2
منذ عام مضى، وجدتُ نفسي داخل إمبراطورية إلدورا.
ما زلت أذكر ذلك اليوم بوضوح.
اليوم الذي نجحتُ فيه أخيرًا في امتحان الخدمة المدنية الذي كرّستُ له أربع سنوات من الدراسة.
اليوم الذي احتفلتُ فيه مع الأصدقاء فرحاً حتى ثملتُ.
اليوم الذي كنتُ فيه سكرانةً لدرجة أنني لم ألاحظ لافتة “تحت الإنشاء”.
سقطتُ في فتحة صرف صحي كبيرة وفقدتُ وعيي.
وحين أفقتُ، كانت حياة الموظف المدني التي طالما انتظرتها قد تبخّرت تماماً.
لقد نُقِلتُ إلى عالم رواية “لقد أغرقتُ مستخدمي القوى الخارقة“، التي كنتُ أقرأها في أوقات فراغي أثناء التحضير لامتحان الخدمة المدنية.
وكنتُ “إيرينا”، االمرشدة من الدرجة الثالثة C التي يستغلها الأبطال الذكور وتموت قبل ظهور البطلة الرئيسية.
اللعنة! لو كنتُ أعلم أن هذا سيحدث، لما قرأتُ الرواية.
ولما كدّحت في الدراسة بهذا الشكل.
انغمستُ في بحر من الندم، لكنني لم أملك رفاهية الوقت لإنكار هذا الواقع البائس.
النقطة التي انتقلتُ فيها كانت بداية الرواية، حين ظهرت قدرات إيرينا كمرشدة وأُجبِرَت على الانضمام إلى المركز.
كان مصير إيرينا الموت مع انتقال الرواية من الجزء المبكر إلى الأوسط.
شعرتُ أنه إذا استمريتُ في إنكار الواقع من دون تقبّله، فقد أموت موتاً تافهاً.
***
كان هناك سببٌ منفصل لكون إيرينا، رغم كونها من الدرجة الثالثة وليس الأولى A، قد أصبحت المرشدة الخاصة بـ “فرسان ألن“، أفضل فرسان الإمبراطورية.
لأن نسبة التوافق بينها وبين “بنيامين فيسينتي“، صاحب المرتبة الأولى بين حاملي القوى الخارقة في الإمبراطورية، تجاوزت الـ 90%.
باستثناء البطلة الرئيسية التي كانت نسبة توافقها معه 99%، كنتُ صاحبة أعلى نسبة توافق معه.
للعلم، كلما ارتفعت نسبة التوافق بين حامل القوة الخارقة المُتَخيّل والمرشد، كان تأثير الإرشاد أفضل.
بمعنى آخر، يمكنهم تخفيف الآثار الجانبية التي يعاني منها حاملو القوى كرد فعل لاستخدام قدراتهم بشكل أفضل.
وكان هناك سببٌ أيضاً يجبرني على أن أصبح مرشدتهم، رغم معرفتي بالمستقبل المظلم لـ إيرينا.
‘إيرينا بوتمان’.
كانت الابنة الكبرى لعائلة بارون فقيرة، وكان والداها مدمنَيْن على القمار ولديهما ديون طائلة.
كادوا أن يبيعوا إيرينا إلى المركز.
بل إنهم تخلّوا رسمياً عن حقوقهم الوالدية فيها بعد أن تلقّوا مبلغاً طائلاً من المركز.
هذا يعني أنه بغض النظر عن طريقة معاملتي في المركز، حتى لو كُلِّفتُ بمهام قاتلة بوضوح، فلا يمكنني رفض أوامر المركز.
ما لم أستطع سداد المبلغ الضخم الذي تلاقاه والداها… كان من المستحيل مغادرة المركز تماماً.
لذا لم يكن أمامي خيار سوى أن أصبح عبداً، لا، بل مرشدةً لفرسان ألن.
خططتُ للعمل كمرشدة لهم لكسب المال ومغادرة هذا المكان قبل حلول وقت موت إيرينا، لكن…
***
عندما وصلتُ إلى غابة “باندورا”، كان أول ما شعرتُ به هو رائحة الدم النفّاذة.
وأنا التي أكره الروائح الكريهة، شعرتُ بالغثيان يصعد إلى حلقِي.
