الفصل 4
أوّلُ درسٍ مع سييون كانَ عبارة عن فشلٍ ذريعٍ.
لأنّ وجهه اقتربَ من وجهي كثيرًا، خِلتُ أنَّ شفاهَنا قد تصطدم، فأملتُ رأسي إلى الخلف وحاولت إقناعه أن يُفلت معصمي قبل أن ينكسر.
ثمَّ حاولتُ جاهدًا تهدئة قلبي الذي كانَ يركض بجنون…
حقًّا، لم يبقَ لي عقلٌ ولا راحة.
وفوقَ ذلك، بعد أن نجحتُ في الانفلات من قبضته، أهدرتُ كلَّ وقتي وأنا أُلقّنه بديهيّات الحياة.
فالطالب لا يجوز له أن يُجبر معلّمه على الركوع.
ولا يجوز أن يُمسكَ الناسَ ويُلوّح بهم كما يشاء.
كما أنّه لا ينبغي لمسُ الآخرين من غير إذن، وأنَّه لا بدَّ من ضبط القوّة.
أحسستُ أنني لستُ مُعلّمةً لفنونِ الغرام لدوقٍ بالغ، بل مُعلّمة حقيقيّة لطفلٍ اسمه سييون أُدرّسه أساسيّات المنطق والآداب.
“يا لي من بائسة…”
تنفّستُ تنهيدةً طويلة بعد درسٍ واحدٍ فقط.
على ما يبدو، الطريقُ الطويل مع سييون سيكون أشدّ وعورةً ممّا تخيّلت.
* * *
كيف ينبغي أن أتعامل مع سييون فيرناندِي؟
لم أجد جوابًا لحيرتي حتى بزغ صباحٌ جديد.
وهذا يعني، أنّ وقت الدرس قد حلّ من جديد.
“جلالتكَ! الجوّ رائعٌ اليوم أيضًا. إنّه يومٌ مثاليّ لحصّةٍ هادئة!”
دخلتُ مكتبهُ بخطواتٍ واثقة، ورفعتُ صوتي بأقصى ما أستطيع من إشراق، متجاهلةً تمامًا ذكريات الأمس حين تلاعب بي كما يشاء.
‘تذكّري يا آنيت. المهمّ دومًا هو أن تسيطري على زمام المبادرة!’
لو فقدتُ زمام الدرس، سيتحوّل عالمُنا فجأةً إلى قصّةٍ مظلمة مليئة بالبؤس.
رفعَ سييون رأسه من أوراقه، ورمقني بنظرةٍ سريعة، ثم تفحّص الوقت.
“لم تنسي ما قلتهُ البارحة، أليس كذلك؟”
“لا. ما زلتُ أتذكّره.”
جلستُ على الأريكة بسقوطٍ خفيف وسألته، فأومأ برأسه وهو يجمع الأوراق ويجلس مقابلي.
“رغم أنَّ كثيرًا مما قلتهِ مثيرٌ للشك، فقد فهمتُ أنَّ عليّ أن أُقدّم كلام آنيت على ما سواه.”
لم أسأله عن مواضع شكّه، فلو فعلتُ لخرجنا عن الدرس كما في كلّ مرّة.
“مع ذلك، أرى أنّ دور المعلّم لا يقتصر على التعليم، بل يجب أن يراقب كيف يُطبّق التلميذ ما تعلّمه.”
تمامًا كما الآن.
لو غفلتُ لحظةً واحدة سينجح في جرّي إلى منطقه، وأُسايره في كل ما يُريد.
فكرةُ الحبّ مع سييون؟
حتى تخيّلُها كان بعيدًا عن ذهني.
“جلالتك. لم أقصد أنني لن أسمح لكم بالتجربة، لكن لمَ يجب أن أكون أنا الطرف؟”
“لا أحد أكثر مناسبةً من آنيت.”
“ولِمَ تعتقد ذلك؟”
“لقد وقّعنا عقدًا. وهذا يعني أنني أستطيع الوثوق بكِ أكثر من غيرك.”
