“ولا أنا. لكن الأمر أنني ضعيفة قليلًا أمام الحامض.”
“لدرجة أن عينيك ترمش هكذا؟”
“نعم، لا أدري لمَ، لكنني حين آكل شيئًا حامضًا يحدث ذلك.”
توقفت عيناه الزرقاوان عندها طويلًا، كمن يرى أمرًا عجيبًا أو كمن افتتن بشيء غريب، فلم يستطع أن يحوّل بصره عنها.
“هل لي أن ألمسها؟”
“ماذا؟”
“عينيك.”
“……ولماذا؟”
“لأن ارتعاشهما مثل بتلات الزهور أثار فضولي.”
صمتت لويسا عاجزة عن الرد.
ما الذي يعنيه بهذا الكلام؟ وما الفائدة أصلًا من لمس العين؟
لم تستوعب.
لكن رافاييل بدا كأنه أخذ صمتها إذنًا، فمد يده ببطء.
اقتربت أصابعه الخشنة البارزة العظام من عينها، ثم لامس بلطف طرف جفنيها المرتعشين من أثر الحموضة.
“غريب حقًا.”
‘هذا الرجل…؟’
رفعت حاجبها ونزعت يده بحدة.
أي غرابة في أن يفعل ذلك ثم يصفه بالعجيب!
التفتت عنه بسرعة وأخذت تأكل ما بقي من المثلجات بنهم.
أما هو، فلم يتبعها مباشرة، بل حدق في يده لحظة، ثم غاصت عيناه في زرقة داكنة وهو يهمس لنفسه:
“أهذا ما يسمّى بالظرف… أم باللطافة؟”
انعكست الحيرة على حاجبيه المنعقدين قليلًا.
ثم رفع بصره إلى ظهر لويسا الذي يبتعد، وقبض يده بقوة وهو يخطو خلفها، وبدت أذناه محمرتين بين خصلات شعره البلاتيني التي بعثرتها الريح.
لكن لويسا، التي لم تلحظ شيئًا من ذلك، كانت قد نسيت تصرفه الغريب، وأخذت تنظر حولها ببرود تتفقد ما يمكن أن يثير اهتمامها.
‘الأكل جيد، لكن لِمَ لا أستكشف شيئًا آخر؟’
وكانت قد كرهت فكرة الخروج إلى المهرجان في البداية، فإذا بها الآن تستمتع بهدوء، تتلفت هنا وهناك بشيء من الفضول.
‘لأذهب من ذاك الاتجاه لعلّي أجد ما يستحق المشاهدة.’
“هل أذهب إلى هناك؟”
وقع بصر لويسا على أحد البسطات، فسارت نحوه بلا تفكير.
لكن بما أنّه منخفض الارتفاع كان عليها أن تنحني، فانعكس ظلها على المعروضات.
اضطرت أن تجثو ببطء أمامه، ثم ضيّقت عينيها قليلًا وهي ترتّب قبعتها لأن أشعة الشمس انعكست على بعض الحلي وكأنها تخطف البصر.
“آه، ياللإزعاج… لِمَ لا أبحث عن مكان آخر؟”
وما إن همّت بالانصراف حتى توقفت فجأة، إذ إن رافاييل الذي كان يقف على يمينها تحرك ببطء إلى اليسار، فكأن جسده حجب عنها ضوء الشمس.
رمقته لويسا بنظرة سريعة، وفكرت للحظة في أنه ربما تعمّد ذلك، لكنها سرعان ما صرفت الفكرة عن بالها وعدّته مجرد مصادفة.
وبعد أن أنزلت يدها راحت تتفحّص المعروضات براحة أكثر.
كانت هناك عدة إكسسوارات تُباع، بدت فاخرة على غير عادة الباعة المتجولين، غير أنّ قطعة واحدة شدت انتباهها: حجر أحمر برتقالي يلمع وسط إطار ذهبي.
‘هل هو بروش؟ لا بد أن الحجر مزيّف.’
تناولت القطعة بحذر، فابتسم البائع وهو ينحني قليلًا وقال:
“يا للذوق الرفيع! هاها، هذه ليست مجرّد زينة، بل تُسمى حجر الحماية. يُقال إن حمله يجلب الطاقة الطيبة. وهو معدن نادر يستخرج من بلاد بعيدة ويُقدّر بقيمة تضاهي الأحجار الكريمة، لذلك يلقى رواجًا كبيرًا.”
‘إذن أشبه بالتعويذة؟’
لم تكن لويسا تؤمن بالخرافات، لكنها شعرت بشيء من الاهتمام بما أن للبروش معنى خاصًا.
تابع البائع بحماسة:
“إنه أنسب ما يكون هديةً للعائلة أو لأعزّ الأصدقاء. وبالطبع يمكن للمرء الاحتفاظ به لنفسه أيضًا!”
أغمضت لويسا عينيها ببطء ثم فتحتهما.
“هدية للعائلة؟” كان تعبيرًا غريبًا عنها.
فقد عاشت عمرها مسلوبة الحرية، لا قدرة لها على منح شيءٍ لأحد.
لم يخطر لها أصلًا معنى “إهداء” حتى الآن، فشعرت بالحرج لبرهة.
‘لقد كنتُ أنانية أكثر مما ينبغي.’
صحيح أنّها منذ أن استيقظت هنا عاشت براحة بلا افتقار إلى شيء، لكن بما أنها تنعم بفضلهم، ألا يجدر بها أن تُبادر بردّ ولو بسيط؟ ذلك هو أقل ما يقتضيه الواجب.
ثم إنّها، وإن كانت ليست لويسا الحقيقية، ولا ينصب اهتمام العائلة عليها شخصيًا، فلا بأس على الأقل بترك صورة طيبة لديها من باب الاحتياط.
قد تشتري هدية باهظة من محل مجوهرات، لكن شيئًا ما جعلها تتعلق بهذه القطعة.
لونها بدا كالشفق، وبريقها تحت الضوء أشاع دفئًا مريحًا.
‘في النهاية، لديهم مال أكثر مما لدي بكثير. مهما أهديتهم لن يعني لهم فرقًا. وإن لم يعجبهم… فليس بيدي شيء.’
سواء ألقوا بها أو أهملوها، فذاك شأنهم.
أومأت برأسها مرةً ثم ناولت البائع الحجر.
“أريد هذا، ومعه… همم، أربع قطع بالإجمال، لو سمحت. ولفّها لي.”
“أوه! شكرًا جزيلًا! هل تريدين التغليف بشكل منفصل لكل قطعة؟”
“نعم.”
فجأة، سأل رافاييل الذي كان صامتًا:
“كم السعر؟”
التفتت إليه لويسا وأشارت بيدها رافضة:
“هذه سأدفعها أنا. إنها هدية.”
تردّد قليلًا ثم أومأ موافقًا. عندها سألت لويسا عن السعر، فيما كان البائع يسرع في التغليف بحركةٍ بارعة.
وبعد أن قبض الثمن، أعاد يلفّ الهدايا بمهارة حتى سلّمها أربعة صناديق صغيرة مزخرفة.
“شكرًا على صبركم! آه، هل تودون حقيبة…؟”
“نعم، ضعها في ذلك الكيس الورقي.”
“حسنًا! أشكركم على الشراء، وأتمنى لكم يومًا طيبًا!”
“شكرًا لك.”
أخذت لويسا الكيس وضمّته بذراعها وهي تنهض.
‘آه، جلست طويلًا…’
ربّتت على فخذها المنهك قليلًا، فإذا بكف كبيرة تمتد نحوها.
“دعيني أحملها حتى نعود. ثم ما رأيك أن نجلس قليلًا؟ لا يزال هناك وقت حتى الألعاب النارية، وإن ظللنا نتجول فقد تتعبين لاحقًا.”
“فكرة جيدة. إلى أين نذهب؟”
“أعرف مقهى قريبًا.”
“حسنًا، لنذهب إذن… آه؟”
في تلك اللحظة هبّت ريح قوية.
تطاير شعرها، وارتفعت قبعتها في الهواء.
رفعت لويسا رأسها متفاجئة، تحدّق في القبعة التي طارت عاليًا، من دون أن تجد فرصة لتمد يدها.
“ها هي…”
وفجأةً، ظهر كف يمسك القبعة بخفة.
التقت عيناها بعينيه في الفضاء.
كانت عيناه الزرقاوان، المشرقتان تحت أشعة الشمس، لا تنظران إلا إليها وحدها.
“أمسكتُها.”
مدّ رافاييل القبعة إليها ببطء.
رمقتها لويسا صامتة.
لم تلحظ من قبل، لكن الآن وقد كانت في يده، بدت القبعة صغيرة للغاية.
الغريب أنها شدّت انتباهها، ربما لأنه كان يمسكها بحذرٍ مبالغ فيه، كأنه يخشى أن يثنيها أو يفسد شكلها بيده الكبيرة.
*****
ترجمة : سنو
انشر الفصول في جروب التيليجرام كملفات، وممكن لو انحظر حسابي بعيد الشر بتلاقوني هناك
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات