توقفت قافلة فريق الجمع، وبسرعة مذهلة نُصبت الخيام.
كان من الصعب تصديق أننا سنتوقف فقط لتناول الغداء ثم نغادر، بالنظر إلى مدى إتقان المعسكر المؤقت..
قد يظن البعض أن هذا مبالغة، لكن لو رأوا مدى سرعة وسهولة الفرسان في نصب المخيم، لغيّروا رأيهم.
وكذلك كان الحال مع إعداد الطعام.
الفرسان، الذين كنت أظن أنهم لا يجيدون سوى التلويح بالسيوف، أثبتوا أنهم أكثر مهارة مما توقعت.
البعض أشعل النيران، والبعض الآخر أعدّ المكونات، وآخرون اهتموا بأدوات الطعام.
“ألا يبدو وكأننا بلا فائدة؟”
راقبتُ الفرسان المنشغلين في عملهم، ثم شعرتُ بالحرج وحككتُ وجنتي..
كان باحثو برج السحر جالسين في دائرة على العشب، لا يفعلون شيئًا.
“إذا حاولنا التدخل سننتهي بكوننا عبئًا فقط.”
“أعتقد أنكِ محقة.”
وافقتُ على كلام إيسولا، ففرسان فونيكس المنظمين لم يبدُ أنهم بحاجة إلى أي مساعدة.
تنفستُ بعمق ونظرتُ حولي. على الجانب، كان هناك غابة خضراء، بينما امتدت في الجهة الأخرى سهولٌ مفتوحة مع نسمات هواء منعشة وسحب بيضاء عائمة.
بعد أن استمتعتُ بالمشهد، عدتُ إلى مراقبة أعضاء القافلة.
لكن… أين كارسيون؟
كنتُ أظن أنه جاء معنا، لكنه غير موجود..
<للأسف، لا يمكننا توفير مكان لك في القافلة. لقد أعددنا الإمدادات بحساب دقيق، وحجزنا المساكن دون فائض.>
<لم أكن أنوي الانضمام إليكم على أي حال.>
هل هذا بسبـب سيدريك؟
لماذا يتصرف الأمير الثاني، الذي يُقال إنه ذكي ومرح، بهذا الجفاء مع كارسيون؟
بل، في الواقع، لم يكن حتى لطيفًا معي.
تذكرتُ أول انطباع لي عنه عندما التقيته في حديقة برج السحر، وزفرتُ ببطء..
قد يكون شخصًا يحمل سكينًا في قلبه.
ربما شعبيته لم تكن سوى صورة مصطنعة.
وجدتُ نفسي أُحلّل شخصية سيدريك دون وعي، لكنني لم أستطع التخلص من الفضول الذي اعتراني بشأن كارسيون، فواصلتُ البحث عنه بعيني.
شعره الذهبي البارز كان يجب أن يسهل العثور عليه، لكنه لم يكن موجودًا..
كان يرتدي ملابس خفيفة إلى حد ما… تُرى، هل لديه طعام؟
أم أنه يجلس وحيدًا في مكان ما، يقضم شرائح اللحم المجفف بأسى؟
“مستحيل…”
“ماهو المستحيل؟”
“لا شيء، لا تقلقي.”
حين تمتمتُ لنفسي دون قصد، نظرت إليّ إيسولا بريبة.
سارعتُ لنفي أي شيء وابتسمتُ متظاهرة بالهدوء.
ثم بدأ توزيع الطعام.
بفضل ذلك، صرفت إيسولا انتباهها عني ووقفتْ للحصول على نصيبها. اندفع جميع الباحثين بدورهم ليأخذوا أطباقهم المملوءة بالحساء.
“يبدو بسيطًا، لكن رائحته مذهلة.”
“مجرد لحم وخضروات، لكن كيف يمكن أن يكون الطعم هكذا؟”
“إنه لذيذ… أنا لا أبالغ، إنه لذيذ بحق!”
كل من تذوقه عبّر عن إعجابه..
وضعتُ جانبًا قلقي بشأن كارسيون وتذوقتُ الطعام بسرعة.
