م.م : الرواية هي عبارة عن رواية خيالية لا صلة لها بالواقع، مليئه بأفكار شخصية وأعتقادات خاصة بالمؤلفة، لا ينبغي اعتناقها أو تصديقها فهي عبارة عن خيالات لا اكثر .]
كانت الدروس مع سييون تسير في سلامٍ وفوضى في آنٍ واحد، كعادةِ أيّامنا.
في كلّ اختبارٍ نُجريه، تأتي إجاباته دائمًا على نحوٍ “مُبدع” للغاية.
ولأنّني كنتُ أشعرُ أنّ الدروس لا تتقدّم إطلاقًا، قضيتُ يومًا كاملًا وأنا أفكّر في طريقةٍ جديدةٍ لإدارة الصف.
كنتُ أقضي نهاري وليلي وأنا أفكّر في سييون فقط، ولم يكن لي وقتُ راحةٍ سوى عندما كان وعيي يغيبُ في النوم.
كنتُ عادةً أستمتع بالنوم حتى وقتٍ متأخرٍ من الصباح، فلا سببَ يدعوني للاستيقاظ باكرًا.
دوووم دوووم دوووم.
لكن اليوم بالذات لم أستطع الاستمتاع بنومي كما أردتُ، لأنّ أحدهم كان يطرق الباب بعنفٍ غير مألوف.
تقلّبتُ قليلًا داخل السرير قبل أن أرفع جسدي بتكاسل.
تثاءبتُ وأنا أُحدّق من النافذة، وكان ضوءُ الشمسِ بالكاد يتسلّل إلى الغرفة، ما يعني أنّ الصباح لا يزال في بدايته.
تمايلتُ بخطواتٍ بطيئةٍ نحو الباب كأنّني زومبي، ومددتُ يدي لأفتح المقبض ببطء.
وهناك، أمام الباب المفتوح، كان يقف “ملاك”.
بشرةٌ ناصعةُ البياض، وقميصٌ أبيض، ومعطفٌ أبيض، وسروالٌ أبيض.
اللونُ الوحيدُ في هذا المشهد كان شعره الأسود وعيناه الحمراوان.
“هل… هل مِتُّ؟ آه لا… لا يزال أمامي الكثيرُ لأفعله. اللعنة.”
لم أستمتع بعدُ بحياةِ الغنيّة الكسولة، ولا كتبتُ مذكّراتِ حبٍّ مع شابٍ وسيمٍ أصغرَ منّي سنًّا.
تمتمتُ بنصفِ وعيٍ وأنا أعدّدُ الأشياء التي لم أحقّقها بعد.
“لم تموتي.”
نفى الملاك موتي وكأنّه قرأ أفكاري. كان صوته مألوفًا على نحوٍ غريب.
“حقًا؟ إذًا لماذا أتيتَ لتأخذنـ… آااخ!”
صرختُ عندما أمسك شيئًا بأنفي وقرصه بقوّة! لم يكن الألمُ قاتلًا، لكنّه كافٍ لإيقاظي تمامًا.
“ماااذا!”
“استفيقي، آنِتْ.”
تعثّرَ لساني من الدهشة، وفتحتُ فمي أتنفّس بعد أن كاد الهواء ينقطع عني.
عندها فقط، أطلق سييون أنفي من قبضته.
كان واضحًا أنّه لم يُرِد إيذائي فعلًا، لكنّ أنفي كان يُؤلِمُني.
مسحتُ دموعي التي سالت لا إراديًا، وبفضلها أصبحت عيناي قادرتين على الفتح بسهولة بعد ثقلِ النوم.
“جلالتُك؟ لقد قلتُ إنّك تستطيع أن تُعطيني الواجب أثناء الدرس.”
“لستُ هنا لأُعطيكِ الواجب.”
“إذًا لماذا…؟”
تفحّصتُ مظهره مجددًا. شعرُه مصفّفٌ بعناية، وملابسُه كلّها بيضاء.
منذ متى يرتدي سييون الأبيض؟ لطالما كان يُفضّل الألوان الداكنة.
“هل هناك أمرٌ ما؟”
كان سؤالي منطقيًا، فهذه الساعة المبكرة ليست وقتًا معتادًا ليظهرَ فيها أحدٌ بثيابٍ لم يعتدْ ارتداءها.
“إنّه يومُ التبرّع الموسميّ للمعبد.”
“آه، هذا اليوم إذًا؟”
“نعم.”
هل جاء فقط ليُخبرني أنّه سيخرج؟ ولماذا بنفسه؟
بدت نظراتي مُرتابة، فأدرك ذلك سريعًا وقال بنبرةٍ خفيفة الاستعجال:
“أودّ أن ترافقيني، آنيتْ.”
“أنا؟ هل هناك ما يجب عليّ فعله هناك؟”
كان سييون يزور المعبدَ بانتظام، لكنّ طلبه هذه المرّة بدا غريبًا بعض الشيء.
