بينما أستمع إلى زقزقة العصافير المنعشة، فتحت النافذة على مصراعيها.
سماء إقليم إيفلين كانت لا تزال معتمة، لكن شعوري اليوم كان مختلفًا.
لأنه إن دققت النظر بين الحاجز المعتم، يمكنك أن ترى السماء الزرقاء.
“إيسولا عبقرية حقًا.”
نظرتُ إلى الإكسير الذي أحمله في يدي وأنا غارقة في شعور الفخر.
بعد تعديل بسيط على الإكسير الذي كانت إيسولا قد اقتربت من إتمامه في برج السحر، أصبح الحاجز، الذي كان يُرى بضعف، شفافًا تمامًا.
أما الاختبار، فقد تولاه ليونيل، الذي أقام الحاجز وأطلق نيران السحر عليه.
وجود صديق ساحر كان مطمئنًا للغاية.
على كل حال، مدفوعة بالنجاح الذي حققته الليلة الماضية، قضيت الليل في صنع الإكسير.
حتى مخلفات نفس التنين التي خزّنتها في الإقليم، استخدمتها بشكل مفيد.
بمعنى آخر، قضيت الليل سهرًا.
“رينيه.”
في تلك اللحظة، فُتح الباب بحذر مع صوت طرق مهذب.
وعندما التفتُّ، رأيت كارسيون يدخل بتعبير ممتعض.
“قضيتِ الليل هنا؟”
“صباح الخير.”
ردّ كارسيون على تحيتي البريئة بتجعيد جبينه بشدة، ثم جلس بجواري على الكرسي بطريقة عشوائية.
أسند ذراعه على ظهر الكرسي وهمس بنبرة ممزوجة بالتنهيد.
“أي صباح جيد هذا.”
“هل نمتَ جيدًا؟”
“كنتُ في انتظاركِ، لكني نمت من التعب.”
آه، يبدو أنه انزعج من ذلك.
حاولت أن أتجنب نظراته الملحّة وأنا أتحرك بنظري بتوتر.
لقد مضى عشرة أيام على وصولنا إلى إقليم إيفلين.
كنت أظن أننا سنستخدم غرفًا منفصلة حتى نقيم حفل الزفاف، لكن كارسيون جهّز غرفة نوم الزوجين.
متى أعدّ كل هذا؟
أعتقد أنه أوعز بذلك إلى كبير الخدم، لكن في النهاية هو من صدّق على كل شيء.
“رينيه، وعدتِ البارحة أنك ستأتين إلى الغرفة.”
“ذلك لأن…..”
خفضتُ نظري ولم أتمكن من مواجهته.
بذريعة أني لستُ مستعدة نفسيًا بعد، قضيت عدة أيام في الغرفة التي كنتُ أستخدمها عندما كنت صغيرة.
لكن مساء البارحة، وبسبب إصرار كارسيون المنطقي بطريقة أشبه بالعناد، استسلمت في النهاية.
<اتفقنا على إقامة حفل الزفاف تحت السماء الزرقاء، أعلم. وأعلم أيضًا أنني وافقتَ على تأجيل الزفاف إلى أجل غير معلوم بسبب الحاجز.>
<نعم، أعلم. وقدّرت لكَ التنازلات.>
<أنا أراكِ زوجتي بالفعل.>
<حسنًا، ليس خطأ.>
<إذن، نحن زوجان.>
<أمم….. وماذا تريد أن تقول؟>
<الغبار بدأ يتراكم في غرفة نومنا التي أعددتها بكل جهد.>
بمعنى: دعينا ننام معًا.
عندما كنا صغارًا، كنا ننام معًا كلما سنحت الفرصة.
لكن بعدما كبرنا، صار للأمر معنى مختلف، لذلك لم يكن القرار سهلًا…
ربما كانت نظرات كارسيون المتوسلة هي السبب، أو ربما لأنه، بكل فخره، اضطر إلى الحديث عن أمر الغرفة.
في النهاية، هززت رأسي وقلت: حسنًا.
لكن بشرط.
<سيكون من الأفضل لو أنهيت الحاجز بسرعة، لذا سأذهب إلى الغرفة بعد الانتهاء من البحث.>
<حقًا؟ حقًا؟ لا رجعة في كلامك!>
كم كانت ملامحه مشرقة حينها.
لكنني، بينما كنت منغمسة في التركيز، سهرتُ دون أن أشعر.
تكرار “فقط قليلاً، قليلاً فقط” أدى بي إلى ذلك.
“هل تعلمين كم انتظرتُ؟”
سألني كارسيون مجددًا بتعبير ممتعض، وقد بدا عليه بعض الضيق، لكن في نظري كان يبدو لطيفًا.
لا أعلم، لكنه كان من السهل تخيّل ما مر به تلك الليلة.
ربما اغتسل وهو مليء بالتوقعات، وجهّز النبيذ، وتمدد هنا وهناك، ثم فكّر: “لمَ تتأخر هكذا؟ هل أذهب إليها؟”، ثم قال لنفسه: “قد أكون مزعجًا، فلأنتظر قليلاً بعد”، ونام دون أن يشعر.
“”أحم…. آسفة.”
حاولت تجاوز الموقف بدلال بسيط.
لكن يبدو أنه كان مستاءً بشدة، فلم تنفع محاولتي.
هذا يعني أنه كان متحمسًا جدًا، ثم أُصيب بخيبة أمل كبيرة عند استيقاظه صباحًا.
لم أستطع ترك كارسيون على حاله الكئيب، فقمتُ من مكاني وجذبتُ يده.
“تعال معي.”
“لماذا؟”
رغم تجعيده لحاجبيه، نهض كارسيون مطيعًا وسار ورائي.
وعندما وقفنا سويًا عند النافذة، أشرتُ بإصبعي إلى نقطة في السماء.
“انظر هناك.”
“همم؟”
توجهت عيناه الزرقاوان إلى حيث أشير، وسرعان ما شدّ على عينيه.
هيهي، أرأيت؟
كان هناك سببا وجيها لسهر الليل.
“الحاجز… موجود؟”
“نعم!”
أومأت برأس مليء بالفخر.
وبعد لحظة من التردد، بدأ كارسيون يحدّق بيني وبين السماء الزرقاء، ثم فجأة صاح بفرح.
“نجحنا! رينيه، لقد نجحتِ!”
رغم أن ما تحقق كان جزئيًا، إلا أنه يُعدّ نجاحًا حقيقيًا.
وبما أنني أعددت كمية كافية من الإكسير، لم يبقَ سوى إزالة الحاجز القديم ونصب الجديد.
“كنت قريبة من النجاح، فلم أستطع التوقف. هيهي.”
“أحسنتِ! رائع! لنبدأ التحضير لحفل الزفاف!”
احتضنني كارسيون بقوة، ثم أمطرني بقبلات خفيفة على جبيني وخديّ وشفتيّ، قبل أن يركض خارج البيت بسرعة.
“أه….. ذهب؟”
تركتُ وحدي، حدّقتُ في الباب المفتوح بدهشة.
ثم رمشت مرتين، وانفجرت بالضحك.
“لطيف.”
لطيف جدًا، حقًا.
هل الزفاف مهم له إلى هذا الحد؟ بالطبع، أنا أيضًا سعيدة مثله.
كنت أبحث بجد أكثر لأجل الزواج بسرعة.
***
هاه… هوف…
تنهد ليونيل بعمق حتى كادت الأرض تنشق تحته، ممسكًا كأس النبيذ بقوة.
تبا.
رينيه خاصتي ستتزوج.
قلبي المطبوع عليها يؤلمني لدرجة أني لا أستطيع التنفس.
وبيده الأخرى أمسك قلبه الموجوع، وقد بدا على وجهه ملامح البكاء.
من الجهة المقابلة، سمع ضحكة خافتة.
كان ذلك أولاند، الذي ظن الجميع أنه اختفى كريشة في مهب الريح.
لكنه في الحقيقة لم يرغب في الذهاب إلى شوتزن، لذا بعد هزيمة هاديس، بقي في إقليم إيفلين طوال الوقت.
كان يقيم في نزل وسط المدينة، يسترجع ذكرياته بهدوء.
ولسوء حظ ليونيل، فتح أولاند فمه ليثير أعصابه.
“أنتَ تثير كل أنواع الفوضى في الحانة.”
“أنا لا أؤذي أحدًا، أبكي لوحدي فقط، فلماذا؟!”
رغم احتجاجه الشديد، إلا أن أولاند تجاهله تمامًا.
حك إحدى أذنيه بخنصره ثم نفخ على طرف إصبعه، قبل أن ينقر بلسانه ساخرًا.
“حتى بعد أن اكتمل الحاجز، ما زلت تتصرف بهذا الشكل البائس.”
“هذا لأن رينيه موهوبة أكثر من اللازم، لم يكن بوسعي فعل شيء!”
“حقًا هكذا؟”
لقد أنجزت تحضير الجرعة بشكل أسرع من المتوقع.
وبفضل ذلك، استعاد إقليم إيفلين سماءه الزرقاء.
وبعد أن أُحيط بحاجز قوي يحميه حتى من نفَس التنين، تخلص أخيرًا من سمعته كمنطقة خطرة.
“تحضيرات الزواج تسير بسرعة كبيرة…. أاااه.”
ضرب صدره بقبضتيه وشهق باكيًا.
عندما ذكر كارسيون لأول مرة موضوع غرفة النوم الزوجية، شعر ليونيل برعب بارد يسري في عروقه.
حين كانت رينيه طفلة، كانت تنام بجانبه في السرير ذاته، أما الآن فسيضطر لتسليم ذلك المكان الدافئ واللطيف لكارسيون.
لو ندم ليونيل على شيء خلال كونه بشري، فهو أنه لم يعد بإمكانه النوم بجانب رينيه بعد الآن.
حين كان جروًا، كانت تقول له: “ريو كم أنت ناعم!” ثم تداعبه وتحتضنه بلا نهاية.
وهكذا، كان ينام كل ليلة في سكينة.
والآن، ستنام بجوار كارسيون؟!
“كيف يُتوقع مني أن أتحمل رؤية ذلك؟”
أمام تذمر ليونيل، مدّ أولاند إليه كأسًا.
“اشرب. الحزن يُنسى .”
“هذا فقط لأنك إنسان مدمن على الشراب.”
“الجميع يرون أنك أكثر سُكرًا مني الآن.”
“تبًا… اللعنة!”
لم يتمكن ليونيل من الإنكار، وأخذ يشرب الكحول بنهم.
كان يرغب في أن يسكر لدرجة يفقد فيها الوعي تمامًا.
“هناك شيء أريد أن أسألك عنه.”
بدل أن يواسي التنين الحزين، أراد فقط إشباع فضوله الشخصي.
اللعين.
كان ليونيل في قمة توتره، فراح يشتم أولاند في داخله، لكنه رغم ذلك رد بصبر.
“ما هو؟”
نظر أورلاند إلى ليونيل الغارق في الدموع وكأنه يتردد، ثم عندما تكلم، حوّل نظره نحو كأسه.
“لو أنك بهذا الحال بسبب مجرد زواج، فماذا ستفعل لاحقًا؟”
“……”
كانت جملة ناقصة، مليئة بالثغرات.
لكن ليونيل فهم تمامًا ما الذي كان يقصده.
وفاة رينيه.
بالنسبة لتنين، فإن عمر الإنسان قصير للغاية.
بعد أن تختفي رينيه كـنَدى الصباح دون أن تكمل مئة عام، سيتعين على ليونيل أن يواصل الحياة لآلاف السنين بعدها.
ساد صمت طويل.
حتى أولاند، الذي لا يتزعزع في العادة، شعر بالذنب ونظر إليه بطرف عينه.
“حسنًا، لا داعي للقلق من الآن. نفكر في ذلك لاحقًا.”
“…الختم.”
“هاه؟”
“كنت أنوي ختم ذكرياتي.”
“……”
كانت إجابة أثقل مما كان يتوقعه.
لم يستطع أولاند حتى أن يمزح، بل أطلق أنينًا ممزوجًا بصوت معدني.
رغم أن وجه ليونيل ما زال مبللًا بالدموع، إلا أنه لم يعد يبكي.
ربما غدت دموعه معطّلة أمام هذا الحزن الذي تجاوز حدود التحمل.
أن يختم ذكرياته كما فعل مع ذكريات رينيه…
يا له من كائن وحيد حقًا.
حتى وإن كان أمرًا بعيدًا، إلا أن طعمه المر بدأ يُشعره في فمه من الآن.
نظر أورلاند نحو هذا الكائن الضخم المتحول إلى هيئة إنسان بعينين مليئتين بالتعقيد.
“حتى حياة التنين ليست سهلة.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 107"