إقطاعية إيفلين؟ لماذا يظهر هذا الاسم هنا؟
كان اسمًا لم أسمع به من قبل وصولي إلى شوتزن، لكنه بات يتردد كثيرًا على مسامعي..
عندما سمعت مجددًا اسم هذه الإقطاعية، التي لم أكن أعرف حتى موقعها، شعرت وكأن صخرة ثقيلة استقرت في قلبي.
يبدو أن تلك الإقطاعية تقع عند إحدى أطراف سلسلة جبال دنيبروك الممتدة عبر جنوب غرب الإمبراطورية..
“إقطاعية إيفلين…”
تمتمت بكلمات كريستينا بينما أكررها في ذهني، وتداخلت أفكاري مع صورة لقائي الأول مع كارسِيون.
<رينيه! إنه أنا… أنا…>
وجهه المذعور تمامًا، شعره المتناثر، أنفاسه اللاهثة… لم يكن هناك أي أثر للأمير أو البطل في ذلك المظهر البائس.
عندما علمت كيف انتهت حياة رينيه إيفلين، التي لا تزال حية داخل قلبه، شعرت بصوت مكتوم في أذني..
كيف كان شعوره عندما قتل التنين الأسود؟ فجأة، شعرت بثقل مختلف للقب “بطل الإمبراطورية” ..
كنت أظنه رجلًا احتضن مجد العالم كله، لكنه بدا لي الآن مجرد شخص بائس إلى أبعد الحدود.
لقد كان إنجازه عظيمًا لدرجة أن تأثيره امتد حتى إلى هذه القرية الريفية الهادئة بجوار غابة هيلدين، رغم أنها لا تلامس جبال دنيبروك على الإطلاق.
<سمعتِ؟ الأمير الثالث قضى على التنين الأسود الشرير!>
<مستحيل! كيف يمكن لإنسان أن يقتل تنينًا؟ كم هو قوي يا ترى؟>
<آه، ليتني أستطيع رؤيته، حتى من بعيد، سأموت بلا ندم!>
<هاه! أتظنين أن أميرًا مثله سيأتي إلى هذه القرية النائية؟>
<ربما لو ذهبنا إلى شوتزن نتمكن من رؤيته… لكن لا، لا! قد يكون ضوء هالته ساطعًا لدرجة أننا سنصاب بالعمى!>
<هاهاها! هل هذا منطقي!>
ظل القرويون يتحدثون عنه لأشهر، ولم يكن من الغريب أن تصل أخباره إلى مسامعنا، أنا وليونيل، بينما كنا في نزهة بالقرية.
أتذكر أنني كنت أحتسي الحساء عندما وجدت نفسي أندمج في حديث الجالسين إلى الطاولة المجاورة، فلم أكن لأفوّت قصة شيقة كهذه..
<هل تقولون إنه قتل تنينًا؟ تقصدون ذاك الذي استيقظ في جبال دنيبروك، صحيح؟>
<أوه، لينا! نعم! الأمير كارسِيون فعلها!>
<واو، هذا مذهل! لم أكن أتخيل أنني سأعيش في زمن أرى فيه تنينًا يستيقظ ثم يُقتل! نشهد حقًا عصرًا لا يُصدق! أليس كذلك، ليونيل؟>
<ممم، أخبار تستحق أن يحتفل بها.>
لا زلت أتذكر كيف كنا نتحدث بحماس عن الأمر.
لكن بينما كان العالم بأسره يحتفل، كيف كان حال كارسِيون؟
هل شعر بالرضا بعد أن انتقم لصديقة طفولته؟ أم أنه كان مجرد فراغ لا أكثر؟ أم أن الحنين الذي دفنه أثناء قتاله عاد ليجتاحه بكل قسوته؟
حينها، قطعت كريستينا شرود ذهني بصوتها..
“بما أن باحثي برج السحر سينضمون هذه المرة إلى فريق الجمع، عليكِ الاستعداد عبر تعلّم كل ما يمكنكِ عن المواد المتعلقة بالأبحاث.”
ثم استدارت وغادرت غرفة إدارة الجرعات.
بقيتُ أحدق في الباب المغلق، وعيناي تضطربان.
مجرد فكرة أنني سأذهب قريبًا إلى إقطاعية إيفلين كانت كافية لتهزني من الداخل..
***
“هممم.”
داخل العربة العائدة إلى القصر الإمبراطوري، أطلق سيدريك تنهيدة تفكير، بينما ارتسمت على شفتيه ابتسامة مستمتعة.
