الفصل 44. أفكر في حضوره هذا العام
“مـ، ماذا…!”
تلعثمت من شدة الارتباك.
كارسيون، الذي انقلبت الكفة لصالحه، انحنى بجسده للأمام واقترب بوجهه.
دفعتني تلك الحركة إلى التراجع خطوة للخلف.
“هل لأنني جئت كل هذا الطريق، ولم آتِ لرؤيتكِ بل رأيتُ ايديرا فقط؟”
“لـ، ليس الأمر كذلك!”
لكنه كان كذلك.
ضُبطت تمامًا، فاشتعل وجهي خجلًا.
كنت أتمنى لو يخفي ظلام الليل حمرة وجنتي.
وقبل أن أتمكن حتى من تهدئة أفكاري، بدا وكأن غشاءً على جفني قد زال، فرأيت ما لم أكن أراه سابقًا.
كان وجه كارسيون شاحبًا للغاية.
تحت عينيه كانت هناك دوائر سوداء كمن لم ينم لأيام.
مددت يدي نحوه دون تفكير.
“هَاه!”
تجاهلت شهقة كارسيون المذهولة، وسحبت الورقة التي كان يخفيها خلف ظهره.
ربما لم يكن من الطبيعي أن يتمكن شخص مثلي من خطف شيء من “بطل الإمبراطورية”، لكن يبدو أن التعب المتراكم وتشتيته بالغيرة سمحا لي بذلك.
واو.
لقد سرقت شيئًا من كارسيون، الرجل الذي يُعرف بسيف الإمبراطورية.
وبينما كنت أقرأ محتوى الورقة وأنا أشعر بنوع من الفخر…
[طرق لفك ختم الذكريات
1. الجسد والمانا مرتبطان. جرب تعريض الرأس لصدمة جسدية.
2. عندما يأتي الصداع، أظهر شيئًا مرتبطًا بالماضي وادفع الألم إلى أقصى حد.
3. استعن بمختص بالتنويم المغناطيسي (ملاحظة: قد يسبب هلوسة، تهيؤات سمعية، سيلان اللعاب)
4. اجعلها تشرب جرعة مصنوعة من ناب وحيد قرن الكريستال وماء من بئر الندم (ملاحظة: يسبب الغثيان)
……]
“ما كل هذا…؟”
سألت بصوت مرتجف.
بينما كنت أقرأ القائمة التي لا تنتهي، شعرت بقشعريرة تسري في عمودي الفقري.
ما هذه الطرق المخيفة لفك ختم الذكريات؟!
أوووه…
من دون مبالغة، شعرت وكأن شيطانًا قد استيقظ في داخلي.
نظرت إلى كارسيون بحدة مطالبة بتفسير، فرفع يديه كمن يحاول تهدئتي.
“إـ، اسمعيني، لينا.”
“كنتَ مشغولًا طوال الوقت بالبحث عن هذه التفاهات؟”
“كنت مشغولًا، جدًا! لكن ليس لهذا فقط، كنت ألتقي بالنبلاء، وأحضر الاجتماعات، وأيضًا… لا، هذا ليس مهمًا الآن…”
بدأ كارسيون يتلعثم وهو يبرر نفسه.
ثم ابتلع ريقه، وأمسك كتفيّ بكلتا يديه بقوة.
“اهدئي.”
“….”
“ايديرا هي من جمعت هذه المعلومات.”
“صحيح، أنا التي جمعتها. فكرت أن نبدأ من رقم 1 ونجرب بالترتيب. حتى نفهم تمامًا طبيعة الجرعة البنفسجية تلك.”
أوضحت ايديرا وهي تقف بجانبه.
نظرت إليهما بعينين متسعتين من الصدمة، غير مصدقة لما أسمعه.
فأسرع كارسيون في التبرير.
“لا! عندما رأيت القائمة شعرت بالرعب ولم أفكر حتى في تجربتها.”
“لكنني رأيتك تهز رأسك موافقًا على بعضها…”
“ايديرا!”
قاطعها كارسيون بصوت مرتفع، ثم استدار إليّ مستجديًا.
من خلال قبضتيه المشدودتين على كتفيّ، كنت أشعر بقلقه.
