سيدة؟ لا أحد ناداني بهذا من قبل!
للحظةً، شعرتُ كأنني نبيلة، مُنغمسة في حكاية خيالية.
ما زالت يدي اليمنى موضوعة بلطف فوق يده، رمشت ببطء، غير متأكدة مما يجب فعله بعد ذلك.
‘ما الرد المناسب في مثل هذا الموقف؟’
لم يكن لدي أي فكرة عن آداب أو أخلاقيات النبلاء.
المرجع الوحيد الذي كان لدي هو ذكرى بعيدة عن امرأة نبيلة يرافقها فارس
“آه… إذن، سأترك الأمر لك”، قلتُ بتردد.
صوت تلك النبيلة في ذاكرتي بدا واثقًا، لكن كلماتي افتقرت تمامًا لثقتها.
لحسن الحظ، لم يبدُ إيميليان وكانه يمانع. تجعدت عيناه وهو يبتسم بجمال، نبرته مليئة بالسحر.
“إنه شرفٌ لي أن أرافق سيدةً بهذا الجمال.”
“…!”
احمرّ وجهي، وبدأ قلبي يخفق بقوة.
غير قادرة على مواجهة نظراته، حوّلتُ انتباهي إلى مكان آخر، وأنا أتمتم في داخلي:
‘كل هذا لأنه وسيمٌ بشكلٍ مثيرٍ للسخرية…’
نظرتُ حولي في الرواق بقلق، أتحقق مما إذا كان أحدٌ يشاهدنا.
“امم…إيميليان، هل يمكنك أن تترك يدي الآن؟” سألتُ بحذر.
“لا”، أجاب ببساطة. “ألم أقل إنني سأرافقك؟”
“حسنا.. نعم، لكن… قد يرانا أحد. بالإضافة إلى ذلك، أنا لست نبيلة.”
شعرتُ أن مرافقة كهذه لا تناسب شخصًا مثلي — عامية، رغم ملابسي الأنيقة والمعاملة التي لا أستحقها.
عندما قلتُ ذلك، سقط تعبير إيميليان قليلًا، وبهتت عيناه بإشارة خفيفة من خيبة الأمل.
“أنا لست نبيلًا أيضًا. هل هذا يعني أنني لا يمكن أن أرافقك؟”
هذا التغيير المفاجئ في سلوكه جعلني أصاب بالذعر، وهززتُ رأسي بسرعة.
“لا، لا أقصد ذلك! أنت متسامى! هذا يجعلك مميزًا — أكثر من أي نبيل!”
كان هناك متعاليٌ واحد فقط في الإمبراطورية بأكملها، وهو إيميليان. لقد كان مقدرًا له حياةٌ ترفعه فوق أي نبيل عادي.
“لماذا تعتقد أن جلالته يعطيك كل هذا التعليم النبيل؟ لأنه يخطط لمنحك لقبًا يومًا ما.”
إيميليان، بطل الحرب المستقبلي، كان من المقرر أن يصبح دوقًا في سن العشرين.
ابتسم الفتى المعني، ثم أجاب:
“حسنا. إذن لا توجد مشكلة.”
“هاه؟”
“إذا تزوج نبيلٌ من عامية، تصبح العامية نبيلة أيضًا، أليس كذلك؟”
“نعم، هذا ما يقوله القانون الإمبراطوري.”
‘انتظر… لماذا يذكر هذا الآن؟’
هل تضمنت دروس الآداب قوانين الزواج الإمبراطورية؟ بدا ذلك معقولًا، نظرًا للتغيير المفاجئ في الموضوع.
ما زلتُ حائرة، أميل برأسي، واصلتُ السير معه، وأيدينا ما زالت متشابكة.
***
وصلتُ مبكرًا إلى المختبر وفتحتُ النوافذ على مصراعيها، للسماح لهواء الصباح المنعش بالدخول.