“لينا. رينيه. لينا. رينيه.”
لم يكن قادرًا على التركيز في الاجتماع، مما دفع غريزندوف، على مضض، إلى كشف حقيقة الفتاة..
سبع سنوات مضت منذ أن ظهرت رينيه إيفلين لأول مرة في المجتمع الراقي إلى جانب كارسِيون، وكانت هذه الفتاة صورة طبق الأصل عنها.
كيف لم ألاحظ ذلك على الفور؟
لا يزال يتذكر كيف أن إعلان خطوبته الطموح طُمِس تمامًا بسبب الظهور المبهر لتلك الفتاة وذلك الأخ المزعج.
حتى أن ولي العهد أوستن سخر منه يومها، مما زاد من غيظه..
ذلك الأخ اللعين لم يكن مهتمًا بالعرش، لكنه مع ذلك سرق الأضواء وجذب إليه كل الاهتمام في المجتمع.
لطالما اعتقد سيدريك أن كارسِيون مجرد أمير عديم القيمة يقضي وقته في الريف، لكنه اكتشف لاحقًا أن الواقع مختلف تمامًا.
بطبيعة الحال، خفتت شعبيته بعد مدة، لكن بعد عامين فقط، استيقظ التنين الأسود.
وبعد أن عاد كارسِيون كبطل للإمبراطورية، أصبح وجوده طاغيًا.
ومع ذلك، لا يزال يقول إنه غير مهتم بالسلطة، متجولًا في فراغه لسنوات…
لم يكن سيدريك متأكدًا مما إذا كان يجب أن يغتاظ أم يفرح لغياب منافس محتمل..
لكن ما أثار فضوله الآن هو لينا.
كيف يمكن أن تشبه رينيه إلى هذه الدرجة؟
العالم واسع، لكن أن يكون هناك شبه يصل إلى حد التطابق…
لم يستطع كبح فضوله أكثر.
تذكر حديثه مع غريزندوف خلال الاجتماع.
<علينا تأمين المواد أولًا.>
<بالفعل.>
<وبما أن الباحثين سيساعدون في التحليل، سنضمّهم إلى فريق الجمع.>
<…بهذه السرعة؟>
تجاهل استغراب غريزندوف وأصرّ على رأيه.
ماذا سيكون رد فعل كارسِيون عندما يعرف؟ مجرد التفكير في ذلك كان كافيًا لإثارته.
ولماذا عليه تأجيل هذه المتعة؟
“غيروا المسار إلى قصر بريتين.”
أمر سيدريك السائق بتغيير الوجهة، ولم يستغرق الأمر وقتًا للوصول إلى قصر شقيقه.
عندما نزل من العربة، لم يكن العثور على كارسِيون صعبًا، فقد وجده مستلقيًا في الحديقة، مستمتعًا بوقته مع رئيس خدمه، دويمن..
‘ليس هذا وقت الاسترخاء، أيها الأحمق.’
تحرك سيدريك نحوه بخطوات واثقة.
وحين رآه كارسِيون، تصلبت ملامحه على الفور.
“هيه، كارسِيون.”
“ما الذي جاء بك إلى هنا، أخي؟”
حتى لو كان متسامحًا، لن يمكن اعتبار صوته وديًا.
لكن سيدريك لم يستطع كبح ابتسامته، وتحدث مباشرة إلى صلب الموضوع.
“لقد رأيت شيئًا غريبًا في برج السحر اليوم.”
“…”
“تتذكر صديقة طفولتك تلك؟ تلك التي كنتَ تلتصق بها وأنت ضعيف؟ هناك فتاة تشبهها تمامًا.”
“… تقصد باحثة الجرعات؟”
“أوه، إذًا أنت تعرف بالفعل؟”
شعر سيدريك وكأن متعته قد تقلصت إلى النصف، لكنه لم يكن قد استنفد جميع أوراقه بعد.
“إذًا، هل تعرف هذا أيضًا؟ تلك الفتاة ستشارك كباحثة في مشروعي الحالي.”
“……!”
“بفضلك، سأراها كثيرًا في المستقبل.”
“الآنسة لينا… ستشارك في ذلك المشروع؟”
تمتم كارسِيون في ارتباك.
كان المشروع الذي تخلّى عنه للتو، والآن يسمع أن لينا ستكون جزءًا منه..؟
“هذه المرة، سينضم الباحثون إلى فريق الجمع أيضًا.”
ارتسمت على شفتي سيدريك ابتسامة عريضة، وكأنه يسدد الضربة القاضية.