“كنت أريد فقط أن أكون مستعدًا. إن لم تستعيدي ذاكرتك، أردت أن أجرب كل وسيلة ممكنة…”
لكن كارسيون لم يكمل كلامه.
تلاقت نظراتنا، وتعقدت كأنها خيوط متشابكة.
لم أقل شيئًا، لكنه بدا وكأنه فهم الكثير من خلال نظري فقط.
هل ما زلتَ تصدق هذا؟ نعم، ربما هناك بعض المصادفات، لكني لست رينيه إيفلين.
من غير المعقول أن ليونيل محا ذاكرتي بالكامل، وكلما حاولت استرجاعها، أعاق الأمر بجرعة سحرية، وهو فوق ذلك ساحر يمكنه التحول إلى كلب يُدعى ريو؟!
“أنا…”
خرج صوته من بين شفتيه يحمل يأسًا عميقًا.
رغم أنه لم يقل الكلمة، شعرت وكأنني سمعتها.
“لا أستطيع التخلي.”
ذلك التوسل الموجع كان يضغط على قلبي بقسوة.
“سمعتُ القصة الحزينة لصاحب السمو أيضًا.”
تدخل ليونيل، الذي اقترب خطوة.
“لكن، أرجوك، لا تُربك لينا بسبب ألمك الشخصي.”
“…”
رغم نبرته المهذبة، برقت عينا كارسيون بالحدة.
لكن المفاجأة جاءت من جهة أخرى.
“في هذه الحالة، هل يمكننا الحصول على كمية إضافية من الجرعة البنفسجية التي تحملها لينا دائمًا؟ إن أمكننا تحليلها، قد نبدد الشكوك.”
قالت ايديرا وهي تنظر مباشرة نحو ليونيل.
“بصراحة، لا يهمني كثيرًا ما بينكم من علاقات. أنا مهتمة فقط بالبحث العلمي. هذه الجرعة معقدة التركيب بشكل غير مسبوق.”
“سأعد هذا مديحًا.”
ابتسم ليونيل بخفة.
أما أنا، فارتجفت عيني من التوتر.
ما العمل الآن؟
إن ذكرت ماحدث، سيتضاعف شك كارسيون.
“لكن للأسف، لم يتبقَ أي جرعة. لقد كسرت كل الكمية مؤخرًا.”
وكان ذلك خطئي تمامًا.
عندما طلب مني ليونيل إحضارها لتحليلها، ناولتُها له بحماس لكن يدي خانتني، وسقطت القارورات جميعها وتكسّرت.
نظرت بخفة إلى كارسيون.
تمامًا كما توقعت.
في عينيه الزرقاوين المتعبتين، ظهر ظل ثقيل من الشك.
***
تسللت أشعة الشمس البيضاء عبر قضبان النافذة.
حسب مزاج سيده، كان قصر بريتن يتنقّل بين الجنة والجحيم عشرات المرات في اليوم الواحد. وذاك منذ الصباح الباكر جدًا.
“هل يجب أن أكشف أن ذلك الوغد يعرف تعويذة التبديل؟”
“أظن أن ذلك سيكون أصعب.”
أجاب إيفان بفتور.
لم يكن لديهم سوى الشكوك، والدليل الوحيد مجرد آثار أقدام أمام الكوخ. دليل ضعيف لا يصلح لاتهام حقيقي. وربما محيت تلك الآثار بفعل الطبيعة منذ زمن.
وفوق ذلك، إن كان ساحرًا بتلك القوة، فلا يمكن التعامل معه باستخفاف. التهور قد يؤدي إلى كارثة.
“أن تُكسر الجرعات في هذا التوقيت تحديدًا… الأمر مريب. يزعجني كثيرًا.”
“لكن الآنسة لينا قالت إنها سقطت منها بالخطأ، أليس كذلك؟”
“ومن يضمن؟ ربما ليونيل هو من تسبب بذلك عمدًا.”
“لن يعرف الحقيقة سوى الاثنان فقط.”
“صحيح.”
“وكلام الاثنين متطابق.”
“….”
بدأ الضيق يعلو وجه كارسيون.
