“قال فقط إنه نبيل من الشرق. وملابسه أيضاً تشي بأنه كذلك.”
“حسناً، لا تشغل بالك كثيراً. اجعل من هذه الأزمة سُلّماً للصعود.”
“أعتذر حقاً. لو أني كنت أكثر حرصاً…….”
“يا بَارون، اعتذرت بما يكفي. ولأكون صريحة، ربما كان الأجدر بي أن أقول إني أنا التي أشعر بالذنب، إذ ستقع عليك المتاعب الأشدّ.”
“ماذا تقولين! لا يجوز أن تقولي مثل هذا أبداً.”
“حسناً، لنتوقف هنا إذن؟”
“… نعم. شكراً لك.”
‘انظروا إليه، لا بد أن يُدخل الشكر في كل جملة. يبدو وديعاً لكنه عنيد أكثر مما يبدو. ولعل هذا الطبع هو ما جعله بعد كل إخفاقاته يواصل حتى ابتكر نبيذه الخاص.’
“والآن، ألا نبدأ خطواتنا نحو القمة؟”
ابتسمت لويسا بخفة.
“أتذكر النبيذ الفوّار الذي حدثتك عنه من قبل؟”
“آه! ذاك الإحساس بالفقاعات…!”
“نعم. فلنفجّره هذه المرة بانطلاقة قوية.”
ارتسمت ابتسامة عريضة على شفتيها.
وبينما شغلت ألبيرت روزيه بالحديث عن النبيذ الفوّار، عزمت في سرّها أن تمسك بذلك المقلّد قبل أن يطرح منتجه، وتجعله يخسر كل استثماره هباءً.
***
أطلق رافاييل زفرة عميقة وهو يحدق في الكنيسة.
كانت عيناه الزرقاوان المشابهتان للسماء مثقلتين بالهم.
فما إن وصل إلى الكنيسة الشرقية حتى اضطر لبدء حملة التطهير والتأمين، وكان يفترض أن ينغمس في العمل، لكن قلبه ظل مشدوداً إلى مكان آخر.
‘كنت أنوي الانتظار أياماً قليلة ثم أذهب للقاء لويسا… لكن كيف علقتُ في هذه المهمة بالذات؟’
المسافة التي فصلته عنها جعلت القلق يتفجر داخله.
لو كانت في الشمال لكان مرتاح البال، لكن وجودها الآن في العاصمة حيث تقيم الإمبراطورة كان يثير ضيقه.
لو لم يعرف الحقيقة، لما اهتزّ.
لكن رافاييل كان أول من التقط إشاعة مرض العضال بحق لويسا، ولما تتبع مصدرها بشبكة معلوماته، انهارت كل افتراضاته.
فالمصدر لم يكن سوى إحدى وصيفات القصر الإمبراطوري.
وهنّ كما يعلم الجميع، لا يتحركن من تلقاء أنفسهن دون أوامر الإمبراطورة.
‘ما الذي يدفعها لاستهداف لويسا بالذات؟’
لو كانت تصرفاته هو ما يثيرها لكان من الأسهل أن تهاجمه مباشرة، وهو حينها كان سيقبل ببرود.
لكن ما لم يفهمه هو لماذا اختارت لويسا؟
لقد أعلن ولاءه للكنيسة علناً، حتى بدا وكأنه يتحدى الإمبراطور.
وكان واضحاً أنه لا يطمع في العرش.
صحيح أن الإمبراطور أرغمه على خطبة لويسا رغماً عنه، لكن الأمر ظل خطبةً وحسب.
فالإمبراطورة التي راقبت الموقف كان من المفترض أن تدرك كيف سيؤول الحال.
“سيدي القائد، لقد تمركز الفرسان على أطراف الحدود.”
“… جيد. فليباشر البقية تمشيط هذه الناحية.”
قطع رافاييل حبل أفكاره وأشار بيده إلى نائبه يصدر التعليمات.
كان الكاهن الأكبر بيدآل قد أصرّ أن لا يُرسل الفرقة ولا بيلّا وحدهما إلى الشرق بلا قائد الفرسان المقدّسين، فاضطر للحضور معهم.
في البداية رآها مضيعة للموارد، وكان انشغال بيلّا معه يبعث على الضيق، لكنه الآن يعترف بينه وبين نفسه أن القرار كان صائباً.
فلم يظهر في الشرق وحوش بعد، لكن الكنيسة تغرق سريعاً في السحر الاسود، وخطر انكسار الحاجز قائم.
غير أن المشكلة الكبرى لم تكن في الوضع الميداني، بل في رأس رافاييل المزدحم بغيره.
كان يتحرك بين الأحراش الكثيفة حول الكنيسة بجدّ لا يكل، لكن أفكاره بقيت تراوح مكانها.
‘أعرف ما عليّ فعله……’
شدّ على فكّيه وهو يستحضر صورة الإمبراطورة.
‘… أهي مجرد خطبة كما أزعم لنفسي حقاً؟’
كان من المتناقض أن يختزل الأمر ببساطة، فتصرفاته إزاء لويسا لم تكن تنمّ عن شخصٍ يفكر أصلًا بفسخ الخطوبة.
فهو يقترب منها بحجة الفضول، ويُظهر اهتمامه بها بدعوى الانجذاب، فكيف يُقال إذن إنه يضع الفسخ في حسبانه؟
‘أهكذا هو الأمر؟’
لعلّ الإمبراطورة قد قرأت اهتمامه بلويسا.
حين فكّر في ذلك، بدا له كل شيء منسجمًا مع الواقع.
‘مجرد احتياط إذن… لموازنة نفوذ العرش.’
كان يتساءل كيف يمكن تقبّل ابن الإمبراطورة السابقة على نحو كامل؟
لذلك حتى عندما كانت الإمبراطورة الحالية تُظهر حرصها عليه، لم يَرَ في ذلك إلا شفقةً عابرة أو مظهرًا مصطنعًا.
ولم يكن يقصد أن ينتقص من إخلاصها، بل على العكس، فقد كان يفهم موقفها، ويرى أنه لا يخلو من مصلحةٍ أو اعتبارٍ سياسي.
حتى تلك النظرات الهادئة التي كانت تلقيها عليه أحيانًا…
***
“الـ… الأمير جاء؟ ولدي، ما شأنه…”
“مولاتي الإمبراطورة، المعذرة.”
“آه.”
“…….”
“…مرحبًا بك يا أمير.”
****
لكن مثل هذه اللحظات كانت نادرة للغاية.
فهو لا يكاد يتذكرها إلا بقدر ما يُحصى على أصابع اليد الواحدة حين كان صغيرًا، بل ولم تكن لتُلحظ لولا فرط حساسيته آنذاك في التقاط مشاعر المحيطين به.
أما رغبة الإمبراطورة في أن يصبح ساينف وليّ العهد، ومن ثم الإمبراطور الذي يقود الإمبراطورية، فكانت أمرًا بديهيًّا بالنسبة لأمّ.
ولهذا، عندما تمضي الخطوبة التي كان يُظن أنها ستتعثر من دون مشاكل، وحين تراه يكثر مؤخرًا من لقاء لويسا، فمن الطبيعي أن يساورها القلق.
فبمجرّد أن تميل كفّة بيت بليك المحايدين تقليديًّا لصالحه، سترجح الموازين كثيرًا، وبالتالي فإن لديها كل الأسباب لتتحفّظ.
غير أنّ موضع الحذر كان ينبغي أن يكون هو، لا لويسا.
لذا بدا له اختيارها هذه المرة دنيئًا على غير عادتها.
لقد كان يظنها صاحبة صبرٍ وسعة صدر، إذ احتملت وجود أميرٍ صغير كالشوكة في عينها، فكيف إذن تتصرّف على نحوٍ لا يليق بها؟
والآن، مهما كان رأي الناس أن لويسا هي التي بدت أكثر تفاعلًا قبل الخطوبة، فإن الجميع اليوم يدركون أن الطرف الأشد تمسكًا بالعلاقة هو هو نفسه.
وكيف لها ألا تلاحظ ذلك؟ ومع ذلك تلجأ إلى دسائس رخيصة وتؤذي بريئة لا ذنب لها!
شيئًا فشيئًا بدأت صورته المسبقة عن الإمبراطورة تتهاوى.
‘إن لم تكن هذه حقيقتها كاملة، فماذا سأفعل إذا ما جدّت أزمة أخرى؟’
لقد آن الأوان أن يواجه الواقع الذي طالما تجاهله.
فلو تُرك الأمر على عواهنه قد ينقلب خطرًا، وربما صار لزامًا عليه أن يحقق بجدية في أمر الإمبراطورة.
“…ولأجل ذلك، ينبغي أن أحسم مسألة علاقتي بلويسا أولًا.”
لا بدّ إذن من الوضوح.
فقد حان وقت الكفّ عن الاستسلام للأمر الواقع وإغماض العين عن الحقيقة.
فلا الفضول السطحي يبرّر استمرار الخطبة، ولا الاهتمام العابر الذي قد يخبو مع الزمن يصلح عذرًا لإلغاء قرار الفسخ السابق.
ولم تكن المشكلة في الانطباع الأول أصلًا، بل في أنه انخدع بصورة لويسا المختلفة كليًّا عمّا كان يعرفه في صغره.
خيبة أمله تلك جعلته يلهث وراء ملامح ماضيها، وهو لا يدري.
***
‘لا تعش حياةً بلا جدوى! فلتُثبت نفسك بإنجازٍ ولو بدمك!’
كان في العاشرة من عمره حين بلغت هستيريا والدته جلالة الإمبراطورة الأولى ذروتها.
فقد كان قلقها من أن ينتزع وليّ العهد الثاني منصب شقيقه ممزوجًا بغيرةٍ عمياء من عشيقة الإمبراطور سببًا في أن تنفجر في وجهه.
ومن هناك، وجد رافاييل نفسه مطرودًا نحو الشمال مُلزَمًا بالمشاركة في حملات إبادة الوحوش.
صحيح أنّه بدأ تعلم السيف منذ الخامسة، لكن هذه كانت أولى معاركه الحقيقية.
وبرغم الرياح اللاذعة التي تخترق العظم، ورائحة الدماء الخانقة التي غمرت جسده، ظلّ رافاييل هادئًا.
فالسكينة في الشمال مهما كانت قاسية، كانت أهون من ضوضاء القصر.
‘ستذهب غدًا أيضًا؟’
غير أنّ الدوق بليك، على الرغم من خضوعه لقرار البلاط، لم يرضَ أن يُرسل طفلًا صغيرًا إلى ساحة القتال.
فاختار أن يأخذه إلى قصره بدلًا من إيداعه في الكنيسة.
أما رافاييل، فقد تقبّل الوضع ببرود، وبعد العودة من الغارات اعتاد أن يمضي وقته في زاويةٍ خالية في الحديقة الخلفية.
واليوم، أيضًا، لم يزد على أن يحدّق بصمت في الطفلة التي اعتادت زيارته.
كان بريق عينَيه الزرقاوين صافياً كزرقة السماء، غير أنه بدا خافتًا كعينين خامدتين وهو يوجّه نظره نحو الصغيرة التي عرّفت نفسها باسم لويسا.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات