“…امرأة، تقول؟”
تصرف وكأنه فقد عقله بسبب رينيه إيفلين وكاد أن يتعهد بالعزوبة.
حاول إيفان أن يستوعب الموقف، لكنه لم يتمكن من العثور على أي تفسير منطقي.
لم يكن كارسـيون شخصًا يفتح قلبه بسهولة، لكن إيفان كان يعرفه بما يكفي ليعلم أنه اتخذ قرارًا بأن يعيش وحيدًا دون زواج.
وإلا، لماذا كان يرفض جميع النساء اللواتي قدمهن له الإمبراطور، مستخدمًا أعذارًا متنوعة ومبتكرة في كل مرة؟
<يُقال إن آنسة كونت رودين قصيرة جدًا. لا أستطيع، سأصاب بانزلاق غضروفي في رقبتي.>
<ما هذا العذر…؟>
<هذه الآنسة هادئة جدًا. لا أحب ذلك، أفضّل شخصًا يمكنني التحدث معه.>
<ولكن، ألم تقل سابقًا أنك تكره الثرثرة؟>
<لا أريد امرأة من مملكة أخرى. الاختلافات الثقافية غير مريحة.>
<…….>
في هذه المرحلة، حتى أكثر الناس غباءً كان بإمكانهم ملاحظة الأمر.
لم يكن الإمبراطور أحمق. فقد أدرك بوضوح أن هذه ليست حتى أعذارًا حقيقية، لذا لم يكن بإمكانه تجاهل الأمر.
كان من المؤسف ترك بطل الإمبراطورية الذي هزم التنين يعيش أعزبًا، فذلك ليس مجرد خسارة لقيمة كارسـيون نفسه، بل خسارة لقيمة العائلة الإمبراطورية أيضًا…
لكن حسنًا، بما أن إرادتك بهذه الصلابة، فلتبقَ أعزبًا.
على أي حال، هو الأمير الثالث، لذا لن ينقطع نسل العائلة الإمبراطورية بسببه.
وبعد سنوات من المحاولات، استسلم كل من الإمبراطور والإمبراطورة تمامًا.
بالطبع، لا تزال الفتيات النبيلات اللواتي يطمعن فيه، وكذلك أهاليهن، يحيطون به من كل جانب، لكن المؤسف بالنسبة إليهم، لم يكن لديهم أي فرصة.
“كيف تبدو؟”
تردد كارسـيون للحظة أمام سؤال إيفان، لكنه بالكاد تمكن من الإجابة.
“شعرها أسود… كان مربوطًا للأعلى، لكن إذا أسدلته، فسيصل تقريبًا إلى هذا الحد.”
أشار بيده تقريبًا إلى مستوى صدره. كان على وشك قول الجملة التي خطرت بباله أولًا، لكنه ابتلعها في اللحظة الأخيرة.
كيف تبدو؟ جميلة… لطيفة.
لكنه لم يستطع نطق هذه الكلمات أمام إيفان فون هيلغريت. إذا لم يكن يريد أن يُعتبر مجنونًا، على الأقل.
“لا يمكننا العثور على شخص ما بناءً على لون شعره فقط.”
“عيونها زمردية.”
“…….”
تصلّبت ملامح إيفان تمامًا.
ورغم أنه كان يعلم ذلك، واصل كارسيون وصفها.
“حاجباها منحنيان قليلًا، وجهها شاحب، أنفها صغير لكنه ناعم ومستقيم. خدّاها ممتلئان باعتدال…”
“صاحب السمو.”
قاطعه إيفان بصوت بارد.
وكان كارسيون يعرف تمامًا ما الكلمات التي ستخرج من فمه بعد ذلك.
“…هل فقدت عقلك؟”
كما توقع تمامًا.
لم يستطع إيفان تصديق ما يسمعه.
أن يطلب منه العثور على امرأة… ماتت بالفعل.
قبل خمس سنوات، عندما هرع كارسيون إلى إقليم إيفلين، استدعى جميع رسامي البلاط الإمبراطوري ليرسموا صورتها..
لم يكن هناك فارس واحد من وحدة الصيد لم يعرف ملامح رينيه إيفلين.
وأُرسل آلاف الرجال للبحث عنها.
لكن الآن…
كان قد بدأ يظن أنه أخيرًا بدأ في التحرر من كابوس الماضي، خصوصًا بعد أن قرر كارسيون التخلي عن البحث عن جثة التنين الأسود.
ثم فجأة، يطلب منه البحث عن رينيه إيفلين..
“لا تنظر إلي هكذا. أعلم أن هذا يبدو جنونًا.”