لم يعد يعرف إلى أي صف ينتمي إيفان.
انشغل كارسيون مؤخرًا بجدول مزدحم فلم يتمكن من التحدث إليه سوى أثناء الإفطار، آملاً تبادل بعض المعلومات، لكنه خرج فقط بمزيد من التوتر.
بالطبع، إيفان عليه الذهاب إلى برج السحر بعد الإفطار مباشرة، لذا هذا الوقت الوحيد المتاح لهما.
وبينما كان يقضم قضمة هادئة من التفاح، رمق كارسيون بنظرة ساكنة، فجأة ظهرت ملامح رينيه الفتاة الخجولة المتقلبة على وجهه.
لا رغبة في الذهاب للعمل اليوم.
“كنت أنوي استخدام موضوع الجرعة كعذر لأذهب لرؤية رينيه…”
تمتم كارسيون، ثم رشف رشفة من قهوته الساخنة.
نظر إليه إيفان وتساءل بعفوية:
“لم لا تذهب لرؤيتها فحسب؟ لطالما فعلت ذلك بسهولة.”
“آه… هل فعلت ذلك فعلاً؟”
“نعم.”
أجابه بلا تردد.
فغرق كارسيون في لحظة صمت، وكأنه يحاول استرجاع الماضي.
ثم فجأة، ضحك.
“ها، حقًا…”
هز رأسه نافضًا شعره، وابتسم كاشفًا عن أسنانه البيضاء، فأثار ذلك انزعاج إيفان. لكنه في الوقت نفسه، شعر بفضول غريب لمعرفة سبب ضحكه بهذا الشكل الغريب.
“ما الذي يسعدك هكذا؟”
“رينيه شعرت بالغيرة.”
ظهر النور على وجه كارسيون الذي كان ملبّدًا بالغيوم منذ لحظات. كأن الشمس أشرقت عليه بلا غيمة واحدة.
تغير وجه إيفان.
لا يناديها “رينيه” أمامها، لكنه يفعلها بكل حماسة خلف ظهرها.
استفز ذلك مشاعره قليلًا، فقرر وخز المنطقة الحساسة لديه.
“إذًا، هل وجدت خيطًا يعيد ذكريات الآنسة لينا؟”
“رينيه، يا هذا.”
“جرب أن تناديها بهذا الاسم أمامها إذًا.”
“….”
تجمد تعبير كارسيون في لحظة.
لم يكن إيفان شخصًا كأوستن أو سيدريك، بل كان دائمًا إلى صفه.
لذا سؤاله المفاجئ بهذه النبرة جعله لا يملك سوى أن يسأله بدهشة:
“ما مشكلتك؟”
“ليست لدي أي مشكلة.”
“بل لديك.”
“لا، لا توجد.”
لكن مهما حاول الإنكار، العلاقة بينهما لم تكن سطحية.
فقد قضيا ثلاث سنوات يساندان بعضهما البعض في عمليات إبادة مليئة بالموت.
كان بإمكانهما فهم بعضهما البعض من مجرد نظرة أو تعبير.
نظر كارسيون إلى وجه إيفان الذي كان يحدّق في الفراغ، وقرأ شيئًا ما.
يا له من جو بارد غريب. ونحن ما زلنا في الصيف..
“ستبقى حتى الخريف، صحيح؟”
سأل كارسيون وكأنه يختبره، فرفع إيفان حاجبًا ونظر إليه مستغربًا.
تساؤل يطرح بينما يهدر موهبة أحد أفضل فرسان الامبراطورية بجعله مجرد حارس لباحث.
“هناك مهرجان تأسيس المملكة.”
“أنت الذي لم تحضره يومًا، لماذا تهتم به فجأة؟”
“أفكر بحضوره هذا العام.”
“….؟”
ظهرت الحيرة على وجه إيفان، فابتسم له كارسيون بلطف.
“لأنه يُقام فيه أضخم حفل رقص في السنة. أنوي الذهاب مع رينيه. تعال معنا.”
“….”
ارتسم الضيق على وجه إيفان.
لم يكن لديه نبيلة ليرافقها كشريكة رقص.
التعليقات لهذا الفصل " 44"