ترنّحتُ باتجاه المكان الذي رأيتُ فيه ظهر رأس مألوف، وأنا أغطّي فمي.
كانت الغابة في فوضى عارمة.
عدة فرسان مصابون بجروح بالغة منبطحون على الأرض، بينما تراقبهم أدلّاؤهم.
وكان أحد أعضاء “فرسان ألن” الذين أنتمي إليهم مصاباً إصابة خطيرة أيضاً.
المصاب كان “ارون“، حامل القوة المعروف بـ “التحريك الذهني أي يستطيع تحريك كل شيء بإرادته”.
كان أرون مستنداً إلى شجرة بجرح كبير في بطنه.
“ا-ارون! هل أنت بخير؟”
أسرعتُ بالركض نحوه ووضعتُ يدي على جرحه.
بمجرد أن فعلتُ ذلك، أطلق عيناه الفضيتان نظرة باردة نحوي.
“لماذا تأخرتِ كثيراً؟ هل حبَوتِ إلى هنا؟ عديمة الفائدة كالعادة.”
…بعد أن جئتُ إلى هنا بصعوبة، أيها الوغد!
حدّقتُ بـأرون قليلاً.
فقط بالقدر الذي لا يثير غضبه أكثر من اللازم.
أرون مَكنزي.
هو وريث عائلة الماركيز مكنزي، وحامل قوة خارقة متخصص في “تحريك الأشياء عن بُعد” و”الانتقال المكاني”.
بفضل شعره الفضي الغامق وعينيه الفضيتين، يبدو أرون كجنيٍّ للوهلة الأولى.
لكن في الحقيقة، كان الرجل الأكثر تقلّباً في المزاج ضمن فرسان ألن.
“تقلّب المزاج” هو تعبير مهذّب، يمكنك ببساطة وصفه بأنه وغدٌ حقير.
“لو تأخرتِ قليلاً أكثر، لكنتُ قد متُّ.”
لم أستطع الاعتراض كثيراً على تأخري أيضاً.
فالمرشدون الذين لا يملكون قدرات حركة أو انتقال، عليهم الوصول إلى المناطق التي تنتشر فيها الوحوش بمساعدة حاملي قوى الانتقال من حاملي القوى الآخرين .
عادةً، يأتي أحد أعضاء الفرسان ذوي قدرات الانتقال ليصحب المرشد ذهاباً وإياباً.
لكن هذا الوغد أرون لم يَصحبني معه ولو لمرة واحدة.
كانت حجته أنه لا يحتاج إلى مرشدة من الدرجة الثالثة ليست حتى من الدرجة الأولى.
عادةً ما أُنقل بواسطة حاملي قوى الانتقال من فرق فرسان أخرى أو من داخل المركز.
وإذا تعذّر ذلك، آخذ عربة أو أمشي.
لسوء الحظ، لم يكن هناك أي حاملي قوى خارقة ليساعدوني اليوم.
لذا، في النهاية، جئتُ كل هذه المسافة داخل هذه الغابة الخادعة بعربة.
لا بد أنني المرشد الوحيد الذي يسافر بعربة. هاه.
‘أيها الكلب لو صحبتني معك منذ البداية، لما تأخرتُ، أتعلم؟’
ابتلعتُ تلك الكلمات التي أردتُ قولها، واعتذرتُ بدلاً من ذلك.
“…هاه، هاه أنا آسفة.”
تسربت أنفاسي المتقطعة من بين أسناني.
“لا يهم ما عليكِ سوى أن تأخذي يدي.”
لم أكن أملك قدرات شفاء، لكنني استطعُ تهدئة العقل والجسد المضطربَيْن لحامل القوة.
لحسن الحظ، كان ارون من حاملي القوى من الدرجة الأولى (A)، لذا إذا استقرّت موجات جسده، يمكنه أن يشفي نفسه إلى حدٍ ما.
أمسكتُ بيد أرون التي مدّها نحوي على مضض.
بمجرد أن أمسكتُ بيده، بدأ اللون يعود إلى وجه ارون الشاحب.
ضغط ارون على يدي بقوة.
بدا أن ارون، الذي يكره المرشدين عادةً، كان في حاجة ماسّة إلى توجيهي اليوم.
لا بد أن جرحه كان شديداً حقاً.
