“شاب أصغر سنًا نقيّ و مُندفع. يبدو مناسبًا لكِ، صحيح ليليان؟”
حتى أنَّ آنا شاركتْ في الحديث.
آه يا إلهي، لن أحتمل! نظرتُ إلى الوجوه المليئة بالمرح واحدة تلو الأخرى، ثمّ أسرعتُ بسدِّ فم آنا التي كانت بجانبي.
في تلك اللحظة بالذات-
“يا له من إزعاج، حقًّا-!!”
صدحَ صوت آيفي الحادِّ بقوّة في أنحاء المطبخ. ثمَّ نهضتْ من مكانها وصرختْ وهي تتنهّد بغضب: “ألن يعمل أيٌّ منكم؟ إلى متى ستبقون تتحدّثون بمثل هذا الهراء!”
هدأتْ أجواء المطبخ فجأةً.
نظرَ الجميع إلى آيفي بعيون تتساءل عن سبب تصرّفها هكذا، لكنّها لم تُبالِ وعادتْ لتجلس في مكانها وحسب.
“مناسبٌ ماذا… وما الذي يناسب فيه حقًّا…”
تمتمتْ آيفي بصوت عصبيّ.
لقد كانتْ همهمةً لا يسمعها الآخرون، ولكنّني سمعتُها بوضوح.
أحيانًا كانتْ أذن ليليان الحسّاسة تسمع أشياء لا ينبغي لها أن تسمعها.
‘لقد كنتُ مجرّد مصدر إزعاج لها.’
شعرتُ بالأسف للآخرين الذين اضطرّوا لمشاركة آيفي في تذمّرها بسببي.
“حسنًا، حسنًا، هل انتهيتُم تقريبًا من تحضير المكوّنات؟”
عادَ رئيسُ الطهاة في الوقت المناسب، ممّا أدّى إلى هدأة مؤقّتة في الجوِّ المتوتّر.
ومع ذلك، شعرتُ بالخجل، فغادرتُ المطبخ في نهاية المطاف.
“ليليان!”
ظهرَ ياسين أمامي وهو يُلوّح بشعره الأحمر وكأنّه كان ينتظرني.
‘آه يا إلهي …’
نظرتُ إلى هذا الشابِّ الذي كان أصغر من ليليان، ومع ذلك كان أطول منها بذراع كاملة. ثمَّ بدأتُ أسير حيث تأخذني قدماي.
فتبعني وكأنَّ الأمر طبيعيٌّ بالنسبة له.
“ياسين.”
“نعم؟”
“إلى متى ستستمرُّ في ملاحقتي بالضبط؟”
“حتى تتعلّمي المبارزة، ليليان!”
يا له من وقِح.
نظرتُ إليه بتعبيرٍ مستاء. لكنَّ عيني ياسين ظلّتا تلمعان ببراعة رغم ذلك.
بينما كنتُ أُفكّر في كيفيّة التخلّص منه-
“آه، إنّه الدوق الأكبر!”
فجأةً، أشارَ خلفي.
عندما أدرتُ رأسي بشكل انعكاسيّ، رأيتُ الدوق الأكبر، مرتديًا ملابس أنيقة بشكل خاصّ اليوم. يبدو أنَّ ذهابه إلى القصر الإمبراطوريّ كان حقيقيًّا.
‘عليّ أن أذهب الآن.’
لكنْ، يجب أن أتخلّص من هذا الشابّ أولًا.
سحبتُ ذراع ياسين الذي كان واقفًا بوجهٍ مُشرق. وبينما كنتُ أحاولُ الابتعاد بهدوء.
“…”
التقيتْ عينيَّ بعيني الدوق الأكبر.
على الرغم من المسافة البعيدة، كان الدوق الأكبر يُحدّق في هذا الاتجاه بالتحديد. يبدو أنّه سمع صوت ياسين.
‘أذناه حساستان جدًّا، على أيّ حال.’
انحنيتُ بسرعة لأُحيّيه. كنتُ أنوي الانتظار حتى يرحل الدوق الأكبر.
‘هل مرَّ الآن؟’
رفعتُ نظري ببطء لأرى.
لكنْ، شعرتُ وكأنَّ الدوق الأكبر أصبحَ أقرب. لا، لقد أصبحَ أقرب بالفعل.