أوه! هذا…!
انفتحت عيناي على وسعهما من المفاجأة.
“لم أكن أتوقع الكثير… لكنه رائع!”
بصراحة، توقعتُ أنه مجرد طعام يسدّ الجوع.
لكن ما وجدته هنا كان حساءً متقنًا، مصنوعًا بإتقان من شخص يفهم تمامًا مكونات الطبخ.
كان طعامًا بسيطًا لكنه مخلص للأساسيات، مما جعل نكهة كل مكون تنبض بالحياة..
نظرتُ إلى فرسان فونيكس بنظرة مختلفة.
وفي مركزهم، كان سيدريك.
عندما أشاد بالحساء، رأيت الفرسان يؤدون التحية بفخر.
هل هو شخص جيد حقًا؟
ربما شعبيته لم تأتِ من فراغ.
لم أكن الوحيدة التي تفكر هكذا، فقد كان باقي الباحثين أيضًا ينظرون إليه وإلى فرسان فونيكس بعيون لامعة.
لقد وحدنا هذا الحساء جميعًا.
كانت تلك لحظة استمتعنا فيها بوجبتنا بارتياح.
الطقس كان مشمسًا، والطعام كان مثاليًا، والوجوه من حولي كانت مفعمة بالابتسامات.
لم نشعر وكأننا في رحلة عمل، بل كأننا في نزهة ممتعة إلى مكان بعيد.
“المعذرة.”
في تلك اللحظة، اقترب مني أحدهم..
ظننتُ للحظة أنه كارسيون، فاستدرتُ بسرعة، لكنني أدركتُ أن الصوت كان مختلفًا.
شعرتُ بخيبة أمل غير مبررة..
فتح الفارس الغريب فمه بتردد.
“لا أريدكِ أن تفهميني خطأ، لكن ملامحكِ مألوفة جدًا… هل التقينا من قبل؟”
“…….”
أوه، إنه أحدهم مرة أخرى؟
بدأت أشعر بالملل من هذا.
في الوقت نفسه، فكرتُ في عدد المرات التي سأضطر فيها لسماع هذه العبارة مستقبلاً..
من الواضح أنني كنتُ ملفتة للأنظار، إذ بدا أن هذا الفارس جاء إليّ كالممثل عن فضول زملائه الذين كانوا يراقبونني من بعيد..
شعرتُ بنظرات تتجه إليّ من عدة أماكن، فقررتُ أن أشرح له الأمر.
بدا الباحثون وكأنهم ينتظرون إجابتي بفارغ الصبر.
“يبدو أنني أشبه شخصًا ما…”
“هل الطعام لذيذ؟”
“… كما يقولون.”
استدرتُ ببطء..
كارسيون، الذي لم يكن له أثر طوال هذا الوقت، كان يقترب مني بخطوات واثقة.
وقف الفارس أمامي على الفور، وأدى التحية العسكرية بانضباط صارم.
“المجد لسيف أرنوفل!”
أومأ كارسيون برأسه قبولًا للتحية، ثم جلس بجواري دون تردد..
عندها، بدأ الباحثون يتبادلون النظرات، ثم بدأوا بالمغادرة واحدًا تلو الآخر.
حتى الفارس الذي سألني عن ملامحي ابتعد بسرعة، وكأنه تذكر شيئًا فجأة.
‘أوه، إلى أين تذهبون؟’
حاولتُ مناشدتهم بنظراتي، لكن كارسيون ألقى نظرة واحدة على الباحثين التسعة، فما كان منهم إلا أن خفضوا رؤوسهم ثم توجهوا إلى مكان آخر، مشكلين دائرة جديدة بعيدًا عنا.
“….”
نظرتُ إليه بذهول.
لكن كارسيون، وكأنه لم يفعل شيئًا على الإطلاق، اكتفى بالتحديق إلى السماء بابتسامة هادئة.
“لماذا تفعل هذا بي؟”
عندما رمقته بنظرات غاضبة، التفت إليّ ببطء وسأل، وكأنه لا يفهم:
“ماذا فعلت؟”
هل تسأل لأنك لا تعرف؟
شعرتُ بأن عروقي تكاد تنفجر من الغضب.
