1
1.
“لينكا هذه الفتاة، أين ذهبت بحقّ الجحيم؟”
“كفى. لقد استدعيتُ فرسان الفيلق، فقوموا أنتم بمحاصرة الميناء أولًا. قد تكون اختبأت في سفينة فارغة، لذا فتّشوا السفن أيضًا.”
“نعم!”
“سيّدي، هناك خبر بأنّ سفينة قراصنة ظهرت بالقرب من هنا. اللورد يطلب عودتكِ في الحال…….”
“ماذا؟ تبًّا، يا لها من مصيبة مزعجة. واصلوا مطاردة لينكا. سأرسل الفرسان باتجاه سفينة القراصنة.”
“مفهوم!”
ظلّت لينكا تحبس أنفاسها إلى أن ابتعد وقع أقدام الرجال الذين تفرّقوا في عدّة اتجاهات. ثمّ أخذت نفسًا عميقًا ومنتظمًا.
تأكّدت بحذر من أنّ أحدًا لم يبقَ، ثمّ خرجت من الصندوق دون أن تُحدث أيّ صوت.
شَعرُها القصير المقطوع بمقصّ على نحوٍ غير مرتب كان يتدلّى حول عنقها.
‘ماكّرد، ذلك المجنون. هل جنّ حقًّا ليستعين بالبحرية لمجرد القبض عليّ؟’
كان يدّعي أنّني صديقته الوحيدة! ويقول دائمًا إنّه لا يجد من يعتمد عليه غيري!
لا يمكن أن أقع في قبضتهم هكذا. فأنا حتى لا أعرف ما الذي يريدونه مني أصلًا. لو ذهبتُ معهم عشوائيًّا، من يدري ماذا سيحدث لي؟
عضّت لينكا على أسنانها ونهضت.
السفينة التي تحدّث عنها أحد رجال ماكّرد قبل قليل……
هي السفينة الوحيدة التي يمكن أن تُغادر هذا الميناء الآن.
ولحُسن الحظ، كانت لينكا من القلائل الذين رأوا تلك السفينة وهي تُلقي المرساة البارحة.
‘لا بدّ أنّ القراصنة علموا بأنّ بحرية كادِر بدأت بمطاردتهم. من المؤكّد أنّهم سيغادرون على عَجل.’
كانت تتمنّى مغادرة هذه القرية الساحلية منذ زمن، لكن لم يكن في خططها أن تدخل البحر.
الطفو فوق الماء؟ لم يكن ذلك ما تريده إطلاقًا. ومع ذلك لم يعد لديها خيار آخر.
كانت تكره البحر حقًّا…… لكن لحُسن الحظ، أولئك الذين يطاردونها يظنّون أنّها لا تعرف السباحة.
فقد ظلّت سبعة عشر عامًا كاملة، منذ ولادتها في هذه القرية، تُصرّ على أنّها لا تستطيع دخول البحر إطلاقًا.
‘هذه ستكون الأخيرة. فقط هذه المرّة…… لو نجحتُ في الفرار من هنا، فسوف أذهب إلى مكان لا بحر فيه أبدا.’
تذكّرت لينكا البيت الذي لم يعُد فيه من ينتظرها.
بيتٌ فارغ.
لكن كلّ ما تُحبّه ما زال هناك.
إلّا أنّها كانت واثقة بأنّ ذلك المجنون، وقد استدعى البحرية أيضًا، قد طوّق البيت منذ زمن.
“أنتِ تستطيعين التنفّس في الماء. لأنّكِ ـــــ، أليس كذلك؟”
قطعت لينكا تفكيرها وركضت نحو البحر. ثمّ قفزت إلى الماء.
“ـهاه.”
الحمد لله أنّها قصّت شعرها.
شعرت بجسدها يلتفّ حوله الماء البارد.
فتحت عينيها ببطء تحت الماء.
بدأت حدقتاها البرتقاليتان تتلوّنان بالزرقة، كأنّ البحر العميق قد انسكب فيهما.
ومع ذلك، صار البحر المظلم أسفلها واضحًا ومضيئًا كما لو كانت على اليابسة.
الرغوة المتناثرة مع حركة الموج.
انسياب الماء على أطراف أصابعها وهمس الشعاب المرجانية.
