“يبدو أنَّ المكتبة أصبحتْ فوضويّة مرّة أخرى. يجب أن نُعيد ترتيبها.”
“من هناك إلى هنا.”
“لا، ليلي، ابقي هنا.”
“تلك الزخرفة مُزعجة. رتبوها مرّة أخرى.”
استمرَّ الدوق الأكبر في إصدار تعليمات مختلفة عن المعتاد.
لا، لأكون دقيقة، إنّها تُشبه الأعمال التي كنتُ أقوم بها عندما أصبحتُ خادمته الخاصّة لأوّل مرّة.
عندها فكّرتُ مرّة أخرى-
‘… لماذا يتصرّف هكذا حقًّا؟’
من المؤكّد أنَّ الأمر بدأ منذ تبادل النظرات معه في ساحة التدريب. لا أعرف السبب وراء ذلك.
‘ياسين أيضًا يبدو جاهلًا تمامًا.’
حاولتُ سؤاله عرضًا، لكنْ كلُّ ما قاله هو إنّه كان سعيدًا لأنّه تبارز مع صاحب السموّ يومين متتاليين.
وللعلم، فإنَّ الاستنتاجات التي توصّل إليها من تلك المبارزة نُقلتْ إليَّ بالكامل. بدأتُ أشعر بالخوف ممّا سيحدث إذا تحوّلتُ حقًّا إلى فارسة.
“آه …”
في تلك اللحظة التي كنتُ فيها أتمشى في الممرّ وأتنهّد بعمق بسبب الواقع الصعب من نواحٍ عديدة-
“مرحبًا، ليليان!”
نادتني مجموعة من الخادمات يرتدين نفس ملابسي، من مكان غير بعيد.
‘شارلوت، ميليسا، دارلين …’
إنّها وجوه مألوفة.
علاقتنا ليست جيدة جدًّا، ولكنْ كنّا نتحدّث بشكل مُناسب أحيانًا أثناء العمل معًا، هل يمكن قول ذلك؟ في المرّة الأخيرة، أخبرتُهنَّ بنصيحة حول كيفيّة إزالة بقع الشحوم بسهولة.
‘أتساءل إنْ كانت مفيدة لهنَّ قليلًا.’
بينما كنتُ أُفكّر في ذلك، اقتربن الثلاثة منّي. ثمَّ بدأنَ يتبادلن النظرات والهمسات بينهنَّ.
“هل ستتحدّثين حقًّا؟”
“نعم، يجب أن تعرف هي أيضًا!”
“لكنْ قد تتأذّى دون داعٍ …”
“صمتُنا سيُؤذيها أكثر، أليس كذلك؟”
“هـ، هل هذا صحيح؟”
في حديث شارلوت الجريء، نظرتْ الاثنتان الباقيتان حولهما بتعبير غير مُتأكّد.
يبدو أنَّ لديهنَّ شيئًا يُردن قوله لي. وبالنظر إلى الأجواء، لا يبدو أنَّه خبر جيّد.
“لا بأس، أخبروني.”
ابتسمتُ وكأنَّ شيئًا لم يكن.
بناءً على التجربة، من الأفضل دائمًا الاستماع إلى مثل هذه الأحاديث. وإلّا سأظلُّ جاهلة وأبدو كحمقاء.
“في الحقيقة…”
فتحتْ شارلوت، الأكثر حماسًا، فمها بهدوء. وتابعتْ شرحها بشكل مُنظّم على غير المتوقّع، وأضافت الاثنتان الأخريان آراءهنَّ وأفكارهنَّ بين الحين والآخر.
وهكذا، بعد فترة وجيزة-
سألتُ أنا، التي استمعتُ إلى كلِّ القصّة: “إذًا، تقصدن أنَّ آيفي تنشر شائعات سيّئة عنّي؟”
“أجل-!”
أجبن الثلاثة في وقت واحد.
“تقول إنَّ ليليان غريبة الأطوار، وإنَّ لديها نوايا خبيثة بالتأكيد.”
“والأكثر من ذلك، تنشرها فقط بين أولئك الذين تعتقد أنَّها تستطيع السيطرة عليهم! يا للعار!”