الزنابق الصفراء التي قطفتها من أحواض الزهور خارج المعهد كانت الآن مرتبةً بأناقة في مزهرية.
غلت الغلاية بهدوء على الموقد بينما كنتُ أعد إبريقًا قويًا من الشاي. وضعتُ كوبًا يتصاعد منه البخار على مكتب دكتور هيرمان، ثم توقفتُ، نظراتي معلقه على مجلده البحثي.
‘دكتور هيرمان دقيقٌ جدًا.’
بالأمس، بينما كان خارجًا طوال اليوم، القيت نظره خاطفة على مكتبه وأدراجه، على أمل اكتشاف ادله حول مرض ابنته.
على الرغم من تفحصي لكل دفتر ومجلد، لم أجد شيئًا.
سمعتُ من ثيو أن الدكتور هيرمان يحتفظ بمرض ابنته سرًا خوفًا من أن يؤثر ذلك على مستقبلها. ومع ذلك، لم أتوقع منه أن يكون بهذا الدقة.
أعدتُ المجلد إلى مكانه، وأنا أتمتم: “لهذا السبب حتى ثيو لا يعرف أي شيء عنه.”
ظل لغز مرض ابنته دون حل، لكن كان لدي مشكلة أخرى ملحة.
“ناهيك عن أنني ما زلتُ لم أعرف كيف أصبح مساعدته…”
بينما كنتُ أرتب مكتبه، فُتِح باب المختبر فجأة.
“آه، أنيس، أنتِ هنا مبكرًا”، قال ثيو وهو يدخل.
نفض الثلج عن كتفيه، وخلع معطفه، وارتدى ثوب المختبر. ثم، بتنهيدة مُتْعبة، جلس أمام منضدة العمل.
“آه… متى سأنتهي من كل هذا؟ موعد تقديم الورقة ليس بعيدًا.”
ثيو، رغم كونه مساعدًا، كان يستعد لمراجعة ورقته البحثيه القادمة. إذا نجح، سيرقى إلى باحث متمرس.
تحقق من القياسات في دورق، ثم صب السائل في قارورة. بالحكم على ترتيب الأدوات، كان يصنع كواشف.
بدافع الفضول، اقتربتُ من منضدة العمل.
“ثيو، هل تحتاج مساعدة في كاشف NTT؟”
وهو يهز القارورة لخلط محتوياتها، ضحك ثيو.
“أنتِ؟ تساعدين في كاشف NTT؟ هل تعرفين حقًا كيف تصنعيه؟”
“نعم. ساعدت في التجارب في مختبر أبحاث المتعالين”، أجبتُ بهدوء.
“ذلك الكاشف باهظ الثمن؟ سمحوا لطفلةٍ مثلكِ بالتعامل معه؟ حسنًا، صحيح”، قال وهو يشكك بوضوح.
لنكون منصفين، كان لديه وجهة نظر. كاشف NTT يكلف 100 فضة لكل دفعة، وهو مبلغ باهظ.
لكن الراعي الذي يمول مختبر أبحاث المتعالين كان يُشاع أنه ثريٌ بشكلٍ غير معقول. لم أعرف هويته أبدًا لأنني لم أنهِ الرواية، لكن بدا الأمر معقولًا.
عملية صنع الكاشف لم تكن معقدة، ولهذا كان الباحثون يتركونها غالبًا لأطفال مثلي.
هززت كتفي بلا مبالاة.
“يمكنك دائمًا اختباري لترى إذا كنتُ أكذب. ماذا لديك لتخسره؟”
“حسنًا… أعتقد أنكِ محقة في ذلك…”
تردد ثيو، يحك ذقنه. شعرتُ بتردده، فدفعتُ الأمر أكثر.
“وقد قلت إن موعد الورقة يقترب، أليس كذلك؟”
تجعدت حاجباه عند التذكير، وعرفت أنني أقنعته.
بعد لحظة من التردد، استسلم ثيو أخيرًا.
