أوقف دانتي السيارة في موضع هادئ، حيث امتدّ البحر أمامهما بلا ازدحام أو ضجيج.
كانت الشمس قد غابت خلف الأفق، ولفّ الغسق الساحل بدرجاتٍ من الأزرق العميق الساحر.
هل هناك من منظر أجمل من بحرٍ يغيّر ألوانه مع كل لحظة تمر؟
جلست ريينا خارج السيارة، تحدق في الأفق بعيون متأملة، حين اقترب دانتي منها بخطوات هادئة، متأنية.
“الجو بارد.”
“أنا بخير. البحر الآن يأسر العين بجماله…”
“ليس أنتِ، أنا.”
أغلقت شفتاها على الفور. حاولت قدر استطاعتها—حقًا حاولت—ألا تنفعل.
لكن بعد لحظة، مرّ ضحكته الخافتة المكتومة بالقرب من أذنها، مما جعلها ترتعش قليلًا.
“قلتُ لكِ أن توقفي عن المزاح معي!” انفجرت ريينا أخيرًا.
“لا.”
“نعم.”
حدّقت فيه بعينيها المشتعلتين، مكررة كلماتها بعبوس خفيف. أومأ هو برأسه بلا أي أثرٍ من الجدّية، ووجهه، الذي كان ما زال يحتضن ابتسامةً مازحة، جعلها تهز رأسها بانزعاج.
حقًا… منذ متى بدأ يتصرّف بهذا الشكل؟
الدوق العظيم فيناشيرت، الذي كان معروفًا ببرودته وحدته، أصبح الآن يمزح حولها، ويستفزّها كما يفعل ماكر ماكر.
رغبت في أن تسأله السبب، لكنها عرفت أنه لن يمنحها إجابة صريحة أبدًا.
منذ زمن بعيد، في قصر بيهرن، كان المديرون يهمسون فيما بينهم:
“من يتحدث مع الدوق العظيم ولو مرة واحدة، سينسحر بسحره بلا شك.
إنه سيد الكلمة.”
هل كان هذا ما يحصل الآن؟ هل كانت كلماته الغريبة وتصرفاته المفاجئة مجرد دليل آخر على تلك الموهبة الأسطورية؟
بينما كانت تفكر في ذلك، راقب دانتي ملامحها الهادئة وسألها بصوتٍ رقيق: “بماذا تفكرين؟”
“…لماذا؟ هل تستطيع رؤية كل شيء مرة أخرى؟”
“لقد أصبحت ردودك أكثر حدة وذكاءً، ريينا.”
كان صوته ناعمًا، يحمل سهولة غريبة على الدوق المعتاد برودته.
لم يكن يبدو كنبيل مثقل بالواجب، بل كشاب عادي يستمتع بجولة مسائية على البحر.
التعليقات لهذا الفصل " 46"