فالدوق الأكبر الذي كان من المفترض أن يكون قد غادر، كان يسير نحونا بخطوات واسعة فجأة!
“أوه؟ إنّه قادمٌ إلى هنا؟”
أعلم ذلك!
نظرتُ إلى ياسين الواقف حائرًا دون أن يُفكّر في شيء، وتخيّلتُ ما سيحدث لاحقًا.
‘ما الأمر، ياسين؟’
‘أُريد تعليم ليليان المبارزة! لقد رأيتُها في المرّة الماضية وهي تتجنّب قطعة السيف الخشبيّ التي تطير نحو مؤخّرة رأسها بضربة واحدة-‘
لا، لااااا!
بمجرد أن خطرتْ لي أسوأ الفرضيّات المُحتملة، أمسكتُ بياسين على عجل.
“سأفعل ذلك! لنفعله!”
“هممم؟”
نظرَ ياسين إليَّ بعينين مُندهشتين.
هل كان كلامي مُفاجئًا جدًّا؟ بينما كنتُ على وشك إضافة المزيد من الشرح على عجل-
“ماذا تفعلان؟”
لقد أتى الدوق الأكبر …
“يا صاحب السموّ!”
حيّاه ياسين الذي كان بجانبي بوجه سعيد. لقد كانت تحيّة تشعر بالصداقة أكثر من كونها رسميّة.
لكنَّ هدف الدوق الأكبر كان شيئًا آخر.
“ما الذي تنويان فعله بالضبط؟”
“آه، هذا-“
عندما كرّرَ سؤاله، فتحَ ياسين فمه. وقبل أن يتمكّن من الإجابة، صرختُ على الفور: “صـ ، صديقان! صديقان مقرّبان من نفس العمر!”
سادَ صمتٌ وجيزٌ للحظة.
رفعَ الدوق الأكبر حاجبًا واحدًا بصمت. ولوّى ياسين رأسه، وهو لا يفهم ما يجري.
ثمَّ، آه.
انبعثَتْ شهقة خفيفة من ياسين، وكأنّه أدركَ شيئًا ما.
“حسنًا، لنبدأ بالصداقة أولًا!”
‘قد يكون تغيير العلاقة فجأةً مُرهقًا لليليان، أو ربّما غير مُناسب لها، على أيّ حال.’
قالَ ذلك وهو يُومئ برأسه، مُفسّرًا كلامي بطريقته الخاصّة.
يبدو أنّه اعتقدَ أنّني شعرتُ بالإرهاق من فكرة أنْ أُصبح تلميذته فجأةً.
‘لم يكن هذا قصدي، لكنْ شكرًا لك على أيّ حال!’
وفي هذه اللحظة التي تجاوزتُ فيها مأزقًا-
تمتمَ الدوق الأكبر وهو يراقب الموقف بصمت وقد عَقَدَ ذراعيه: “من نفس العمر، صديقان؟”
ثمَّ نظرَ إليّ وإلى ياسين بالتناوب.
مسحَتْ نظرة الدوق الأكبر الحادّة وجهي ببطء.
وكلُّ ما استطعتُ فعله هو أن أبتسم بابتسامة مُحرجة.
“نعم، صديقان!”
أجابَ ياسين بسعادة رغم ضخامة جسده.
عندها، أطبقَ الدوق الأكبر فمه وكأنَّ شيئًا ما لم يرقْ له.
لكنّه غادر فجأةً دون أن يقول المزيد.
‘هاه …’
تمكّنتُ من استعادة أنفاسي بالكاد بعد أن اختفى ظلُّ الدوق الأكبر تمامًا. كدتُ أن أتسبّب في ورطة حقيقيّة!
“ولكنْ يا ليليان.”
بينما كنتُ أشعر بالارتياح، تكلّم ياسين بوجهٍ جادٍّ إلى حدٍّ ما.
يبدو أنّه شعرَ بشيء غريب في تصرّفي.
‘في الواقع، تصرّفي كان مُريبًا بما يكفي ليثير الشكوك.’
كنتُ مشوّشة جدًّا بسبب ظهور الدوق الأكبر لدرجة أنني تصرّفتُ بتهوّرٍ مبالغ فيه.