‘أيها الأحمق، من يختار شريكًا عاطفيًّا على أساس المنطقيّة؟! المنطلق نفسه فاسد!’
أخذتُ نفسًا عميقًا حتى لا أنجرّ وراء كلامه.
“جلالتك، الحبّ يعني أن يتبادل الطرفان مشاعر القلب.”
أطبقَ شفتيه بصمتٍ وكأنّه يفكّر.
الآن فرصتي!
“أساس الحبّ أن يكون كلٌّ من الطرفين منجذبًا للآخر، سواءً في الشكل أو الطبع أو أيّ شيء آخر. فبدون ذلك، لا يمكن أن تتراكم المشاعر.”
“…….”
“ولو كان الحبّ مجرّد ورقة عقد، لَمَا احتجنا هذه الدروس أصلًا.”
‘فكفّ إذن عن طرح فكرة أنّك ستواعدني.’
قطعتُ الطريق على كلماته بنظرةٍ حازمة.
“آنيت…”
انفرجت شفتاه ببطء.
‘ما الذي سيقوله الآن ليفاجئني؟’
ازداد توتّري فابتلعتُ ريقي.
“آنيت… هل ملامحي لا تُعجبك؟”
‘تبًّا! أيّ تفكيرٍ ملتوي هذا يا دوق؟!’
كان جادًّا.
لم يكن يسخر أو يمازح.
أيمكن أن يكون بيته خاليًا من المرايا؟ أم أنّ بصره ضعيف؟
تأمّلتُ وجهه مليًّا.
منظره أشبه بتحفةٍ مثاليّة صنعها الله بأقصى عناية.
“ربّما يعطي انطباعًا باردًا قليلًا…”
ما إن تمتمتُ بهذا حتّى انخفض حاجباه، وحاول أن يُظهر ملامح أكثر رفقًا.
بالمقارنة مع أوّل لقاء، زال شيءٌ من برودته، وانكشفت جماليّته أكثر.
“أعرف أنّ انطباعي ليس لطيفًا.”
صوته العادي بدا مُثقلًا بالخيبة.
‘يا إلهي… هذا البارد الجامد صار إنسانًا هشًّا أمامي؟’
“وجهي ليس ممّا يُثير المودّة.”
‘جميلٌ ومكتئب في الوقت نفسه؟ هذا خطر! أهذا ما يُسمّى بالـ”الإنجذاب الطبيعي”؟’
تحسّستُ أنفي بحذر. لا أريد أن ينزف دمٌ فجأةً.
لحسن الحظ كان جافًّا.
“جلالتك، أن تكون صريحًا مع نفسك أمرٌ مهمّ، لكن…”
‘لا يمكن تركَ هذا الجمال الحزين هكذا. إنّه جريمة شبه مكتملة.’
رفعتُ إبهامي نحوه بخفّة.
مهما حدث، مظهره لا يُنافسه أحد.
“هل يبدو وكأنّي وُلدتُ كي أُلعن إلى الأبد؟”
“…ماذا؟!”
هززتُ رأسي بسرعةٍ مجنونة.
لكن ملامحه لم تتغيّر. بل بدت وكأنني أنا التي لعنتُه فعلًا.
ومع أنّه لو نظر المرء فقط إلى وجهه فسيشعر برغبةٍ في التعلّق به حتى النهاية، إلّا أنّه الآن غارقٌ في كآبته.
“لا بأس أن لا تُجاملي. أعلم أن مظهري ليس مِمّا يحبّه الناس.”
أخفض صوته أكثر، مُستسلمًا وكأنّه لم يسمع جوابي أصلًا.
تخيّلتُ فوق رأسه أذني كلبٍٍ فوقَ رأسهِ من شدّة الإحباط.
‘يا لخيالي اللعين.’
لم أتحمّل أكثر.
كيف أترك جمالًا بائسًا كهذا يحزنُ؟
“لا، جلالتك!! وجهُكَ من النوع الذي يجعلُ المرءَ يُصاب بنزيفٍ من أوّل نظرة! بل الوجه الذي يدفعك للتفكير بأسماء الأحفاد من شدّة جماله! آه!”
غطّيتُ فمي مذعورة.
‘تبًّا! لم أقصد أن أفضح كلّ ما في داخلي بهذا الشكل!’
“أي… أعني، أنكَ وسيمٌ جدًّا. هاها… هاهاها…”
حلّ الصمت من جديد، وفقط عصفورٌ مجهول صدح من وراء النافذة.
‘هل أقفز الآن من النافذة لأُفلت من هذا الجوّ الخانق؟’
لكن سييون مسحَ حزنه، واستعاد بروده المعتاد.
“حسنًا… فهمتُ.”
كلماته أعادتني إلى الواقع.
‘تماسكي يا آنيت. لا تتركيه يجرّك ثانيةً!’
“على أيّ حال، لنبدأ الدرس حقًّا. جلالتك، لنحاول معرفة ذوقكَ.”
حاولتُ تغيير الموضوع بتكلّف، وابتسامتي ترتجفُ.
“ما هو نوعكَ المثالي؟”
“المثالي؟”
“نعم. قد يكون في المظهر أو الطبع أو حتى في المال أو القدرات.”
فتحتُ ورقتي وكتبتُ عنوانًا جديدًا:
[المثالي: نوعة المثالي]
“أُفضّل الشعر القصير الذي ينتهي عند الذقن.”
دوّنتُ كلامه.
‘قصير الشعر؟ ممتاز. البطلة في الرواية شعرها طويل، إذن ما زال الوضع آمنًا.’
“وماذا بعد؟”
“شخصٌ يُشبه الربيع.”
‘الربيع؟ ماذا؟’
“شخص، كلّما نظرتُ في وجهه، تذكّرتُ الربيع.”
‘هذا ليس وصفًا، بل إعلان حبّ صريح!’
خطرَ في بالي وجه البطلة “إيرين هافي”.
شَعرها ورديّ كالزهور، وغالبًا ما شبّهها النصّ بالربيع.
‘لا… لعلّه يقصدها فعلًا؟’
“يبدو وكأنّكَ تقصدُ شخصًا محدّدًا.”
“نعم. كنتُ أفكّر بشخصٍ ما.”
‘قفز قلبي! أهو… يحبّها حقًّا؟!’
“أه… هل هي نفسها التي تُحبّها إذن؟”
“أجل. أهو غريب؟ أن أحبّ شخصًا ما؟”
“لا، لا! لكن كوني معلّمتكَ، لا بد أن أعرف الطرف الآخر لأساعدكَ.”
“تساعدينني…؟”
ابتسم سييون ابتسامةً لم أرَ مثلها من قبل.
“بالطبع. هذا سببُ وجودي إلى جواركَ.”
رغم ابتسامته الرقيقة، كان في أجوائه برودةٌ غريبة.
“لكن… انتهى الأمر بالفشل.”
“فشل؟ إذن ليست إيرين؟!”
انقبض قلبي وأنا أنظر إليه.
تحوّلت ابتسامته إلى ظلّ مُرّ.
التفتَ نحو النافذة، وبدت عيناه ساكنتين كأنهما تُطاردان شيئًا لا يُرى.
“لقد أبغضتني، وكرهتني، واحتقرتني.”
ارتجف جبينه قليلًا، اهتزازٌ ما كنتُ لأُلاحظه لولا أنّي أُراقبه عن قرب.
“رفضت دائمًا مساعدتي.”
صمَتُّ أستمع لحكايته.
رغبتُ أن أسأله مَن هي وما الذي حدث، لكن لم أستطع النطق.
“…حتى في لحظة موتها.”
كان صوته أضعف من الهمسِ، ومليئًا بالألم.
[م.م : احساسي يصرخُ بأنها البطلة في حياتها السابقة لكن لا دليلَ ليَ]
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات