كم من الكحول شرب بالضبط؟ هل هذا ما يُسمّى بالصداع الناتج عن الثمالة؟
ليونيل، الذي لم يسبق له أن شرب بهذه الكمية في حياته، استقبل الصباح بصداع عنيف.
كان يتكور ويمسك بشعره، ثم فجأة تساءل: لماذا هو على هذه الحال أصلًا؟
“يمكنني طرد السموم بالسحر.”
يا له من أحمق.
لا بد أن تأثير الكحول لم يزل بعد.
بعد أن عانى من ألم نابض لفترة طويلة، تمكن ليونيل أخيرًا من تركيز ذهنه وتحريك المانا.
فووووو…
خرج نور ساطع من راحة يده.
وضع ليونيل يده على رأسه ليهدئ الألم، ثم جمع الكحول المتدفق في جسده وأفرغه خارجه.
“الآن فقط أشعر أنني عدت للحياة.”
استعاد وعيه، وجلس جامدًا على السرير وهو يتلفت حوله.
متى عاد إلى المنزل؟
كان يتمايل وهو مخمور مع أولاند، ويشرب من الزجاجات، ويتجول هنا وهناك، ثم حين بدأت الألعاب النارية ذهب معه إلى المكان المثالي الذي أخبره عنه جيف وبيلا… وهناك شرب مجددًا.
“تبا.”
هل ذهب إلى ذلك التل الجميل مع أولاند؟
هل شربا معًا تحت شجرة الدلب المتمايلة خلال مهرجان الألعاب النارية…؟
“آه، على وجه الأرض!”
صرخ ليونيل غاضبًا، وبدأ بضرب الوسادة بعنف عدة مرات.
لم يكن يتذكر شيئًا بعد الألعاب النارية. يبدو أنه أغمي عليه من شدة السكر.
وإن كان الأمر كذلك، فلا بد أن أولاند هو من أعاده إلى المنزل…
مجرد تخيل أنه حُمِل على ظهر أولاند أثار غضبه وجرح كبرياءه.
“منذ زمن وهو يشرب كوحش.”
من الغريب كيف لا يزال حيًا بالرغم من كل هذا الشرب.
نهض ليونيل من السرير. لحسن الحظ، كان اليوم عطلة نهاية الأسبوع.
فكّر أن يُعد كوبًا من الشاي الدافئ ثم يوقظ لينا… لكن حينها، اجتاح قلبه شعور غريب لا يمكن تجاهله.
“… لينا؟”
خرج من غرفته بحذر.
“أنتِ في المنزل، صحيح؟”
طرق بابها. كان الصمت يخيّم.
لم يكن هناك أي صوت يدل على وجود أحد بالداخل.
لا تقل إنها لم تعد للمنزل البارحة؟
شعور بارد اجتاح جسده بالكامل.
فجأة، فتح الباب بقوة، فاستقبلته غرفة نوم نظيفة ومرتبة.
لم تكن هناك أي علامة تدل على أن أحدًا نام فيها.
“هل… باتت خارج المنزل…؟ مع كارسيون؟”
شعر بدوار من الصدمة.
أمسك بالحائط ليمنع نفسه من السقوط.
ثم سمع صوت باب المدخل يُفتح.
لابد أن أولاند نسي أن يقفله.
“لينا؟”
ركض ليونيل نحو غرفة المعيشة.
ثم…
“ما هذا؟ لماذا تدخلان معًا؟”
كان كارسيون بجانب لينا.
نظرة ليونيل أصبحت حادة تلقائيًا، لكنها ما لبثت أن تبددت.
“ليونيل.”
نادته بصوت منخفض وهي تتقدم نحوه.
شعر ليونيل بإحساس سيئ حين رأى ملامحها، ونظر إلى وجهي كارسيون ولينا بالتناوب.
والآن بعدما رأى الأمر بوضوح، حتى وجه كارسيون بدا متيبسًا.
بالطبع، هذا الوغد كان دائمًا ما ينظر إليه وكأنه يمضغ شيئًا فاسدًا منذ الطفولة.
لكن هذه المرة… كان هناك شيء مختلف.
“ما الأمر، لينا؟ لماذا هذه الأجواء الجادة؟”
“استعدت جزءًا من ذاكرتي.”
“…..!”
