1
شركة «تدمير حياتك» للنقل، وهي شركة نقل تطورت بسرعة كبيرة في السنوات الأخيرة.
لشرح خلفية ظهور شركة النقل هذه…
في إمبراطورية إلدورا، ظهرت فجأة قبل مائة عام ما يُسَمَّى “البوابات”.
ومن خلال هذه البوابات، بدأت تظهر كائنات وحشية من عوالم أخرى.
بشكل مُفاجِئ وبصورة غير مُنتظَمة.
ومع ظهور تلك الوحوش، بدأت تظهر قُدرات خاصة لدى بعض المواطنين المختارين في الإمبراطورية.
ذ
أُطلِقَ على مَن يمتلكون قُدرات خارقة مثل التحريك عن بُعد، والرؤية عن بُعد، والتعزيز، والانتقال الفوري، وغيرها، اسم “المُتخيِّلين“، بينما سُمِّيَ مَن يُعالجون معاناة هؤلاء من الآثار الجانبية الناتجة عن استخدام تلك القوى الخارقة بـ “المرشدين“.
وكان المرشدون يُعالجون المُتخيِّلين عبر عملية تُسمى “التوجيه“.
وكان التوجيه يحدث من خلال اتصال جسدي مثل مسك الأيدي أو العناق، وكلما كان الاتصال الجسدي أعمق، كانت النتيجة أكبر.
أما سبب نجاح شركة “تدمير حياتك” للنقل، فكان كالتالي:
لأنها استطاعت نقل المرشدين الذين يحتاجون عادةً إلى مُتخيِّلٍ يملك قدرة الانتقال الفوري أو الحركة للتنقل بين المناطق بدون الحاجة إلى مُتخيِّلٍ.
***
في أطراف إمبراطورية إلدورا، جزر فيليا.
يوجد الفرع الأول لشركة “تدمير حياتك” للنقل في هذا المكان المُطلِّ على البحر.
كنتُ أنا المُشرفة على ذلك الفرع بصفتي مديرته.
على الشاطئ، حيث بدأ الظلام ينساب، استلقيتُ على كرسي استلقاء بإطلالة رائعة على البحر، أستمتع بالمشهد.
كِلَا العمل والحُبِّ كانا يسيران على ما يرام، فشعرتُ بالراحة.
آه، هكذا ينبغي أن يعيش الإنسان، مُستمتعاً بمثل هذا الرَّخَاء.
“كلما تأملتُ البحرَ ازددتُ اقتناعاً بجماله.”
حرَّكتُ أصابع قدمي.
متمددة على كرسي مُواجهةً للبحر الصيفي الأزرق، أتلَقَّى نَسيم الصيف العليل، دون هموم كبيرة تُثقل الغد.
أخيراً، شعرتُ كأنني في الجنَّة.
في تلك اللحظة، رأيتُ ماركو الذي أرسلته لجلب قهوة مثلجة يُقبِلُ نحوي.
“سيِّدَتي! جلبتُ قهوتَكِ.”
“أوه،شكراً لك.”
“تهانينا على إبرام العقد بنجاح اليوم سيّدَتنا طيّبة القلب، مُتقِنة لعمَلِها، وجميلة أيضاً، إنه لأمر مذهل!”
ربَّتتُ برفق على شعر ماركو المُجعَّد.
منظَر ماركو الساذج، وهو من سُكَّان جزر فيليا الأصليين، أو بوصف أقلَّ لُطفاً: الفتى الريفي، كان حقاً مُحبَّباً.
كان ماركو موظفاً مُوثوقاً في فرعنا.
“حتى لو كان مجرد مُجَامَلة، فشكراً لك.”
“إنه ليس مُجَامَلة! أنا فضولي جداً لمعرفة ما كنتِ تفعلينه قبل أن تصبحي مديرة الفرع أعتقد أنكِ بالتأكيد كنتِ تقومين بأمرٍ عظيم لا أستطيع حتى تخيُّله.”
“……”
ماذا كنتُ أفعل قبل ذلك؟
كنتُ أعمل كالعبد لسداد دَيْن والديَّ تحت رحمة ثلاثةٍ من فرسان ألن الأوغاد، الذين لم يكترثوا لحقوقي الإنسانية.
تذكُّر تلك الأيام بعد كل هذا الوقت أصابني بالقشعريرة.
لقد كانت أياماً شاقَّة لا أريد العودة إليها أبداً.
“هل حدث أيُّ شيء غير اعتيادي بينما كنتُ في قصر الكونت؟”
“لا،لم يحدث شيء. لكن ليس لدينا الكثير من العمل لنفعله… هل ينبغي أن نقوم ببعض الإعلان للتعريف بخدمة النقل الخاصة بنا؟”
“لا!لا حاجة للإعلان على الإطلاق.”
كان لديَّ مال لأستلمه من عائلة الكونت، وبمجرَّد اكتمال صفقتنا معهم، سوف تنتشر الأخبار من تلقاء نفسها.
لم يكن هناك داعٍ للاستعجال البتَّة.
“بالتأكيد، أنا سعيد جداً بأن الصفقة مع عائلة الكونت قد تمَّت، ولا أشكُّ في أن خدمة النقل الخاصة بنا ستُحقِّق نجاحاً، ولكن… أُمم، فرعنا لن يُفلس، أليس كذلك؟”
سأل ماركو بحذر شديد، محاولاً عدم جرح مشاعري كمديرة للفرع.
“لا تَقلَقْ، ماركو لا يوجد أيُّ احتمال لأن يُغلَق هذا المكان أو يُفلس.”
لأنني أنا الشخص المسؤول الحقيقي عن شركة “تدمير حياتك” للنقل.
وبصفتي المسؤولة، ليس لديَّ أيُّ نية لإغلاق هذا المكان.
لم أقل كل ذلك، وابتلعتُ قهوتي فحسب.
“سيِّدَتي! سأحترمكِ وأتبعكِ أنتِ موثوقة حقاً هيهي.”
ابتسمتُ لماركو مُقلِّدةً ضحكته “هيهي”.
في تلك اللحظة، لاحظتُ شيئاً في يد ماركو.
“بالمناسبة ماركو، ما هذا الذي في يدك؟”
“أوه!إنها جريدة. كنتُ أقرأها حتى وصَلتِ لقد أخرجتها معي بالخطأ عندما أسرعتُ لتسليم قهوتَكِ.”
“هل يمكنني قراءتها أيضاً؟”
“بالتأكيد! تفضَّلي.”
وضعتُ فنجان القهوة الذي كنتُ أمسكه لوهلة، وأخذتُ الجريدة التي سلَّمها إيَّاي ماركو.
“سيِّدَتي، هناك مقال شائق حقاً، هل تريدين رؤيته؟”
“مقال شائق؟عمَّ يتحدَّث؟”
“إنه مقال عن أشهر ثلاثة مُتخيِّلين في مركز تشيلسي! وهو متعلِّق بمرشدتهم السابقة التي تُوفِّيت في حادث.”
مرشدتهم السابقة التي ماتت في حادث، كانت تشير إليَّ.
كنتُ أنا مرشدة أشهر ثلاثة رجال في مركز تشيلسي.
ولكي أستقيل من تلك الوظيفة، زوَّرتُ وفاتي وفرَرتُ إلى جزر فيليا.
قلَّب ماركو بضع صفحات من الجريدة وأشار إلى المقال الذي كان قد قرأه.
“واقعٌ يختلف عمَّا هو معروف: الثلاثة لا يستطيعون نسيانها حقاً”
كان محتوى المقال الذي قرأتُه أقرب إلى الهراء.
فقد ذكر أنَّ الثلاثة مُتخيِّلين الذين عذَّبوني في العاصمة ما زالوا يشتاقون إليَّ، أنا الميِّتة.
“هل تظنّين أن أشهر ثلاثة رجال مُتخيِّلين كانوا يُعزُّون مرشدتهم السابقة التي رحلت؟ ما رأيكِ، سيِّدَتي؟”
“يُعِزُّونها؟ هراء!”
وتذكُّراً للإهانات المختلفة التي عانيْتُها من أولئك الرجال الثلاثة، صرختُ دون أن أدري.
“ماذا قُلْتِ؟”
” لا شيء.”
“أكان اسمُها إيرينا؟ أتساءل إذا كانت قد تكون على قيد الحياة في الواقع، وليست ميِّتة؟”
أوه، ماركو البريء.
إن تلك الشخصية واقفةٌ أمامك مباشرةً.
“لن أستطيع معرفة ذلك.”
“……”
“ماركو.يجب أن تعود إلى الفرع الآن وتُسَجِّل خروجك مع بوني سأُنهي قراءة الجريدة ثم أعود إلى مسكني.”
بدا أن ماركو أدرك أنني لا أريد التحدُّث عن هذا الموضوع.
لم يقل أي شيء آخر ووافق فقط على فعل ما طلبته منه.
“إذاً، أراكِ غداً!”
طأَطَأَ ماركو برأسه تحيةً، ثم بدأ يركض نحو مبنى الفرع.
وبمجرَّد أن اختفى ماركو تماماً عن ناظريَّ، انسابت مني كلمات كأنها حديث ذاتي.
“لِمَ لا يستطيعون فقط ترك شخصٍ مُعلَن عن وفاته وشأنه.”
من فضلكم، تصرَّفوا فقط وفقاً للحبكة الأصلية.
تمنَّيتُ أن ينسوني، أنا الشخصية الثانوية التي خرجت عن السيناريو الأصلي.
هززتُ رأسي، غير قادرة على فهم مُتخيِّلي فرسان ألن.
إذا كنتُ ثمينةً لديهم كما ادَّعى المقال، كان ينبغي لهم أن يعاملوني بلطف عندما كنتُ هناك.
كل ما اختبرته منهم كان القمع، والابتزاز، والتهديد.
‘ومع ذلك، لن يجدوني هنا أبداً.’
لقد محوتُ كل آثاري، وعلِقتُ في هذا المكان النائي.
كان احتمال عثورهم عليَّ يقترب من الصفر.
لأنهم لا يعرفون شيئاً عنِّي.
هم على الأرجح لا يعرفون حتى أن لديَّ ‘القدرة الحقيقية’ التي جعلت مشروع النقل ينجح.
تمدَّدتُ قليلاً أكثر على كرسي الاستلقاء، وأكملتُ قراءة الجريدة.
كنتُ أخطط للعودة إلى مسكني عندما يُظلِم الليل تماماً.
حَفيف… حَفيف…
كان ذلك حينها، على الشاطئ حيث كان صوت الأمواج هو الضجيج الوحيد، شعرتُ بوجود شخصٍ ما.
قبل أن أتمكَّن من الالتفاف، وقف أحدهم أمامي.
كانت هوية هذا الشخص رجلاً مجهول الاسم كنتُ ألتقيه كثيراً هذه الأيام.
وكان ذَيْلُ رداء الرجل يتطاير قليلاً في نسيم البحر الليلي.
بدَت أكتاف الرجل الواقف منتصباً، بطريقة ما، متراخيةً.
على الرغم من أنني لم أستطع رؤية وجهه بسبب القلنسوة التي يرتديها، إلا أن الرجل لم يبدُ في حالة معنوية جيدة.
في تلك اللحظة، دفَع الرجل قلنسوته إلى الخلف بنفسه.
ثُمَّ ظهر وجه وسيم بدا وكأنه يَتَلألأ حتى في الظلام.
ذلك الوجه المثالي الذي، حالما تُثبِّت عليه عينيك، لا تستطيع صرف نظرك عنه لبعض الوقت.
كان وجهاً… أعرفه.
عرفت هويته.
“……!”
كـ… كيف وجدت هذا المكان؟
غير قادرة حتى على التفكير في الهرب، تجمَّدت في مكاني.
وتشنَّج جسدي الذي كان متمدِّداً بكسل.
عندما أغمضتُ عينيِّ ببطء ثم فتحتُهما، كان الرجل قد اقترب جداً.
نظر الرجل إليَّ من علوٍ بعينين باردتين كجبل جليدي في شتاء قارس.
تحرَّكت شفتاه، الخاليتان من أيِّ إشارة إلى ابتسامة، قليلاً.
“إيرينا.”
إيرينا.
الاسم الذي ظننتُ أنني لن أُدعى به مجدداً، ضرب أذنيَّ بدقَّة.
لم يُنادى بهذا الاسم منذ فراري من أولئك الرجال الثلاثة إلى هنا.
هذا الرجل، الجميل في وجهه، القاسي في أفعاله.
كانت هوية الرجل واحداً من ‘أشهر ثلاثة مُتخيِّلين في العاصمة’ الذي كان ماركو يتحدَّث عنه طوال الوقت.
ومن بينهم، كان هو الأصعب في التعامل، والأقلُّ رغبةً في مواجهته.
[يتبع في الفصل القادم]
ترجمة مَحبّة
تجدون الفصول المتقدمة والتسريبات في قناة التليجرام الرابط في التعليق المثبت
التعليقات لهذا الفصل " 1"