كان باحثو برج السحر يستمتعون بأجواء المساء وكأنهم في نزهة.
بعد تناول العشاء، لم يرغبوا في العودة فورًا، فقد وقعوا في حب الأجواء الدافئة والحميمية للبلدة الصغيرة في مقاطعة إيفلين، فتفق الجميع على احتساء كوب من الجعة.
وهكذا، انتهى بهم الأمر في إحدى الحانات.
أثناء قضمها لفطيرة اليقطين، أومأت بيلا برأسها متفقة مع إيسولا.
“بالضبط! من الممتع حقًا التجول هنا! وهناك الكثير من الأطعمة اللذيذة أيضًا!”
تمتم جيف بنبرة ندم متأخرة:
“هل غادرنا بسرعة كبيرة دون أن نهتم بها؟”
سرعان ما انتشرت موجة من القلق بشأن لينا بين الباحثين.
لاحظ كولين ذلك، فابتسم بلطف وقال:
“قالت إنها متعبة، لذا من الأفضل أن ترتاح.”
“لكن مع ذلك، إنه يومنا الأول هنا، ويشعرني الأمر بالذنب أننا نمرح بمفردنا.”
“أعتقد أننا نشعر بهذا أكثر لأن الجولة في البلدة كانت ممتعة بشكل غير متوقع.”
“كان علينا فقط أن نجبرها على القدوم. لم تبدُ عليها علامات الإرهاق الشديد.”
مع كل تعليق يُضاف، أصبحت لينا فجأة ضحية للشفقة الجماعية.
قال أحدهم بتوجس:
“أتمنى ألا تكون جالسة وحدها في الغرفة بشكل كئيب.”
لم يكن ذلك مستبعدًا تمامًا، فشعر الجميع بالحزن تجاهها.
عندما بدأ الجو في الانخفاض، اقترح كولين بحذر:
“إذن، هل نعود الآن؟”
لم يكن جدول الباحثين مزدحمًا. في الواقع، كان لديهم متسع من الوقت.
لكن إذا استمروا في السهر ثم ناموا متأخرًا غدًا أو أصبحوا مرهقين وغير قادرين على التركيز، فسيكون ذلك إحراجا لبرج السحر.
بالطبع، لم يكن الوقت متأخرًا بعد، لذا كان بإمكانهم الاستمرار في الاحتفال.
ولكن بما أن القلق بشأن لينا بدأ يتزايد، فقد يكون من الأفضل إنهاء السهرة الآن لتجنب أي مشكلات لاحقة.
… لكن، هل أخطأ في قراءة الأجواء؟
أدرك كولين السكون المفاجئ وكأنه سكب عليهم دلوا من الماء البارد. فقهقه محاولًا التخفيف من الموقف.
“ننغ~~ داام~~”
لقد كانت الليلة لا تزال في بدايتها. والجعة هنا كانت رائعة بحق.
رفع كولين كأسه عاليًا، فضحك الجميع وصدموا كؤوسهم ببعضها.
“لقد كانت ليلة رائعة! هاهاها!”
“بالضبط! نحن فقط في البداية!”
“صحيح، صحيح! من بين جميع أنواع الجعة التي تذوقتها في حياتي، هذه الأفضل على الإطلاق!”
“تسع كؤوس أخرى من الجعة هنا!”
كان الجو حميميًا ودافئًا… لكن بدون لينا.
***
لماذا أعدت امرأةً نائمة؟
بدا كارسيون مرتبكًا تمامًا من سؤالي، ولم أكن أقل ارتباكًا منه بعدما تفوهتُ بذلك الكلام الغريب.
بينما كنتُ متيبسة كتمثال، شاهدتُ تعابير كارسيون تتغير بوضوح أمامي—توهجت عيناه بحيرة وكأنه لم يدرك أن ذلك كان خطأ، ثم أطلق همهمة متفكرة وهو يلامس ذقنه بيده، وبعد لحظة، اتسعت عيناه كما لو أنه أدرك شيئًا ما.
“إذًا، المشكلة كانت في أنني أعدتكِ.”
“…ما هذا الاستنتاج؟”
كنتُ أتوقع كلامًا عميقًا، لذا لم أستطع سوى أن أضحك بذهول.
لكن كارسيون تجاهلني واستمر في التمتمة لنفسه.
“لا أريد الاعتراف بذلك، لكن يبدو أن أخي كان محقًا.”
