّحظة، ربّما شعر بشيء، فأدار رأسه.
وبمجرّد أن التقت أعيننا—
بوم— ، بوم— ، بوم—!
بدأ قلبي ينبض بجنون.
انتصبت حواس ليليان الحادّة بتوتّر.
لقد شعرتُ وكأنّه ‘تحذير’ منها.
استمرّ شرح الرّجل.
“إنّه شابّ يُدعى كال، ويقوم بتوصيل موادّ البقالة إلى هنا بشكل دوريّ. هذا الشّاب لَبِق وذو حسّ بالمسؤوليّة إلى حدّ ما.”
كان هناك سبب لاستمرار إرسال غريزة ليليان للتّحذيرات.
ذلك الرّجل الذي يُدعى كال. إنّه-
‘هـ، هذا الجاسوس…!’
لقد كان جاسوسًا من نفس منظّمة ليليان.
يراقب كلّ منهما الآخر.
‘لا عجب أنّ الرّسائل السّرّيّة كانت تصل إلى الملحق الغربيّ فقط!’
كانت موادّ البقالة المستخدمة في قصر الدّوق الأكبر تُسلَّم عبر الباب الخلفيّ للملحق الغربيّ، القريب من المطبخ.
علاوة على ذلك، وبسبب طبيعة المكوّنات الغذائيّة، كان يتمّ توصيلها غالبًا في وقت متأخّر من اللّيل أو في وقت مبكّر من الفجر.
لا بُدَّ أنّه استغلّ ذلك الوقت وترك الرّسالة السّرّيّة!
بما أنّ الملحق لم يكن يخضع للمراقبة الشّديدة مقارنةً بالمبنى الرّئيسيّ، فإذا كانت لديه مهارات مماثلة لليليان، لم يكن من الصّعب عليه الدّخول إلى مكان الإقامة.
‘آه…’
قشعريرة انتصبت على ذراعيّ كلتيهما.
أن يقوم بدور الجاسوس بمثل هذا المظهر الودود.
حتى أنّه كان يراقبني!
عضضتُ شفتاي دون أن أدري، ورمقتُه بنظرة حادّة.
ثمّ سعل البستانيّ وقال، وكأنّه أساء فهم شيء ما، “كح، كح، بهذه المناسبة، يجب أن أرتب…”
التعليقات لهذا الفصل " 46"