“هاه…”
“أووو!”
اقتربتُ خطوةً واحدة من الطفل الذي كان يُهدّدني بأصواتٍ متغيّرةٍ.
شعرهُ، الذي لم يُعتنَ به أبدًا حتى بات من الصعب تمييز ما إذا كان فضيًّا أم رماديًّا، كان متشابكًا بشدّة.
لكن عينيه الزرقاوين، اللتين وُصفتا في الرواية، كانتا واضحتين تمامًا.
لم يعد هناك مجال للشكّ.
هذا الطفل هو بالفعل الشرير أو الشريرة في الرواية.
اللعنة!
أمسكتُ رأسي النابض وأنا أتنهّد، ثم قلتُ بنبرةٍ جافّةٍ:
“اختر واحدًا فقط.
هل أنتِ كلب أم ذئب؟”
بعد أن قلتُ ذلك، شعرتُ أنّه يبدو غريبًا بعض الشيء، فأعدتُ السؤال:
“لكنكَ تبدو كإنسان.”
عندما اقتربتُ أكثر، اختفى شعور الخطر تمامًا.
لم أكن أنا من يشعر بالخوف، بل كان الطفل، الذي ظهر بمظهر وحشيّ، هو الخائفَ.
شعرتُ بمشاعره النيئة التي كان يُطلقها لحماية نفسه، كما لو كان قنفذًا يرفع أشواكه عند ظهور تهديد.
صحيح أنّ أظافرها أو بالأحرى مخالبه، كانت تبدو مهدّدةً بعض الشيء، لكن لم يبدُ أنّ لديها أيّ نية لمهاجمتي.
‘إنّه خائفٌ.’
كما لو كان حيوانًا قد فقد والديهِ.
شعرتُ بضيقٍ في صدري.
كنتُ قد جئتُ فقط لأتأكّد ما إذا كنتُ في عالم الرواية أم لا، لكنّني شعرتُ بغضبٍ يتفجّر داخلي.
‘كنتُ أكره الأشرار والشريرات بشدّةٍ.’
كنتُ ألعن أولئك الذين جعلوا حياة البطلة صعبةً وأتعسوا حياةَ البطل.
لكن عندما رأيتُ هذا الطفل الصغير، الذي ظهر أمامي بمظهر وحشيّ، شعرتُ بسخافةِ الموقف.
“…؟ لحظة.
هل أنتَ وحدكَ؟”
فجأة، خطرت لي فكرة، فتحدّثتُ بحذرٍ آملةً أن تكون الإجابة كما أتمنّى.
إذا كانت هذا الطفل وحيدًا وليس توأمًا، فهذا يعني أنّهُ ليس الطفل من الرواية!
لكن مهما انتظرتُ، لم يجب الطفل أمامي.
كلّ ما فعلته هو الزحف على أربع وتكوير جسدها.
“لن تجيب؟
إذا أجبتِ على هذا فقط، سأغادر.”
“أور…”
“همم… كيف أجعلكَ تجيبين؟”
هل لايفهمُ كلامي؟
أم أنّه لا يريدُ الإجابة؟
حسنًا، لو كنتُ مكانهُ، ربّما لم أتحدّث أيضًا.
أنا غريبة اقتحمت منطقتهم.
أنا دخيلة.
شخصٌ غريب.
جعل شخصٍ حذرٍ يُخفّض دفاعاته أمرٌ بسيط نسبيًّا، خاصّة مع الأطفال الجائعين.
“لكن هل ستتحدّث إذا أعطيتكَ هذا؟”
أخرجتُ لوح شكولاتة من جيبي وأنا أعبث به.
كأنّني كنتُ أتوقّع هذا الموقف، فقد سرقتُ لوح شكولاتة من المخزن هذا الصباح.
لوح شكولاتة ثمين جدًّا، لا يمكنني تناوله إلّا إذا سرقتهُ.
مددتُ اللوح نحو الطفلة الشبيهة بالوحش، لكن لأنّه كان ثمينًا، كانت يدي ترتجف.
‘شكولاتتي الثمينة…’
شعرتُ بالأسفِ، فارتجفت يدي قليلًا.
‘لا، لا.
ربّما لا يعرف حتى كيف تيكل الشكولاتة، أليس كذلك؟
بدلًا من إعطائها، ربّما شيء آخر…’
في تلك اللحظة، وكأنّ لوح الشكولاتة شعر بنهايتِه، قفز نحو الأرض.
“لا، لا تفعل ذلكَ!”
صرختُ في ذعرٍ وحاولتُ الإمساك به، لكن بسبب ارتباكي، طار اللوح مباشرةً نحو الطفلة.
“…!”
“…!”
أصبح الجوّ متوترًا فجأة.
“أمم، على أيّ حال، لن تأكلهُ، أليس كذلك؟
لذا…”
“أورر…”
لكن، على عكس توقّعاتي، التقط الطفل لوح الشكولاتة الذي سقط أمامها واستولت عليهِ.
ليس هذا فقط، فقد مزّق الغلاف بأظافره الطويلة، على عكس اعتقادي أنّهُ لن يستطيع فتحه.
بل إنّه، عندما لم يتمكّن من إمساك اللوح الطويل بأصابعهِ، عضّهُ بفمها ككلبٍ نجح في الصيد.
لكن الأمر توقّف عند هذا الحدّ.
بدلًا من أكله، نظر إليّ الطفل بعينين قلقتينَ.
“لا تقلقَ. إنّهُ لذيذٌ.”
“…”
“ألا تثق بي؟”
كما لو كان كلبًا يفهم الكلام، وضع الطفل لوح الشكولاتة على الغلاف، ثم قسمه إلى قطعتين كبيرة وصغيرةٍ بفمه، وحدّق بي.
“إذا لم ترغب في أكله، أعيديه.
هل تعلمين كم هو ثمينٌ هذا اللوحُ؟”
“أور…”
ثم ترك القطعة الصغيرة وأكل القطعة الكبيرة بسرعة.
“مهلًا، هل تقصد أنّني يجب أن أتذوّق هذا؟”
كان ما قلتهُ سخيفًا حتى بالنسبة لي، لكن الطفل الشبيهة بالوحش أومأتبرأسها.
“أنا آكله؟”
“…..”
“هه، هذا ظلم!”
لم يكفِ أنّ شكولاتتي الثمينة سُرقت، بل يجب أن أتذوّقها أيضًا؟
شيء عضّهُ كلب، أو بالأحرى طفل، ثم بصقه!
هل أنا ذوّاقةً ملكية؟
(ميري : الي تذوق قبل الملك و تشوف اذا الطعام فيه سم أو لا، واذا فيه سم هي الي توقع)
لكن لم يكن هناك خيارٌ آخر الآن.
اضطررتُ إلى وضع القطعة الصغيرة في فمي وابتلعتها.
رغم أنّها كانت كميّة قليلة جدًّا، إلّا أنّ نكهة الشكولاتة العميقة والغنيّة ملأت فمي بالكامل.
“مم. لذيذٌ.”
شعرتُ بتنميلٍ في جسدي.
بعد أن أصبحتُ آيشا، نادرًا ما تناولتُ شيئًا حلوًا، لذا حتى هذه القطعة الصغيرة جعلتني أشعر بالإثارةِ.
لكن لم أستطع إظهار هذا التعبير أمامهم، فتنحنحتُ وأدرتُ عينيّ بعيدًا.
“لذيذٌ جدًّا!”
بالغتُ في حديثي، لكن الطفلة لم تهتم بردّ فعلي.
بل، أمالت رأسها وتفحّصتني لفترةٍ طويلة.
‘كما لو كانت كلبًا يتأكّد إذا كانت فريستهُ ميتةً أم حيّةً.’
عندما رأت أنّني بخير، استدارت واختفت في الداخل.
“مهلًا، إلى أين تذهبين!”
لقد أكلتُ حتى الشكولاتة الملوّثة باللعاب!
شعرتُ بالظلم، فتبعتُ الطفلة إلى حيث تكدّست الأغراض.
هناك، كان هناك طفل آخر يرتدي شيئًا ما.
“أوه، لا…”
الطفل الذي أخرج رأسه عند رؤية الشكولاتة، عندما رآني أنظر إليهما، أخفى جسده بسرعة وكأنّه فوجئ.
“إذن، أنتم حقًا اثنان.”
“…”
“إذا كنتم صامتين إلى هذا الحدّ… هل لا تفهمان كلام البشر؟”
لديّ الكثير من الأسئلة.
خاصّةً، هل أنتم حقًا التوأمان المفقودان للدوق؟
لكن الأطفال لم يظهروا أيّ علامة على فهم كلامي، ناهيك عن التحدّث.
“أمم، اسمعا؟ أنا لستُ شخصًا خطيرًا.”
يبدو أنّهم يفهمون، ويبدو أنّهم لا يفهمون في نفس اللحظةِ.
“هل تفهمين النباج؟ ووف ووف؟ أنا… يمكنني… مساعدتكم… ووف”
لم يكن هناك ردّ، كما توقّعتُ.
لكن الطفل الذي أخذ الشكولاتة وقف أمامي، كما لو كان يقول لي لا تقتربي.
كانت نيّته واضحة.
لذا، بدلًا من الاقتراب، راقبتهما من مسافة.
كان شعرهما طويلًا ولم يكشفا عن وجهيهما بوضوح، مما جعل من الصعب تمييزهما.
لكن من تصرّفاتهما، استطعتُ التخمين تقريبًا.
‘بافتراض أنّ هذا عالم الرواية.’
الطفل الذي واجهني الآن هو على الأرجح لوهين، الذكر، والطفل الذي في الخلف هو لاريز، الأنثى.
كان الأمر دائمًا كذلك.
في الرواية، كان لوهين دائمًا يحمي لاريز.
‘في الحقيقة، كانت لاريز أقوى من أيّ شخص آخر.
كانت أكثر متانة من لوهين، وتملك قوّةً أكبر.’
لكن لوهين كان دائمًا يشفق على أختهِ لاريز.
لهذا السبب، عندما جاء الدوق ليبحث عنهما، أمسك لوهين بيده وغادر دار الأيتام أوّلًا، لأنّه لم يستطع إرسال لاريز مع شخصٍ مجهول.
بالطبع، بعد أن تأكّد من توفير بيئة آمنة للاريز لتعيش فيها بمفردها.
بينما كنتُ أفكّر في قصّة الرواية، أصبح الأطفال أمامي أكثر وضوحًا.
حتى لو تقلبوا على الأرض، كنتُ سأعرفهم.
“مهما فكّرتُ، يبدو أنّكم أنتم بالفعل هما….”
ظلّ الأطفال صامتين، وجلستُ أمامهم على الأرض.
الآن وقد تأكّد أنّ هذا عالم الرواية، لم يبقَ لي سوى خيار واحد.
“اسمعا، يا أطفال.”
بدأتُ أتحدّث إليهما كما لو كنتُ أؤدّي مسرحيّة بمفردي.
“في الحقيقة، لديّ حلمٌ.
أن أصبح مديرةَ دار الأيتام.
لماذا؟
لأنّه للقضاء على مديرة دار الأيتام الفاسدةِ، هذا هو الطريق الأمثل، لذا يجب أن اسعى في هذا الحلم
ويجبُ أن أنقذكما.”
لا أريد أن أموت محترقةً في هذا الدار بلا معنى.
صحيح أنّ المديرة فاسدة، لكن إذا غادرتُ هذا المكان الآن، لن أجد سبيلًا للعيش.
فوق ذلك، لأنّني اكتشفتُ تصرّفات المديرة منذ زمن، كنتُ أتصرّف بأفضل طريقة ممكنة منذ طفولتي لأحقّق حلمي العظيم.
في نظر الكبار، كنتُ فتاة لطيفة جدًّا، وقد اعتنيتُ بالأطفال كرئيسة للصف… لا، كقائدة للحيّ.
لذا، يحبّني العديد من الكبار، بما فيهم المديرة.
كلّ ذلك كان لهدف واحد: إسقاط المديرة الحاليّة والبقاء على قيد الحياة لفترة طويلة.
“لذا، فكّرتُ كيف يمكنني البقاء على قيد الحياة؟”
كان هناك إجابة واحدة: تربيتكما جيّدًا.
أمسكتُ قبضتيّ بقوّة وأعلنتُ عزمي.
‘لذا، عندما يأتي الدوق لاحقًا، سأطلب منه أن يترك دار الأيتام سالمةً.
يجب أن تظلّ هذه الدار قائمةً حتى أستولي على كلّ ثروة المديرة وأنتقم.’
وقفتُ وأنا أطحن أسناني، ثم نهضتُ من مكاني.
“لذا، انتظرا. سأحضر طعامًا.”
“…”
لم يكن هناك ردّ
، لكن المشاعر الحادّة التي كنتُ أراها فيهما خفت كثيرًا.
بالفعل، مشاركة حتى حبّة فاصولياء تجعل الناس يتقرّبون.
بالطبع، لم تكن حبّة فاصولياء، بل معظم شكولاتتي التي سَرقتها.
شعرتُ بألمٍ في صدري، لكنّني اعتبرتُها تضحيةً صغيرة من أجل هدفٍ كبير، فهيّأتُ نفسي.
“إذن، سأذهب وأعود. انتظرا.”
التعليقات لهذا الفصل " 2"