“أنتِ.”
في تلك اللحظة، أوقفتني الدّوقة وأنا على وشك المغادرة.
توقّفتُ عن السير، متسائلةً عمّا ستقوله أخيرًا، ونظرتُ إليها.
“نعم!”
“من الأفضل ألّا تخبري التوأمين بما قلتهُ.”
“لماذا؟”
“لأنّه لا فائدة من معرفتهم.
إذا أخبرتِهم، سأستخدم كلّ سلطتي لضمان ألّا تغادري الدّوقية سليمةً.”
تهديد.
هذه المرّة، بدت جادّة، إذ غمر الغضب وجهها.
تحوّل وجهها الجميل إلى تعبير مشوّه.
اختفى انطباعها الودود بسرعة، وحلّ محلّه وجه قاسٍ.
‘بهذا الوجه، كانت تُهدّد التوأمين.
بهذا التعبير، بهذه النظرة.’
شخصٌ يبدو لطيفًا وودودًا يتحوّل فجأة، كان ذلك مخيفًا بما يكفي.
كافيًا لإخافة الأطفال الصغار.
“إذن، هل تقولين إنّني لن أُطرد من الدّوقية؟”
“يا للتفاهة…!”
“وجهكِ مخيف جدًا، يا دّوقة، لذا قلتُ ذلك فقط.
لا تقلقي، هذه قد تكون فرصتي الأخيرة، فلن أذهب لأخبر الجميع.”
ابتسمتُ لها ونظرتُ في عينيها.
ما زالت تبدو كمن لا تعرف كيف تتعامل معي، تُطلق ضحكة فارغة فقط.
“إذن، سأذهب الآن.”
دون انتظار إذنها، تركتُ الدّوقة المندهشة خلفي وغادرتُ المكان.
سمعتُ صوتها الخافت يناديني من الخلف، لكنّني تجاهلته عمدًا.
بعد أن ابتعدتُ قليلاً، التفتُّ لأرى تعبيرها.
كانت غاضبة جدًا، إذ كانت تضرب فنجان الشاي بقوّة، وسمعتُ صوت الطرق المتقطّع.
أدركتْ أنّني أنظر إليها، فحدّقت بي وهي ترتجف من الغضب.
‘أشعر وكأنّني قصّرتُ حياتي.’
لكن كان عليّ فعل ذلك.
من الآن فصاعدًا، لن تُؤذي التوأمين لتطردني.
هذا يكفي.
ستعتقد أنّني قد أكون حليفة لها، لذا ستوجّه كلّ مضايقاتها نحوي فقط.
‘وهذا لا بأس به.
طالما أنّكما ستكونان سعيدين.’
طالما لن يتكرّر ما حدث في الماضي.
لا أعرف لمَ أنا مهووسة بسعادة التوأمين إلى هذا الحدّ.
في النهاية، هما مجرّد ذكريات بالنسبة لي.
إذا طُردتُ من هنا، سيكونان مجرّد ذكرى من الماضي.
في الرواية، عاشا حياة بائسة، وتأثّرا عاطفيًا بسبب الإساءات المتكرّرة في طفولتهما.
لكن هل هذا مهمّ بالنسبة لي، وأنا أعيش هذه اللحظة؟
حتّى لو بقيتُ هنا، لن أكون سعيدة.
أنا لا زلتُ طفلة من الملجأ، لن أعيش حياة عاديّة.
‘هل أتوقّع فُتاتًا من السعادة ببقائي مع الأطفال؟’
هززتُ رأسي.
حتّى وأنا أتحدّث، أعرف أنّ هذا ليس صحيحًا.
كأنّني لا أفهم قلبي.
“ها… لا أعرف.
لمَ أنا مهووسةٌ إلى هذا الحدّ؟
هل هو بسبب الشفقة، أم هناك شيء آخر…؟”
كان رأسي يُؤلمني.
الصوت الغريب الذي يظهر في رأسي، والذي لا يبدو صوتي، يجعل الأمر أسوأ.
“على أيّ حال، يجبُ أن أعود.”
بعد تفكير طويل، بدأتُ أمشي عائدة إلى الغرفة.
على عكس القدوم، لم يكن هناك من يرشدني.
الدّوقية واسعة جدًا، ولا يوجد أحد من الكبار لطيف معي.
معظم الناس هنا عيون وآذان الدّوقة.
لذا، بما أنّ الدّوقة تكرهني، فمن الطبيعيّ ألّا يكونوا لطفاء معي.
حاولتُ تذكّر الطريق قدر استطاعتي.
“ها… كيف يكون منزل بهذا الاتساع؟”
كلّما ظننتُ أنّني وجدتُ الطريق، أكتشف أنّه ليس صحيحًا.
“لاري ولوهين ينتظرانني…”
قالا إنّهما سيتركان بعض الحلوى لي.
إذا تأخّرتُ أكثر، قد يقلقان ويظنّان أنّ الدّوقة فعلتْ شيئًا لي.
نظرتُ حولي بقلق.
شعرتُ وكأنّني وصلتُ إلى مكان مظلم وكئيب.
يبدو أنّه مكان تدريب الفرسان، إذ كانت هناك سيوف خشبيّة مرتّبة في كلّ مكان.
مكانٌ يُفترض أن يكون مليئًا بأعمدة الخيزران.
شخص واحد فقط كان يتدرّب بجدّيّة.
“آه… أظنّني أخطأتُ الطريق تمامًا… كيف أخرج من هنا؟”
نظرتُ حولي.
كان من الأفضل العودة من الطريق الذي أتيتُ منه، لكنّني، كوني سيئة جدًا في الاتجاهات، نسيتُ الطريق.
لا أعرف حتّى المدخل الذي دخلتُ منه.
أنا حقًا سيئة جدًا في الاتجاهات.
لا يوجد أحد يمرّ، وهناك فقط شخص يلوّح بالسيف في المنتصف، فلا أجد من أسأله.
“يجب أن أسأل شخصًا…”
ما هذا المكان؟
متاهة؟
في النهاية، اقتربتُ من الشخص الذي يتدرّب.
مهما كنتُ مكروهةً في الدّوقية، يمكنني على الأقل طلب الطريق.
لكن الموجود هناك لم يكن سوى الدّوق نفسه.
رجلٌ مركّز تمامًا على سيفه دون تغيير في تعبيره.
مع كلّ حركة، كان السيف يُصدر صوتًا حادًا، وكأنّ هالة غامضة تنبعث منه.
كمن سُحرتُ، اقتربتُ منه ببطء.
قبل أن أدرك، كان الدّوق يملأ عينيّ.
كان قد خلع قميصه، والحرارة تنبعث من جسده، والعرق يتساقط منه.
“ها…”
حقًا، لديه جسدٌ رائع.
هل سيصبح لوهين مثل هذا يومًا ما؟
لو كان لديه مثل هذا الجسد، لكان قادرًا على هزيمة الأشرار والعيش جيدًا بمفرده.
“متى ستصبح بصحّة جيّدة؟”
فوجئتُ بصوته المفاجئ، ونظرتُ إليه بدهشة.
كان قد أدار عينيه نحوي بعد هذا الكلام.
هل كان يتحدّث إليّ؟
“آه.”
“لستِ أنتِ.”
يبدو أنّه كان يتحدّث إليّ، فمائل رأسه.
“للحظة، ظننتُكِ لاري.”
“آه، أعتذر.
كنتُ أرتدي هذه الملابس بسبب بعض الظروف…”
“لكن، كيف عرفتَ أنّني هنا؟”
“شعرتُ بوجود شخص.
لذا استغربتُ.
من الخارج، تبدين مثل لاري، لكن الطاقة التي تنبعث منكِ مختلفة.”
“طاقة؟ ما نوع الطاقة التي أملكها؟”
زال إحراجي بسرعة.
كعادته، واصل الدّوق الحديث، وأخذ منشفة من الطاولة القريبة ومسح جبهته.
“تشبه طاقة مكان لا أحبّه كثيرًا.”
“مكان لا تحبّه؟ ماذا تعني؟”
“شيء من هذا القبيل.
إذن، لمَ تتجوّلين؟
أن تصلي إلى هنا، يعني أنّكِ…”
في تلك اللحظة، انبعثت طاقة خطيرة من الدّوق، الذي كان هادئًا حتّى الآن.
نية قتل، ربّما.
‘آه، هذا موقف مثاليّ لسوء الفهم.’
نظرتُ حولي.
أنا أتيتُ هنا لأنّني ضللتُ الطريق، لكن من وجهة نظره، قد يبدو الأمر وكأنّني “جئتُ كقاتلة مستغلّة فرصة تدريبه بمفرده.”
“آه! لا، ليس كذلك!”
“ما الذي ليس كذلك؟”
“لم أكن أتجسّس هنا وهناك!
لم أكن أنوي فعل شيء لكَ، يا دّوق!
ضللتُ الطريق فقط…
لم أكن أريد القدوم إلى مكان تدريب تفوح منه رائحة العرق.
لو كنتُ سأذهب إلى مكان، لاخترتُ حديقة زهور جميلة، أو ذهبتُ مع الأطفال…”
ما الذي أقوله الآن؟
خوفًا من سوء الفهم، بدأتُ أتحدّث بسرعة، لكنّني قلتُ أشياء غريبة.
“هذا…”
“بفت!”
“… ماذا…؟”
“أعتذر.
لم أكن أعلم أنّ المكان المفتوح يفوح برائحة العرق لهذه الدرجة.
للحظة، شككتُ بكِ، لكن يبدو أنّه لا داعي للشكّ.”
“آه…”
الحمد لله.
على الرغم من أنّني شعرتُ بقليل من الإهانة.
هل لأنّني قلتُ إنّ المكان يفوح برائحة العرق؟
فجأة، أمسك عدّة مناشف وبدأ يمسح جسده.
“ههه…”
“فكّرتُ أنّكِ لو كنتِ قاتلة أو مكلّفة بمهمة، لما كنتِ تقفين هكذا تشاهدينني بصراحة.
كلامتكِ الخرقاء جعلني أدركُ ذلك.”
“آه! نعم، بالضبط!”
“صحيح.
لو كنتِ هنا لمراقبتي، لما وقفتِ هكذا.”
أومأتُ بقوّة.
“صحيح.
لم أكن أنظر إلى جسدكَ… أقصد، ليس كذلك.”
هل بسبب إرهاقي من المشي إلى هنا؟
أم بسبب الإنهاك العقليّ من الدّوقة؟
أم أنّني أردتُ أن أبدو كطفلة عاديّة أمامه؟
تحرّك فَمي بشكلٍ غيرَ مُعتاد.
“ممتعٌ.”
الحمد لله، لم يقل “أريد قتلكِ” أو شيئًا من هذا القبيل.
“إذن، ضللتِ الطريق؟”
“نعم.
إذا أخبرتني بالاتجاه فقط، سأغادر فورًا.”
“لا، سأرافقكِ بنفسي.”
“آه، نعم.”
كان هذا غير متوقّع تمامًا.
ارتدى قميصه بسرعة ونظر إليّ.
تبعته كجرو يتبع صاحبه، وركضتُ إلى جانبه.
يبدو أنّ هناك مدخلاً آخر غير الذي دخلتُ منه.
خرج الدّوق إلى مكان ما، وكان هناك فرسان يصطفّون.
“خرجتَ مبكرًا اليوم.”
“نعم.”
“وما هذا بجانبكَ؟
كنتَ بمفردكَ عندما دخلتَ.”
“دخلتْ.”
“نعتذر.
يبدو أنّ المدخل الآخر كان مفتوحًا.
سنتأكّد منه مجدّدًا.”
آه، إذن كانوا قد أغلقوه عمدًا.
كنتُ أتساءل لمَ بدا المدخل مختلفًا قليلاً عن الآخرين.
الباب الذي يُفتح بانزلاق كان مزوّدًا بقفل كبير، ولم يكن هناك سوى فتحة صغيرة لا يمكن أن يمرّ منها سوى طفل.
‘لهذا ظننتُ أنّ هذا هو الطريق.’
إذا كان هناك شيء مريب، فهو دائمًا بابٌ…
في تلكَ اللحظةُ…
✧───── ⋆⋅☆⋅⋆ ─────✧
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً لهذهِ الرواية في واتباد وقناة الملفات،
حَسابي واتباد : _1Mariana1
( حسابي السابق قد حُذف)
وستجدون إعلانات تنزيل الفصول قبل هيزو في الرابط المثبت أول التعليق ~ ❀
التعليقات