أنهت ريينا تنظيف الطاولة بخفةٍ وسرعة، ثم اعتدلت واقفةً بحركةٍ رشيقةٍ تنمّ عن لياقةٍ وأناقة.
تناولت صينيةً عامرةً بأكواب الشاي، وحملتها بثباتٍ رفيعٍ، وتقدّمت بخطواتٍ واثقةٍ نحو المنضدة، وقد بدت عليها خبرةٌ طويلةٌ في ذلك العمل.
التقت بها زميلتها في منتصف الطريق، متناغمةً تمامًا مع إيقاعها، وتناولت منها الصينية بابتسامةٍ وغمزةٍ مرحةٍ.
بادلتها ريينا ابتسامةً لطيفةً شاكرة، ثم أمسكت بورقة الطلب والقلم، واقتربت من إحدى الطاولات.
“قهوةٌ سوداء، وشايُ بابونج، من فضلكِ.”
“بكلّ سرور، هل ترغب بشيءٍ آخر؟”
أضفت نغمةُ صوتها المشرقةُ وابتسامتها الودودةُ دفئًا على الجوّ العام.
وحين هزّ الزبون رأسه نفيًا، انحنت ريينا بخفّةٍ مهذّبةٍ، ثم عادت إلى المنضدة لتبدأ بتحضير الطلب بحركةٍ طبيعيةٍ سلسة.
كانت خيوطُ الماء الساخن تنسابُ فوق حبوب القهوة المطحونة بإتقانٍ، ناشرةً عبيرًا دافئًا يملأ المقهى سحرًا وهدوءًا.
“ريينا، أصبحتِ بارعةً جدًا في إعداد القهوة!”
“أترين ذلك حقًا؟ لا شكّ أنّ الفضل يعود إلى دروسكِ، شارون.”
قالت عبارتها بنغمةٍ مرحةٍ وهي تصبّ القهوة السوداء الطازجة في الكوب.
تألّقت عيناها بفرحٍ هادئ، وظلّت ابتسامتها الصغيرة مرافقةً لها طيلة عملها.
“أحسنتِ اليوم يا ريينا.”
مدّت شارون ذراعيها بإيماءةٍ مبالغٍ فيها، فضحكت ريينا بخفّةٍ وربّتت على كتفها.
كانت ابتسامتها تلك خفيفةً، تنضحُ بالودّ.
شارون فتاةٌ لم تزل في مطلع شبابها، تحتفظُ بمسحةٍ طفوليةٍ على ملامحها.
وعلى الرغم من جديّتها في التعامل مع الزبائن، إلا أنّها سرعان ما تعود إلى خفّتها المعتادة ومزاحها حين يخلو المكان، وهو ما كانت ريينا تجده فيها جانبًا جذّابًا وساحرًا.
“ألا تشعرين أنّ عدد الزبائن اليوم يفوق المعتاد؟ خصوصًا القادمين من خارج البلدة!”
“هل تعبتِ يا شارون؟”
قالتها ريينا بابتسامةٍ صغيرةٍ وقد رأت ملامح التذمّر الخفيّ على وجه زميلتها.
كانت بلدة فلورين الساحلية الصغيرة تنعمُ عادةً بالهدوء، فلا يزورها الغرباء كثيرًا، سوى بعض المسافرين الباحثين عن سكون البحر بعيدًا عن ضوضاء سيريمار.
“أنا جادّة! كان الزحام اليوم أكثر من المعتاد، لاحظتِ ذلك أنتِ أيضًا، أليس كذلك؟”
“ربما. أولئك العمّال من المشروع القريب، صاروا يأتون باستمرار.”
فكّرت ريينا قليلًا، نعم، كان هناك ورش بناءٍ قائمة منذ أن وصلت إلى البلدة، وكان العمّال يرتادون المقهى بانتظام، لذا لم تجد الأمر غريبًا.
لكن شارون خفّضت صوتها فجأةً، ولمعت عيناها بجدٍّ طفوليٍّ .
“هذا سرّ كبير، لا يمكنكِ إخبار أحد!”
كتمت ريينا ضحكتها من نبرتها المسرحية وأومأت موافقة.
“حسنًا، وعدٌ عليّ.”
نظرت شارون من حولها بسرعة، ثم همست بحماسٍ مكتوم: “إنهم يبنون منتجعًا هنا!”
“منتجع؟!”
أومأت شارون بعينين متألقتين بالحماس.
“نعم، هناك عند الشاطئ! ظننتِ أنه متحف، أليس كذلك؟ لكنه منتجع فاخر!
سمعتُ بعض الزوّار الأنيقين يتحدثون عنه عندما جاؤوا مع والدي، وليس العمال وحدهم!”
تدفقت كلماتها بسرعةٍ مفعمةٍ بالحيوية.
“أليس منطقيًّا؟ المكان هادئ ودافئ، ولدينا البحر… موقع مثالي لمنتجع!”
انعكس فخرها ببلدتها على ملامحها، وبما أنّها ابنة العمدة، فقد كانت كلماتها تحمل وزنًا خاصًّا.
لكن حين لم تتلقَّ ردًّا فوريًّا، أمالت رأسها قليلًا وسألت: “ما رأيكِ يا ريينا؟”
“آه؟ ماذا؟”
“المنتجع! بما أنكِ من خارج البلدة، فلا بدّ أنكِ رأيتِ واحدًا من قبل؟ سمعتُ أنّها ضخمة جدًا، أكبر بكثير من نزل جود!”
ترددت ريينا لحظةً، ثم قالت بهدوء:
“لم أزر منتجعًا قطّ، لكن حين كنت صغيرة، مررتُ ببعض الفنادق هنا وهناك.”
عادت إليها الذكريات كأنها طيفٌ قديم—أيام الطفولة، التنقّل بين المدن، طلب النقود، والركض بعد الطرد أو الضرب.
وحين فتحت عينيها مجددًا، فكّرت بصوتٍ داخليٍّ هادئٍ: على الأقل ستقضي ما تبقّى من أيامها في هذه المدينة الجميلة الهادئة.
حتى لو ارتفع المنتجع فوق هذه الشواطئ، ستظلّ غير مرئية، غريبةً بلا ملامح، كما كانت دائمًا.
نعم، سيكون كلّ شيءٍ بخير.
لم يعثر عليّ أحد بعد.
وسأبقى هادئةً…
حتى النهاية.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 21"