صحيح أن عددهم كان قليلاً، لكن ما حدث في الحدود الغربية كان حربًا حقيقية.
وبما أنهم عادوا منتصرين، فقد تركوا شوتزن التي ستصدح فيها أبواق الترحيب، وتوجهوا نحو إقليم إيفلين.
وذلك بسبب غنيمة غير متوقعة حصلوا عليها من الجبهة الغربية.
“إذاً هذا الشخص هو اليد اليمنى للمدبر الرئيسي؟”
“نعم، صحيح.”
كارسيون، الذي كان يحدق بصمت في الرجل الراكع أمامه بمظهر بائس، انحنى قليلًا ليصبح في مستوى عينيه.
“هَه، هاك.”
لم يتبادلا سوى نظرة واحدة، لكن الرجل بدأ يرتجف من شدة الخوف.
نائب قائد فرسان التوتين ، ديريك، أضاف شرحًا إضافيًا.
“من موّل الحرب شخص من إمبراطورية أرنوفل. هذا الرجل هو من تواصل معه مباشرة.”
“وأين ذلك الشخص؟”
سؤال كارسيون وُجِّه إلى المذنب.
حين التقت عيناه الزرقاوان الداكنتان بعيني الرجل، بدأ الأخير يرتجف كأن صقيعًا قد تسلل إلى عظامه.
فمن النظر الى كارسيون، لم تَبْدُ عليه أي نية لمنحه الرحمة.
وإذا تجرأ هذا المذنب على قول كلمة خاطئة، فقد يلقى مصيرًا أسوأ من الموت.
لقد شعر غريزيًا بأنه يقف على مفترق طرق. ولو لم يتمالك نفسه، لتبول على نفسه من الخوف.
أما ديريك، الذي كان يراقب المشهد من جانبه، فقد بدا عليه الارتباك.
حقًا، هذا الرجل مخيف للغاية….
كان يعلم هذا مسبقًا، لكن الفارق بين حالاته صادم جدًا.
فقد كان قبل قليل كالحَمَل وهو مع الآنسة رينيه إيفلين، أما الآن فلا يمكن تمييزه عن الأشرار.
بصراحة، يمكن للمرء أن يشك بأنه يملك شخصية مزدوجة.
“ذا، ذلك، ذلك الشخص… هااااا!”
وبينما كان ديريك غارقًا في أفكاره، انطلقت صيحة خائفة من الرجل.
ويبدو أن كارسيون قد بدأ يُشهر تهديداته بجدية. فقد أمسك بذقن الرجل بنظرة ظاهرها الحنان، وجعله ينظر إليه مباشرة.
يا له من أمير وحشي.
مواجهة نظراته الزرقاء الباردة كالجليد كان كافيًا لإصابة أي شخص بالشلل.
والرجل، رغم أنه لم يُقيد، لم يستطع الحراك. مع أن الشيء الوحيد الممسوك فيه هو ذقنه.
“أنا لست صبورًا كثيرًا.”
لا، في الواقع، حسبما يعرف ديريك، لم يرَ أحدًا أكثر صبرًا من كارسيون.
حب من طرف واحد دام خمس سنوات، بل لعلّه أطول بما أنهما أصدقاء طفولة….
“من الذي تواصلتَ معه؟”
“أ-أ-أنا لست متأكدًا…..”
“لست متأكدًا؟”
أمال كارسيون رأسه إلى الجانب بازدراء، لكن الرجل سارع بإضافة ما تبقى من كلامه.
“أعتقد أنه تابعٌ لولي العهد أوستين. لست متأكدًا تمامًا. كنت أتنصت وسمعت اسمه فقط…..”
“أنت لا تكذب، أليس كذلك؟”
أفلت كارسيون ذقن الرجل ونهض واقفًا.
نظر إلى ديريك، الذي أومأ برأسه وأخرج شيئًا من معطفه وناوله إياه.
“هذا ما كان بحوزة هذا الرجل.”
“……!”
اهتزت عينا كارسيون الزرقاوان للحظة، ثم هدأت إلى عمق مرعب.
“إنها شارة ولي العهد أوستين، لا شك في ذلك.”
يُمنح أفراد العائلة المالكة هذه الشارة للمقرّبين منهم لتمكينهم من الدخول والخروج من القصر بحرية.
وحيازة هذا الرجل لها تعني أنه مقرّب جدًّا من أوستين.
