كان يوماً مرهقاً آخر يضاف إلى سلسلة الأيام المتعبة.
منذ ذلك اليوم، بدأ كارسيون في تنفيذ وعده لإليزابيث بإخلاص.
كان يحضر اجتماعات النبلاء، ويؤيد مواقف سيدريك، بينما يوجه نظرات فاترة نحو آراء أوستين.
كل ذلك لأجل المستقبل.
لأجل إيجاد طريقة لاستعادة ذكريات رينيه، والتقدم بطلب زواج، والحصول على موافقة رسمية من القصر الإمبراطوري والمعبد لعقد زواج ملكي.
من أجل ذلك المستقبل، كان كارسيون مستعداً لتأييد سيدريك مليون مرة أخرى ودعمه بلا تردد.
لكن المشكلة كانت أن التقدم يحدث في هذا الجانب فقط.
“هاه…”
رفع كارسيون رأسه من فوق كتاب السحر وأسنده إلى ظهر الكرسي بإرهاق.
الخطة كانت تسير بسلاسة، لكنه واجه عائقاً كبيراً منذ بدايتها..
“ختم الذكريات…”
كانت هناك أنواع مختلفة من السحر المرتبط بالذكريات.
مثل استخراج جزء من ذكريات شخص ما وعرضها على شكل هلوسات، أو توضيح ذكريات باهتة، أو العكس.
لكن ختم ذكريات تمتد لسنوات كان أقرب إلى المستحيل.
بحسب ما قالت ايديرا، التي أصبحت مساعدة له بالصدفة.
<هل يمكنك الحصول على كمية أكبر من ذاك الإكسير؟ الكمية الموجودة لا تكفي للتحليل الكامل. لا أريد أن أطلبه من الآنسة لينا بنفسي لأن ذلك قد يسبب توتراً في علاقتنا.>
<سأحاول.>
كان عليه أن يذهب الآن للقيام بذلك الأمر المجهد.
خلال النهار، كان مشغولاً جداً. لكنه لا يستطيع زيارة منزل رينيه في هذا الوقت المتأخر من الليل أيضاً.
“… أشتاق إليها.”
مرّت أسابيع سريعة وسط انشغاله، حتى بدأ يدرك فجأة أن الصيف شارف على نهايته.
تنهد كارسيون بعمق.
كان يشعر بالعجلة.
سيفعل كل ما في وسعه، لكن… ماذا لو لم يتمكن من استعادة ذكريات رينيه في النهاية؟
“اللعنة.”
بدأ قلبه يضعف شيئاً فشيئاً.
تجهم كارسيون من الضيق وأعاد تركيزه على كتاب السحر مجدداً.
طريقة لفك ختم الذكريات، حتى ولو كان خيطاً صغيراً، عليه أن يجده.
لا يستطيع تضييع حتى يوم واحد سدى.
ظل ضوء غرفته مضاءً حتى ساعة متأخرة من الليل.
***
تحطّم!
طار كأس زجاجي بقوة وارتطم بالجدار.
كان أوستين يدور في الغرفة وهو يلهث بغضب.
ارتعب الخدم من غضبه الشديد وانكمشوا في أماكنهم.
“اكتشفوا لماذا بدأ هذا الوغد بالتصرف هكذا فجأة. قلت لكم، اكتشفوا السبب!”
تحطّم! تحطّم! تحطّم!
فقد أوستين أعصابه تماماً، ومدّ ذراعيه ليدفع الأواني والكؤوس والزهريات عن الطاولة دفعة واحدة.
تبعثر كل شيء وتحطّم، وتحوّلت الأرض إلى فوضى من الشظايا.
الجميع كان يراقب بحذر.
فمن يتدخل في لحظة كهذه قد يتحول بسهولة إلى كيس ملاكمة لتفريغ الغضب.
لم يعرف أحد السبب.
لماذا بدأ الأمير الثالث، الذي لم يكن يكترث بالسلطة من قبل، في الانخراط فجأة في السياسة؟
لقد حضر اجتماع النبلاء لأول مرة.
حتى بعد قتاله مع التنين، رفض كل مظاهر التبجيل وكان يتجول بكل هدوء في الشوارع.
لكن الآن، ظهر في قاعة الاجتماعات. وكان ذلك صادماً للغاية.