كان وجه ارون، وقد أطبَق فمه، جميلاً كملاك.
المشكلة في ارون كان فمه اللعين لا يبصق سوى الكلمات السيئة.
في تلك اللحظة، ظهر تنين أحمر من بوابة يبدو قطرها حوالي 30 متراً.
اسمه “رادون”.
كان هو الجريح الذي أصاب أرون وعدة فرسان آخرين.
ـ كررراااااا.
فتح رادون فمه على اتساعه وأطلق صرخة حادّة.
كان رادون وحشاً من الدرجة الأولى، مخلوقاً شريراً كان يظهر بكثرة في غابة باندورا مؤخراً.
بمجرد ظهوره، انطلق رجل ذو بنية جسدية مفتولة العضلات إلى الأمام.
تطاير شعره الأسود برقة أثناء حركته.
الرجل، الذي قفز قفزة عظيمة، طَعن سيفاً ضخماً في فم التنين، الذي يفوق حجم جسم الرجل مئات المرات.
ـ كريوووو!
بدأ جسد التنين، وهو يصرخ، بالسقوط نحو الأسفل.
كان رادون، الذي سبّب العديد من الإصابات، على وشك الهلاك.
وكأنه لا يريد أن يضيع الفرصة التي أظهرها التنين، استلّ الرجل سيفاً آخر من وسطه.
وسرعان ما ضرب سيف الرجل عنق رادون.
قَشْع
مع الصوت المرعب لشيء ثقيل يُشَق، اختفى صراخ التنين تماماً.
ورغم أنه كان ميتاً بوضوح، إلا أن الرجل، وكأنه غير راضٍ بعد، فشرع ببتر أطراف التنين.
توقفتُ عن مشاهدة ذلك المشهد المروّع.
“…كنتُ أريد قتل ذلك الوغد بنفسي.”
أرون، الذي توقّف نزيف جرحه في وقتٍ ما، عضّ شفته السفلى.
نفض يده من يدي ووقف من مكانه الجالس.
“يا هذا، لامبرت خُذ الأمور ببساطة، أليس كذلك؟”
أقبل نحونا الرجل الذي شوّه التنين تماماً.
كان ظلّه يلقي بظلال كبيرة عليّ وأنا جالسة بلا قوة.
كان وجه الرجل وهو ينظر إليّ بلا تعبير على الإطلاق.
كان ذلك التعبير مطابقاً تماماً للتعبير الذي كان عليه وهو ينظر إلى التنين قبل قليل.
بالتأكيد… هو لا يريد نَحري أيضاً لأنني تأخرت…؟
نظراً لطبيعة هذا الرجل التي لا ترحم، لم يكن هذا الافتراض مستحيلاً تماماً.
قبل أن أصبح إيرينا، عملتُ بدوام جزئي في متجر بقالة لمدة 4 سنوات.
كنتُ معروفة بخدمة العملاء الممتازة.
حان الوقت لإظهار مهاراتي في الخدمة.
“س-سيد لامبرت! لقد بذلتَ جهداً عظيماً!”
“……”
حافَظ الرجل على وجهه الخالي من التعبير.
قررتُ محاولة مَلاَقِه قليلاً.
“لقد كان طريقة طَعْنِك لرادون كالسيخ رائعة حقاً!”
“……”
مجدداً، لا تعبير.
“هل نتناول الشواء على العشاء؟ أسياخ الشواء!”
“……”
تجعدت حاجبا الرجل قليلاً.
…اللعنة لا يبدو أن هذا مجدٍ.
“إذاً، على العشاء…”
فَتَح الرجل أخيراً شفتيه الثقيلتين.
“لنَعُد.”
لم تكن هناك دعوة للذهاب معاً.
كان الرجل وأرون قد بدآ بالمشي مبتعدَيْن.
يبدو أنه مقدر لي أن أمشي عائدةً إلى المركز يا للأسف.
اسم الرجل الذي كان تعبيره اليومي خالياً من المشاعر هو لامبرت هايدغر.
كان هو…
[يتبع في الفصل القادم]
ترجمة مَحبّة!
تجدون الفصول المتقدمة والتسريبات في قناة التليجرام الرابط في التعليق المثبت
التعليقات لهذا الفصل " 2"