“بالطبع، يبدو أنّهم يتجاهلون الأمر إلى حدٍّ كبير. خوفًا من أن تسيئي الفهم…”
أضفن الثلاثة حديثها بالتناوب. كانت طريقة تعبير كلِّ واحدة مختلفة، لكنَّ نيّتهنَّ كانت مُتشابهة تقريبًا.
خلاصة كلامهنَّ هي أنَّ آيفي تشعر بالغيرة منّي (؟) مُؤخّرًا، وتقوم بنشر الثرثرة عنّي بين الخادمات اللطيفات أو اللواتي التحقنَ بالعمل بعد فترة قصيرة منها.
‘لهذا السبب؟’
لذلك كانت ردود فعل بعض الفتيات غريبة في الأيّام القليلة الماضية.
كنتُ مشغولة جدًّا بالدوق الأكبر لدرجة أنني لم أُفكّر بعمق.
لم أكن أعرف أنَّ هناك مثل هذه القصص وراء الكواليس.
“على أيِّ حال، اعتقدنا أنّه من الأفضل لكِ أن تعرفي.”
أنهتْ شارلوت كلامها وتفقّدتْ وجهي. كانت قَلِقة من أنني قد أتأذّى، تمامًا كما قالتْ الفتيات الأخريات.
‘أنا بخير.’
بصراحة، لم يكن لديَّ أيُّ أفكار تُذكر.
لم يحدث أنْ لم أسمع ثرثرة عنّي في حياتي قطّ، وهي لم تُمارس أيَّ تنمّر مباشر حتّى الآن. علاوة على ذلك، كانت ثرثرة آيفي لطيفة مقارنة بما حدث في حياتي السابقة.
‘والأغرب من ذلك هؤلاء الفتيات.’
على الرغم من أنَّ علاقتهنّ ليست قوية بليليان، إلّا أنّهنَّ جئنَ للبحث عنّي وإخباري بالوضع. لقد كانتْ لفتة لطيفة غير مُتوقّعة حقًّا.
“شُكرًا لكنَّ جميعًا.”
عبّرتُ عن امتناني بصدق.
عندها، تبادلتْ الثلاثة النظرات وفتحنَ أفواههنَّ وكأنّهنَّ مُحرجات.
“ليس هناك ما يستدعي الشكر، إنّه أمر بسيط.”
“صحيح، بصراحة لم نتمكّن من مواجهتها أمامها، أليس كذلك؟”
“أنا أيضًا…”
أومأتْ دارلين، ذات القلب الرقيق، برأسها بوجه حزين.
عندها لوّحتُ بيدي على عجل.
“لا، عادةً ما يجب حلُّ مثل هذه الأمور بين الأطراف المعنيّة! يكفي أنكنَّ أخبرتنني.”
هذا رأيي الصادق.
سمعتُ أنَّ آيفي هي ابنة أخت رئيسة الخدم، أليس كذلك؟
من الصعب على الخادمات ذوات الخبرة القصيرة أن يواجهنَ شخصًا كهذا. خاصّة من أجل زميلة ليستْ مُقرّبة جدًّا منهنَّ.
‘من الغريب أنَّ الشخص الذي يرمي كلمات حادّة باستمرار ليس لديه الكثير من الاحتكاك المباشر.’
كان هناك سبب لكلِّ شيء.
الآن بعد أن ذكرنَ الأمر، تبدو عينيها مُتشابهتين قليلًا مع رئيسة الخدم، أليس كذلك؟ أم لا؟
“ليليان …”
بينما كنتُ أفكر في وجهي رئيسة الخدم وآيفي بهدوء، نظرن إليَّ الثلاثة بعيون مُشفقة.
أنا بخير حقًّا …
‘بصرف النظر عن أيِّ شيء آخر، يبدو أنَّ ليليان محظوظة ببعض الأشخاص الجيّدين.’
بهذا النوع من ردِّ الفعل، يبدو أنَّه لن تكون هناك مشكلة حتّى لو استمرّتْ آيفي في نشر الثرثرة.
وبما أنَّ الخادمات الأخريات يتجاهلنَ الأمر إلى حدٍّ كبير، فمن المحتمل أنَّ الشائعات حول ليليان ستهدأ قريبًا.
