.:
الفصل 17
كان في الرواية الكثير من الأشياء تشبه عالمنا الأصليّ، على الأرجح لأن الكاتب لم يضع تفاصيل دقيقة لعالم القصّة.
ومن بين تلك الأشياء: الأدب. في مكتبات المدينة المزدحمة، كانت هناك عناوين مألوفة جدًّا.
“سموّك، هل أنجزتم الواجب؟”
أجاب سييون بورقة واحدة فقط. منذ أن اشتريتُ كتبًا من السوق، صرتُ أكلّفه كلّ بضعة أيّام بكتابة انطباع عن رواية.
〈روميو وجولييت〉
“كيف وجدت هذا الكتاب؟”
سألته وأنا أتحقّق من العنوان في أعلى الصفحة. لم أستطع قراءة كلّ روايات هذا العالم بنفسي، لذا بدأتُ أُقدّم له أوّلًا الروايك الكلاسيكيّة من عالمي الأصليّ.
“لم أفهمه أكثر من الكتب السابقة.”
“ما الذي لم تفهمه؟”
“من الغريب أن يقول إنه يحب روزالين، ثم يغيّر رأيه فورًا لمجرّد أن التقى جولييت.”
قرأتُ انطباعه وهو يشرح. حتى الآن، كان سييون يقيّم الروايات بموضوعيّة شديدة.
[خفّة في القلب تجعله ينسى روزالين التي أحبّها أصلًا، تهوّر في الحكم على الحبّ من المظهر فقط، حماقة في رمي النفس إلى الموت بسبب تقدير متسرّع للوضع.
لو استمرّ في حبّ روزالين لما وقعت هذه المأساة أصلًا.]
هذا ليس انطباعًا، بل مقالة ضدّ روميو!
“هل من المعقول أن يتغيّر الشخص الذي نحبّه؟ يجب أن يبقى الإعجاب الأوّل في القلب إلى الأبد.”
هزّ سييون رأسه بقوّة، كأنما يحمل ضغينة شخصيّة تجاه روميو.
بالنسبة إلى من احتفظ بحبّه الأوّل سنوات طويلة، فالأمر غير مفهوم بالمرّة.
“الحبّ يمكنهُ ان يتغيّر، يا سموّك.”
نظرتُ إليه ثم قلتُ الحقيقة بهدوء. الحبّ يتغيّر يومًا ما.
عندما ألمحتُ له بهذه الحقيقة البسيطة، توقّف فم سييون الذي كان يحتقر روميو.
“ربما كلمة ‘تغيّر’ ليست دقيقة. ليس أن مشاعره نحو روزالين بردت، بل أصبح يحبّ جولييت، هكذا أصحّ.”
“على أيّ حال، روزالين كانت أولى.”
“الحبّ ليس سباق، يا سموّك.”
“……”
يطبق سييون شفتيه حين ينزعج. عادة اكتسبها بعد أن منعته من الردود الجديدة.
“علاوة على ذلك، لم تكن هناك فرصة تقريبًا مع روزالين، أما جولييت فكانت أمامه مباشرة. الظروف لعبت دورها أيضًا.”
كتب سييون كلمة “الظروف” على الورقة. منذ أن شدّدتُ على أهميّة التدوين، صار يكتب أفكاره بين الحين والآخر.
“ركّز على حبّ البطلين الرئيسيين بدلًا من روزالين.”
“حبٌّهما أحمق جعلهما يفقدان بعضهما في أيّام معدودة.”
“يمكن اعتباره حبًّا رقيقًا لا يستطيع إبطاء نبضاته رغم علمه أن الحبّ يفتح أبواب المعاناة.”
نظر إليّ سييون طويلًا دون كلام، ثم كتب شيئًا.
امتلأت الورقة البيضاء بعلامات استفهام صغيرة مائلة، كأنها رسمها لا شعوريًّا.
“كان هناك خيارات أفضل كما تقول يا سموّك، لكن القلب سبق العقل.”
“عندما يسبق القلب التفكير هو حبّ من نوعٍ أخر؟”
“نعم. كلما ازداد حبّه لها، ازداد قلقه عليها، وازداد تسرّعه.”
رفع سييون حاجبًا واحدًا. وجهه يقول: لا يزال غير مقتنع.
“الحبّ لا يلتفت إلى الظروف ولا الشروط. العقل والحبّ لا يجتمعان.”
كتب سييون: العقل، الحبّ. خطٌّ أنيق بخلاف علامات الاستفهام المهتزّة قبل قليل.
“صعب الفهم، أليس كذلك؟”
سألته مبتسمة لوجهه الخالي من الحماس. توقّعتُ أن يومئ فورًا.
كنتُ أنوي أن أقول له: أتمنّى أن يأتيكَ يومًا حبٌّ رومانسيٌّ، أحمقٌ قليلًا، وأن أشجّعكَ من قلبي.
“لا. الآن فهمتُ. لماذا اختار الطريق الخطير رغم وجود خيارات أفضل.”
خالف توقّعي وهزّ رأسه. تمتم كأنه يحدّث نفسه بصوت منخفض:
“كان القلب الذي يحبّ هو الفائز في السباق. أحبّها أكثر من نفسه.”
بغباء، وبشقاء.
كانت الكلمة الأخيرة كأنفاسٍ خافتة. راقبتُ سييون الذي خفض عينيه بهدوء. جوُّه مألوفٌ وغريب في آن.
“لو استطاع أن يحبّ بعقلانيّة لكان الأمر أسهل. أن يكون الحبّ هو عدم القدرة على اختيار الطريق الآمن…”
هل يفكّر في حبّه الأوّل مجدّدًا؟ رفع سييون رأسه ببطء بعد أن غرق في التفكير.
“أتمنّى ألا ترتكبي آنيت مثل هذه الحماقات.”
لم يقل إنه هو لن يفعل، بل تمنّى ألّا أقع في الحبّ أصلًا.
أنا ما زلتُ في ريعان الشباب، وهو يريدني أن أعيش وحدي؟ أهذه لعنة؟
* * *
مرّة في الأسبوع، كان سييون يخوض اختبارًا مقابل “قسيمة أمنية”.
نطاق الاختبار كان المحتوى الأساسيّ الذي درسناه في الأسبوع، مع الروايات التي أعطيتها واجبًا.
وبفضل تطبيقه مشاهد من الروايات، لم يعد أداؤه بائسًا كالسابق.
[س١. “آه، أشعر بالدوار”. الآنسة تمسك رأسها وتوشك على السقوط! ماذا يفعل سموّكَ؟
*ملاحظة: هي تسقط باتجاه صدر سموّكَ.]
مهما كانت الأمنية التي يريدها، فهو يبذل قصاراه في كلّ اختبار.
[أ – ١. أبتعد قدر الإمكان، ثم أعيدها فورًا إلى عائلتها وأمنعها من دخول إقليم الدوق الأكبر.]
لا يزال يفاجئني بإجابات غريبة، لكن هذا على الأقلّ تطوّر.
“سموّكَ، كم مرّة أخبرتك؟ ما هو الشرط الأساسيّ للاختبار؟”
“قلت إنها حالة شخص أحبّه أو يحبّني.”
“إذا ابتعدت، ستصطدم هذه الفتاة بالأرض بقوّة، ستؤلم نفسها جدًّا، وربما تبكي.”
كرّرتُ بتأكيد، لكنه أومأ بهدوء تامّ، كأن كسر عظامها لا يعنيه.
“كنتُ أتوقّع ذلك.”
“ومع ذلك تفاديتها تمامًا؟ حتى لو لم تعانقها كما في الرواية التي قرأتها بالأمس، كان يمكنكَ على الأقلّ إمساكها.”
السؤال الأوّل مأخوذ من الرواية التي أنهيناها ليلة البارحة فقط: أوّل لقاء بين البطلة الضعيفة التي تعاني فقر الدم دائمًا، والبطل الرقيق معها و المهتم.
“قد تعاني مرضًا معديًا. حتى أتأكّد من اسم مرضها، من الأصح منعها من دخول قصر الدوق الأكبر.”
فغرتُ فاهي من إجابته. في تلك اللحظة القصيرة يفكّر حتى في الأمراض المعدية؟
خياله الذي كان عاجزًا حين طلبنا منه تخيّل حبيبة المستقبل، يعمل بسرعة البرق في هذه اللحظات فقط.
“حتى لو، هناك شيء اسمه الإنسانيّة. على الأقلّ أمسك ذراعها.”
“……”
“لا تتظاهر بأنكَ لم تسمع، لو اصطدم رأسها بالأرض لكانت إصابة خطيرة.”
كتب بتجهّم: “إمساك”. خطٌّ رديء يعبّر عن مزاجه.
“والآن انظر إلى السؤال الخامس، سموّكَ. لماذا تعتقد أنه خطأ؟”
أشرتُ بإصبعي إلى السؤال الخامس. أمال سييون رأسه وهو ينظر إلى إصبعي. ردّة فعل تقول: لا أفهم أبدًا.
[س٥. الإمراءة التي تُحبّهُا سألتكَ: “هل أنا جميلة نوعًا ما؟” ما جواب سموّكَ؟]
هذا السؤال لم يكن من دروسنا ولا من الروايات.
سؤال معدّل استنادًا إلى ماضيه الذي رأيته في الحلم.
سؤال طرحته حبّه الأوّل ذات يوم. وأجاب سييون الأصغر سنًّا بنفس إجابة سييون الحاليّ.
[أ – ٥. أنتِ الوحيدة التي تعتقدين ذلك.]
نعم، الأحلام فعلًا ماضيكَ. أعطاني ردّ فعله تأكيدًا جديدًا.
“لا أعتبره إجابة خاطئة. قد تكون جميلة في عين صاحبها فقط.”
بدت عليه الظلمة، كأنه مقتنع أن ما كتبه هو الصواب.
‘ربما لهذا السبب انتهى حبّه الأوّل بالفشل.’
مرّت الفكرة سريعًا في رأسي.
“سموّكَ، اسمعو جيّدًا، سأفسّر لكَ السؤال الآن.”
أمسكتُ القلم الأحمر وخططتُ تحت “إمراءة تُحبُها”.
“ليس شخصًا يحبّكَ سموّكَ، بل شخصٌ أنتَ تحبّهُ.”
“نعم.”
“إذًا من الذي يغازل؟”
“……أنا؟”
من غيرك إذًا! كتمتُ الكلمات الحادّة التي كادت تخرج.
هذا الدوق وهو رئيس الدوقيّة، وأقوى مني في القتال بمرّات عديدة . يجب أن أتحمّل أنا، هيا.
“نعم، أنت الذي تحبّها. من تلك اللحظة، لم يعد مهما إن كانت جميلة فعلًا أم لا.”
“لقد سألتْ إن كانت جميلة. هل الأفضل أن أكذب وأقول نعم؟”
“سموّكَ، ألم أكرّر دائمًا؟”
ابتسمتُ بلطف وأنا أكتم غلياني.
“احفظها فقط. إجابة مؤقّتة أيضًا: إذا سألتكَ من تُحبّها “هل أنا جميلة؟” أو “أنا قبيحة؟” “
رسمتُ نجمة كبيرة بجانب السؤال الخامس. تبعها سييون ورسم نجمة أخرى.
رسمتُ ثلاث نجوم حمراء ونجمتين سوداوين، خمس نجوم إجمالًا، ثم قلتُ:
“لا أدري، لكن في عينيّ أنتِ دائمًا جميلة.”
“……”
“أجيب هكذا.”
غمزتُ بعيني اليمنى. تجمّد سييون تمامًا. بدا مصدومًا من الإجابة الرومانسيّة المفرطة.
“حتى الآن كنت تعتمد على وجهكَ الوسيم فقط، لكن من الآن فصاعدًا تعلّم هذه الأشياء أيضًا.”
“تقصد غمزة العين الواحدة؟”
“لا. طريقة إثارة قلب الآخر.”
لم يستطع سييون إخفاء تجهّمه. كُتب على وجهه: هل يُعقل أن يثير هذا القلب؟
“النقطة التي تُذيب القلب تختلف من شخص لآخر، لكن بجمالكَ سموّكَ ستنجح معظم الطرق.”
“هل من الضروريّ فعل ذلك؟”
“لا نعرف متى سيظهر الشخص الذي تحبّه. يجب أن تتعلّم كلّ شيء مسبقًا.”
“……”
“ألن تفعل؟ قلت إنكَ تريد أن تُحبَ.”
تحدّيته، فتنهّد تنهيدة صغيرة. كان واضحًا أنه يكره الفكرة جدًّا.
ظننتُ أنني سأقنعه طويلًا، لكن سييون قبل رأيي بسهولة مفاجئة.
“منذ اليوم الذي ذهبنا فيه معًا إلى المعبد، كان لديّ شيء أردتُ قوله لكِ، يا آنيت.”
“نعم؟ فجأة المعبد؟”
دائمًا ما تتّجه أفكار سييون إلى اتّجاهات لا يمكن توقّعها.
“الفستان… كان يناسبكِ جدًّا. أنتِ دائمًا متلألئة، لكن ذلك اليوم كنتِ جميلة بشكل خاصّ.”
دائمًا ما يضع إجابات غريبة في الاختبارات، لكن حين يأتي الدور الحقيقيّ يصبح تلميذًا مثاليًّا.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 17"