اعتذرَ قائد الفرسان مرّة أخرى لوالده الذي كان يتمتّع بحياة يوميّة طبيعيّة.
“هاه، هذا مُريح حقًّا! كم عانتْ والدتي عندما أصابها التواء في الظهر-“
نويل، الذي لم يكنْ يعرف الحقيقة، شعرَ بالارتياح الصادق وتحدّثَ عن تجربة والديه. وفي اللحظة التي أدارَ فيها نظره، مُوصيًا ببعض الأطعمة الجيّدة للظهر.
“أوه، السيّدة جاءتْ أيضًا.”
في تلك اللحظة، كانتْ السيّدة براندت تمرُّ في الممرّ، وتتمايلُ تنّورتها الزرقاء الفاتحة.
أعربَ نويل عن إعجابه بجمالها الذي لا يزال آسرًا، وأومأ براندت برأسه بصمت أيضًا. لأنَّ زوجته كانتْ جميلة بالفعل.
‘همم؟’
لكنْ عندما نظرَ عن كثب، كانتْ هناك خادمة معها.
يبدو أنَّهما قريبتان جدًّا.
“تلكَ الخادمة هي…”
“ماذا؟ آه، هل تقصد الآنسة ليليان؟”
ليليان؟
لسبب ما، بدا الاسم مألوفًا.
بينما كان يُردّد الاسم في داخله، تابعَ نويل شرحه.
“نعم، كان ذلك عندما كنتَ غائبًا يا سيّدي القائد. لقد اتّخذها الدوق الأكبر كخادمة خاصّة له مؤخّرًا.”
“صاحب السموّ؟”
“نعم، أليس هذا مُدهشًا حقًّا؟”
توسّعتْ عينا براندت على الكلام غير المتوقّع.
لقد اتّخذَ خادمة خاصّة في فترة غيابه القصيرة.
الدوق الأكبر الذي يكره بشدّة وجود الغرباء بجانبه لدرجة أنّه لم يكنْ يتلقّى حتّى الخدمة الشخصيّة.
“لا أعرف السبب، لكنْ من المؤكّد أنَّ شخصيّتها طيّبة. الدليل هو صمودها بجانب سموّه حتّى الآن، وكون ياسين قد تقدّمَ وصادقها، والأهمّ من ذلك-“
“…”
“هو أنّها صديقة لأختي سيّئة المزاج. هاها!”
حتّى مع ضحكة نويل الصادقة، ظلَّ وجهه مُتصلّبًا وهو يُحدّق في الممرّ. كان الاثنان قد اختفيا منذ فترة طويلة.
“يا سيّدي القائد؟”
كان نويل ينظر إلى قائده بوجه حائر. عندئذ، أبعدَ براندت نظره مُتأخّرًا وقالَ: “لنذهب.”
ثمَّ اتّجهَ نحو ساحة التدريب وكأنَّ شيئًا لم يكنْ. و ظلَّ يُفكّر في الخادمة التي كانتْ مُلتصقة بالسيّدة مثل السنجاب.
***
“إذًا، هل نبدأ؟”
بعد أن استمعَت إلى سير العمل العامّ من رئيس الخدم ورئيسة الخادمات، ذهبتْ السيّدة براندت مباشرةً للعثور على الدوق الأكبر.
ثمَّ سألتْهُ مباشرةً عمّا إذا كان بإمكانها استعارة خادمته الخاصّة، أنا، لفترة من الوقت.
“هل هذا مُناسب؟”
“… هل لديكِ شيء تركتيه معي؟”
نظرَ إليَّ الدوق الأكبر بوجه مُتردّد بناءً على طلبها الجريء.
كان تعبيره يقول: ‘اشرحي لي ما يحدث’.
‘أنا أيضًا لا أعرف …’
تجنّبتُ نظره بهدوء. وعندئذ، أتى الإذن من فمه بضحكة خافتة.
“افعلي ما يحلو لكِ.”
وهكذا، بدأتُ في مساعدة السيّدة براندت في التحضير للحفل الراقص.
“كما تعلمين يا ليليان، لا يزال قصر الدوق الأكبر فيليوم بلا سيّدة.”
همستْ في أُذني.
في العائلة العاديّة، حتّى لو كان ربُّ الأسرة أعزب، فإنَّ البالغين الآخرين في الأسرة سيُديرون الأحداث المختلفة، لكنَّ الدوق الأكبر فيليوم، الذي وُلِدَ خارج إطار الزواج وتلقّى لقبًا مُفاجئًا بسبب إنجازاته الحربيّة، لم يستطع فعل ذلك.
وبالنظر إلى شخصيّة الدوق الأكبر، يبدو أنّه يكره الحصول على مساعدة من القصر الإمبراطوريّ …
لذلك عانيا رئيسة الخادمات ورئيس الخدم، ولكنْ يبدو أنَّ هناك حدودًا لقدرتهما على تقرير كلِّ شيء.
“أنا، على الرغم من مظهري، لديَّ خبرة كبيرة في استضافة الحفلات.”
غمزتْ السيّدة براندت بعينها.
لم يتبقَّ سوى ثلاثة أسابيع لحفل الراقص.
كان الوقت ضيّقًا جدًّا للاستعداد بشكل مثاليّ، لكنّها ابتسمتْ وكأنَّ الأمر لا يُزعجها. بطريقة ما، شعرتُ بالثقة.
ولم يستغرق الأمر وقتًا طويلاً حتّى عرفتُ السبب.
“من الأفضل تغيير الترتيب العامّ بالكامل.”
“بما أنَّ الحديقة مُعتنى بها جيّدًا بالفعل، فلنُركّز على توحيد القاعة والأجواء.”
“لديَّ فرقة أعرفها جيّدًا، لذا سأُحاول توظيفها. وسنتحدّث عن الموسيقى بعد ذلك-“
توالتْ تعليماتها دون توقّف.
من الترتيب العامّ لقاعة الحفل الراقص، إلى كيفيّة تزيين القاعة والحديقة، وكيفيّة اختيار الفرقة والموسيقى، وكيفيّة ترتيب الخدم في ذلك اليوم، وما إلى ذلك.
بمجرد وصول السيّدة براندت، تمَّ ترتيب كلِّ شيء على الفور. كان هناك سبب وجيه لتوظيف الدوق الأكبر لها!
‘القدرة على اتّخاذ القرار، وقوّة الدفع، بالإضافة إلى قدرتها على التحمّل.’
هل هذا ما يتطلّبه الأمر لتكوني صاحبة صالون في قلب العاصمة؟ لقد بدتْ رائعة بالنسبة لي.
“لون الستائر داكن جدًّا. هل يُمكنني رؤية ألوان أخرى؟”
“نعم! انظري هنا-“
مدَّ التاجر الأشياء التي أحضرها بوجه مُتحمّس. عندئذ، تحقّقتْ السيّدة براندت بسرعة من الأنواع المختلفة من الستائر الموضوعة أمامها.
آه، وماذا أفعل أنا؟
“هممم … هذان اللونان يبدوان الأنسب. ما رأيكِ يا ليليان؟”
سألتْني السيّدة، وهي تُداعب نوعين من الستائر باستمرار، و التفتت نحوي.
هذا صحيح.
كان دوري هو مساعدة السيّدة براندت الجريئة على اتّخاذ القرارات بسرعة عندما تقعُ في مأزق بسبب قضايا بسيطة.
كنتُ مثل مُساعدة التسوّق، إذا جاز التعبير.
“أوه، هذه المادّة تبدو خفيفة بعض الشيء. ألن يكون النوع الأثقل أفضل لحدث رسميّ؟”
أشرتُ إلى الستائر الموجودة على اليمين مع تقديم سبب مُقنع. عندئذ، اختارتْ السيّدة الستائر التي اخترتُها بابتسامة مُشرقة.
هاه، لقد تجاوزتُ هذه العقبة بأمان أيضًا.
“إذًا، ما نوع القماش المُستخدم للزينة …”
بالطبع، لم ينتهِ الأمر هنا.
استمرَّ التاجر في تقديم أشياء جديدة، وتحقّقتْ منها السيّدة براندت جميعها بعناية. وكنتُ أُجيبُ بجانبها ونصف عقلي غائب.
بعد فترة طويلة-
بمجرد أن أغلقَ التاجر الباب بوجه راضٍ بعد الانتهاء من البيع، أطلقتُ تنهيدة دون قصد.
