2
لم يكن من الصعب على تيميا أن تتذكّر أول لحظة في حياتها.
فمعظم سنوات حياتها القصيرة كانت تمضي وهي طريحة الفراش، تتلوّى من الألم وتئنّ من شدّته.
لذلك، لم يكن غريبًا أن تكون أوّل ذكرى في حياتها أيضًا من زمن كانت فيه حبيسة الحمى.
جسد يرتجف يومًا بعد يوم، رأس ملتهب بحرارة الحمى، رؤية مشوشة، وثقل يحيط بكل أطرافها وكأن عليها بطانية سميكة لا تستطيع الحراك تحتها.
كانت تعاني عشرات الأمراض المزمنة، ومع ذلك لم يكن هناك اسم محدد لمرضها ولا علاج له.
حتى أمهر المعالجين السحريين، والصيادلة، والكهنة، عجزوا عن معرفة السبب.
ولهذا السبب، وبعد أن شُخّصت حالتها بأنها مرض عضال مجهول السبب، أُرسلت إلى فيلا بعيدة لتنال هواءً نقيًا وراحة تامة.
في تلك الفيلا المعزولة البعيدة عن صخب المدينة، لم يكن يتجوّل سوى مربية ترعاها، وبعض الخادمات والخدم.
كان الجميع هناك يلتزم الصمت، ويجتهد فقط من أجل راحة “الآنسة الصغيرة”.
لكن الأيام التي ضاقت فيها تيميا ذرعًا بذلك الصمت حتى كرهته، أخذت تزداد.
كانت تصل رسائل من العائلة مليئة بالاطمئنان عليها، مع الكثير من الهدايا، لكن نادرًا ما كان أحد يزورها بنفسه.
فوالدها الدوق كان ملازمًا للملك، ووالدتها الدوقة كانت منشغلة باستضافة الحفلات الاجتماعية، وأشقاؤها الأربعة كانوا في أكاديمية المملكة الداخلية أو يعيشون في صفوف الفرسان، ولا يستطيعون مغادرة العاصمة.
في النهاية، وجدت نفسها وحيدة في تلك الفيلا، تبكي حتى تحمر عيناها، نادمة على حياتها، وتنتظر موتها.
ومع ذلك، لم تفقد تيميا رغبتها في الحياة تمامًا، بفضل شخص واحد منحها أملًا جديدًا.
كانت تلك الشخص هي “كايللي”، ابنة أسرة البارون لاكروي، التي كانت ضيعتها ملاصقة لممتلكات آل إيتفال، مما جعل اللقاءات بينهما ممكنة.
كانت الفتاتان تتحدثان تحت الأغطية حتى يحمر وجهيهما من الحر، وتتبادلان همسات عن أحلام وأسرار خبأتاها في قلبيهما.
وأحيانًا، عندما تتحسّن حالة تيميا، كانتا تمسكان بأيدي بعضهما وتخرجان لاستكشاف أرجاء الفيلا الواسعة.
ومع مرور الوقت، أصبحتا تعتبران بعضهما أفضل صديقات.
“أتعلمين، تيميا… لدي سر جديد لم أخبركِ به من قبل…”
تحت ظل شجرة في الحديقة، كانتا مستلقيتين على بساط صغير، تتبادلان أطراف الحديث، حينما مرّرت كايللي أصابعها في شعرها الأسود الناعم وهمست بشيء في أذن تيميا.
هبّت نسمة قوية تحمل رائحة الأكاسيا في يوم ربيعي، ففتحت تيميا عينيها دهشة وصاحت بلا وعي:
“ماذا؟! تقولين إنكِ وقعتِ في حب شخص ما؟! لماذا لم تخبريني… كح كح!”
“إهدئي، لو فاجأتكِ مرة أخرى قد تختنقين! هيا، الجو بارد، سندخل قبل أن تشتد الحمى.”
“انتظري! كح… هل ستتركينني هكذا؟!”
“لو دخلتِ واستلقيتِ بهدوء، قد أخبركِ بالمزيد. هيا، ارتدي شالكِ، لا أريدكِ أن تصابي بزكام الصيف.”
كان الحديث عن أول حب لفتاة في عمرها أكثر متعة بكثير من أحاديث الأدوية وردود فعل الجسد عليها.
ومنذ ذلك الحين، أصبحت تيميا تعتمد على كايللي كليًا في حياتها.
كانت زيارات كايللي القصيرة إلى الفيلا هي اللحظات الوحيدة التي تستطيع فيها أن تضحك بصدق، وتشعر كما لو كانت تعيش حياة طبيعية.
حينما أسرعت تيميا إلى الفراش يومها، همست لها كايللي بأن الشخص الذي تحبه يعمل خادمًا في منزلها، وأنها قلقة لأنه من العامة.