حبس أنفاسه في تلك اللحظة.
لكنه سرعان ما تذكّر أن ذلك غير ممكن، فحاول أن يبتسم.
لقد ختم تلك الذكريات بإحكام شديد.
لإعادة فتحها، كان لا بد من اجتماع صدفة وجهد هائل.
لكن ماذا لو… استرجعتها فعلًا؟
لم يرَ أي كذب في عينيها الخضراوين الصادقتين.
لذا، كان عليه التأكد من أهم شيء.
“حقًا؟ هل تذكّرتِ أنكِ سقطتِ من الشجرة؟”
“…. لا، ليس ذلك، لكنني تذكرت شيئًا آخر.”
اهتزت للحظة، لكنها سرعان ما تماسكت ونظرت إليه بعينين حازمتين.
“كنتُ رينيه إيفلين. لماذا كذبت علي؟”
خرج صوتها مرتجفًا.
كانت بالكاد تتمالك نفسها، وعيناها الصافيتان، التي طالما نظرت إليه ببراءة، امتلأتا بالخيانة.
“آه…”
تبًا.
لم يعرف ماذا يقول.
فرغ رأسه تمامًا، وبدأ يتمتم بكلمات غير مترابطة.
“كذبتُ؟ لا، لا أفهم ما الذي تتحدثين عنه بالضبط، لكن إن شرحتِ لي ما الذي تتذكرينه….”
“لا تحاول خداعي مجددًا!”
“….!”
صرخت بصوت حاد، فكأن سهمًا اخترق قلبه.
لكن كلمات رينيه، التي باتت محمّلة بالأشواك، بدت وكأنها تجرحها هي أيضًا.
رينيه.
نعم، رينيه إيفلين.
لقد خدعتها.
لكن ماذا كان عليه أن يفعل؟
“لماذا كذبتَ علي؟ هل أنت من ختم ذاكرتي أيضًا؟ هل هذا صحيح؟”
لم تعد تسيطر على مشاعرها، فبدأت تنهال عليه بالكلمات.
جسدها كله كان يرتجف بعنف ظاهر للعين المجردة.
“ليس الأمر كذلك. قلتُ لكِ… أنكِ سقطتِ من الشجرة…”
“لمَ لا تكف عن هذا؟”
الجملة الأخيرة خرجت من كارسـيون.
كان يستمع إلى حديث الاثنين من مسافة خطوة واحدة حتى الآن، ثم تقدم خطوة إلى الأمام.
كان هناك توتر قاتم يتسلل في الجو.
ليونيل أدرك بشكل غريزي أنه إذا استفزه الآن، فلن يخرج من هنا سالماً حتى بعظامه.
من كان ضعيفاً ونحيلاً ذات يوم أصبح الآن قاتل تنانين. ليونيل، الذي شهد ذلك التحول عن قرب، كان يعرف جيداً مدى خطورة كارسـيون ومدى عناده القاتل.
كم عانيتُ حتى أبعدته.
بعد خمس سنوات، كيف ظهر مجدداً كالعلقة ؟
“من حسن الحظ أنني جئت معكِ. على أي حال، لم يكن ليخبركِ بالحقيقة، ذلك الوغد.”
تمتم كارسـيون بهذه الكلمات بأسلوب احتقاري، ثم اقترب بخطوة تهديدية أخرى.
تراجع ليونيل غريزياً إلى الوراء.
وبسبب تلك الخطوة، ارتطم إطار الصورة الموضوعة على الرف بمرفقه وسقط أرضاً.
تحطّم!
اتجهت أنظار الثلاثة في نفس اللحظة نحو الإطار المهشّم.
كان الزجاج المتناثر قد جرح الصورة التي يظهر فيها ليونيل ورينيه وهما يضحكان جنباً إلى جنب.
“آه…”
صدر من بين أسنان ليونيل أنين وكأن أحدهم يخنقه.
في عقله، تذكّر المآسي التي مر بها أثناء عيشه كـ”ريو”.
في أحد الأيام، تمت دعوة رسّام إلى قصر إيفلين.
جلس كارسـيون الصغير على الكرسي الفخم وهو يعبّس وجهه ويتذمر.
<آه، أطردوا ذلك الكلب، سيُسقط الفرو في كل مكان. جدياً.>
<لماذاا؟ دعنا نرسم ريو أيضاً.>
<لا أريد. لقد وعدتِني بأن تحققي أمنيتي إذا وضعت دودة على عش العصافير. لقد تسلقت الشجرة حاملا ذاك الشيء المقزز، فلماذا تتراجعين الآن؟>
<لكنني أفي بوعدي! اللوحة!>
<أمنيتي هي أن نُرسم أنا وأنتِ فقط.>
<لماذا تتصرف كالأطفال… ريو، آسفة، فقط ابقَ بعيداً قليلاً.>
حاول ليونيل أن يتدلّل عليها وهو يتمايل قرب ساقيها، لكن في النهاية، خسر أمام “بطاقة الأمنية” الخاصة بكارسـيون وسُحب إلى الخارج على يد الخدم.
ما زال يتذكر بوضوح وجه كارسـيون وهو يشمخ أنفه منتصراً.
لقد كان يحسده بشدة.
كان يغار حتى الجنون من كارسـيون الذي يحتل بثقة مكان “الصديق المقرب”.
لماذا اضطر هو منذ البداية إلى أن يتحوّل إلى كلب؟
يا له من أحمق.
حتى لو ظهر لاحقاً بشكله البشري وبنى علاقة معها، لم يكن حتى ليسبق الارتباط العاطفي الذي بناه كـ “ريو” معها.
ثم جاءت له الفرصة.
هرب برينيه بعد أن فقدت كل شيء.
لم يبقَ أحد بجانبها سواه.
تحوّل إلى إنسان، وغيّر التاريخ ليبدو كصديق طفولة منذ أن كانت في السادسة.
كانت خمس سنوات كالحلم.
والآن، حان وقت الاستيقاظ من ذلك الحلم.
“كخ!”
داس كارسـيون على شظايا الزجاج واقترب منه بعنف.
دفعه بشراسة حتى التصق ظهره بالرف، وكان الألم لا يُحتمل.
نظر إلى وجه ليونيل المشوّه وقال بعيون بلا رحمة:
“أعدها.”
“كغغغ…”
“أزل الختم، وسأدعك تذهب.”
“هذا… هذا صعب… كخ!”
ذراعه القوية كانت تضغط على رقبته بقوة.
لكن ليونيل تمسّك بعناده رغم الألم.
مجرد استعادة جزء من الذكريات لا يعني أنه يستطيع أو يجب أن يعيد كل شيء.
رأى وجه رينيه المضطرب خلف كتف كارسـيون.
حين التقت نظراتهما، صرخت بمرارة:
“هل أنت حقاً ريو؟”
“…..”
لم يستطع الرد.
هل يُطلب منه الآن أن يعود كلباً؟ بعد كل ما فعله ليصل إلى هنا؟
الزمن الذي قضاه كـ”ريو” كان مليئاً بالندم.
لقد أراد أن يعيش طيلة حياته كـ”ليونيل”.
“أجبني. هل أنت ريو حقاً؟”
كررت رينيه السؤال.
الذكريات التي استعادت جزءاً منها تضمنت أيضاً بعض المشاهد عن ريو.
عندما صعدت إلى شوتزن لحضور حفل تقديمها للمجتمع قبل سبع سنوات، لم تتوقف عن الشعور بالذنب لتركها ريو خلفها.
ولذلك، عندما عادت الذكريات، عادت معها تلك المشاعر.
بدأت الدموع تتجمع في عينيها.
عضّ ليونيل على أسنانه.
وبدأ نور خافت ينبعث منه.
ظهر الذهول للحظة في عيني كارسـيون الزرقاوين.
ششششااااا!
خطف الضوء الساطع البصر.
كارسـيون لم يستطع فتح عينيه، لكنه شعر من خلال ذراعه أن جسد ليونيل كان يتغير شكله.
وفي اللحظة التالية.
اختفى الضوء.
وعندما استطاع فتح عينيه مجدداً، لم يكن هناك أثر لليونيل.
اتجهت عينا كارسـيون نحو النافذة المفتوحة.
ثم التفت لينظر إلى رينيه.
وفي اللحظة التالية، ركضا معاً نحو النافذة.
مدّا رأسيهما للخارج ونظرا في كل الاتجاهات.
لكن لا ليونيل، ولا ريو كانا في الأفق.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 56"