“هل أنتِ مُتعبة؟”
سألتْ السيّدة بصوت حنون عند رؤيتي.
لوّحتُ بيدي على عجل.
“آه، لا! أنتِ تفعلين كلَّ شيء يا سيّدتي.”
“أنا آسفة. لقد استدعيتكِ لأنّني اعتقدتُ أنَّه سيكون من الجيّد لكِ أن تتعلّمي.”
هاه؟ اعتقدتِ أنَّه سيكون من الجيّد لي أن أتعلّم؟
بينما كنتُ أرمشُ في حيرة، تابعتْ كلامها.
“حتّى لو كان الأمر مجرّد عرض، فإنَّ أشياء كهذه مُهمّة عند التعامل مع النبلاء المُتطلّبين. لأنَّ هناك الكثير ممّن يحاولون انتقاد أدقّ التفاصيل.”
عبست السيّدة قليلاً.
يبدو أنَّ كلماتها كانتْ مبنيّة على خبرتها الخاصّة، وتُعبّر عن قلقها على الدوق الأكبر. لأنّه شخص لديه الكثير من الأعداء بمجرّد وجوده.
بطريقة ما، أصبحَ الجوُّ كئيبًا بعض الشيء.
“إذًا، هل انتهينا من كلِّ الطلبات الآن؟”
رفعتُ صوتي عمدًا وحوّلتُ الموضوع.
عندئذ، أومأتْ السيّدة براندت برأسها دون وعي، ثمَّ أطلقتْ تنهيدة وكأنَّ شيئًا ما قد خطرَ ببالها فجأةً.
“آه، تبقّى شيء واحد هو الأهمّ.”
***
لم يكنْ المكان الذي أخذتني إليه السيّدة براندت سوى متجر أزياء.
حتّى أنّه مُخصّص للملابس الرجاليّة!
“يبدو أنَّ سموّنا يُخطّط لارتداء البدلة السابقة ‘مرّة أخرى’.”
هزّتْ رأسها قائلة إنّه من الواضح أنّه لم يطلب بدلة جديدة بعد.
“إنه يفتقر إلى الحماس على أيّة حال.”
الجمال يتألّق كلّما اعتنى المرء به!
تمتمتْ السيّدة، الحسّاسة للجمال، وكأنَّ الأمر لا يُمكن فهمه.
يبدو أنَّ الدوق الأكبر لا يستمعُ إليها أبدًا، بغضِّ النظر عن عدد المرّات التي تتحدّثُ فيها. كان وضعًا مُحبطًا للسيّدة براندت ذات الذوق الرفيع.
‘لكنْ بوجه الدوق الأكبر …’
هل هناك حقًّا حاجة لاختيار الملابس المُزعجة عندما يُمكنه أن يبدو جيّدًا حتّى لو ارتدى الخيش؟ لقد فهمتُ إلى حدٍّ ما سبب افتقاره للحماس.
دينغ-
“مرحبًا بكم”
عندما دخلنا متجر الأزياء، استقبلنا رجل في منتصف العمر بشعر أشيب مُسرّح ببراعة. وعندئذ، حيّته السيّدة براندت بشكل طبيعيّ وقالتْ: “شكرًا لكَ على تخصيص وقتك لي على الرغم من الجدول المُزدحم يا فيرنر.”
“لا شكر على واجب. لا ينبغي أن يكون هناك أيُّ خطأ في ملابس صاحب السموّ، أليس كذلك؟”
أضافتْ شرحًا موجزًا بينما كان المُصمّم الذي أجابَ بذكاء يذهب لإحضار الملابس.
“هذا متجر أزياء يحظى بشعبيّة كبيرة في العاصمة هذه الأيّام. وللعلم، فيرنر هو المُصمّم الذي يرعاه الدوق الأكبر.”
آه، لقد تذكّرتُ أنّني سمعتُ أنَّ السيّدة براندت جاءتْ في المرّة الأخيرة بسبب مسألة الرعاية، أليس كذلك؟
لقد كان هذا غير مُتوقّع بشكل غريب لأنَّ الدوق الأكبر لم يكنْ يبدو مُهتمًّا بهذا النوع من الأشياء على الإطلاق.
التعليقات لهذا الفصل " 34"