بدأت أسماء مشبوهة تمرّ في ذهن كارسيون.
“كيف حصلت على هذه؟”
استدار كارسيون نحو الرجل الراكع المرتجف على الأرض وسأله.
ولم يكن الرجل غبيًا. فقد عرف أن في مثل هذا الموقف، من الأفضل أن يكون لسانه خفيفًا ليأمل بالعفو.
“س-س-سرقتها.”
“سرقتها؟”
“كنت أخشى أن يتنصل لاحقًا ويقطع عنّا التمويل…. لم يكن أمامنا خيار بعد أن بدأنا الحرب….”
“آه، إذًا كنت تنوي ابتزازه للاستمرار في تمويلكم؟”
ضحك كارسيون ضحكة ساخرة وكأنه لا يصدق.
فوق العدو هناك من يطير، وفوق الذي يطير هناك من يهدده بالمقص ليقطع جناحيه. (باختصار مهما كنت تعتقد نفسك عاليا ولا يمكن الوصول إليك، هناك من هو أعلى منك)
إنه عالم لا يمكن الوثوق به أبدًا.
“ذكيّ.”
حسنًا. من جهة كارسيون، كان هذا أمرًا جيدًا.
وكما قال ديريك، كانت غنيمة غير متوقعة.
أشار كارسيون بذقنه إلى الرجل وأصدر أمرًا مقتضبًا.
“احبسوه في غرفة فارغة وراقبوه على مدار الساعة.”
***
عدتُ إلى الملحق وأنا أنوي التركيز على البحث، لكنني لم أستطع.
“همم… لا بد أن الأمور على ما يرام، أليس كذلك؟”
أجواء فرسان التوتين العائدين كانت مشحونة للغاية.
بل إن هناك أشخاصًا داخل أقفاص حديدية، بدَوا كعبيدٍ أسرى.
<لدينا غنائم نقدّمها لسموّك.>
<……؟>
<هذا الرجل.>
وأشار ديريك إلى أحدهم.
وسرعان ما جاء بعض الفرسان بعربة فيها رجل يبدو في حال مزرية.
ويبدو أنه لم يتلقَ أي علاج لجروحه حتى الآن. كان مشهدًا لم أره من قبل، وصعقني بشدة.
معاملة الناس وكأنهم حيوانات…
<رينيه، ادخلي إلى الداخل.>
رأى كارسيون تعابير وجهي، فأسرع بإدخالي.
وأشار للفرسان، الذين اصطحبوني إلى الملحق بأدب.
وبصراحة، لم أشعر أني أنتمي لهذا المكان، فمشيت بخطًى بطيئة.
لكن صورة الرجل داخل القفص لم تخرج من رأسي.
كارسيون يعيش في عالم لا أعرفه.
“هاه…”
ظلّ التنهد يلازمني.
هل سيأخذون ذلك العبد الآن إلى شوتزن؟
هل سيتلقى كارسيون التكريم على هزيمته لهاديس بالإضافة إلى إنجازات فرسان التوتين؟
بينما كنت أحاول ترتيب أفكاري المعقدة على طريقتي، سمعت صوت طرق خفيف على الباب.
كنت أحتكر المختبر لوحدي، فرفعت رأسي.
ربما عادت ايديرا أو جايل أو بينجين، الذين غادروا لأخذ استراحة.
طقطقة.
لكن الشخص الذي ظهر بين فتحة الباب المفتوحة بحذر خالف توقعي.
“رينيه.”
دخل كارسيون وهو يراقب ملامح وجهي. ربما لأنه تركني وأنا في حالة صدمة كبيرة في المرة الأخيرة.
وقفت مترددة من مكاني لأستقبله.
“آه، كارسيون. هل سارت الأمور على ما يرام؟”
لم أكن أدرك أنني أسأل عما إذا كان قد “حلّ” ما كان عليه، فقط سألت هكذا.
لا أعلم…
أن أستفسر عن مصير الأسير بتفصيل دقيق بدا قاسيًا نوعًا ما….
كنت قلقة من أنه قد يكون ارتكب أمرًا فظيعًا.
أخفيت ارتباكي قدر المستطاع وراقبت كارسيون من رأسه حتى قدميه.
هل تلطخت ملابسه بالدم؟ هل هناك أي تجعد يدل على عنف؟
لحسن الحظ، لم يكن هناك شيء من هذا القبيل.