وفوق ذلك، أحسّت وكأنّ الأكسجين يتدفّق إلى رئتيها طبيعيًّا، تمامًا كما تتنفّس على اليابسة.
‘ليس وقت الاندهاش الآن.’
لم يكن هناك مجال لتضييع الوقت بسحر البحر.
انطلقت تسبح تحت الماء، حتى وصلت إلى الوادي العميق حيث ألقت سفينة القراصنة مرساتها.
عصرت شعرها لتُفرغ الماء بسرعة، ثمّ لفّت جسدها المبتلّ بالرداء الخارجي.
ضغطت بكفّها على الحراشف الفضية التي برزت في عنقها، ثمّ لمحَت مؤنًا مكدّسة للقراصنة.
كانت معظم الصناديق الثقيلة قد شُحِنت.
‘بهذا لن أجد مكانًا أختبئ فيه!’
خطوات.
بينما كانت تُفكّر، بدأت أصوات أقدام تقترب.
وفي الوقت نفسه دوّى صوت مدافع من الميناء باتجاه البحر.
ربّما لمجرّد التهديد، لكن بالنسبة للقراصنة فالأمر مُقلق.
لم يكن هناك وقت للتردّد.
‘لتختفي… لتختفي…!’
قد يسخر أحدهم من مجرّد دعاء كهذا.
لكن بالنسبة للينكا، التي غاصت في البحر، لم يكن مستحيلًا.
فقد كانت قادرة حتى على إنقاذ إنسان يحتضر تحت الأنقاض.
فأن تختفي في لحظات… فهذا ممكن بالتأكيد.
أغمضت عينيها المرجانية المبللة بالماء، فاهتزّت من عنقها أنفاس فضيّة.
وبدأ جسدها يتلألأ كأنّه يتشرّب ضوء القمر، حتى تلاشى ببطء.
في اللحظة التي اختفت فيها تمامًا، ظهر القراصنة.
“هل هذه الأكياس هي الأخيرة؟”
“أجل. يبدو أنّ القبطان اشترى دقيقًا بوفرة هذه المرّة.”
“هل نستطيع حملها دفعة واحدة؟ هيا، لِنُنهِ الأمر سريعًا.”
تحرّكت لينكا بحذر، متّجهة إلى الجهة التي جاء منها الرجال.
‘يا للهولِ.’
القراصنة يُقال إنّهم أذكى من الناس العاديين، إنْ شعروا بها فالهلاك مصيرها!
سارت ببطء حتى وصلت إلى مقدّمة السفينة.
أصوات خطواتهم وكلماتهم المقتضبة تتردّد حولها.
“لماذا تباطأتم؟”
“الأكياس غير مربوطة. ألديك حبل؟”
“خذ هذا. أو الأفضل أن تأخذ الاثنين.”
في اللحظة التي ألقى فيها أحدهم حزمة حبال سميكة، قفزت لينكا على الأكياس الملقاة أرضًا.
‘ليكن أثقل من البقية، فقط لا يلاحظوا ذلك!’
ثمّ انحنى أحد الرجال من فوق السفينة وقال:
“لا وقت للعبث. بحرية كادِر بدأت بالتحرّك. يبدو أنّنا كُشفنا.”
“كُشفنا هنا؟”
“لستُ واثقًا. كنتُ أظنّ أنّ هذه المضايق بعيدة عن أنظار البحرية.”
البحرية.
لقد أرسلوا فعلًا……!
لم يكن يطارد القراصنة في الحقيقةِ بل كانت هي الهدف.
فقد أمر بتفتيش كلّ السفن في الميناء، وها هو يصل إلى سفينة القراصنة أيضًا.
لكنّ لينكا كانت متخفّية بالفعل.
وإن استطاعت تجاوز هذه المنطقة المزدحمة بالناس، فسوف تصل إلى سطح السفينة.
“ارفعوها.”
“هيا.”
وبسهولة، رفع القراصنة الألواح المكدّسة بالأكياس، ومعها لينكا المختفية.
لم يُدركوا وجودها، فأُنزِلت مع المؤن في مخزن واسع.
ما إن لامست الأرض حتى انكمشت إلى زاوية مظلمة، تلتقط أنفاسها القصيرة.
“ـ القبطان يناديكم.”
“مرة أخرى؟”
“من فوق، في اليابسة ـ”
صرخوا ثمّ أُغلِق الباب بإحكام، وساد السكون.
ظلّت ساكنة طويلًا، ولم تسمح لنفسها بالتنفّس بصوت مسموع إلّا بعد أن زال أثر الشفافية عن جسدها.
“هُو…….”
عاد شعرها الأشقر الفاتح وجلْدها الأبيض إلى طبيعته، وكذلك الحراشف الفضية التي اختفت كأن لم تكن.
“لكن… يقولون إنّ القراصنة يرمون الدخلاء في البحر مباشرة…….”
لقد اختبأتُ داخل سفينة قراصنة، لكن هدفي هو اليابسة.
لا يمكن أن أُرمى في البحر مجددًا.
ذلك لأنّ……
“لينكا، إيّاكِ والبحر. نصف الحورية دائمًا فريسة لوحوش البحر.”
نعم……
فلينكا كانت خليطًا بين حورية وبشر.
ونصف الحورية… لا تستطيع العيش في البحر.
لينكا.
نشأت في مدينة الميناء الصغيرة “كادِر” مع أمّها فقط.
قيل إنّ والدتها جاءت ذات يوم وحدها وهي تحمل طفلة صغيرة.
لم يُذكر شيء، وظنّ الناس جميعًا، وكذلك لينكا نفسها، أنّ والدها قد مات.
لكن الحقيقة ظهرت عندما كانت في الثامنة.
في تلك القرية الصغيرة التي لم يبقَ فيها للحوريات سوى الذكرى، انسكب دلو ماء بحر على جسدها الصغير.
وعادت إلى البيت مهرولة، فإذا بالحراشف الفضية تنبت من فخذها وجنبها، ثم تصعد حتى عنقها وخدّها الأيسر.
غطّت نصف جسدها، متلألئة ودافئة كالماء.
بكت وهي ترتمي في حضن أمّها.
“كنتُ سأخبركِ عندما تكبرين قليلًا.”
ضمّتها أمّها سوينا برفق، وأخذت تروي لها الحكاية الطويلة:
أبوها كان حوريًّا.
وقع في حبّ أمّها.
وُلدت لينكا، لكنّه اضطرّ للعودة إلى البحر.
ومع ذلك، ترك لها لآلئ وأحجارًا كريمة، فلم تجد الأم صعوبة في تربيتها.
لكن هذا لم يكن الأهمّ.
“لينكا، اسمعيني. بعيدًا غربًا، في أعماق البحر، هناك وحش نائم. إذا رأى نصفَ حوريةٍ ونصفَ بشر، فسوف يستيقظ ليلتهمها.”
“نصف حورية ونصف إنسان…… هذا أنا! أوه، لااا!”
لم تُرِد أن تموت فريسة للبحر.
أرادت أن تعيش طويلًا.
فقالت لها أمّها: إذا أردتِ ذلك، فاحذري أمرين دائمًا.
الأول: البحر. فقد يستيقظ الوحش في أي وقت.
والثاني…… البشر.
لأنّ لينكا، وإن بدت مجرّد فتاة عاديّة بلا ذيل، إلّا أنّها تملك أنفاس البحر.
“أنتِ…… ما الذي فعلتِه للتو؟”
حين تظهر حراشفها، يتغيّر كلّ شيء.
لا تقتصر المسألة على التنفّس في الماء، بل تكتسب قوّة غريبة.
كما حدث الآن، عندما دعت أن تختفي، فغدت شفافة.
إنّها قوّة مؤقّتة لا تدوم إلّا ما دامت الحراشف مضيئة.
وقد ظلت تحذر من الماء طول حياتها، فلم يعرف السرّ أحد سواها وأمّها سوينا.
والآن…… ماكّرد، وريث لورد كادِر، عرف أيضًا.
قبل فترة، عندما أصيب ذلك الرجل، رقّ قلبها وأنقذته.
كان عليها أن تكبح نفسها!
لحسن الحظ، لم يفهم أنّها حورية.
ولهذا استطاعت التفكير في حيلة الهرب عبر سفينة القراصنة.
خرجت من بين الأكياس، تنفض عنها الدقيق.
“لماذا المخزن واسع إلى هذا الحد……؟”
وما رأته أمامها كان مخزنًا بحريًّا لا يُقاس.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 1"