كم كانت ملامحها وهي تزم شفتيها مضحكة، حتى أن تيميا، رغم السعال المستمر، التقطت كل كلمة من حديثها.
لكن ذلك الحديث انقطع، إذ ارتفعت حرارة تيميا مجددًا واضطرت للبقاء في الفراش.
وبعدها، بدأت حالتها تتدهور مرارًا وتكرارًا، حتى أنها لم تعد ترى كايللي إلا نادرًا، ثم انقطعت زياراتها تمامًا.
ومضت عدة أشهر، وفي يوم وهي غارقة في وحدتها، وصلتها فجأة رسالة.
[عزيزتي تيميا،
أعتذر لأنني لم أتواصل معكِ منذ مدة.
أردت زيارتك، لكنني لم أستطع بسبب أمر طارئ… لقد تمت خطبتي.
هل تذكرين حين أخبرتكِ أنني أحب شخصًا؟
كنت أتمنى لو كانت خطبتي منه، لكنني سأُجبر على زواج مرتب من شخص لم أرَ وجهه من قبل.
اسمه رويل فان تريا، ابن الكونت تريا الثاني.
يقول أبي إنه ساحر موهوب جدًا، لكن فكرة الزواج من شخص غريب عني تحزنني كثيرًا.
لا أملك من أستند إليه الآن، وأشعر أنني سأتمكن من الصمود لو كنتِ بجانبي.
هل ستحضرين حفل خطوبتي وتقفين معي؟
أفتقدك كثيرًا.
— كايللي، صديقتك الوحيدة.”]
كانت مع الرسالة بطاقة تحدد موعد ومكان الحفل.
لكن تيميا، التي كانت طريحة الفراش تعاني من الحمى والتشنجات، لم تتمكن من الحضور.
أرسلت بدلًا من ذلك هدية: سوارًا فاخرًا مرصعًا بالجواهر، أهدته لها والدتها حين كانت شابة، وقالت لها إنها حين تحب شخصًا بصدق فلتمنحه السوار علامة على حبها.
لكن تيميا، التي لم تحضر أي حفلات، لم تجد من تهديه له، فأرسلته إلى كايللي مع رسالة مليئة بالكلمات الحانية.
انتظرت ردًّا طويلًا، وتخيّلت أن كايللي ستبالغ في شكرها وتضحك معها، لكنها لم تتلقَّ أي جواب.
مر شهر، ثم شهران، ثم ثلاثة، وبدأ القلق يتسلل إلى قلبها.
الغريب أن رسائل عائلتها أيضًا بدأت تقلّ، وصارت مختصرة، خالية من التفاصيل المعتادة عن حياتهم اليومية، وكأنهم يخفون عنها أمرًا ما.
لكنها، ببراءتها، ظنّت أنهم فقط مشغولون.
مرت سنة كاملة… وفي يوم ما، وصلها السوار الذي أرسلته إلى كايللي، مُعادًا إليها بلا كلمة واحدة.
سقطت تيميا مغشيًّا عليها بعد أن أنهكها البكاء.
•••
ثم، حدث الأمر المفاجئ بلا أي إنذار.
استيقظت تيميا ليلًا على يد تهزها بقوة.
“آنستي تيميا! انهضي بسرعة!”
“مم… مربيتي؟ ما الأمر؟ لا يزال الليل حالكًا…”
“ليس وقت النوم! علينا أن نهرب فورًا، المكان في خطر!”
وضعت المربية شالًا سميكًا على كتفيها، وقادت تيميا خارج الغرفة.
كان الخدم يركضون في كل اتجاه، والذعر يملأ أعينهم.
ومن النافذة، كانت ترى النيران تلتهم حديقة الفيلا.
قادتها المربية مسرعة نحو المكتبة، وهناك التفتت إليها بيدين مرتجفتين:
“اسمعيني جيدًا يا آنسة… سيهاجم السحرة هذا المكان قريبًا، وهم يستهدفونك أنتِ.”
“أنا؟! ولماذا؟!”
“كنت أخفي الأمر حتى لا تقلقي… لكن هناك تمرد يقوده السحرة في العاصمة، وجاؤوا إلى هنا ليأخذوكِ رهينة. هذه الفيلا ليست محمية مثل قصر العائلة، وإذا أمسكوا بكِ، فسيكون من السهل عليهم الضغط على عائلة الدوق إيتفال الموالية للملك…”
“ماذا تقولين؟!”
لكن الكلمات التالية جعلت دمها يتجمّد:
“أتدرين لماذا عاد السوار الذي أهديتِه للآنسة كايللي إليكِ؟”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

عالم الأنمي عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!

إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 2 - الهروب (2) 2025-08-13
- 1 - الهروب من المنزل (1) 2025-06-17
التعليقات لهذا الفصل " 2"