1
( المقدمة )
الفصل الأول: حين عبرت المرآة
كانت الساعة تُقارب الثانية عشرة منتصف الليل حينما عمّ الهدوء المنزل، وكأن أنفاس الجدران قد حُبست، وكأن كل الأصوات تنفست الصمت دفعة واحدة.
جلست رين على سريرها، تحدق في سقف غرفتها كأنها تنتظر شيئًا مهما.
الليلة، والديها باتا عند خالتها، وهي وحدها في المنزل القديم ذي العلية التي يهمس عنها الجميع.
منذ أن انتقلوا لهذا البيت، كانت هناك إشاعات لا تُروى إلا بصوتٍ منخفض، عن علية مهجورة، مرآة غريبة، وأصوات ليليّة لا تُشبه الريح.
“البيت عمره أكثر من ثمانين عامًا”، قالت الجارة ذات مرة
وهمست: “الذين صعدوا تلك العلية… لم يعودوا كما كانوا.”
لكن رين؟ كانت فتاة مختلفة.
لم تكن تخاف القصص، بل تهيم بها.
الرعب بالنسبة لها لم يكن شبحًا في الظلام، بل حكاية تنتظر الاكتشاف.
وقفت من على سريرها بحماسةٍ مترددة.
ارتدت كنزتها الفضفاضة، وسروالها الرياضي، ثم رفعت شعرها البنيّ القصير إلى ذيل حصانٍ مرتفع.
أمسكت بهاتفها، وأخذت مقلاة صغيرة من المطبخ – تحسبًا لأي هجوم غير متوقع من فأر، أو…
عنكبوت.
تسللت بخفة، وكأن صوت خطواتها يكشف سرها.
اقتربت من الدرج الخشبي المؤدي إلى العلية، الدرج الذي لطالما نُهيت عن صعوده.
مدت يدها وسحبت الحبل القديم المربوط إلى سقف الصالة، فهبط باب صغير من الخشب، تصاعد منه غبار كثيف جعلها تسعل بخفة.
صعدت.
درجة…
اثنتان…
حتى دخلت إلى عليةٍ ضيقة، خانقة، مليئة بصناديق قديمة ورائحة عتيقة تشبه الكتب المبللة.
أضاءت فلاش هاتفها، فرأت الغبار يتراقص في الهواء مثل أرواح صغيرة عالقة في الزمن.
كل شيء هنا يهمس بالقدم، بالسر، بالماضي.
وفجأة…
توقفت.
على الجدار المقابل، كان هناك عنكبوت…
كبير بما يكفي ليجعل قلبها يقفز.
رين: آآآآآآء!
صرخت، تراجعت خطوة بسرعة، فقدت توازنها، سقطت على ظهرها، ويدها سحبت معها قطعة قماش سميكة كانت تغطي شيئًا ما.
حين فتحت عينيها، لم يكن ما رأته متوقعًا.
مرآة.
كبيرة، بإطار من الذهب المُعتّق، وزجاجها نظيف رغم كل هذا الغبار.
لكنها لم تكن ترى انعكاسها.
بل رأت…
غرفة مختلفة.
ذات سقف مرتفع وثريا بلورية تلمع بوميض دافئ. وستائر مخملية، وسجادة، وطاولة خشبية عتيقة…
وشاب.
شاب يجلس على أريكة ملكية، يرتشف الشاي من فنجانٍ مزخرف، ويرتدي ملابس لا تشبه هذا الزمان.
عيونه كالذهب…
تمامًا كلون الشمس حين تلمع من خلف الغيم.
لاحظ وجودها.
رفع نظره، تثبّتت عيناه في عينيها الرماديتين المذهولتين.
هو لم يتكلم أولًا، بل نهض ببطء، وكأنها شبحٌ لا يتأكد من وجوده.
قالت هي، بصوت متردد لكنه ساخر قليلاً
رين: ممم… مرحبًا؟ ما الذي أراه؟ هل أنت في حفلة تنكرية؟ أم أنك خرجت من مسرحية ملكية؟
قطّب حاجبيه، وكأنها أهانت شيئًا عظيم، وقال بصوتٍ هادئ فيه حدة
ليونيل: أنا… ولي العهد ليونيل الثالث، وريث التاج الذهبي.
ارتفعت حاجباها، وقالت بنبرة عفوية
رين: آسفة، ولي العهد؟ أأنت تكلّمني من القرن التاسع عشر؟
تقدم خطوة، ونظر حوله ثم إليها، وقال
ليونيل: وكيف تجرئين على مخاطبتي بهذه الطريقة؟ هل أنتِ ساحرة؟ كيف وصلتِ إلى هنا؟
ضحكت، وقالت
رين: أنا؟! لا، بل أنا فتاة تسكن فوق هذه العلية، وأنتَ من ظهر في مرآتي. من المفترض أن أطرح السؤال ذاته!؟.
نظر إليها، صامتًا.
هي أيضًا صمتت للحظة، ثم همست
رين: انتظر… هذا ليس حلمًا، أليس كذلك؟ أنت… حقيقي؟
لم يجب.
فقط نظر.
مرّت لحظة، طويلة، مشبعة بالتوتر.
هي أول من تكلم مرة أخرى، بصوتٍ أقل تهكمًا
رين: اسمك ليونيل؟ إذًا فأنت ولي عهد فعلًا؟
قال، بصوت أقل غرورًا
ليونيل: نعم… ومن تكونين؟
قالت ببساطة
رين: رين. طالبة. عادية. في اول عام لها في ثانويه. نحن في عام 2026.
تنفس ببطء وقال
ليونيل: 2026؟ أي جنونٍ هذا؟!
نظر كلاهما إلى بعضهما، بين عالمين، بين مرآة لا يفترض أن تكون بوابة، وغرفة لا يفترض أن تتحدث مع أخرى.
وللمرة الأولى…
شعر كلٌّ منهما أن شيئًا غير مألوف بدأ يتسلل إلى قلبه.
ولم يكن أحدهما يعرف، أن هذه الليلة… لن تكون الأخيرة.
يتبع….
Chapters
Comments
- 1 - المقدمة الفصل الأول: حين عبرت المرآة منذ 23 ساعة
التعليقات لهذا الفصل " 1"