“ماذا؟ في ماذا؟”
“لا شيء، انسِ الأمر.”
حاول كارسيون التهرب، لكنني كنتُ قد سمعتُ بالفعل.
“ماذا قال الأمير سيدريك؟”
“….”
تجعد جبين كارسيون كما لو كان يقول، لماذا تسألين وأنتِ تعرفين؟
أنا لا أعرف!
لقد جاء سؤالي تلقائيًا كجزء من مجرى المحادثة.
“تلتقيان كثيرًا مؤخرًا، كنتُ أظن أن علاقتكما سيئة، لكن يبدو أنها… هاه، لحظة.”
فجأة، خطرت لي فكرة، فاتسعت عيناي.
“لا تقُل إنك صادفتَ الأمير سيدريك تلك الليلة؟”
“….”
“يا إلهي… هل هذا صحيح؟”
“….”
عندما لم يُجب كارسيون، غطيتُ فمي بيديَّ الاثنتين.
“أنا لم أسل لعابي أثناء النوم، صحيح؟ لم أكن نائمة بملامح غريبة، أليس كذلك؟”
“لستُ متأكدًا من تعابير وجهك، لكن لعابكِ لم يسِل. كنتُ أحملكِ على ظهري.”
“آه، الآن فهمتُ.”
أومأتُ برأسي، بالكاد مهتمة بجزء من كلامه. ما دام أنني لم أُحرج نفسي بسيلان اللعاب، فلا بأس.
“كنتُ متعجبة من كيف عرف سموك غرفة نزلي… إذًا هو من أخبرك بها، أليس كذلك؟”
“لم يُخبرني، بل حملكِ بنفسه إلى هناك.”
“هاه؟ من الذي فعل ماذا؟ الأمير سيدريك؟”
“.…”
مرة أخرى، أكد كارسيون الأمر بصمته.
تسمرتُ في مكاني بفمٍ مفتوح.
“انتظر… لم تكن أنت من أعادني؟”
“نصف الطريق فقط.”
“والنصف الآخر… كان الأمير سيدريك؟”
“كم مرة عليّ أن أكرر ذلك؟”
ردّ كارسيون بنبرة منزعجة، مع عقد حاجبيه.
“واو…”
تسربت شهقة من فمي دون وعي.
“لقد حملني الأمير سيدريك بنفسه؟ أنا؟ امرأة متواضعة مثلي؟ ومع ذلك، ليس لدي أي ذكريات عن ذلك… يا للخسارة! كم هذا محبط!”
تقلصت ملامح كارسيون حتى بدت وكأنها ورقة مجعدة.
“توقفي عن قول أشياء كهذه.”
“لكنني أحب الأمير سيدريك!”
“لماذا ذلك اللعين؟!”
“لأنه يهتم بأكلي! الوفاء! الوفاء!”
“…ماذا؟”
اتسعت عينا كارسيون بارتباك شديد. لم يقل شيئًا، لكن تعابيره كانت معبرة بما يكفي.
هل أنتِ جادة؟ هل وقعت في حبه بسبب الطعام فقط؟ لا يمكن أن تكون رينيه بهذه البساطة. يمكنني فعل ذلك أيضًا! لقد اشتريتُ لكِ منزلًا حتى!
ظل كارسيون متجمدًا تحت تأثير الصدمة، ثم انتفض واقفًا فجأة.
أخذ يحدق في طاولتي بينما كان يقترب مني ببطء، وعيناه تتوقفان للحظة عند الطعام البارد أمامي.
عندما وصل إلي، وضع يده على مسند الكرسي الذي أجلس عليه، وسند الأخرى على الطاولة، محاصرًا إياي بينهما، ثم انحنى مقتربًا مني.
“سأحرص على أن يُعتنى بطعامكِ جيدًا.”
“لا، لا داعي لذلك…”
آه…
كان قريبًا جدًا.
شعرتُ بنفسه يلامس وجنتي، فحاولتُ كتم أنفاسي.
كنتُ قلقة من أن يشعر بتنفساتي، لكن ما أقلقني أكثر كان رؤية بشرته المكشوفة بينما كان ينحني برداءه المفتوح.
بعينين مرتبكتين، بحثتُ عن أي مكان آخر أنظر إليه، لكن كارسيون لم يترك لي فرصة.
“لينا.”
رفع يدي وأمسك بذقني برفق، مجبرًا إياي على النظر إليه مباشرة.
