نظرتُ إليه بسرعة ثمَّ أدرتُ بصري بعيدًا.
“هل كان التدريب جيّدًا؟”
“نعم، تبارزتُ بشكل متواصل بعد انقطاع طويل. بالطبع، لقد فزتُ في كلِّ النزالات!”
قالَ ذلك بوجه مُتحمّس جدًّا. ثمَّ همسَ في أذني: “بفضل ذلك، أصبحَ لديَّ المزيد لأُعلّمكِ إيّاه يا ليليان.”
هـ، هل هذا صحيح؟
لم أتمكّن من النطق بكلمة “شكرًا” على الإطلاق.
“أُف، حارّ جدًّا!”
بينما كنتُ أتجنّب الإجابة بحرج. ابتعدَ عنّي قليلًا وبدأ يُهوّي على نفسه بيده. عندها فقط لاحظتُ أنَّ وجهه مُغطّى بالعرق.
“هل الجوُّ حارّ جدًّا؟ لو كنتُ أعرف، لكنتُ أحضرتُ شيئًا إضافيًّا!”
“لا بأس، سأصبح منتعشًا بمجرّد أن أُلقي الماء على نفسي.”
هزَّ كتفيه وكأنَّ الأمر لا يهمُّه.
لكنَّ قلب مَن يرى الأمر لا يشعر بالراحة. قرّرتُ أن أبحث في السلّة التي أحملها تحسّبًا.
ولكنْ في تلك اللحظة-
“يا إلهي، ها هو أصغر فرساننا!”
وضعَ أحدهم ذراعه على كتفه من الخلف. بقوّة لدرجة أنَّ صوتًا مدوّيًا صدر من الاصطدام.
“أخ، ما هذا!”
دفعَ ياسين خصمه باشمئزاز. لكنَّه ظلَّ متمسّكًا به ويسحبه إليه.
“ألن تذهب للاستحمام؟ هاه؟”
“سأذهب حالًا! ما خطبك؟”
“ما خطبي؟ أنا آخذكَ معي لأنّكِ تُزعج الخادمة دون داعٍ.”
“أنا لم أُزعجها! أنا وليليان صديقان ‘من نفس العمر’!”
“أوه، أصغر فرساننا كوّنَ صديقًا؟ هذا أمرٌ عظيم، أليس كذلك؟”
سحبَ الفارس ياسين بمهارة وقامَ بالإيماء لي بعينيه.
لقد كان شخصًا التقيتُ به مرّات قليلة من قبل.
‘بالنسبة لي، لا أهتمُّ بذلك. فهناك وجه لا أُريد رؤيته حقًّا.’
كان هذا هو الأخ الأكبر لآنا، الذي ذكرته آنا عندما شرحتْ لي عن فرسان الدوق الأكبر في المرّة الماضية.
اسمه نويل.
‘كلّما نظرتُ إليه، زادَ الشبه بينهما.’
في البداية، تفاجأتُ لأنَّ الصورة التي يعطيها كانت مختلفة تمامًا، ولكنْ إذا نظرتُ عن كثب، فإنَّ ملامحهما وشخصيّتهما مُتشابهة. خاصّة هذا الجانب الحازم.
‘ماذا؟ هل أنا أُشبه هذا؟ لا تقولي شيئًا مريعًا كهذا، ليليان!’
‘لستُ “هذا”، بل أنا أخوكِ. على أيِّ حال، لِمَاذا شخصيّتكِ هكذا-‘
‘كفى، لا تتظاهر بمعرفتي!’
‘همف! لقد فعلتُ ذلك دائمًا وسأستمرُّ في فعله يا أختي الصغرى.’
على الرغم من أنّهما لم يرغبا في الاعتراف بذلك على الإطلاق.
كان ردُّ فعلهما شديدًا للغاية عندما اكتشفتُ علاقتهما بالصدفة مُؤخّرًا. لقد تشاجرا كثيرًا وطلبا من بعضهما البعض ألّا يتظاهرا بالمعرفة.
‘ولهذا السبب أشعر أنّهما أكثر شبهًا.’
هما الوحيدان اللذان لم يعرفا ذلك.
عندما تذكّرتُ الموقف الفوضويّ في ذلك اليوم، لم أتمكّن من منع نفسي من الضحك.
في تلك اللحظة-
“تبدين مُستمتعة؟”
أدرتُ رأسي بشكل انعكاسيّ عند سماع صوت مألوف.
