رفع رأسه فإذا بامرأة صغيرة السن تبدو وكأنها بلغت الرشد للتو تمد يدها نحوه.
شلال المطر كان يهدر من حوله، والنهار رغم ساعته بدا مظلمًا قاتمًا.
انتفض نائب القائد واقفًا وقد ارتسمت على عينيه نظرة حذرة.
“أنا بخير.”
كان الطريق الغابي هذا على الرغم من أنه لا يخلو من المارة، مشبوهًا جدًا لوجود امرأة بمفردها وسط عاصفة هوجاء كهذه.
كانت متدثرة بعباءة وتحمل في إحدى يديها سلة، وتبدو وكأنها عائدة من مكان ما.
تراجع نائب القائد خطوة إلى الخلف وأخذ يفتش الأرض بعينيه.
فما من شيء أهم من الصندوق الذي كان يحمله بين ذراعيه بحرص، لا هذه المرأة الغريبة التي تقف أمامه.
“ألتمس العذر… أهذا ما تبحث عنه؟ التقطته قبل قليل خشية أن يضيع.”
دار رأسه بسرعة نحوها.
كان يحدق في السلة حتى غفل عن الصندوق نفسه! أدرك أنه كان شارد الذهن، فلام نفسه بشدة وتقدم مسرعًا نحوها.
“لكن الغطاء كان مفتوحًا، فتساقطت الزهرة على الأرض.”
تجمدت ملامحه من هول ما رأى؛ إذ ما إن مست أناملها الزهرة المقدسة حتى بدأ السحر الأسود يزول عنها شيئًا فشيئًا.
دوّى الرعد في السماء، ومع ومضة البرق لاح بريق خاطف في عينيها الخضراوين البريئتين.
***
لا بد أن هناك سحرًا ما في الأمر.
ما إن عادت لويسا إلى القصر ورأت صندوق هدية ينتظرها حتى انعقد حاجباها بتوجس.
“إذًا… هذه هدية من الأمير الثاني؟”
“نعم يا آنستي. وهذه بطاقته مرفقة معها.”
“…ولماذا؟”
“عفوًا؟”
“أسألك، لماذا أرسلها؟”
“لا أعلم حقًّا يا آنستي…”
تراجَع الخادم مرتبكًا، فحدجته لويسا بنظرة ثم حولت بصرها إلى الصندوق الذي يحمله.
“هل كانت لك به معرفة من قبل يا آنستي؟”
‘ما هذا؟ أهو ما يزال هنا؟’
ارتبكت لويسا حين سمعت صوتًا يقطع الحديث فجأة، فالتفتت لترى رافاييل يحدق بالصندوق وعيناه ضيقتان.
“كلا. مجرد لقاء عابر لا أكثر.”
“أكان ذلك يوم حفل الخطوبة؟”
“لا. في الواقع لم أتبادل معه التحية في ذلك اليوم، بل التقيت به في قصر الكونت دالّيو.”
“آه، إذن ذلك اليوم…”
أمسك رافاييل عن إتمام جملته، لكنه نظر إليها نظرة توحي بأنه تذكر المرة الأولى التي رآها فيها وهي تتقيأ دمًا.
“لكن… هل هذا يوم مميز؟ ما الذي جعله يرسل لك هدية هكذا؟”
“لا أعلم. ربما عليّ أن أفتحها لأتأكد. لكن بما أنني خطيبة سموّك، فقد يكون مجرد لفتة مجاملة ليس إلا.”
أجابت لويسا بفتور.
فصورتها الأولى عن ساينف يوم الحفل لم تكن جيدة، لذا لم تكن تتوقع أن يكون في الهدية ما يثير اهتمامها.
“خطيبة… نعم، خطيبة.”
لسبب لم تفهمه، بدا أن كلمة خطيبة قد علقت بذهن رافاييل.
أخذ يهز رأسه ويتمتم بكلمات غامضة. فاستغلت لويسا انشغاله وغادرت نحو غرفتها بسرعة.
ولحق بها خادمها، ففتح لها الباب ووضع الصندوق بحذر على الطاولة ثم انصرف.
كنت قد نسيت الأمر أصلًا، لكن ما الذي يدبره هذا الرجل؟
زمّت لويسا حاجبيها والتقطت البطاقة.
[أتمنى لكِ الشفاء العاجل.]
كانت كلماتها قصيرة وحادة.
‘شفاء؟ لقد قيل إنني جئت للشمال فقط مرافقةً لعائلتي. هل انتشرت إشاعة أنني جئت للاستشفاء؟’
اشتد اضطرابها وهي تفكر:
‘هذا الرجل سبق أن قال إنه شعر بوجود قوة مقدسة في داخلي.’