“نعم، تم حل كل شيء.”
جاء رده مفاجئًا. رغم أنني من سألت، لم أفهم إجابته.
ما الذي تم حله بالضبط؟
وبينما رمشت مرتين بحيرة، اقترب كارسيون مني بخطواته.
كانت على وجهه ابتسامة لطيفة.
“لقد ارتعبتِ كثيرًا في وقت سابق، أليس كذلك؟”
“لا، لم يكن الأمر بذلك السوء. أنا بخير.”
أجبت بطريقة عشوائية دون أن أشعر. ربما ظن أنني أعني العكس، لأنه نظر إليّ بنظرة قلقة.
“لم تتأثري جسديًا، صحيح؟”
“على من تظن نفسك تتحدث؟”
“لكنني رأيتك تنهارين من الألم ثلاث مرات، فلا يمكنني إلا أن أقلق.”
“ذلك بسبب ختم الذكريات. ولماذا تقول إنها ثلاث مرات؟”
“عندما جئتِ معنا في فريق الجمع ورأيتِ صورة طفولتنا، وفقدتِ الوعي في يوم تأسيس المملكة على السطح، ومنذ شهر تقيأتِ دمًا….”
“آه…”
صحيح. على ظهر ليونيل.
لقد استعدت مؤخرًا ذكريات حماية ليونيل لي من هاديس، وكان ذلك صادمًا لدرجة أنني نسيت الأمر.
في آخر يوم من مهرجان التأسيس…
بعد أن تبادلنا القبلة، عادت لي بعض الذكريات وفقدت الوعي من شدة الصدمة.
فجأة أصبحت مدركة تمامًا لشفتيّ كارسيون.
دون أن أشعر، نظرت إلى شفتيه، ثم بسرعة أدرت رأسي إلى الجانب.
“أنت تعاملني وكأنني ضعيفة جدًا. أنا بصحة جيدة تمامًا، ولن أنهار لمجرد أنني رأيت شيئًا.”
“هممم.”
كان من الواضح أنه يضحك بصمت من إجابته القصيرة.
نظرت إليه مجددًا وضيقّت عينيّ.
“أنا منزعجة.”
“من ماذا؟”
“توقف عن الضحك.”
“حسنًا.”
كان يجيب بشكل مهذب، لكن شفتيه كانت ممدودة حتى أذنيه.
ثم رفع كلتا يديه بلطف ليضعهما على وجنتيّ.
وفجأة، ضغط عليهما بقوة، مما جعل شفتيّ تخرج للأمام مثل منقار فرخ صغير.
“كارسيون!”
“دعينا نؤجل ذهابنا إلى شوتزن قليلاً.”
“هاه؟ فجأة؟”
كيف يمكنه أن يغير رأيه كمن يقلب كفّ يده؟ هذا يتطلب تفسيرًا.
قبلة خفيفة-
“……؟!”
لكن فجأة شعرت بشيء ناعم ولطيف يلامس شفتيّ ثم يبتعد، وجعل رأسي يتوقف عن التفكير تمامًا. أمام عينيّ كان كارسيون يبتسم بثقة.
قبلة خفيفة أخرى.
مرة أخرى، طبع على شفتيّ قبلة خفيفة. هذه المرة، شعرت بوضوح بما حدث، وتصاعدت الحرارة إلى وجنتيّ.
والأكثر إحراجًا، أنه ما زال يضغط على وجنتيّ بكلتا يديه.
بـ… بوجهي هكذا… قبلة…؟!
“دعني!”
هززت رأسي بقوة، فتراجع كارسيون بأسف لكنه تركني.
“لماذا؟ لقد أعجبتني.”
“شكلي كان بشعًا!”
“لا، بل كنتِ لطيفة.”
“……!”
لا تقل شيئًا كهذا بتلك الجدية!
لا شك أن وجهي الآن يبدو كطماطم على وشك الانفجار.
لكن كارسيون مد إصبعه السبابة ولمس خديّ.
“أنت حمراء جدًا. رينيه، أنتِ لطيفة للغاية.”
“تـ… توقف عن ذلك!”
كنت سأطرح عليه سؤالًا، لكنني نسيت تمامًا ما كان.
والأهم من كل ذلك… متى أصبح ماكرا هكذا؟
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 92"