1
الفصل الأوّل: لقاءٌ مع الزّوج السّابق
في يومٍ كانت فيه كلّ الأشياء تبشّر بقدوم الخريف.
“أريل، استيقظي─!”
تردّد صراخ رجلٍ عالٍ في أذني أريل ريموند.
كانت طوال الطّريق إلى هنا تفقد وعيها وتستعيده مرّاتٍ لا تُحصى.
بينما كانت تتخبّط في حلمٍ غامض، استيقظت أخيرًا من كابوسها…
“هُك─!”
بالكاد استعادت أريل وعيها، فجذبها الرّجل بقوّة وأجلسها.
كان عقلها ضبابيًّا وتنفّسها مضطربًا جدًّا.
كلّ ذلك بسبب قوّة السّيطرة السّحريّة التي أطلقها زوجها، أي زوجها الثّاني، عليها.
جسدها وروحها الآن يُؤكلان تمامًا بهذه القوّة.
قوّة السّيطرة شلّت جسدها وجعلت وعيها يتلاشى تدريجيًّا.
“يبدو أنّكِ أخيرًا بدأتِ تستعيدين عقلكِ.”
“……”
ما إن فتحت عينيها حتّى رأت أمامها طليقها، أي زوجها الأوّل.
ذلك الّذي كانت تظنّه قد مات في ساحة المعركة.
إذًا فهذا المكان هو دوقيّة يوستيان الكبرى، قصره.
ارتعشت رموشها بعنف حين أدركت أنّها نُقلت إلى قصر الدّوق الأكبر.
في الوقت نفسه، تجعّد وجه الرّجل قليلًا.
تسرّب من حلقه صوتٌ خشنٌ كزئير وحشٍ يجرش أسنانه.
‘هل لقاؤنا مرّة أخرى مريعٌ إلى هذا الحدّ؟’
فكّر هكذا وهو ينظر إليها من الأعلى.
بدت نظراتها المرتعشة بلا وجهةٍ مذعورةً جدًّا.
ما إن استقرّت نظرته عليها حتّى انتفضت كتفاها وشهقت محبوسة أنفاسها.
كأنّ أحدًا يلعق حتّى نخاع عظامها، بل أحشاءها.
‘لماذا لم يقتلني فورًا وجلبني إلى هنا؟ بعد أن أباد معظم أفراد عائلتي…’
بالتّأكيد يريد أن يُذلّها.
ارتجفت زينة شعر أريل البيضاء النّاصعة ومجوهراتها برفق.
رامون دي يوستيان.
كان في الماضي زوج أريل، والآن رجلٌ لا تجرؤ حتّى على رفع عينيها إليه.
وها هو يقف أمامها.
حدّقت به أريل بنظراتٍ باردةٍ وضعيفة.
‘إن أثار مزاجه الوحشيّ عبثًا، فقد يؤذي الخدم المتبقّين من عائلتي.’
قرّرت أريل ألّا تُغضبه قدر الإمكان.
هكذا فقط يمكن لمن تبقّى من عائلتها أن يحتفظوا بحياتهم.
مرّت نظرة رامون الباردة كشفرة سيفٍ على جسدها كلّه.
“هل عدم معرفة المكانة موروثٌ عائليٌّ عندكم؟”
فجأة فتح فمه يسخر من عائلتها، فابيضّ وجهها الّذي كان شاحبًا أصلًا بسرعة.
تجهّم حاجباها.
“مـ-ما هذا الكلام…؟”
“سمعتُ أنّ حلمكِ الزّواج من فارسٍ يركب تنينًا. هل لقاء رجلٍ تافهٍ مثلي، نبيلٍ بالتّبنّي، مزعجٌ إلى هذا الحدّ؟ في موقفٍ يجعلكِ تتوسّلينني على حياتكِ، هاه؟”
تقوّس فمه المتين بسخريةٍ باردة، وانتشرت خيوط الدّم في بؤبؤيه الزّرقاوين الدّاكنين.