تجرّعتُ ريقي دون وعي.
إنّه شابٌّ لطيف أكثر ممّا يبدو عليه، لذا إذا شرحتُ له الأمر-!
“ماذا يعني “نفس العمر”؟ إنّها المرّة الأولى التي أسمع فيها هذه الكلمة. هل هي كلمة جيّدة؟”
… هل هذا هو الشيء المهمّ الآن؟
لم يسعني إلّا أن أضحك ضحكة خالية من المعنى على سؤال هذا الأجنبيّ الساذج.
****
في تلك الليلة-
بعد الانتهاء من عملي، توجّهتُ بهدوء إلى الملحق الشرقيّ.
و بشكل أدقّ، إلى المكان الذي كان ياسين يستخدمه للتدريب الشخصيّ، والواقع على بُعدٍ قليل منه.
‘تدريب شخصيّ في الليل عندما يذهب الجميع للراحة…’
هذا عمل إضافيّ لم يكن له مثيل.
وها أنا أعمله دون أجر إضافيّ أيضًا.
‘آه، يا ليتَ قوّتي البدنيّة جيّدة!’
لو كان جسدي الأصليّ، لكنتُ قد استسلمتُ منذ فترة طويلة.
لكنْ ماذا عساي أن أفعل. لا بدَّ من الوفاء بالوعد. خاصّة وأنَّ لديه نقطة ضعف يُمكن أن يبتزّني بها.
‘سواء عرفتَ أم لا، أنا خادمة الدوق الأكبر الخاصّة. لا يُمكنني ترك العمل بسهولة، ولا أريد ذلك.’
‘…? لم أكن أعرف.’
بعد أن شرحتُ له معنى كلمة “نفس العمر”-
شرحتُ لياسين بإيجاز وضع ليليان الحاليّ. واستمعَ ياسين لكلامي بتركيزٍ على نحو غير مُتوقَّع.
‘على أيّ حال! المشكلة هي أنَّ انتشار إشاعات غريبة سيُسبّب لي المتاعب. ولهذا السبب تظاهرتُ بأنّنا صديقان.’
‘إذًا، إذا لم تنتشر إشاعات، هل ستتعلّمين المبارزة منّي؟’
‘… إذا حافظتَ على السّرّ.’
‘حسنًا!’
جاءت الموافقة منه على الفور.
يبدو أنَّه لا يهتمُّ بأيّ شيء آخر طالما أنّه يستطيع تكوين تلميذ.
شدّدتُ عليه مرارًا وتكرارًا أنَّ الأمر سرّيّ، حتّى على الدوق الأكبر. وأضفتُ عذرًا بأنَّ مسائل تغيير العمل حسّاسة، ولا ينبغي لصاحب العمل أن يعرف بها. فأومأ برأسه بطاعة.
لكنَّ المشكلة ظهرت في مكان آخر.
‘التدريب سيكون حوالي 3 أيّام في الأسبوع-‘
‘ماذا؟ هذا قليل جدًّا!’
عبسَ ياسين بغضب.
كان تعبيره قاسياً جدًّا لدرجة أنني ارتجفتُ دون قصد.
لكنّني تظاهرتُ بالهدوء ورفضتُ التراجع عن قراري.
‘كم هي شاقّة حياة الخادمة اليوميّة! لو كانت الأمور كما كانت في السابق، لما تمكّنتُ من التدريب إلّا يومًا واحدًا في الأسبوع!’
في النهاية، كان ياسين هو من استسلم أولًا.
‘إذًا، عديني ألّا تهربي أثناء التدريب.’
يا إلهي، إلى أيِّ مدى ينوي أن يُرهقني …
كنتُ قلقة جدًّا لكنّني وافقتُ على أيّ حال.
إذا أصبحتُ مُرهقة جدًّا، فسأضطرُّ إلى الاستسلام وأقول إنّني لا أستطيع الاستمرار. ماذا سيفعل حيال ذلك؟ وظيفتي الأصليّة ليست فارسة على أيّ حال.
وبينما كنتُ أتذمّر في داخلي، ظهرَ فجأةً موضوع تذمّري-
التعليقات لهذا الفصل " 22"