ولم يتوقف عند هذا الحد.
بحسب الأخبار، فقد تناول الغداء مؤخراً مع رئيس الوزراء.
وبعد ذلك، بدأ دوق ألفيرسو، الذي يشغل منصب رئيس الوزراء، يتصرف بطريقة مختلفة.
لم يبدُ وكأنه يدعم أوستين كالسابق، بل بدا وكأنه اختار موقفاً محايداً، ربما لأنه لم يعد يعرف كيف ستسير الأمور.
تماماً كما توقعت إليزابيث، أحدثت تحركات كارسيون اضطراباً في هيكل السلطة داخل القصر الإمبراطوري الهادئ.
ربما أصبح النبلاء أنفسهم في حيرة من أمرهم.
حتى أولئك الذين كانوا يتصرفون بحذر ويحسبون خطواتهم بدقة، صار عليهم إعادة حساباتهم من الصفر.
وكان أوستين، بصفته في مركز السلطة، أكثر من يشعر بهذه التغييرات.
حتى اليوم، حصل موقف مماثل.
<أعتقد أنه من الأفضل إرسال فرسان فونيكس إلى الحدود الغربية. بما أنهم عادوا من هناك مؤخراً، فلا بد أنهم يعرفون التضاريس جيداً.>
اعترض سيدريك على اقتراح أوستين.
فقد أدرك أنه يحاول إبعاد القوات عن العاصمة.
<الإقليم الذي زاروه مؤخراً، إقليم إيفلين، بعيد تماماً عن الحدود.>
<صحيح. ألا تعتقد أن الوقت قد حان لإرسال فرسان ولي العهد للمساهمة في أمن الإمبراطورية؟>
بسبب دعم كارسيون لهذا الرأي، تشوّهت ابتسامة أوستين.
ما الذي يقصده هذا الوغد؟
كان ينتقد بذكاء فرسان وينغر، الذين بقوا في شوتزن دون فعل شيء.
ابتسم أوستين بابتسامة باردة وقال بتحذير:
<كارسيون، للأسف، فرسان وينغر مهمتهم حماية شوتزن حيث أعيش.>
<سأتولى حماية شوتزن. فأنا المسؤول عن أمن العاصمة.>
<وإذا اشتد التوتر في الحدود الغربية، فماذا سيحصل للفرسان المسؤولين عن حمايتي؟>
<فرسان ولي العهد أقوياء كفاية ليتجاوزوا المهمة، وإن تطلب الأمر، فسيتوجه فرسان توتين القريبون لدعمهم.>
قبل قليل فقط، قال إن إقليم إيفلين بعيد عن الحدود، ولذلك لا يمكن إرسال فرسان فونيكس، والآن يقول إنه قريب.
كان أوستين يشعر بالإهانة والغضب في آنٍ واحد.
“ذلك الأحمق الذي لا يفعل شيئاً سوى التلويح بسيفه، كيف يتحكم بلسانه بهذه البراعة؟!”
كان تصرف كارسيون دليلاً قاطعاً على أنه لم يكن عاجزاً عن خوض السياسة سابقاً، بل ببساطة لم يكن مهتماً بها.
والآن وقد قرر الانخراط، لم يكن هناك ما يوقفه.
وكان تأثير ذلك يصل إلى النبلاء بكل وضوح.
“تباً لكِ، يا الإمبراطورة إليزابيث! ماذا فعلتِ على وجه الأرض؟! ماذا فعلتِ بذلك الرجل الذي كان يتصرف كشيخ بلغ نهاية حياته، وجعلته ينقلب هكذا؟!”
انقضّ أوستين على الطاولة وأطاح بكل ما فوقها.
وحين لم يبقَ ما يُرمى، أمسك بكرسي وألقاه بكل قوته.
انكسر أحد أرجل الكرسي وجرح جلد أحد الخدم القريبين بخدش أحمر، لكنه لم يصرخ.
تحمّل الألم بصمت، بينما حدق به باقي الخدم بنظرات شفقة.
وفي الوقت ذاته، أدركوا أن دورهم سيأتي حتماً.
تمنوا أن تمر العاصفة سريعاً، لكن لسوء الحظ، كانت هذه مجرد البداية.
طق طق
صوت طرق الباب أنقذهم في تلك اللحظة.