في الوقت نفسه، قبضت أريل ثمّ فتحت قبضتها دون وعي.
فجأة جذب خصرها النّحيل الّذي كاد ينكسر إليه بقوّة حتّى التصق بجسده.
“آه.”
ما إن مرّ شعره الأسود الكثيف الدّاكن على خدّها حتّى تقلّصت كتفاها بسرعة.
تسلّقت قشعريرة مرعبة عنقها الرّقيق.
لأنّ جسده الضّخم المخيف يلتصق بها بلا أيّ فراغ، شعرت بالخوف قليلًا.
‘كيف يمكن لإنسانٍ أن يصبح في بضع سنواتٍ فقط وحشيًّا وبهيميًّا إلى هذا الحدّ؟ لهذا لم أعرفه منذ البداية!’
تجهّمت حواجب أريل ممزوجةً بالإعجاب والخوف معًا.
‘أكثر من ذلك…’
حقيرٌ إذًا؟
هو الوصيّ على العرش، الحاكم الأعلى فعليًّا في الإمبراطوريّة، والمكان الّذي يتواجد فيه هو القصر الإمبراطوريّ نفسه.
صحيحٌ أنّه في الماضي كان يُشير إليه البعض بازدراءٍ على أنّه وحشٌ بلا أصلٍ التقطه الدّوق السّابق من الجبل بناءً على نبوءة، أو مظلّيٌّ هبط فجأة.
لكن لم يكن هناك أحدٌ في الإمبراطوريّة يجرؤ على التّلفّظ بذلك علنًا.
لأنّ لقب النّبل كان أهمّ بكثير من حقيقة كونه متبنّى.
وهي نفسها أيضًا من أصل نبيلٍ بالتّبنّي…
ابتلعت أريل ريقها بصعوبة وحدّقت به ببؤبؤٍ مرتجف.
كان قد التحق بفيلق فرسان التّنانين في سنٍّ صغيرة كنبيلٍ متبنّى، وتحمّل كلّ أنواع المشقّات حتّى بلغ سنّ الرّشد.
ثمّ قبل ثلاث سنوات، أُجبر على الانضمام إلى حملة غابة سيربيندل بسبب حسد النّبلاء له، فواجه الموت في ساحة المعركة.
أو هكذا كانت تعتقد أنّه مات.
“يبدو أنّ كبرياءكِ وحده لم يتغيّر.”
قالها بابتسامةٍ ساخرة.
عينان قاسيتان بلا ذرّة رحمة، فمٌ متين يبدو أنّه نسي كيف يبتسم ابتسامةً حقيقيّة، جسدٌ ضخمٌ مخيفٌ إلى درجةٍ صادمة، وملامحٌ فاتنةٌ ومغرية.
ما إن واجهته مجدّدًا حتّى بدا غريبًا أنّها استنتجت موته بسرعةٍ كهذه.
“……”
“حتّى في هذا الموقف، لا تبدين أيّ خوف.”
تجهّمت حواجبها مجدّدًا.
شعرت بإهانةٍ خالصة في نبرته السّاخرة.
‘كيف لا يكون هناك خوف.’
منذ أن رأت بأمّ عينيها خدم عائلتها يموتون، وهي طوال مواجهتها له مغمورةٌ بالرّعب.
من في هذا العالم لا يخاف الموت؟ لكنّ كرهها أكبر فحسب.
كان خائنًا دنيئًا خان أخاها الحقيقيّ.
مواجهة رجلٍ قاسٍ كهذا وجهًا لوجه كانت تسبّب توتّرًا شديدًا واختناقًا.
علاوةً على ذلك، رأت أريل بوضوحٍ تامّ كم شخصًا أعدم وقهر بقسوةٍ أمام عينيها.
‘ليتني أموت بسرعة…’
كان الرّجل أمامها عدوّها اللدود، فمواجهته كانت مزعجةً أكثر.
لكنّ نظرها، لسببٍ ما، كان ينجذب إلى وجهه الوسيم كالمغناطيس.
لأنّه كان يملك مظهرًا ساحرًا إلى درجةٍ تجعل حتّى الخادمة تحت التّحقيق تذهل.
‘لكنّ داخله بالتّأكيد شرّيرٌ وماكرٌ كأفعى ملتفّة.’
حدّقت به أريل بنظراتٍ مليئةٍ بازدراء.
في ذكرياتها، كان رامون في طفولته بطلًا يستحقّ الإعجاب.
كان الجميع يؤمنون بلا شكّ أنّه سيصبح عظيمًا.
لكنّ ذلك الشّاب دمّر عائلتها، واحتلّ السّلسلة الجبليّة المقدّسة بالقوّة، بل ابتلع القارّة بأكملها بما فيها الإمبراطوريّة.
“……”
عندما استقرّت نظرة أريل فجأة على لوحةٍ تصور شبابه.
درررك.
جرّ رامون الّذي كان ينظر إليها بلا تعبيرٍ كرسيّه، ونهض بجسده الضّخم.
“……!”
انفتح فم أريل المغلق بقوّةٍ من الخوف بسرعة.
“……”
في المقابل، لمعت عينا رامون الّلتين تحدّقان بها بلمعانٍ للحظة.
كان يحدّق بجلدها الأبيض النّاصع، وعينيها الرّماديّتين الّلتين تتلألآن كأنّهما مرصّعتان بالألماس، وشعرها الذّهبيّ القريب من الأبيض المبهر، وبشرتها النّاعمة والشّفافة كالخزف المطليّ بالزّجاج.
حتّى في هذه اللّحظة، كان جمالها كافيًا ليُشعل شوقه الّذي يتلوّى من الألم في لحظة.
في صمتٍ ساكن…
“أريل ريموند.”
دييينغ─.
دوّى جرسٌ مشؤوم في الغرفة.
ارتعش جسدها كأنّها شعرت ببردٍ شديد.
هُف.
نفخ رامون ليطفئ الشّمعة.
فأظلمت الغرفة فجأة.
“……؟”
فتحت أريل عينيها بحذرٍ وسط رائحة الدّخان المتصاعد من الشّمعة.
في الظّلام، كانت عيناه فقط تتلألآن بحدّةٍ كوحشٍ كاسر.
وبإصرارٍ بالغ.
“آه─!”
صرخت أريل المذعورة صرخةً خافتة.
“قوليها بفمكِ.”
“……مـ-ماذا.”
“كنتِ تشتاقين إليّ وترغبين بي طويلًا، أليس كذلك؟ كنتِ تكتبين ذلك في رسائلكِ إليّ.”
لمع بؤبؤاه المليئة بنيّة القتل بهدوءٍ وكأنّه ينتظر إجابةً معيّنة.
طق.
أمسك رامون بذقنها.
“ذلك كان فقط…”
تقلّبت عينا أريل يمينًا ويسارًا في ارتباك.
شعرت أنّ وجه طليقها الّذي تواجهه عن قربٍ بعد زمنٍ طويلٍ غير حقيقيٍّ على الإطلاق، فاندفعت الكلمات من بين أسنانها دون سيطرة.
كان خطيبها منذ الطّفولة.
الرّسائل كانت مجرّد كتاباتٍ أرسلتها دون قصدٍ حقيقيّ بسبب إلحاح دوقة ريموند.
‘عائلتنا كانت من بين القوى الّتي دفعته إلى الموت، لذا سيودّ قتلي بجنونٍ على أيّ حال.’
تجاهلت أريل مشاعرها المضطربة وشدّت أعصابها مجدّدًا.
“لم أعد أرغب فيكَ الآن. أرسلني إلى مكانٍ آخر بدلًا من ذلك.”
تجمّعت قوّةٌ لا ترحم في أطراف أصابعه الّتي تمسك بذقنها.
وسط رؤيةٍ ضبابيّة بسبب تلك القوّة، رأت بوضوحٍ الغضب والتّضجّر يتسلّلان إلى عينيه.
“……لماذا. تبحثين عن حامٍ جديدٍ رغم أنّكِ ملكي؟”
“……!”
فجأة، جعلتها كلمات رامون تسحب أنفاسها بعنف.
ثمّ بدأ بهدوءٍ يطهّر المانا الّتي تسيطر عليها وتهدّد جسدها.
في الوقت نفسه، اتّسعت عينا أريل من الصّدمة وهي تُدفع للخلف بقوّته فتقوّس ظهرها.
‘ماذا يفعل الآن─!’
انتشر تنفّسٌ خشنٌ في الفضاء الّذي لا يوجد فيه سواهما،
وهو يطبعُ قبلاً على رأسِها ويمسحُ طرف خدها.
ثمّ أنزل رموشه الطّويلة وهمس في أذنها.
“توسّلي كي أترككِ تعيشين.”
“……؟”
ارتجفت عيناها الكستنائيّتان في ارتباك.
ابتسم لها ابتسامةً غامضة وساخرة.
احمرّ خدّاها كأوراق القيقب من الإحساس الرّطب الغريب.
‘حتّى لو توسّلتِ، ستقتلني على أيّ حال…! أعلم جيّدًا أنّكَ كنتَ تنوي ذلك من قبل أن تذهب إلى ساحة المعركة.’
كانت أريل متأكّدة.
متأكّدة أنّه لا ينوي تركها حيّةً أبدًا.
لأنّ رامون في ذكرياتها كان يكرهها.
‘أنتَ الّذي تقتل أعزّ أصدقائكَ القدامى بلا رحمة، هل ستعجز عن قتلي؟’
لكنّها لم تستطع كبح شعورٍ بالأسى يتصاعد لأنّه يُهينها بهذا الشّكل رغم أنّه يعرفها منذ الطّفولة.
حدّقت به أريل بغضبٍ وهي تلهث.
يكرهها ومع ذلك ينظر إليها بحنانٍ كأنّه يحتضن شيئًا عزيزًا، كان حقًّا رجلًا قاسيًا وأنانيًّا.
هُوَپ─.
فجأة، مرّت كفّ رامون على عنقها ثمّ صعدت فجأة وأمسكت برقبتها برفق.
“آه─!”
أمسكت أريل بذراعه الغليظة كشجرةٍ قديمة بكلتا يديها بقوّة دون وعي.
كمن يتشبّث بغصنٍ في حافّة جرف.
“أريل، أحذّركِ: لا تذكري أبدًا أنّكِ ستذهبين إليه مجدّدًا. احفظي جيّدًا أنّ جسدكِ لن يخرج من حضني أبدًا.”
ضمّها رامون بذراعيه بقوّة وهمس في أذنها بهدوء.
“……؟”
ارتجفت عيناها بلا مقاومة.
‘ماذا يعني هذا─! ألم يجلبني ليقتلني…؟’
علاوةً على ذلك، كان رجلًا لم يلمسها حتّى في ليلة زفافهما الأولى.
فلماذا يفعل هذا الآن…؟
ثمّ مدّ يده الكبيرة أمام عينيها.
“لا، أقصد… هذا يعني…”
بينما كانت غير قادرةٍ على الكلام من الدّهشة.
بدأت قوّتها تنفد من جسدها مجدّدًا بسبب قوّة السّيطرة، وفي الوقت نفسه، تصاعد شعورٌ لا يُوصف إلى حلقها.
مدّت أريل يدها المرتجفة إلى الأمام دون وعي كأنّ شيئًا ما يجذبها.
“آآه─!”
عندما أمسكت يده الكبيرة الضّخمة بلا وعي، جذب رامون يدها برفقٍ وسجنها تمامًا في حضنه الواسع.
هُف.
ألقى بأريل، حبسها تحت جسده، ودفن أصابعه بحنانٍ بين خصلات شعرها الطّويلة المتماوجة وعينيهِ الحادةُ تمسحُ جسدها بالكاملِ.
التعليقات لهذا الفصل " 1"