“حسنًا. دعيني أراكِ تصنعين واحد.”
أومأت وبدأت العمل.
لم يمض وقت طويل حتى سمعتُ صوت ثيو المصدوم.
“أنتِ… صنعتِ هذا حقًا؟”
“رأيتني أفعل ذلك”، أجبتُ بموضوعية.
“فعلت، وما زلتُ لا أصدق…”
حدق في قارورة الكاشف البرتقالي اللون، وعيناه تتلألآن بفضول جديد.
“هل يمكنكِ صنع المزيد؟”
أومأت بثقة.
قبل أن يمر وقت طويل، صنعتُ عشر دفعاتٍ مثالية من كاشف NTT.
“هذا لا يُصدق.”
فحص ثيو كل قارورة بعناية قبل أن يتعثلم قائلا:
“أنتِ لستِ مجرد طفلةٍ جاهلة، أليس كذلك؟”
“من الجيد أنك أدركتَ ذلك أخيرًا”، قلتُ مبتسمة.
“إذن لماذا لم تقولي شيئًا من قبل؟”
“حسنًا… لم أكن أرغب في استخدام المعدات دون إذن الدكتور هيرمان. قد يسبب لي ذلك مشاكل.”
هززت كتفي، وكأنه أكثر شيءٍ بديهي في العالم.
بلهجةٍ تأمرية، اقتربتُ أكثر وقلت:
“إذا أصبحتُ مساعدة الدكتور هيرمان، يمكنك التركيز كليًا على ورقتك. سأتعامل مع كل الأعمال الروتينية نيابةً عنك.”
أثار ذلك اهتمام ثيو، وتلألأت عيناه للحظة قبل أن يحك رأسه.
“مع ذلك، لا أعتقد أن الدكتور سيوافق. تعرفين كم هو عنيد.”
“بالضبط. لهذا أحتاج مساعدتك.”
“حتى لو حاولت، سيرفض ببساطة. الرجل لا يستمع إلى أحد.”
“إذن هل أنت موافق على عدم إنهاء ورقتك في الوقت المحدد؟” سألتُ ببراءه.
قفز ثيو وكأنه صعق بالكهرباء.
“بالطبع لا!”
“إذن حاول إقناعه. أنت تعرف دكتور هيرمان أفضل مني بكثير.”
تأوه ثيو محبطًا، واضح أنه ممزق. بينما كان يفكر، انشغلتُ بصنع المزيد من الكواشف وترتيب منضدة العمل.
عندما لاحظ، كان كل شيء في مكانه المثالي، مع قوارير مُصنّفة بدقة مصفوفة حسب النوع.
نظر إلى ثمار عملي، ثم استقام فجأة.
“حسنًا، سأحاول.”
بعزيمة جديدة، قبض على كفيه، وكأنه يستعد للمعركة.
***
صعد هيرمان إلى العربة، وتردد مارتن، خادم العائلة، قبل أن يتكلم.
“دكتور، أتغادر بالفعل؟ لم لا تستريح قليلًا؟”
“أغادر بالفعل؟ يوم واحد من الراحة كافٍ”، رد هيرمان بفظاظة.
نظرة مارتن خانت قلقه، لكنه لم يقل ما هو واضح: أن “يومًا واحدًا” كان اليوم الوحيد الذي أخذه هيرمان كإجازة طوال الشهر.
داخل العربة المهتزة، فتح هيرمان دفتر ملاحظاته.
بناءً على نتائج تجربته الأخيرة، عدّل صيغة علاج الكارمارين.
‘يجب أن أنهي هذا العلاج في أسرع وقت ممكن.’
ابنته سيسيليا تحملت مرضها بصبرٍ استثنائي، لكن هيرمان كان يعلم جيدًا أن الوقت ليس ابدياً.
╺──────╸⋆╺──────╸
ترجمة: Sally
التعليقات لهذا الفصل " 25"