“هذه ثياب صنعتها من أجل ملهمتي، والقول بأني أعيدها يعادل أن تطلبي مني أن أفقد رغبتي في الحياة. أرجوكِ، ارتدي فستاني!”
لحسن الحظ أن تشاركو مينغ امرأة، فلو كانت رجلاً لكان تصرفها هذا فُسِّر على أنه عرض زواج صريح.
“حسناً. سأخبرهم أن يحسبوا ثمن ذلك الفستان أيضاً، ويمكنك الانصراف الآن.”
“…ستدعوينني مجدداً يوماً ما، أليس كذلك؟”
‘لا تنظري إليّ بتلك العينين المتوسلتين…’
هزّت لويسا رأسها بخفة وأشارت بعينيها إلى ماري.
“شكرًا لكِ على مجهودكِ. سأرافقكِ حتى الباب. لا، المخرج من هذه الجهة. هيا، تفضّلي.”
حقاً، إنها ماري. بلباقتها دفعت تشاركو مينغ ومعها مساعدتها إلى خارج الغرفة، فارتسمت على وجه لويسا أخيراً بعض الراحة.
وما هي إلا لحظة حتى خيّم السكون على الغرفة، غير أنه لم يدم طويلاً، إذ سُمِع طرقٌ خفيف على الباب.
“لويسا، هل لي بالدخول؟”
“ادخل.”
فتح ديميان الباب، وبعد أن ألقى نظرة خاطفة إلى الممر التفت إلى الداخل مبتسماً ابتسامة باهتة.
“كيف وجدتِ الملابس؟ يقولون إن تلك المصممة مولعة بك، ويبدو أن ذلك صحيح، فقد غادرت للتو.”
“أعجبتني. مشكلتها الوحيدة أن حماسها مفرط.”
هزّت لويسا كتفيها بخفة، ثم خلعت سترتها وألقتها بإهمال على السرير، والتفتت إلى ديميان الذي كان قد جلس على الكرسي دون استئذان.
“ما الأمر؟”
“…لا شيء.”
“لا شيء؟ وجهكِ لا يوحي بذلك.”
اتسعت عينا ديميان وهو يربّت على خده.
“أهكذا أبدو؟”
“يبدو أنك متكدّر قليلاً. أليس كذلك؟”
“ربما. إن كنتِ تقولين ذلك فلعله صحيح.”
“…ما هذا؟ إذن ما السبب؟”
“آه… فقط فكرتُ في كم سيكون الأمر شاقاً عليكِ.”
‘ألم ننتهِ من هذا الحديث؟’
رفعت لويسا كتفيها باستخفاف.
في اليوم الذي عادت فيه من القصر، حكت مع الدوق لديميان ما جرى، وزاد الدوق فقصّ له ما دار بينها وبينه بعد خروجها.
قال إن الإمبراطور بدا كمن تخلّى بسهولة عن رغبته في العيش، لكن عزمه على تنصيب رافاييل ولياً للعهد ظل قوياً.
‘ما الذي جعله ينهار هكذا في صحته؟’
الأطباء في القصر لا يعرفون، ولا الكهنة الشفائيون يعلمون، فلا شك أنهم يعيشون قلقاً.
“لويسا، لا تفكري في شيء آخر. فكّري بنفسك فقط. أيّاً كان قرارك، فنحن معك.”
في الحقيقة، لو رفضت الزواج الامبرطوري، لا أحد يعلم ما العقاب الذي قد ينزله هذا العجوز المحتضر بها. لذا كان صعباً عليها أن تختار تكون قديسة بسهولة.
وكأنهم قرأوا قلبها، قال الدوق لها ذلك يوم عودتها، وها هو ديميان يعيد القول ذاته في هذه اللحظة.
“…شكراً لك.”
في الواقع كان رافاييل قد طلب لقاءها البارحة، لكنها رفضت، فقد شعرت أن رؤيته ستربكها، وربما توهمت أن الأمور بخير.
صحيح أن معظم ما يعلق في ذاكرتها هي لقاءاته الأخيرة به، لكنها حين تتذكر البداية تدرك أن الأمر لم يكن سيئاً تماماً… وذلك بحد ذاته مشكلة.
لا مفر من مواجهته في مهرجان الصيد، غير أن بقاء بعض الوقت للتفكير وحدها حتى ذلك الحين بدا أفضل. ومع ذلك، الحقيقة أن المهرجان نفسه أخطر ما يشغلها. فما الذي قد يحدث هناك؟
‘…ليتهم جميعاً يختفون فحسب.’
كثرة ما يشغل بالها جعل أفكارها تلتفّ كخيوط متشابكة.
ضغطت لويسا بيدها على عينيها المثقلتين.
كان قد بقي خمسة أيام على مهرجان الصيد.
***
ارتدت لويسا قميصاً أبيض واسع الأكمام، وفوقه صدريّة تجمع بين الرمادي المزرق والذهبي، وأطلقت تنهيدة طويلة. ( ملابس صيد تخيلوها عاد )
“آه… لا رغبة لي في الذهاب…”
ضحكت ماري وهي تسمع تذمّرها.
“مرّ زمن طويل منذ سمعت هذه الكلمات. كنتِ ترددينها كثيراً فيما مضى.”
“حقاً؟”
أجابت بفتور، أما ماري فابتسمت وكأنها ألفت ذلك منها.
“آنستي، توخّي الحذر. الجو حار، فاحرصي على البقاء تحت الظلال ما أمكن.”
“حسناً. والحقيبة؟”
“ها هي. لكن ما الذي فيها؟ حجمها لا يسمح بوضع سلاح.”
“همم، يمكن القول إنه سلاحي الخاص.”
ترددت ماري لحظة ثم أومأت متقبّلة.
علّقت لويسا حقيبة صغيرة في حجم قبضتين على كتفها وغادرت الغرفة.
كانت الحقيبة خفيفة، لكن لسبب ما أحسّت بوزنها يضغط على كتفها كالحجر.
“سأعود.”
اليوم المنتظر قد حان.
رجاؤها الوحيد أن لا تقوم الإمبراطورة بأي حماقة، وأن يمر كل شيء بسلام.
أقيم مهرجان الصيد في الغابة الواسعة داخل حدود القصر.
تجمع النبلاء جماعات صغيرة، يتحدثون عن هذا الحدث المفاجئ ويراقبون الوجوه التي أثارت اهتمامهم.
وكانت لويسا بليك محور الحديث بلا منازع؛ فقد كُشف أنها المستثمر الوحيد والشريكة المؤسسة لنبيذ الروزيه الذي لاقَ رواجاً واسعاً، فأثار الأمر فضول الجميع.
وما إن شاع الخبر حتى رحلت لويسا إلى الشمال، فكثر القيل والقال “بنت الدوق تمارس التجارة!” و”بمثل شخصيتها تدير عملاً؟ لا بد أنها خدعة!”… وكانوا يتكلمون بلا كابح وكأن أفواههم بلا أقفال.
لكن ذلك لم يدم طويلاً؛ إذ سارعت الكونتيسة داليو، المنتمية إلى أسرة عريقة في عالم التجارة، إلى إظهار دعمها للويسا علناً، فيما انشغل شريكها المؤسس ألبيرت روزيه بالثناء عليها واصفاً إياها بالمنقذة.
وهكذا صارت تلك الكلمات السوقية تُعدّ شائعات لا أساس لها، فأخذت تخبو شيئاً فشيئاً.
“آنسة لويسا، كيف حالك؟”
“مدام كارولاين والكونت داليو”
ظهرت لويسا عند مدخل ساحة الصيد، يحيط بها الدوق بليك عن يمينها واللورد الصغير بليك عن يسارها.
وبعد أن جالت بعينيها في الأرجاء، استقبلت بابتسامة ودودة الزوجين داليو اللذين تقدّما نحوها.
وما إن اقتربت الكونتيسة حتى حنت ركبتها قليلاً أمام الرجلين الواقفَين كالحرس إلى جانب لويسا.
فالدوق بليك بوسامته المهيبة وحضوره الطاغي، كان مرهوب الجانب لدرجة أن معظم الناس لا يجرؤون على الاقتراب منه. لذا كان مشهداً صادماً أن تراه يستقبل تحية الكونتيسة بلطف.
“كيف كانت رحلتك إلى الشمال؟”
“بخير. لكن الرحلة كانت قصيرة جداً، وأظن أنني سأضطر للعودة قريباً.”
أمسكت الكونتيسة بيد لويسا برفق.
“لا تُجهدي نفسك كثيراً. فالمسافة بعيدة حتى مع استخدام البوابة السحرية.”
“شكراً لاهتمامك. لكن البارون روزيه يبذل جهداً وحده الآن، فلا بد أن أعود سريعاً.”
“لقد كتبت له رسالة بالفعل، ولا بد أنه استلمها الآن. عرضتُ عليه أن يطلب ما يحتاجه، لكنه من أولئك الذين لا يحسنون طلب المساعدة، وهذا ما يقلقني.”
“ولهذا عليّ أنا أن أذهب.”
“إذن لا مفر من ذلك.”
تنهدت الكونتيسة، ونبرتها تحمل عتاباً رقيقاً.
“سأذهب أنا أيضاً يوماً ما. لطالما راودني الفضول بشأن جبال الشمال الثلجية.”
“سيكون أمراً رائعاً. أخبريني باليوم المناسب، وسأحرص على دعوتك.”
لم ينقطع الحديث الدافئ بينهما، وهو ما جذب أنظار النبلاء الآخرين الذين بدأوا يشعرون بالملل في انتظار ظهور العائلة الإمبراطورية.
“يبدو أن العلاقة بينهما وطيدة.”
قالها أحدهم متظاهراً باللامبالاة، بينما فضوله يتلألأ في عينيه.
ولم يلبث المحيطون به أن تبادلوا النظرات ثم بدأوا يهمسون واحداً تلو الآخر.
“ما رأيكم أن نذهب نحن أيضاً لنسلّم عليها؟”
“لا مانع، لكن… تلك ابنة الدوق بليك. أترون أن ذلك لائق؟”
“…لقد سمعتُ عنها شائعات سيئة، لكني لم أر شيئاً بعيني. ماذا لو كانت مجرد مبالغات؟”
“صحيح، هذا محتمل.”
أخذ البعض يطرف بعينيه دهشة، وآخرون غطّوا أفواههم بأيديهم كأنهم تذكروا فجأة.
فهم لم يسمعوا عن أفعال محددة بقدر ما سمعوا أوصافاً مشينة. بل إن آخر الشائعات الواضحة قد تلاشت منذ زمن، فبدأ يتولد شك عندهم أن كل ما قيل لم يكن سوى افتراء مضخّم.
تقلّصت النظرات العدائية التي كانت تتجه نحو لويسا بوضوح، وحلّت محلها نظرات فضول متزايد.
وبينما أخذ البعض يتهيأ للاقتراب منها، ظهر الإمبراطور أخيراً. ثم تبعته الإمبراطورة، والأمير ساينف، ثم رافاييل.
ومع ذلك التحوّل، انحسرت الأنظار المتركزة على لويسا بسرعة.
كانت منهمكة في الحديث مع الكونتيسة، لكنها لم تكن لتغفل عن هذا التبدل. فاستقبلت بارتياح داخلي تراجع الاهتمام عنها، وحوّلت بصرها بهدوء نحو مقاعد العرش حيث جلس أفراد العائلة الإمبراطورية.
“إنه ولي العهد الأول، أليس كذلك؟”
ولم تستطع منع أذنيها من التقاط الهمسات التي صارت تدور الآن حول رافاييل بدلاً عنها.
“ألأول مرة يحضر مهرجان الصيد؟”
“نعم. كان نادراً ما يشارك في مناسبات لا صلة لها بالكنيسة…”
“صحيح، لقد حضر هذا العام الحفل أيضاً. كنتُ بالكاد أراه في احتفالات رأس السنة بالقصر، وهذا يثير العجب.”
‘إذن كان نادراً ما يظهر في الحفلات أيضاً؟’
حاولت لويسا أن تستعيد ذاكرتها.
‘نعم… أظن أنه كذلك. ولأنه لم يكن يحضر، فحتى لويسا في الماضي لم تكن تحضر كثيراً.’
أمالت رأسها متفكرة، ثم حدّقت في رافاييل.
وما إن فعلت حتى التقت عيناها بعينيه مباشرة.
عيناه اللامعتان تحت أشعة الشمس مثل ماء صافٍ، ومضتا بوميض غامض.
******
ترجمة : سنو
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول. وممكن لو انحظر حسابي بعيد الشر بتلاقوني هناك
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 78"