“إذا كنت تعلم ذلك…”
“لقد التقيت اليوم بامرأة… تشبه رينيه تمامًا.”
طوال طريق العودة إلى القصر، لم يستطع كارسيون التوقف عن التفكير.
هل يمكن أن تكون تلك المرأة… ليست رينيه؟
لكنها كانت تشبهها تمامًا، بدرجة لا يمكن أن تكون مجرد مصادفة.
حتى صوتها كان متطابقًا…
لكنها نظرت إليه بوجه رينيه وسألته من هو، كما لو كانت تراه لأول مرة.
وكأن ذلك لم يكن كافيًا، فقد رفضته أيضًا.
<إذا كنت تحاول مغازلتي، فلن ينجح الأمر. أنت لست من نوعي.>
ابتسم بسخرية..
حتى لو كان قد اعترف لها بمشاعره، كانت سترفضه على أي حال.
ربما كان من الجيد أنهما بقيا صديقين فقط.
لكن، قبل أن يقنع نفسه تمامًا، كان عليه التأكد من هوية تلك المرأة.
كان عليه رؤيتها مرة أخرى.
“لكنني لا أعرف اسمها. كل ما لدي هو أنها تبدو تمامًا مثل رينيه، لذا ابحث عنها.”
“….”
كانت نظرة إيفان مترددة. كان وجهه يعكس بوضوح اعتقاده بأن كارسيون فقد عقله ورأى وهمًا.
ولم يحاول حتى إخفاء شكه الوقح.
هو يعرف..
يعرف أن هذا أمر من الصعب تصديقه.
قبل خمس سنوات، أذاب نفس التنفس الناري للتنين الأسود كل شيء.
احتمالية بقاء رينيه على قيد الحياة صفر.
كان ذلك مستحيلًا.
كان يعلم ذلك بعقله، ولكن إذن، من كانت تلك المرأة اليوم…؟
أغمض كارسيون عينيه بإحكام.
هل جننت حقًا؟
لقد بدأ يشك حتى في نفسه..
لكن طالما أن هناك احتمالًا، ولو ضئيلًا، بأنها ليست مجرد وهم، فلم يكن أمامه خيار آخر.
فتح كارسيون عينيه مرة أخرى، تلوح فيها موجات من الألم.
كان قلبه، الذي جعله يقتل جميع مشاعره ليتجنب الألم، ينبض مجددًا.
وكلما زادت ضرباته، زاد العذاب الذي يجلبه معه.
“ابحث عن المرأة التي تبدو تمامًا مثل رينيه إيفلين.”
“قد تكون مجرد توأم لها. ربما هناك قصة عائلية خفية لا تعلمها، صاحب السمو…”
“ابحث عنها أولًا.”
“….”
“مهما كانت الحقيقة، سأحكم عليها بنفسي حينها.”
أمر كارسيون، وهو يلهث من فرط الانفعال. كان رأسه ينبض بالألم..
وفي الوقت المناسب، دخل دويـمن ووضع الدواء قبل أن ينسحب بصمت..
بطل يعتمد على الدواء ليواصل العيش، رغم أنه لا يستطيع الموت.
نظر إيفان إليه بعينين معقدتين، ثم أومأ على مضض.
فهم كارسـيون أن ذلك يعني الموافقة، لذا صرفه على الفور.
***
“هممم، هذا محير…”
جلست وأنا أكتب أرقامًا على الورق، غارقة في التفكير.
العاصمة ممتعة، لكنها تعاني من مشكلة واحدة… الأسعار المرتفعة.
الطعام، الأدوات، الإيجار. كل شيء باهظ الثمن.
“لا يمكنني البقاء في نُزُل للأبد.”
ألقيت نظرة على الغرفة المتواضعة التي كنت أقيم فيها بشكل مؤقت، وأطلقت تنهيدة عميقة.
كان عليّ اتخاذ قرار سريع، لكنني لم أستطع التسرع والتعاقد على منزل باهظ الثمن.
بما أنني لم أمضِ وقتًا طويلًا في شوتزن بعد، فمن الأفضل أن أبحث قليلًا وأحاول العثور على مكان أرخص.
حتى أثناء تنظيم أفكاري، لم أستطع طرد فكرة راتبي الضئيل من ذهني.
على الرغم من أنني حصلت على وظيفة في أحد أرقى المؤسسات في الإمبراطورية، برج السحر، إلا أن نصف راتبي كان يذهب للإيجار..
“كيف يمكن أن يكون الراتب في برج السحر منخفضًا لهذه الدرجة؟”
لأنك لستِ ساحرة. أنتِ مجرد باحثة مبتدئة تخلط الجرعات في أدنى مستوى من المختبر.
