شربها بتأنٍ. انساب الدفء في حلقه، وبعد ذلك فقط أطلق زفيرًا هادئًا من الراحة. لو رأى ما رآه قبل أن يبتلع، ربما كان سيختنق.
نظرتها—واسعة، غير مغلقة، مركزة عليه.
وضع الكوب، وهدأ تعبيره.
“الآنسة ريينا، التحديق لن يجعل القهوة ألذّ.”
“…هاه؟” رمشت، ثم احمرت خجلاً.
“لم أكن أحدّق!”
هذه المرة، خفضت صوتها إلى همس حاد.
“الإنكار—إنه أسلوبك، أليس كذلك؟”
مال هو أقرب، وصوته منخفض.
“يبدو أنّك لا تستطيعين التوقف عن النظر إليّ مؤخرًا.”
“…ماذا قلت للتوّ؟”
“تحدّقك كثيرٌ لدرجة أنّه محرج تقريبًا.”
ارتسمت على شفتيه ابتسامة ماكرة.
تدلّت فكّ ريينا. هل هذا الرجل… دائمًا هكذا؟
بحثت في ذاكرتها. ليس الدوق الأكبر من فيناشيرت—بل دانتي فيناشيرت، الرجل ذاته.
ثم—
دينغ.
رنين الجرس.
“أوه—عذرًا! زبون هنا.” محبطة، أمسكت بالصينية. “إذا لم تكن القهوة جيدة، فقط اتركها.”
“اجلسي مجددًا. شارون هنا.”
“توقفي عن قول الهراء!”
عبست، وأسرعت مبتعدة قبل أن تحيي شارون الضيف. كل حديث معها كان يشبه الانجراف في تيار لا تستطيع السيطرة عليه. التحولات المفاجئة تُربكها.
لو أنّه أزعجها—
بدلاً من ذلك، ظلّ ضحكه المنخفض يلتصق بأذنيها. أسوأ جزء… أنها أحبت صوت ذلك الضحك.
ظل هناك نحو ساعة، مستندًا إلى الخلف يطلّ من النافذة، يقضم البسكويت الذي صنعته. لكنه في الغالب، كان يراقبها.
ابتسامتها الرقيقة عند تحية الزبائن. صوتها الهادئ عند شرح القائمة. المئزر المائل بينما تجري بلا وعي.
كل تفاصيل حياتها البسيطة—حياة لم يسبق له أن رآها قبل عام.
وجهها الذي كان شاحبًا أصبح الآن مشرقًا بالدفء، دائم الابتسامة الرقيقة. وكأنّ العيش كريينا برونتي في بلدة هادئة جلب لها سعادة أكبر من كونها ريينا فيناشيرت.
هذه هي الحياة التي اختارتها.
…وإذا احترمت هذا الاختيار—فما الذي يبقى له؟
اعتّمّت عينا دانتي الذهبيتان. ونقر أصابعه على الطاولة برفق.
ريينا برونتي، ريينا فيناشيرت، ريينا… لا شيء منها يخصّه.
لوّحت موجة مفاجئة من الاستياء على شفتيه.
في الأسابيع الثلاثة التي ابتعد فيها، اكتشف الحقيقة: الشيء الذي عكّر روتينًا ثابتًا لعقود، سبب تشتيت أفكاره، كان هي.
دائمًا مملة، دائمًا منفصلة—حتى الآن.
عينيه الذهبيتان لم تعد كسولة؛ بل امتلأت برغبة الامتلاك.
وكان يعلم ذلك. كان يعلم بالإجابتين المحتملتين لأزمة قلبه. واحدة قد اختُبرت بالفعل دون قصد منه. ولم يبقَ سوى طريق واحد للمضي قدمًا.
فرغ آخر القهوة، ومرّ طعم المرارة على لسانه، ونهض. ببطء، اقترب من حيث كانت تنظف الأكواب.
“ريينا.”
نطق الاسم الذي اختارته.
رفعت رأسها، مفاجأة.
“هل سترحل بالفعل؟”
“همم. الآن.”
لمحة قصيرة من الندم مرت بعينيها الواسعتين كالظبية. التقط كل تفصيلة، وارتسمت على شفتيه ابتسامة خفيفة.
“أراك لاحقًا.”
استدار. لكن بعد ذلك—
“آه، انتظر لحظة!”
اندفعت إلى الأمام، ممسكة بحزمة صغيرة مغلفة بتغليف مشرق.
بسكويت.
“خذ هذه معك. شاركها. هل جربت… تلك السابقة؟”
“نعم.”
“و؟”
“لطيفة كما قلت.”
تلألأ وجهها بالسعادة.
“سعيدة بذلك. هناك الكثير—احفظ واحدة لنفسك.”
ابتسامتها مشرقة. لكن حاجبي دانتي انقبضا، وصوته صارم.
“نفس الشيء؟”
“…ماذا؟”
“أنا أحصل على نفس ما يحصل عليه الجميع فقط؟”
اتسعت عيناها، ثم هبطت، محمرة قليلًا.
“…ليست نفسها.”
“لم أسمع ذلك.”
“…ليست نفسها. أنت… زبون دائم. سأحتفظ دائمًا ببعض لك.”
دائم. كان درعها.
وإذا رغبت أن تلعب هكذا… سأترك الأمر كذلك.
أخذ علبة البسكويت، وارتسمت على شفتيه ابتسامة خفيفة.
لن تدرك أبدًا، بمفردها، أنّ كل مرة حاولت فيها إخفاء قلبها، كانت تترك مزيدًا من الفتحات.
“حسنًا. سأذهب الآن.”
وإذا بقي صامتًا—إذا لم يعترف—فلن تهرب.
حينها، ستكون أخيرًا له.
حتى بينما استقر ذهنه على هذا الاستنتاج، كانت عاصفة أعمق تدور بداخله: رغبة شديدة، وكراهية للنفس لا تهدأ.
التعليقات لهذا الفصل " 43"