كان هناك الدوق الأكبر، صاحب الصوت، ينظر إليَّ بتعبير مُستاء إلى حدٍّ ما.
“نعم؟”
مُستمتعة فجأةً؟ بماذا؟
رمشتُ بعيني وسألتُه في غير وعي. فأشارَ الدوق الأكبر بإصبعه إلى المكان الذي اختفى فيه ياسين ونويل.
“تبدين مُقرّبة جدًّا من هذا الشابّ.”
يبدو أنَّ “هذا الشابّ” يُقصد به ياسين.
لكنْ لم أستطع أن أعرف ما إذا كان كلام الدوق الأكبر مجرّد وصف للواقع، أم أنّه كان يسخر منّي.
بينما كنتُ أحاول استنتاج قصده، ابتسمَ الدوق الأكبر قليلًا وقال: “قد يعتقدُ البعض أنكما التقيْتما مجدّدًا بعد أحد عشر عامًا.”
آه، لقد كان يسخر منّي بالفعل.
عدّلتُ وقفتي بهدوء. لديَّ شعور بأنَّ الحديث سيطول.
‘ما الأمر؟ هل يكره أن أكون مقرّبة من ياسين؟ هل كان تابعًا عزيزًا عليه؟ لا، والأهمُّ من ذلك، لماذا بالذات 11 سنة؟ ألا يقولون عادة 10 سنوات؟’
لم أفهم الأمر من نواحٍ عديدة، لكنني قدّمتُ له الماء الذي أحضرتُه بهدوء. كان القصد منه أن يشرب الماء البارد ليُهدّئ من روعه.
“…”
حدّقَ بها الدوق الأكبر للحظة ثمَّ تجرّعها بسرعة. لابدَّ أنّه كان عطشانًا.
سحبتُ المنشفة على عجل وقدّمتُها له أيضًا.
فقبلها بيده الأخرى وقدّمَ لي زجاجة الماء التي شربَ نصفها.
‘هممم، يبدو أنّه هدأ قليلًا الآن.’
تحقّقتُ من حالته ووضعتُ الزجاجة في السلّة بهدوء. ثمَّ بدأتُ أُبرّر علاقتي بياسين.
“الأمر هو أنَّ ياسين أصغر منّي، لذا فهو مثل أخي الصغير. حسنًا، هو لطيفٌ وبريء جدًّا، لذا أشعرُ بميل أكبر نحوه …”
عصر-
الدوق الأكبر كَمَّشَ المنشفة البيضاء بقوّة بين يديه.
توقّفتُ عن الكلام دون قصد، فسألني بنبرة متمرّدة: “هل يعني أنَّ الأصغر سنًّا هو نوعكِ المُفضّل، ليلي؟”
يا لَها من مُصيبة-!
لوّحتُ بيدي بعنف في حالة من الذعر.
“بالتأكيد لا!”
على الرغم من أنَّ ياسين ضخم الجسد، إلّا أنَّه في الحقيقة أصغر من ليليان بعام واحد. وإذا حسبتُ الأمر بعمري الحقيقيّ، فإنَّ الفارق أكبر.
حتى لو كان يعتبر بالغًا بمعايير هذا العالم، فإنَّ عقليّة امرأة عاشت في القرن الحادي والعشرين لا يُمكن أن تتقبّل ذلك أبدًا.
عندما اعترضتُ بشدّة، استعادَ الدوق الأكبر وجهه الهادئ.
“حسنًا، ليلي ذوقها رفيع أكثر ممّا تبدو عليه.”
“أنا؟”
لِمَ هذا المديح في هذا التوقيت؟
لم أفهم السياق، فلوّيتُ رأسي كالعادة. فأجابَ الدوق الأكبر وكأنَّ الأمر بديهيّ: “أنتِ مُعجبة بي.”
إذًا فمن الطبيعيّ أن يكون ذوقي رفيعًا.
فقدتُ القدرة على الكلام للحظة. كانت نبرته وكأنّه يقول حقيقة واضحة وشاملة.
فقمتُ بالتمتمة بتعبير مُستاء لم أتمكّن من إخفائه: “كيف توصّلتَ إلى هذه النتيجة؟”
“أعتقد أنّه استنتاج منطقيّ ومعقول للغاية.”
“أين المنطقيّة في ذلك!”
لقد شعرتُ بالدهشة والاستغراب الشديدين. ولكنْ حتّى في خضمِّ هذا، ظلَّ الدوق الأكبر واثقًا واستمرَّ في دفعي.