أرخيتُ كتفيَّ اللذين كانا مُتوترين دون وعي.
وفجأةً، خطرتْ لي فكرة جيّدة.
“آه، لكنْ هل لديكنَّ أيُّ فكرة-“
نظرتُ إلى الثلاثة وسألتُ بأكثر نبرة لطيفة ممكنة.
“أين آيفي الآن؟”
***
لقد كان من حظّ آيفي أن تعمل في قصر الدوق الأكبر فيليوم.
‘بالمناسبة، هناك نقصٌ قليل في الأيدي العاملة.’
منذ عام مضى، تلقتْ عرضًا خاصًّا في منزل خالتها الكبرى، التي زارتْها بحثًا عن عمل.
على الرغم من أنَّها التقتْ بخالتها لأوّل مرّة منذ طفولتها، إلّا أنَّ آيفي أومأتْ برأسها دون تردّد.
‘نعم، سأفعل ذلك!’
على أيِّ حال، كانتْ تعتبر نفسها عالة في المنزل بعد أن أفسدتْ خطبتين.
لذلك، كان العمل في قصر دوق، بطل الإمبراطوريّة الحربيّ، أفضل بكثير لمستقبلها.
‘وفيما بعد …’
ستحصل على منصب رئيسة الخدم في القصر، مثل خالتها الكبرى. حتمًا!
“أنهوا الغسيل هنا أولًا، والباقون يذهبون إلى المطبخ-“
العمل نفسه لم يكن صعبًا.
بالنسبة لها، التي كانتْ الابنة الكبرى لعائلة كبيرة وقد قامتْ بالأعمال المنزليّة منذ الطفولة، كان عمل الخادمة مجرّد تكرار لأفعال مألوفة. بل إنَّ بيئة العمل كانت أفضل ممّا كانت عليه عندما عملتْ في قصور أخرى في بعض الأحيان.
“أعمالكِ جيّدة.”
مع حصولها أخيرًا على اعتراف خالتها الكبرى الصامتة، وصلتْ ثقة آيفي إلى ذروتها. شعرتْ وكأنَّ مستقبلها كرئيسة خدم في قصر الدوق الأكبر كان مرئيًّا بالفعل.
وفي أحد الأيّام، بعد ما يقرب من عام على عملها في القصر-
“مرحبًا، اسمي ليليان.”
وصلتْ فتاة جديدة ذات وجه مُرتّب مثل السنجاب وكانتْ شديدة الخجل.
في الواقع، غادرَ نصف الأشخاص الذين انضمّوا كمتدربين بعدم قدرتهم على التكيّف مع الأجواء هنا، أو طُردوا.
ولهذا السبب لم تتذكّر آيفي مُعظم الوافدين الجدد.
لكنَّ الفتاة التي تُدعى ليليان كانتْ استثناءً، وكان السبب بسيطًا.
“يا إلهي، ليليان-!”
كانتْ فاشلة جدًّا في العمل.
كم كانتْ فاشلة؟ لقد بدتْ وكأنَّها لم تتعرّض للأعمال المنزليّة في حياتها قطّ. لدرجة أنَّ هناك رهانات بين الخدم حول: “متى ستترك ليليان العمل؟”
‘حسنًا، على الرغم من ذلك، يبدو أنّها تُواكب الأمور بوقاحة.’
بصرف النظر عن إتقانها للعمل، كان معظم الناس مُعجبين بليليان. لأنّها تظهر بهدوء وتُساعدهم، كما قيل.
‘همف! ما أهميّة ذلك.’
بالطبع، لم تكُن آيفي تُبالي كثيرًا.
فهي تحظى بثقة خالتها الكبرى، وليليان كانتْ مبتدئة انضمّت للتوّ. والأكثر من ذلك، كانتْ لا تُجيد العمل!
لكن بدأتْ ليليان تُزعجها قبل نحو شهر.
“بالمناسبة يا ليليان، مهاراتكِ في الغسيل تحسّنتْ كثيرًا، أليس كذلك؟”
التعليقات لهذا الفصل " 25"