“لماذا لا تنظرين إليّ؟”
“أمم… ملابسك…”
“ماذا بها؟”
دُهش من كلماتي، فدفعته برفق. كانت عضلات صدره صلبة كالصخر، مما فاجأني قليلًا، لكنه تراجع بسهولة أكبر مما توقعت.
أخيرًا، استطعتُ التنفس براحة.
لكن راحة يدي، التي لامست بشرته، كانت تحترق وكأنها تعرضت لحرارة شديدة.
ربما لهذا السبب…
شعرتُ بحرارة وجهي ترتفع مجددًا، وأدركتُ أنني احمررتُ مثل الطماطم.
كنتُ بالكاد قد هدأتُ، فلماذا كان هذا المساء مليئًا بالمواقف المحرجة؟ أردتُ أن أبكي.
لكن الأسوأ من ذلك كله… أن كارسيون نفسه كان أحمر حتى أطراف أذنيه. لا، حتى رقبته وصدره كانا متوردين أيضًا.
لِمَ يبدو هذا الرجل محرجًا جدًا؟
“إنها لمسة بسيطة على صدرك، لماذا تتصرف هكذا؟ الفرسان يتدربون وهم عراة الصدر طوال الوقت.”
“أنا أفعل ذلك أيضًا.”
“إذًا لماذا هذا؟!”
“لم أقل شيئًا.”
وجهك يقول كل شيء! أنت محمر من رأسك إلى أخمص قدميك!
بلا وعي، أشرتُ إليه من أعلى رأسه إلى صدره. كارسيون، مدركًا لحاله، لم يعلق على قلة أدبي، لكنه تمتم محرجًا:
“لأنها المرة الأولى.”
“م-ماذا؟ ماذا تعني؟”
“إنها المرة الأولى التي تلمسني فيها امرأة هنا.”
وضع يده على صدره، وبدا جادًا ومثيرًا للشفقة في آنٍ واحد.
فجأة، شعرتُ وكأنني مجرمة.
أ-أنا آسفة! لكنني أيضًا هذه أول مرة!
لم ألمس صدر رجل من قبل، أقسم بذلك.
حتى عندما كنتُ مع ليونيل، كنا نرتدي ملابس محتشمة، مما سمح لصداقة خالصة بالبقاء بيننا.
لذا، لم يكن لدي أي مقاومة لهذه الأمور.
لكن… الآن بعدما فكرتُ في الأمر، شعرتُ بشيء من الحزن.
في اللحظة التي وصلتُ فيها إلى هذا الإدراك، تغيرت تعابيري بشكل غريب.
والأغرب أن تعابير كارسيون عكست ملامحي تمامًا.
نحن في الثالثة والعشرين من العمر..
عمرٌ ليس صغيرًا بما يكفي لجهل هذه الأمور.
“…أهذه بالفعل أول مرة لك؟”
سألتُ بصوت مملوء بالشك.
ولم يكن ذلك بلا سبب—وضع كارسيون كان مختلفًا تمامًا عن وضعي.
أنا نشأتُ في ميتم، ثم عشتُ حياة هادئة مع ليونيل في كوخ بغابة هيلدين قبل أن استقل.
حتى أقرب قرية لنا كانت صغيرة جدًا، وعدد من قابلتهم خلال حياتي كان محدودًا.
“ألم تختلط أبدًا بالمجتمع المخملي أو شيء من هذا القبيل؟”
كارسيون لم يكن مجرد بطل الإمبراطورية الذي هزم التنين الأسود، بل كان أيضًا ذا دمٍ ملكي.
لم يكن ممكنًا أن يتركه المجتمع الراقي في شوتزن وشأنه.
حتى من منظور شخص لا يعرف شيئًا عن تلك الدوائر، كان من المستحيل ألا يكون محبوبًا هناك.
ومع ذلك، أن يصل إلى هذا العمر دون أن يعرف النساء إطلاقًا…
“هل كنتَ… تحبها؟”
لم أحدد من أعني بسؤالي.
لكن لم يكن هناك حاجة لذلك—كلانا فهم المعنى تمامًا.
قطّب كارسيون جبينه بعناد وأدار وجهه بعيدًا.
“اصمتي…”
كان خداه، وحتى جانب وجهه الذي أدار عني، محمرين كليًا.
عندها، فضَّلت إلتزام الصمت.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 20"