“الجميع يحدقون بنا بغرابة! لقد فعلتَ هذا في أول يوم لي أيضًا… ألا يمكنك التوقف عن لفت الانتباه هكذا؟”
“ولماذا عليّ ذلك؟”
“قلتُ لك من قبل، أنا لستُ صديقة طفولة صاحب السمو!”
“لكننا لسنا غرباء تمامًا أيضًا.”
“لو تجاهلنا تلك الصلة، فسنكون كذلك تمامًا.”
همم…
هل كنتُ قاسية جدًا؟
عندما لم يردّ كارسيون، شعرتُ ببعض الذنب.
نظرتُ إليه بحذر، وعندها ثبتت صورة جانبه الهادئ والمنعكس في شبكية عيني.
كان يبدو… معقدًا.
هل جرحتُ مشاعره؟
لكنني لم أكذب، فأنا حقًا لستُ صديقة طفولة الأمير.
كيف يجب أن أتصرف الآن؟
بينما كنتُ مترددة، عادت ابتسامته الساخرة إلى وجهه، كما لو أن أي أثر للمرارة قد اختفى تمامًا.
“قلتِ إنكِ ستسددين الدين خلال ثلاثين عامًا، صحيح؟”
“…!”
“إذاً، العلاقة بين الدائن والمدين تُعتبر علاقة عميقة جدًا.”
“… هذا يبدو نوعًا ما مخادعًا.”
“أجل، أنا مخادع.”
“…….”
عندما اعترف بلا خجل بأنه شخص تافه، لم أتمكن إلا من الضحك بذهول.
كان الأمر… مضحكًا بطريقة ما.
أو ربما كان يشبه طفلًا عنيدًا، مما جعله يبدو لطيفًا قليلًا.
لم يكن هذا الوصف مناسبًا لبطل، لكن هذا ما شعرتُ به.
وبما أنه تحدث عن “علاقة عميقة”، فقد شعرتُ أننا أصبحنا أقرب قليلًا.
نظرتُ إلى طبقي غير المكتمل، ثم تمتمتُ:
“يبدو أن صديقة طفولة صاحب السمو كانت شخصية مشهورة جدًا.”
“لماذا تعتقدين ذلك؟”
“لأن الجميع يعرفها أينما ذهبتُ. الأمير سيدريك، سيد البرج، وحتى هؤلاء الفرسان.”
حدّق كارسيون في وجهي بصمت، ثم نظر إلى السماء وكأنه غرق في التفكير..
ثم، بعد لحظة صمت، أجاب بصوت هادئ:
“لقد كانت مجرد ابنة كونت عادية من مقاطعة ريفية هادئة.”
“… لكن، كيف يعرفها الجميع بهذا الشكل؟”
“لقد وزّعنا صورتها.”
ارتسمت على شفتيه ابتسامة مريرة. كان يبتسم، ومع ذلك، بدا وكأنه يبكي، فلم أستطع قول أي شيء..
نشروا صورتها بحثًا عن صديقة اختفت، وذابت وسط لهب التنين…
لا بد أنه كان يتمسك بأي قشة.
شعرت بوخزة في قلبي.
بدا وكأنه تجاوز الأمر، لكن ضحكته التي خلت من الروح حملت معها حنينا حزينا.
الجميع استمروا في حياتهم،
أما هو وحده، فقد ظل عالقًا في الماضي، أسيرًا لظل رينيه إيفلين..
“لماذا أنت ذاهب إلى إقليم إيفلين؟”
كان عليّ التفكير قليلًا قبل طرح الأسئلة.
لقد سألته فقط لأنه رافق البعثة رغم أنه ليس جزءًا منها، لكن… لم يكن هذا سؤالًا يُطرح بهذه الطريقة العفوية.
“لأداء واجب العزاء.”
كان صوته هادئًا تمامًا، مما جعلني أشعر بمزيد من التوتر.
أغمضت عينيّ ببطء، غارقة في ندم عميق وتأنيب ضمير.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 12"