كان قد غاب عن بالها ذلك، لكنها الآن شعرت بقشعريرة تسري في جسدها.
كأنما أرسل لها البطاقة عمدًا في اللحظة التي ظنت فيها أنها في مأمن من نسيانه ليذكّرها بنفسه.
‘ما الذي يخطط له هذا الرجل؟ ذلك اليوم… لم يعجبني وجهه المبتسم أبدًا.’
نقرت بلسانها في ضيق، وألقت البطاقة بعيدًا.
لم تكن تريد حتى أن تفتح الهدية، لكن خشيتها من أن تُتهم لاحقًا بإهانة أحد أفراد العائلة المالكة دفعتها إلى ذلك.
تمزق الغلاف بعنف وتناثر على الأرض، ثم فتحت الصندوق بتردد.
“…هل من المعتاد أن يهدي أحدهم خطيبة أخيه هدية كهذه؟”
رفعت العقد من الصندوق بيديها وكأنها تمسك شيئًا مشبوهًا، فبان عقد ضخم من الياقوت لا يقل حجمه عن حجم عينها.
كان واضحًا أنه غالي الثمن للغاية.
“أوه… لا شك أن وراء هذا الأمر سحرًا.”
ألقت بالعقد مجددًا في الصندوق كمن يتخلص من شيء قذر، وارتجف جسدها باشمئزاز.
‘ألا يمكن لهؤلاء أن يعيشوا بهدوء حتى يحين ظهور البطلة الأصلية؟ لماذا يوجهون نحوي هذا الاهتمام غير المرغوب فيه؟’
ففي القصة الأصلية لم يبدِ أيٌّ منهم ذرة اهتمام بها.
أما الآن، فهي لا تريد ذلك أصلًا، ومع ذلك تتلقى اهتمامًا مبالغًا فيه لا حاجة لها به.
لم تكن المسألة كحال الضفدع الذي يخالف دائمًا، ففي الأصل لم يُبدِ أيّ اهتمامٍ بلويسا في الرواية، فما باله الآن يُظهر هذا القدر من الاهتمام الذي لا تريده ولا حاجة لها به؟
سواء أكان هذا من باب التقلّب أو غيره، فإن مجرد الوقوع في مثل هذا الوضع بدأ يثقل كاهلها ويثير ضيقها.
‘لا بدّ إذن أن أبحث أنا بنفسي عن البطلة الأصلية، وإلا فالأمر لن يستقيم.’
تنهدت لويسا بوجه متعب وتوجّهت إلى الحمّام.
فما كان أولى وأهمّ من أن تغتسل وتنام، فذلك أحقّ بأن تبادر إليه.
وهكذا عزمت.
ومضى نصف شهر حتى شاع في أرجاء الإمبراطورية خبر ظهور القديسة.
***
“آنسة، تبدين مسرورة هذه الأيام!”
“أهكذا ترين؟”
“نعم! أهو بسبب ذهابك إلى العاصمة؟”
ساد صمت قصير على السؤال الحيوي الذي أطلقته ماري، ثم وضعت لويسا شوكتها على الطاولة بعدما كانت منهمكة قبل قليل في تناول قطع الكعك بشهية.
“العاصمة… هل لا بد من الذهاب حقًا؟”
“نعم، لقد قيل إن جلالة الإمبراطور سيقيم حفلًا بنفسه، لذا لا بد من الحضور. ألستِ راغبة في الذهاب؟”
“إنه أمر مرهق. متى سأذهب إلى هناك ثانيةً… آه.”
قطبت لويسا حاجبيها كمن فترت شهيته.
كان تطهير الشمال من الوحوش قد قطع شوطًا، وبات في الإمكان أن يغادر معظم الفرسان المقدّسين تاركين وراءهم عددًا قليلًا، وكان رافاييل بينهم ممن سيغادر.
صحيح أن اختفاء تلك الكتلة الحيّة من القوة المقدسة سيترك شيئًا من الأسف، لكنها باتت قادرة على التحكّم بنفسها بمهارة كافية، ولم يعد وجوده ضرورة مُلحّة.
ولهذا، فقد كانت سعيدة بتخيّل حياة أكثر راحة في الشمال.
غير أن خبر إقامة حفل للاحتفاء بالقديسة لم يسرّها البتة.
فهي تُبارك من صميم قلبها، لكن اضطرارها للذهاب إلى العاصمة من أجل ذلك بدا قاسيًا للغاية.
كانت قد عقدت العزم أن تكتفي بمراقبة البطلة من بعيد حين تظهر، لكن الوضع أضحى يفرض عليها أن تراها عن قرب.
‘ومع ذلك، فظهور القديسة في وقت أبكر مما ظننت أمر حسن. لو تأخر أكثر لربما اضطُررت أنا بنفسي للخروج بحثًا عنها.’