“إذا لم يكن كذلك، فهل يعني أنَّ إعجابكِ بي كان كذبة من الأساس؟”
يا للعجب-
شعرتُ بالذنب قليلًا. أدركتُ الخطر، فقرّرتُ أن أُصحّح الوضع الحاليّ بسرعة.
“بـ ، بالطبع أنا مُغرمة بسموّك من طرف واحد! لكنَّ الأمر مختلف عن ذلك.”
“ما هو وجه الاختلاف؟”
“إنَّه، بشكل عامّ، هناك شعور ما …”
“ليلي، لماذا تُنكرين نفسكِ كثيرًا؟ هل الأصغر سنًّا هو نوعكِ المُفضّل حقًّا؟”
“قلتُ لا …”
ضغطتُ على أسناني وحاولتُ رفع زوايا فمي وأنا أُجيب.
لقد شعرتُ بذلك في المرّة الأخيرة أيضًا، لدى صاحب العمل موهبة في التحدّث بشكل مُزعج حقًّا.
راقَبني الدوق الأكبر للحظة، ثمَّ ابتعدَ قليلًا وهو يعقدُ ذراعيه.
“هممم-“
تلك النظرة مرّة أخرى.
إنّها النظرة التي تحاول الكشف عمّا إذا كانت كلمات الطرف الآخر حقيقة أم لا.
في البداية، كانت تلك النظرة مُرعبة لدرجة أنَّها كادت أن تخنقني. وحتّى الآن، أشعرُ بالرعب في كلِّ مرّة أُواجهها.
‘لكنْ أنا أيضًا أعتاد على الأمر!’
فتحتُ عينيَّ على مصراعيهما وواجهتُه. انعكسَ وجه ليليان في عينيه القرمزيتين الواضحتين.
كم مرَّ من الوقت؟
“يا صاحب السموّ، هناك أوراق عاجلة تحتاج إلى المراجعة الفوريّة-“
اقتربَ المساعد ديلان بخطوات سريعة. ثمَّ نظرَ إلينا بالتناوب وسأل: “… ما الذي تفعلانه؟”
أدرنا رأسَيْنا في نفس الوقت، أنا والدوق الأكبر، الذي كان يُحدّق في الآخر. كانت تلك هي اللحظة التي انتهتْ فيها هذه الحرب النفسيّة السخيفة.
‘لحسن الحظّ، لقد كانت عيني تؤلمني!’
كانت هذه هي المرّة الأولى التي أشعر فيها بالسعادة لوصول ديلان.
وفي تلك الأثناء، مرَّرَ الدوق الأكبر يده بخفّة على شعره وسأل: “أيُّ أوراق؟”
“آه، إنّها تتعلّق بحدث التبرّع الذي اقترحته العائلة الإمبراطوريّة مُؤخّرًا-“
اتّبعَ الدوق الأكبر كلام مساعده وتوجّه إلى المكتب لمعالجة الأوراق العاجلة. وبطبيعة الحال، فعلتُ أنا أيضًا كخادمته الخاصّة الشيء نفسه.
تك-تك-
أبطأ ديلان خطاه وهو يسير خلف الدوق الأكبر وهمسَ لي: “ما الأمر يا آنسة ليليان.”
“لا أدري. ما الذي يمكن أن يكون الأمر …”
أجبتُ على سؤاله بصوت خالٍ من الروح.
بصراحة، كنتُ أنا نفسي أرغب في السؤال.
‘لماذا يتصرّف الدوق الأكبر هكذا؟’
هززتُ رأسي تجاه تصرّفه غير المفهوم على الإطلاق. وبما أنَّ ديلان شعرَ بالقلق، فقد ألقى عليَّ كلمات مواساة خفيفة.
“لا تقلقي كثيرًا. هو يتصرّف هكذا أحيانًا.”
بدا ديلان مُعتادًا على هذا الموقف وهو يقول ذلك. حسنًا، إنّه شخص لديه سجلّ في طرد الناس لأنَّ أنفاسهم كانت مُزعجة له.
سألتُه على أمل: “هل … هل تعرف لِمَ يتصرّف هكذا أحيانًا؟”
“لا أعرف ذلك.”
حسنًا، شكرًا لك على إجابتك الصادقة.
أدرتُ بصري وتنهدتُ سرًّا. لأنَّ تعليق ديلان اللاحق بأنَّ “الأمر يجب أن يُؤخذ على علّاته” لم يكن مُفيدًا على الإطلاق.
التعليقات لهذا الفصل " 24"