زفر الجميع من ارتياح، حين دخل أحد فرسان وينغر، حارس ولي العهد، ليبلغ عن قدوم زائر.
ويبدو أنه لم يتفاجأ من الفوضى، كما لو أنه اعتاد على رؤية هذا المشهد.
“في هذا الوقت؟”
تسلل الاستغراب إلى عيني أوستين المشتعلتين غضباً.
مرر يده بين خصلات شعره المبعثرة ليعيد ترتيبها، ثم عدّل من ملابسه وكأن شيئاً لم يكن.
وسأل بهدوء:
“من هو؟”
“يبدو كأنه… متجول.”
“هل جئت لتبلغني أن شحاذاً متجولاً حضر في هذا الوقت؟ اطرده فوراً.”
“معذرة، لكن لا يوجد فارس قادر على طرده.”
“…!”
اهتزت عينا أوستين بحدة.
ما معنى هذا؟!
فرقة وينغز، التي تختار نخبة النخبة لحماية ولي العهد، لا تستطيع إبعاد زائر؟!
أضاف الفارس بهدوء:
“يقول إنه جاء لأمر يخص الأمير كارسيون.”
***
“حضرتك.”
كانت هذه أول مرة أبادر فيها بالكلام مع إيفان.
لكن لا بأس، هو فارس حراسة، ومن المقبول الحديث معه بهذا الحد.
“سأخرج قليلاً.”
“هم؟ إلى مكان بعيد؟”
“نعم.”
عادةً، عندما أقول إنني ذاهبة لدورة المياه أو لأستنشق الهواء في الردهة، كان يتجاهلني بلطف.
حتى في وقت الغداء، كان يبتعد حتى لا يشعرني بالمراقبة.
فوجوده لم يكن لأجل الحراسة حقاً، بل استعداداً لأي استدعاء طارئ إلى القصر.
نهض إيفان بتعب واضح من مقعده.
أما أنا، فكنت أشعر بالفخر سراً.
لقد جعلت الدوق يتحرك. أنا، مجرد فتاة من العامة!
كنت أصرخ داخلياً بحماس، لكني حافظت على وجهي المتحفظ.
خرجت من المختبر وسرت عبر الممر ثم نزلت الدرج نحو الخارج.
وهنا، فتح إيفان فمه أخيراً.
“إلى أين بالضبط؟”
“لمكان لا يوجد فيه أحد.”
“….؟”
اتسعت عينا إيفان بدهشة، ثم تضيق حدقتاه تدريجياً وهو يدرك ما يحدث.
ثم عبس بحدة.
“لا أعتقد أنك في موقع يسمح لك باللعب بي.”
كانت نبرة تحذير واضحة: لا تستخفِ بحارس حقيقي.
شعرت بقشعريرة باردة تجتاحني.
يا ويلي.
كنت أمزح قليلاً فقط، لكنه على وشك أن يقطع رقبتي.
لكن كان لدي نقطة قوة أستند إليها.
ولولاها، لما تجرأت على تحريك الدوق شخصياً.
“ليس الأمر كذلك… كنت أود أن أسألك شيئاً.”
تقاطعت ذراعا إيفان، ونظر إلي بنظرة مليئة بالتحدي.
كأنه يقول: “إن لم يكن مهماً، فاستعدي للعواقب”.
ابتلعت ريقي.
يا إلهي… السؤال تافه حقاً.
لكني وصلت إلى هنا، لا مجال للتراجع.
“هل حدث شيء لصاحب السمو كارسيون؟”
“هم؟”
“أقصد… لم أره أبداً منذ اليوم الذي استدعته فيه جلالة الإمبراطورة.”
“…..”
“وقد مضى وقت طويل جداً. فترة طويلة لدرجة أنه من الطبيعي القلق عليه، ربما مريض؟ أو سافر دون أن يخبر أحداً؟ لا أحد طبيعي يمكنه تجاهل هذا الغياب الطويل دون أن يقلق.”
أضفت كل هذه التفاصيل لأبرر سبب “تحريك الدوق”، وأبدو مهذبة.
لكن من المستحيل أن يجهل إيفان مدة الغياب.
نظر إلي ببرود وقال:
“ومع ذلك، أليست المدة لا تتجاوز أسبوعين فحسب؟”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 42"