كان هذا الصوت الداخلي يهمس لي بالإجابة، لكنني تجاهلته حفاظًا على كرامتي.
“آه، صحيح! هناك طريقة أخرى!”
فجأة، تذكرت كلمات التاجر الطيب الذي ساعدني ذات مرة.
<بفضلك، بعد أن بدأتُ ببيع الجرعات التي صنعتيها، تحسنت أحوالي المعيشية كثيرًا.>
إذن، الحل بسيط: يمكنني صناعة الجرعات وبيعها بنفسي.
“قال إن حالته المادية أصبحت أفضل بكثير، لذا لو توليتُ البيع بنفسي، يمكنني حل مشكلة السكن بسرعة!”
بمجرد أن خطرت لي هذه الفكرة، غادرت النزل فورًا.
لم يكن العثور على متجر أدوات السحر أمرًا صعبًا. تجولت بين رفوف الأدوات السحرية والأحجار السحرية حتى وصلت إلى قسم الجرعات.
“إذن، الناس يشربون الجرعات بدلًا من الدواء؟ أسعارها مرتفعة حقًا…”
بدأت أراقب الأسعار لأعرف أي نوع من الجرعات يمكن أن يجلب لي أرباحًا جيدة.
كما أنني استغليت الفرصة لأتعرف على المتاجر التي قد تكون عملاء محتملين لي في المستقبل.
“هاه؟”
لكن…هذا يبدو مألوفًا بعض الشيء.
داخل القارورة ذات اللون الأخضر الغامض، كانت فقاعات صغيرة على شكل أشواك تطفو ببطء إلى السطح، ثم تختفي، لتكرر الأمر مرارًا وتكرارًا.
“يبدو أنك تهتمين بالنباتات.”
في تلك اللحظة، اقترب مني صاحب المتجر، ربما لأنه اعتقد أنني زبونة على وشك الدفع.
“يكفي أن تضيفي قطرة واحدة فقط، ولن تحتاجي إلى سقي نباتك لمدة شهر كامل. هذا الإكسير يمنح النباتات خصائص الصبار.”
“….”
هذا… أليس هذا الإكسير الذي ابتكرته بنفسي؟
في قريتي الريفية، حيث لم يكن هناك سوى الحقول والبساتين، لم يكن هناك منتج مناسب للبيع، لذا أرهقت عقلي لأشهر حتى تمكنت من تطوير هذا الإكسير..
“سعره مرتفع، لكن تأثيره مضمون.”
“……هـ، هل هذا السعر صحيح؟”
ارتجف صوتي من شدة الصدمة.
لقد تم تعبئة عربات بهذا الإكسير، والآن يتم بيعه مجزّأً إلى عبوات بحجم إصبع صغير؟
بل والأدهى، كيف يمكن لهذا المقدار الضئيل أن يباع بهذا السعر الخيالي؟
“هذا هو السعر المتداول في كل مكان. نحن نبيع وفقًا للسوق.”
“مـ، مستحيل….”
“إذا كنتِ لا تصدقين، فابحثي في مكان آخر! يا للعجب.”
عبس صاحب المتجر بوضوح، متضايقًا من شكوكي.
كنت أريد توضيح الأمر، أنني لا أتهمه، لكنني كنت مشوشة تمامًا من هول الصدمة..
في رأسي، كان يتردد صدى صوت ذاك التاجر المخادع الذي ارتدى قناع الملائكة.
<أوه، لقد تحسنت أحوالنا المعيشية كثيرًا بفضل إكسيراتكِ.>
ذلك “تحسنت كثيرًا” الذي لم ألقِ له بالًا حينها، أخذ الآن يطرق رأسي بقوة وكأنه يضربني على مؤخرة رأسي ثلاث مرات متتالية.
“واو… هكذا إذًا تُدار التجارة…”
تمتمت دون وعي، فاحمرّ وجه صاحب المتجر غضبًا وانفجر في وجهي..
“من تظنين نفسكِ؟! هل تقولين إنني نصاب؟! الأسعار مكتوبة هنا بوضوح! نحن نبيع بسعر ثابت، بسعر السوق!”
لكن وجهي أنا أيضًا كان قد احمرّ من شدة الغضب.
“ذلك اللعين… المحتال القذر…”
تمتمت وأنا على وشك البكاء من القهر، فبدأ صاحب المتجر يتراجع ببطء، وكأنه أدرك أنه قد تورط مع شخص غريب الأطوار..
لكنني لم أعد أستطع كبح غضبي، فصرخت بأعلى صوتي:
“بهذا المال، كان بإمكاني شراء منزل!”
التعليقات لهذا الفصل " 4"