حاولت لويسا تهدئة الضيق الذي اعتراها. فما عليها إلا أن تقتطع من وقتها قليلًا لتضمن حياتها الهانئة لاحقًا.
‘وبما أنني سأذهب إلى العاصمة، فالأجدر أن أنجز بعض الأعمال أيضًا.’
لم يكن سيئًا أن تلتقي بعد زمن طويل بألبيرت روزيه وبكونتيسة داليو.
لقد حقق نبيذ روزيه نجاحًا باهرًا، وكانت تنوي التشاور معهم بشأن تجربة منتجات أخرى.
‘يا للجنون… ها أنا أفكر في العمل مرة أخرى دون أن أشعر. آه… لقد فسدت تمامًا. يبدو أن نزعة العبودية للعمل قد استقرت في عظامي. لكن من جهة أخرى، لا بدّ من الكسب من أجل المستقبل. أو لعل الأمر ليس كذلك؟ فبعد أن لم أعد بحاجة إلى الماء المقدس، لست مضطرة إلى هذا السعي الحثيث وراء المال…’
ترددت حائرة. فبعد نجاح صناعة النبيذ بدأت تدرك لذّة جني الأرباح بخلاف حياتها السابقة حيث كان المال يتبخر كالماء في الرمال.
أما الآن فقد باتت ترى الأموال تتراكم شيئًا فشيئًا، وكان لذلك وقع مختلف تمامًا.
‘إن اشتدّ عليّ الضجر فسأترك كل شيء وراء ظهري. قد يكون الأمر الآن أنني لم أعتد على الراحة، لذا أجد نفسي أفتعل الانشغال، لكن سيأتي يوم أعتاد فيه السكون فألقي بكل شيء جانبًا.’
‘والآن وقد ظهرت البطلة، فلست بحاجة إلى القلق بشأن السحر الاسود بعد اليوم.’
زفرت لويسا زفرة قصيرة وحدّقت من النافذة.
فلمحَت رافاييل يتحدث مع الفرسان أمام القصر، لعلّه يستعدّ للرحيل غدًا.
بعد أسبوع سيُقام الحفل، وهناك سيلتقي البطلة كما في الأصل. هل كان حبّه لها من النظرة الأولى؟ أم وقع في حبها بطريقة أخرى؟ لم تستطع تذكّر التفاصيل.
ثم أدركت أنها حتى لم تحفظ اسم البطلة الأصلية.
عجبًا لذاكرتي الغريبة.
كانت غارقة في التفكير وهي تطلّ من النافذة حين رفع رافاييل رأسه فجأة، فالتقت عيناه الزرقاوان بعينيها مباشرة. فجمُدت في مكانها.
تألقت عيناه تحت السماء الصافية، كأنهما انعكاس للسماء نفسها. وزاد من حدة ملامحه نور الشمس حتى بدا أجمل من ذي قبل.
كانت تعلم أنه وسيم وتليق به صفة القداسة، لكن لأول مرة شعرت أن من العسير أن تحول بصرها عنه.
في تلك اللحظة حرّك شفتيه.
‘أهو يتحدث إليّ؟’
ضيّقت لويسا عينيها محاولة قراءة حركة شفتيه، لكنها لم تفهم شيئًا.
‘وكيف لي أن أعرف؟ إن كان أمرًا عاجلًا فسوف يأتي ليخبرني بنفسه.’
ثم استسلمت ورفعت كتفيها بلا مبالاة، وأسندت ذقنها إلى يدها وهي تحدّق فيه بفتور. لكنه حوّل بصره عنها أولًا.
إذن لم يكن الأمر عاجلًا. وبالطبع، فما شأنها هي بأمور عاجلة تخصه؟
أدارت وجهها عن النافذة ونظرت إلى الجهة الأخرى.
كان الموقد مطفأً اليوم إذ الجوّ معتدل، فشعرت أن الصيف قد حلّ فعلًا.
صحيح أن شمال البلاد بارد نسبيًا، لكن العاصمة ستكون حارّة تلسع بشمسها. فتساءلت إن كان جسدها سيتحمل الحرّ.
غير أنها بفضل تدريبها على القوة المقدسة غدت أكثر صحة، بل وصارت قادرة على استشعار السحر الاسود بشكل طفيف، وهذا بحد ذاته تقدم كبير.
وفي العاصمة سيكون بانتظارها أطباء جلبوا طرق العلاج من الشرق، لكن ذلك شأن تُفكر فيه عند وصولها.
****
فتحنا انا وصديقاتي المترجمات قناة خاصة بتسريب الروايات واعلانات الفصول وفعاليات وأيضا طلبات وحروقات … واذا اختفيت بتلاقوني هنيك
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات