فكما هو الحال مع الخيام الأخرى، تنتشر حولها خيام صغيرة، غير أنّ الخيمة الكبيرة في الوسط تكفي وحدها للدلالة على أنها مخصّصة للعائلة الإمبراطورية.
ولأن الأمر ما زال في بدايته، فالنبلاء متوزعون في الخيام الصغيرة ولم يكن في الخيمة الكبيرة أحد، مما جعل التمييز صعبًا. لكن لويسا، وقد التقطت خيط الاستنتاج بحدسها، أمالت رأسها في حيرة.
‘…هل أذهب لأتفقد؟’
وبمجرد أن خطر لها الأمر، بادرت بالفعل.
عادةً ما كانت ستفكر مليًّا قبل الإقدام، لكن هذه المرة لم يبقَ فيها إلا غريزة تدعوها إلى التحرك بسرعة.
فراحت تدور من بين الأشجار، متسللةً بهدوء إلى الجهة الخلفية للخيمة.
وبالحقيقة، كان يفترض أن يكون الفرسان يحرسون محيط الخيام في مثل هذا الوقت، لكن المكان بدا خاليًا حتى من نملة واحدة، وكأن الحراسة أُقصيت عمدًا.
رائحة الخطر واضحة.
لقد قيل إنّ للناس أحيانًا حدسًا غريبًا في مثل هذه المواقف… ولعل هذه لحظة لويسا.
انحنت أكثر، تقترب من الخيمة بحذر.
“…ولِمَ الشرق بالذات؟”
صوت رجولي أجشّ فيه غيظ مكبوت اخترق الصمت.
حاول الرجل أن يخفض صوته، لكن الغضب تسلّل في نبراته بقوة.
“لأنه المكان الوحيد القابل لأن ينتشر فيه الأمر طويلًا بهدوء. وسأحرص على ألا يصل إليه أي دعم عسكري، فابذل جهدك لتغطي أعين الباقين.”
على خلاف حدة الرجل، جاء صوت المرأة باردًا كسولًا، كأنّ الأمر لا يستحق ذرة اهتمام.
لاذ الرجل بالصمت وقد انعقد لسانه.
“أختِ… لا، جلالة الإمبراطورة. إن استمر الأمر أكثر من هذا، فلن يصمد الشرق.”
اتسعت عينا لويسا.
‘الإمبراطورة؟ إذًا فالرجل هو الماركيز لويس ديميتري؟! والشرق مهدد بالسقوط؟’
‘ما الذي يخططون له؟’
شهقت مكبوتة، وضغطت بكلتا يديها على فمها، حتى لا يفلت نفس واحد.
أحست بحرارة أنفاسها المرتجفة تملأ كفيها.
“دعهم، فليصمدوا أو لا. لا بأس.”
“…ماذا؟”
“إن كان الأمر خطوة لازمة، فليُضحَّ بكل شيء لنبدأ من جديد. لا حاجة للتعلق بما لا قيمة له.”
“لـ… لكن، إنما هناك موطن عائلتنا، أرضنا…”
قهقهة ساخرة قطعت كلام الماركيز.
“أرضنا؟”
“…جلالة الإمبراطورة؟”
“كم هو مثير للشفقة! أوَتظن نفسك سيد الشرق حقًّا؟”
“……!”
“اعرف قدرك ولا تتجاوزه، فما تملك وما يملكه قومك لا يساوي سوى فتات. أما سادة هذه الإمبراطورية حقًّا فهم آل التاج، لا أنتم الذين تتنازعون على بقايا الفتات.”
“…أعتذر.”
لم يكن في كلماتها إلا الغرور، لكن صوت الملركيز خرج مرتجفًا مبالغًا فيه.
لم تره لويسا، لكنها تخيلته منكمشًا كالمذعور.
“ماركيز ديميتري.”
“نعم…”
“لهذا السبب، عليّ أن أرسخ قدميّ. كل ما يحدث ليس إلا مرحلة ضرورية لأكون السيّدة الحقيقية، فلا تُكثر همّك.”
تراوحت نبرتها بين دفء قاسٍ وبرودة جارحة، حتى إن تبدّلها المفاجئ إلى رقة جعل القشعريرة تدب في أوصال لويسا أكثر من صرامتها السابقة.
راودتها عشرات الاحتمالات: النهوض فجأة والركض، أو تفادي السقوط. لكن وعيها تلاشى تمامًا في تلك اللحظة البيضاء.
‘ها… حياتي…’
حتى لحظة السقوط بدت وكأنها تستغرق دهورًا.
حين أوشكت أن ترتطم بالأرض، انبسطت يد قوية خلف ظهرها كالمعجزة وأسندتها.
“……!”
شهقت لويسا، واستدارت بحدسها نحو من أنقذها.
‘رافاييل؟’
عينان زرقاوان تنظران إليها بثبات.
لم يخطر لها أن تسأل كيف ظهر هنا، بل لمعت في ذهنها فكرة واحدة: نجوت… الحمد لله.
تراخى جسدها المرهق في لحظة.
سواء بسبب يده العريضة التي أسندت ظهرها بثبات، أم بسبب عينيه الموجهتين نحوها بصفاء، انحلّ الاختناق في صدرها وارتخت ساقاها.
إلا أنّ رافاييل لم يتركها تسقط، بل ثبّت قبضته أكثر.
ثم رفع إصبعه إلى شفتيه، مشيرًا إليها بالصمت، بينما يساعدها على الوقوف.
‘إلى هناك.’
حرّك شفتيه بلا صوت، مشيرًا برأسه نحو الغابة.
فأومأت لويسا، وسارت متكئة نصفها عليه حتى دخلا الأشجار.
‘كادت تكون كارثة…’
ما زال قلبها يخفق بعنف.
لحسن الحظ لم يكن ثمة فرسان بالجوار، وإلا لكُشف أمرها وسُحبت. وإن وُجدوا أصلًا، لما أقدمت على تلك الحماقة.
مهما يكن، لقد كانت نجاةً حقيقية.
“هل أنتِ بخير؟”
فتح رافاييل فمه بعد حين، وهو يراقب محيطه بحذر، يتفقد المكان يمينًا ويسارًا.
“…نعم، شكرًا لك.”
لا يزال رافاييل يحتضن خصر لويسا، بينما وضع يده الأخرى برفق على وجهها.
كانت أطراف أصابعه الخشنة دافئة تلمس وجنتها برقة، ثم تتحرك نحو جانب عينيها.
أرادت لويسا تحريك رأسها من أثر الوخز الخفيف على جلدها، لكن لم تستطع مقاومة يده التي كانت تمسح خصل شعرها برفق واهتمام.
كانت تشعر بدفء يخرج من طرف أصابعه وكأنها زجاج هش قد ينكسر لو لمستْه بحذر، فجلست ساكنة تشعر بذلك الدفء فقط.
“هممم…”
لكن لا يمكنها البقاء هكذا للأبد.
بدأ عقلها يسترجع وعيه شيئًا فشيئًا، ففتحت عينيها على وسعهما وبدأت بالكلام ببطء.
“متى جئت؟”
“منذ أن اختبأتِ.”
“حقًا منذ البداية؟ لماذا تركتني بهدوء؟”
“لأني ظننت أنك فضولية. ألم تكوني ترغبين في معرفة الأمر؟”
“صحيح، لكنك تعرف من في تلك الخيمة.”
“نعم.”
كانت ردة فعله أكثر هدوءًا مما توقعت.
نظر إلى وجهها بعمق، كما لو أنه كان مهتمًا فقط بأمانها.
“بدا لي أن هناك شيئًا في الشرق.”
“هل سمعت كل شيء؟”
“نعم.”
حسنًا، لقد سمع، ومن المستحيل أن يفوت فارس بحدس قوي مثل رافاييل أي شيء.
حاولت لويسا خدش وجنتها محرجة، لكنها ترددت حين أدركت أن يده ما تزال على جسدها.
“آه، عذرًا.”
“…لا بأس.”
همست لويسا لنفسها وهي تحدق في الفراغ بلا سبب.
رغم أن يده انفكت، إلا أن المسافة بينهما ما زالت قريبة جدًا.
كان أشعة الشمس تتسلل بين الأشجار الكثيفة، وتحرك النسيم اللطيف الأوراق بهدوء.
ورغم أنه داخل القصر، بدا لها للحظة وكأنهما وحدهما في هذه الغابة الكبيرة.
“يجب أن أعود الآن. ربما تبحث عني ماري.”
شعرت أن الوقت قد حان للمغادرة.
كانت غالبًا تراقب رافاييل بصمت فيما يفعل ما يشاء، لكن في الآونة الأخيرة، أصبح هذا أصعب، وعندما يكونان وحدهما، شعرت بتوتر غريب.
“سأوصلك.”
كان من الصواب قبول ذلك.
أومأت برأسها بخفة، وسارت جنبًا إلى جنب مع رافاييل.
“لويسا.”
“نعم؟”
“لا تفعلي ذلك بعد الآن. كان وضعًا خطيرًا لولا حظك.”
“…سأفعل. يبدو أنني كنت محظوظة حقًا.”
“لم أستطع بعد أن أفهم طبيعة الإمبراطورة.”
التقت عيناها بعينه الجانبية، فلحظ أن نظرها التقت بوجهه فنظر إليها برأسه مائلًا.
“إن كنت محقًا في توقعاتي، فقد تكون أقسى من الجميع. لذا لا تقتربي منها.”
“…هل يمكنني أن أسألك عما توقعت؟”
“هل موت والدتي حقًا بلا صلة بما حدث؟”
لم يكن مجرد شك يزرع في عقله، بل كبر حتى أصبح واضحًا.
أغمضت لويسا عينيها ببطء.
في القصة الأصلية، كان رافاييل يحقق في حادثة موت الإمبراطورة السابقة بعدما لاحظ تصادمات بين بيلا والإمبراطورة، لكنه لم يكن مرتبطًا ببيلا حاليًا، لذا ربما كان هذا الشك بسببها…
شعرت بالدهشة والإحراج لكونه صريحًا هكذا، حينها دوّت فجأة انفجارات هائلة في الغابة، جاعلة كل شيء يرتج.
تجهزت عينا لويسا ورافاييل تلقائيًا نحو ميدان الصيد، حيث تألق الضوء الأحمر في السماء.
***
لم يبتعد ديميان عن مدخل الغابة.
عادة كان سيصطاد قليلاً، لكن بعد أن قالت لويسا إن بإمكانه العودة خالي اليدين، قرر ألا يفعل شيئًا.
لويزا لا تكذب أبدًا، وما تقوله حرفيًا يعني ما لا يُفعل أيضًا.
“متى ستذهب إلى الشمال؟”
سأل ديميان بوجه سعيد بعدما أقنع الدوق بالتصرف على نحو مختلف عن خطته الأصلية والالتصاق بجانبه.
“أخطط للذهاب خلال ثلاثة أيام.”
“هل نسأل لويسا؟”
التفت الدوق من النظر أمامه إلى ديميان.
“هل ستذهب معها؟”
“نعم. يبدو أنها أكثر حماسة للذهاب للشمال من أي وقت مضى.”
“أحقًا؟”
“ولديها هناك أيضًا مشروع تجاري، لذا من الطبيعي أن ترغب في الذهاب أكثر.”
التفت الدوق نحو السماء البعيدة، وقال:
“…يبدو أنها تغيرت كثيرًا.”
“لو قلت العكس لكنت كاذبًا. ومع ذلك، أرى أحيانًا أنها تبدو كما كانت في صغرها، ربما انتهت من ضياعها الطويل.”
كان صوته مليئًا بالاطمئنان والمودة، ورسم ابتسامة خفيفة على شفتيه محدقًا في السماء البعيدة مثل أبيه.
*****
ودي اقول وجهة نظر بس اخاف احرق
ترجمة : سنو
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول. وممكن لو انحظر حسابي بعيد الشر بتلاقوني هناك
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 80"