“فتاة تحمل وجه رينيه إيفلين… تذهب إلى إقطاعية إيفلين… أليست هذه مصادفة مدهشة؟”
“…….”
كان كارسِيون يحدق في سيدريك وكأنه يريد قتله.
تلك الابتسامة الساخرة على وجهه كانت مستفزة لدرجة أنه أراد تمزيقها.
في داخله، اجتاحه ندم هائل.
تبا.
هل كان عليّ رفض المشروع؟
هل كان عليّ الموافقة عليه منذ البداية؟
هل كان يجب أن أوافق فحسب؟
لكن لم يعد هناك مجال للتراجع..
***
كانت الرحلة طويلة.
عندما وصل إيفان إلى القرية الريفية الهادئة، ترجل عن حصانه بمهارة وألقى نظرة فاحصة على محيطه.
“غريب… هذا هو المكان الصحيح بلا شك.”
كان في يده ملف يحتوي على بيانات لينا الشخصية، وهو المستند الذي أرسله كارسِيون من برج السحر.
إذا كانت قد استلمت إشعار القبول هنا، فلا بد أن هذا هو العنوان الصحيح…
لكن المنزل كان فارغًا بلا شك.
حتى لو كانت لينا قد غادرت إلى شوتزن، كان من المفترض أن يبقى صديق طفولتها، ليونيل، هنا.
شعر إيفان بلحظة من التردد، لكنه سرعان ما استوقف أحد المارة ليسأله.
“هل لي بسؤال؟”
الرجل، الذي كان في طريقه إلى الحقل للعمل، حدّق في إيفان بفضول مشوب بالحذر.
كان من الواضح أنه غريب يرتدي ملابس فاخرة لا تناسب أهل القرية.
“هل تعرف شخصًا يُدعى ليونيل؟”
“تقصد لينا وليونيل؟”
كان واضحًا من طريقة رده مدى قربهما من بعضهما.
تنهد إيفان براحة، فقد كان متأكدًا الآن أنه في المكان الصحيح.
“هل انتقلا إلى مكان آخر؟”
“ماذا؟ لا، لم يرحلا. لطالما عاشا في كوخ الغابة.”
ثم أشار بيده إلى ناحية محددة.
“هناك كوخ في غابة هيلدين. الطريق إليه واضح، لذا لن تواجه صعوبة في العثور عليه.”
“شكرًا لك.”
رميًا للمكافأة، ألقى إيفان قطعة ذهبية إلى الرجل.
وبمجرد أن أمسكها، بدأ القروي في إغراقه بوابل من عبارات الامتنان، متفاجئًا من هذه الثروة غير المتوقعة.
ترك إيفان تلك الضوضاء خلفه وتوجه إلى غابة هيلدين.
كانت المهمة بسيطة. لم يكن يعلم سبب الخطأ في العنوان، لكنه لم يكن بحاجة سوى للعثور على ليونيل.
كما أخبره القروي، كان هناك طريق واضح تشكّل بفعل أقدام البشر.
وحين تبعه، بدأت ملامح كوخ دافئ في أعماق الغابة تتكشف أمامه.
توقف إيفان ليتفحص المكان بعناية.
أشعة الشمس المتلألئة تسربت بين أوراق الأشجار الكثيفة، تلقي بوهجها الدافئ على الأرض.
أما بعيدًا، فكانت ظلال الغابة ترسم لوحة من الغموض العميق.
عادةً، لا يفكر الناس في العيش داخل الغابة بسبب خطر الوحوش السحرية، لكن هذا المكان كان هادئًا على نحو مريب.
هل تأكدوا من أنه آمن قبل الاستقرار هنا؟ أم أنهم ببساطة كانوا مستعدين لقتال أي وحش قد يقترب؟
في كلتا الحالتين، اختيار هذا المكان كمقر للإقامة لم يكن قرارًا يتخذه سوى من يملك القوة الكافية لحماية نفسه.
بينما كان إيفان يراقب محيطه، وقعت عيناه على طاولة مستديرة وكرسيين فوق سطح خشبي، وبالقرب منهما معول وفأس متسخان بالطين ومتكئان على الجدار.
ثم، بعد لحظة من التردد، اتجه ببطء نحو مدخل الكوخ.
طرق. طرق.
تردد صوت الطرقات على الباب الخشبي، قاطعًا سكون الغابة الهادئ..
واتباد: ki_lon2
التعليقات لهذا الفصل " 10"