“ليس هناك عملٌ محدّد عليكِ القيام به.”
“إذًا لماذا؟ أنا لا أنتمي لمكانٍ كهذا، يا صاحبَ السمو.”
لم يكن هناك سببٌ واضح يجعلني أرافقه، خصوصًا وهو ليس من النوع الذي يحتاج إلى رفقةٍ أو أحاديثٍ جانبيّة.
نظرتُ إليه بعينٍ نصفِ مغمضةٍ وأنا أُفكّر في نيّته الحقيقيّة.
ويبدو أنّه لاحظ شكوكي، فابتسم بخفوتٍ وقال بلطفٍ غير مألوف منه:
“بما أنّي سأكون في المعبد اليوم، فلن تكون هناك دروس.
ربّما تشعرين بالمللِ في القصر الكبير، فاعتبريها نزهةً في الهواء.”
“هل تقول ذلك مراعاةً لي؟”
سألته بدهشة، إذ من النادر أن يُفكّر سييون من وجهة نظر الآخرين.
هل أثمرت الدروس فعلًا بهذه الطريقة؟ أطبقتُ شفتيّ بقوّة لأمنعها من الارتجاف دهشةً.
“هل لا يُناسبك الأمر؟”
هزَزتُ رأسي نفيًا. لم يكن لديّ ما يمنعني أصلًا، فعدا دروسه، لم أكن أملك عملاً أفعله في القصر.
“لا، لا بأس. فلنذهب سويًّا. لم أزر المعبدَ من قبل، وسأفعل اليوم بفضلك يا جلالتُك.”
أجابني مؤكدًا: “لن تجدي فيه متعة.”
لكنّ طريقته في قولها بدت وكأنّه يرجو أن أشعر بذلك بالفعل.
ورغم ذلك، ظلّ في قلبي شعورٌ غريبٌ لا أستطيع تحديده.
* * *
كان المعبدُ الذي وصلنا إليه يغمره جوٌّ مقدّس.
المبنى نفسه، وكذلك ملابس الكهنة، كلّها بيضاء ناصعةٌ تملأ المكان نورًا.
وسط هذا البياض، كنتُ الوحيدة التي تُضيف إليه شيئًا داكنًا.
الفستان الذي أعدّه لي سييون كان أزرقَ غامقًا، أقرب إلى الأسود من شدّة لونه.
“هل ترتدي الثياب البيضاء كلّما جئتَ إلى المعبد، يا جلالتُك؟”
“يقولون إنّ اللونَ النقيَّ يرمزُ للإندماجِ مع الجو المقدسَ والشعور بالحرية.”
“وهل هذا يخصّ الرجال فقط؟ ألا يجب على النساء أيضًا ارتداء الأبيض؟”
نظرتُ إلى ملبسه ثم إلى ثوبي، وشعرتُ بأنّ التناقض بيننا حادّ جدًا.
“لا، فالمعبد لا يفرض زيًّا بعينه. الناس فقط يختارون الأبيض طوعًا، أملاً في الراحة.”
“…”
“لكن، لا أظنّ أنّ أحدًا يتعمّد ارتداء الأسود مثلكِ.”
تأمّلني لحظةً، ثم تابع السير تاركًا إيّاي خلفه.
وقفتُ وسطَ البياضِ الفاتح وحدي كالنقطة السوداء.
“انتظرني، يا جلالتُك!”
لم يكن أحدٌ ينظر إلينا، لكنّني شعرتُ بالإحراج، فسرتُ بسرعةٍ لألحق به.
كان يعرفُ المعبدَ جيّدًا، إذ تجوّل فيه بسهولةٍ ظاهرة.
والكاهنُ الأكبر الذي استقبله أظهرَ فرحًا كبيرًا بقدومه، كأنّه استقبلَ شخصًا عزيزًا جدًّا.
كان شيخًا طيّب الملامح، جمعَ كفّيه أمام صدره وانحنى بتحيةٍ مُوقّرة.
“بفضلِك يا صاحبَ السمو، يجدُ الكثيرون الطمأنينة والخلاص. نحنُ شاكرون حقًّا.”
“أنتم الذين تنقلون ذلك، يا كبيرَ الكهنة. أنا لم أفعل شيئًا يُذكر.”
كانت هذه أوّل مرّةٍ أراه يتحدّث بهذا الهدوء مع شخصٍ من خارج القصر، بل ويصافحه دون حرج.
كنتُ أخشى أن يُكسرَ ذراع الكاهن بالخطأ، لكنّ المصافحة مرّتْ بخير.
“بل فعلتُ الكثير. لولا عطاياك، لَأقمنا مملكةً جديدةً من الناجين بفضلِك.”
لم أكن أعلم كم يتبرّع سييون للمعبد، لكن يبدو أنّ المبلغَ ليس قليلًا.
كان من الصعبِ تخيّل هذا الرجل الجافّ مؤمنًا، لكنّ ظنّي كان خاطئًا.
فمن حديثه مع الكاهن، بدا مؤمنًا أكثرَ ممّا توقّعت.
“لتكن البركةُ معكَ دائمًا يا صاحبَ السمو.”
أنهى الكاهنُ الحديثَ بدعاءٍ قصير، وردّ سييون بخفوت: “لتُباركَ.”
ثم التفتَ الكاهنُ إليّ مبتسمًا ودعا لي أنا أيضًا، فبادلتُهُ التحيةَ بخجلٍ.
ربّما لأنّ سييون قدّمَني على أنّني من حاشيةِ القصر الكبير، أو لعلّه بطبعه ودودٌ مع الجميع.
“آنِتْ، ما دمتِ هنا، هل نصليَ قبل أن نغادر؟”
قال ذلك وهو يُشير إليّ، وكأنّ قراره قد اتُّخذ مسبقًا.
كم هو مؤمنٌ فعلاً! لم أتوقّع من سييون كلَّ هذا الإخلاص.
المعبدُ الأبيض بدا متناغمًا مع محيطه، والسكينةُ تملأ المكان حتى شعرتُ أنّ الزمنَ قد توقّف.
للحظةٍ نسيتُ كلّ مشاغلي وهمومي، وفهمتُ ربما لماذا يأتي إلى هنا بين حينٍ وآخر.
“لم أكن أعلم أنّك متديّنٌ إلى هذا الحدّ، رغم انشغالك.”
لكنّ كلماتي جعلته يتوقّف فجأة.
تملّكني القلقُ، خشيتُ أن أكون قد تجاوزتُ حدّي.
تقدّمتُ نحوه لأعتذر، لكنّه قال ببرودٍ مطلق:
“أنا لست كذلكَ.”
“عذرًا؟”
كان وجهُه ساكنًا، خالٍ من أيّ تردّد، وكأنّه يقول الحقيقةَ المطلقة.
“في الحقيقة، لا أحبّ هذا. لا يوجد في هذا العالم ما يجعلني احب ذلك.”
“جلالتُك! كيف تقولُ هذا وأنتَ داخل المعبد!”
شهقتُ مذعورة. هذا ليس وقتَ المجاهرةِ بالإلحاد!
أجبته باضطرابٍ وأنا ألتفت حولي، متأكّدةً من أنّ أحدًا قد يسمعنا.
“أن تطلبَ الخلاصَ مقابلَ المال، هذا أكثرُ ما يُثيرُ سخريتي.”
“ذلك تجديف…”
“البشرُ فقط مَن يحتاجون إلى طقوسٍ كهذه ليشعروا بالأمان.”
كم هو متناقض! هو نفسه من أتى بالتبرعِ، والآن يُنكر معناها.
“إذًا لماذا تتبرّع في كلّ فصل؟ ألتساعدَ الناسَ الفقراء؟”
سألتُه بأقربِ تفسيرٍ منطقي، لكنّه هزّ رأسه نفيًا دون أن يُوضّح، وواصل السير.
فلحقتُ به قائلةً: “إن كنتَ لا تحبُ ذلك، فلماذا تطلب منّي أن أُصلّي؟”
أجاب بهدوءٍ: “لم أقل إنّها غير موجودة. أنا فقط… لا أحبّها.”
قطّبتُ حاجبيّ، فأضاف بصوتٍ مبحوحٍ قليلًا:
“أحيانًا أفعل هذا فقط… لعلّ يُشفق علي.”
“…”
“لهذا أعودُ إلى هنا باستمرار.”
ثمّ رفع نظره إلى ثوبي الداكن بنظرةٍ معقّدةٍ لم أفهمها.
بعدها أدار رأسه وأشار بيده إلى مبنى مُزيّنٍ بنقوشٍ ذهبية.
تتبعتُ نظره، فعرفتُ أنّه مَعبدُ الصلاة الرئيس.
صمَتَ لحظةً ثمّ قالَ بصوتٍ خافتٍ كأنّه يُحدّث نفسه:
“لكن… من يدري؟ ربّما هذه المرّة… قد يشفقُ على شخصٍ مثليَ….”
كان صوتهُ باردًا كريحٍ عابرة، ووجهُهُ متجمّدًا كما لو أنّه يتقدّمُ لإشعال نورِ أملٍ ضئيلٍ لا يرى فـفقدَ بين الظلامِ.
✧───── ⋆⋅☆⋅⋆ ─────✧
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً لهذهِ الرواية في واتباد وقناة الملفات،
حَسابي واتباد : _1Mariana1
( حسابي السابق قد حُذف)
وستجدون الروابط، لحسابي واتباد، وقناة الملفات في أول تعليق~ ❀
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 14"