لست مصابة بمرض عضال! [ 3 ]
“ماري، تنحّي جانبًا فأنتِ تعيقينني.”
“آه… نعم، آسفة.”
لحسن الحظ، كان لكلمات الطبيب المكلّف الحازمة أثرها، فتراجعت حدة ماري.
تقهقرت بسرعة إلى الخلف، وعيناها الرطبتان تلمعان وهي تحدّق بثبات في مؤخرة رأس الطبيب، بنظرة تحمل تحدّيًا صريحًا وكأنها تقول إنها لن تسمح بأي تصرف طائش.
لكن الطبيب، غير ملتفت إلى ذلك، أخذ يفحص ببطء بؤبؤي عيني لويسا وتنفسها قبل أن يسألها:
“هل تناولتِ شيئًا غير وجباتك اليوم؟”
“لا.”
“وماذا عن حالكِ قبل أن تتقيئي دمًا؟”
“فجأة شعرت بحرارة تصعد من داخلي، ثم قذفت الدم.”
ارتسمت الجدية على وجه الطبيب عند سماعه أنها تقيأت الدم فجأة دون أي أعراض تمهيدية.
“أهذه أول مرة يحدث لكِ القيء الدموي؟”
“نعم.”
لكن على خلافه، بدا وجه لويسا شديد الهدوء.
بل كانت تراقب الطبيب وماري بنظرة حائرة، قبل أن تزفر تنهيدة خافتة.
“هل كان لديكِ في الأيام الماضية أي ألم ولو بسيط؟ حرقة في المعدة، وخز في البطن، أو أي شيء مهما كان بسيطًا؟”
“لا، لا شيء إطلاقًا…”
“… على كل حال، علينا أن نراقب الأمر أكثر. الأعراض موجودة، لكن السبب غير واضح، لذا يصعب أن أجزم بشيء.”
كان الطبيب يتصبب عرقًا باردًا وهو يتحدث.
كان يظن أن استيقاظها سيمنحه خيطًا لحلّ اللغز، لكن كلما تحدث معها شعر بأنه عاجز أكثر.
كانت لويسا تحدّق في الطبيب، وقد بدت على وجهها لمحة غامضة.
ومن الطبيعي ألا يعرف… فالأمر ليس مرضًا أصلاً.
جسدها لم يكن مصابًا بمرض مميت.
في القصة الأصلية، وُصف أن هذا مرض نادر، يحدث عند التعرّض لـ”طاقة الظلام”، فيقوم الجسد بطردها تلقائيًا عبر القيء.
وكان الشفاء يتطلب شرب “الماء المقدس” بانتظام، لكن لويسا لم تكن تريد التخلي عن هذه العادة بشربه.
بل كانت ترى في ذلك فرصة، فإذا استولت على لقب “القديسة” من البطلة الحقيقية، ستتجه إليها كل المحبة والاهتمام بدلًا منها.
إلا أن هذا الوهم العظيم قادها إلى انتحال صفة القديسة وانتهى بها الأمر إلى مصير شريرة بائسة.
ولم يكن ذلك من فعلها وحدها، بل ساعدها المهووسون الذين روّجوا الأكاذيب قائلين إنها “مختارة من الحاكم” أو “تطهّر طاقة الظلام”، حتى صدّق البعض أنها قديسة فعلًا.
‘يجب أن أعيش بهدوء. إن تورطتُ، فسوف أودّع حياة الثراء والراحة إلى الأبد.’
ضغطت لويسا بكفيها على عينيها بقوة.
‘آه، ويا للأسف… لم تظهر القديسة بعد، فلو انكشف أمري الآن قد يظهر من يدّعي أنني القديسة.’
كانت الفكرة وحدها مزعجة.
ففي القصة الأصلية، حين لم يُعرف السبب، بدأ الناس في البحث والتقصّي، حتى انتشر خبر هذه الطبيعة الخاصة وازداد الأمر تعقيدًا.
لذا كان إخفاؤه أفضل الحلول.
‘لو لم أكن مضطرة للقاء رافاييل، لبقيت في عزلة أشرب الماء المقدس سرًّا لبعض الوقت… يا للمتاعب.’
أنزلت يديها ببطء، فبدت عيناها مبللتين بفعل الضغط، تشعّان كزهرة بنفسجية مبللة بالمطر.
وهذا المشهد منح الطبيب يقينًا كان يتوجس منه ‘لقد كانت تحاول إخفاء دموعها.’
“أنا بخير. لا أشعر بأي ألم، وهذه المرة الوحيدة التي تقيأت فيها دمًا، لا أكثر.”
“كيف تقولين إنك بخير وقد خرج الدم من فمك! الأمر خطير!”
صرخت ماري وهي تقف بجوار الطبيب، مظهرةً وجهًا غاضبًا وكأنها تريد الإمساك به من عنقه لتؤيده.
“ص-صحيح يا آنسة. السبب مجهول، وهذا يجعله أكثر خطورة.”
شعر الطبيب بالغرابة من إحساسه بالارتباك رغم أنه الأعلى رتبة من ماري، لكنه أومأ موافقًا، فزاد سوء الفهم بينهما.
فكل من ماري والطبيب ظنّا أن لويسا تتظاهر بالتماسك حتى لا تُظهر حزنها، مما أثار في قلبيهما شعورًا بالأسى عليها.
“… الآن وقد فكرتُ في الأمر، يبدو أن المشد كان مشدودًا أكثر من اللازم. أجل، أليس من الممكن أن يكون هذا سبب المشكلة؟”
دون أن يخطر ببالها أن البعض قد يسيء الفهم، كانت لويسا منهمكة فقط في تهدئة الموقف.
“صحيح قد يضرّ المشد بالصحة لأنه يضغط على الأعضاء الداخلية… لكن نادرًا ما يصل الأمر إلى حدّ التقيؤ بالدم، لذا يصعب أن أجزم بالأمر.”
“نادر، يعني أنه ممكن الحدوث، صحيح؟”
أشرق وجه لويسا عند سماعها رد الطبيب المكلّف.
“نعم، لكن في تلك الحالة، قد تكون الأعضاء ملتوية، وهذا أمر لا يمكن تجاهله.”
“إذًا فلنراقب الوضع أولًا.”
“عفوًا؟”
“على أية حال، الأمر لم يحدث سوى مرة واحدة، وصحتي الآن لا بأس بها. أليس من الأفضل أن نكتفي بمتابعة الحالة مستقبلًا؟”
“… هذا أمر صعب.”
“إذن، بما أن التقيؤ بالدم قد يكون إشارة إلى مشكلة داخلية، ما رأيك أن أجرب شرب ماء مقدس؟”
“همم… أحيانًا يُعطى الماء المقدس عند الإصابات الداخلية. والمعبد يوزّع كمية منه على كل أسرة متبرعة، لكن إن أردتِ، يجب أن أستأذن الدوق أولًا.”
“لا بأس، سأطلبه منه بنفسي. ما دمتُ سأكتفي بشربه فقط.”
تردّد الطبيب، وعيناه تنطقان بالأسف، لكنه اضطر إلى الإيماء ببطء تحت نظرات لويسا الحازمة.
“وأيضًا… إن سأل الدوق، أرجو أن تقول له إنني أغمي عليّ بسبب المشد لا غير.”
“ماذا؟ لكن يجب أن أبلغه فور عودته إلى القصر.”
‘آه، إذاً هو ما زال في العاصمة؟ ظننتُ أنه ذهب إلى الشمال مباشرة.’
كان أمرًا غريبًا بالنسبة للويسا، فالدوق كثير السفر بسبب وحوش الأطراف الشمالية.
لكنها أخفت دهشتها وتحدثت بهدوء:
“أرجوك. أود أن أخبره بنفسي. إن قلتَ له إنني تقيأت دمًا، فستقلقه بلا داعٍ وهو مشغول أصلًا. فلنؤجل إخباره حتى نرى تطورات حالتي، ولتقل الآن فقط إنني شربت الماء المقدس لأني متعبة.”
شعر الطبيب بالضيق من فكرة الكذب، لكن تعاطفه مع لويسا غلب ذلك، فقد كانت تفكر في راحة بال الدوق أكثر من نفسها.
الإنسان كائن ينسى، أو هكذا يقال.
كانت لويسا في السابق ثقيلة الظل ومثيرة للضيق، لكن رؤيتها مؤخرًا بوجه ضعيف جعل تلك الصورة القديمة تبدو بعيدة.
‘أكانت بهذه الرقة حقًا؟ ربما كانت تدفع الآخرين بعيدًا كي لا تُجرح. وربما لذلك أقدمت على قرارها المتطرف آنذاك…’
أخذ سوء فهم الطبيب الذي لم يكن يعرف تفاصيل خطبتها، يزداد من تلقاء نفسه.
ثم حرك شفتيه وكأنه يريد قول شيء، وألقى نظرة جانبية مترددة.
‘ما الذي ينظر إليه؟’
التفتت لويسا بفضول.
‘هاه؟ ذاك الشخص…’
في تلك اللحظة، انفرج الستار وظهر رجل وسيم أسود الشعر يرتدي نظارات، بوجه حزين.
“… لويسا، أنا آسف.”
كان ذلك ديميان شقيق لويسا الذي تراه للمرة الأولى منذ تجسدها في جسدها الجديد.
كان ديميان أشبه بلويسا، لكن بعينين أكثر حدة، وملامح فكرية راقية، وإن كان تعبيره أكثر دفئًا مما يوحي به مظهره.
الغريب أن وجوده هنا لم يكن مفاجأة لها؛ فماري والطبيب أظهرا انفعالًا شديدًا عند رؤيته.
‘… هل هما على وشك البكاء؟’
بدأ الجو وكأنه تغير إلى مشهد درامي ثقيل، حتى شعرت لويسا أن ما ينقص هو نعش وباقة زنابق بيضاء.
فآثرت مراقبة الأجواء بصمت.
“لقد مر وقت طويل… حاولتُ أن أبقى بعيدًا حتى لا أزعجكِ، لكنني اليوم قلقت عليكِ كثيرًا فجئت. سامحيني لدخولي دون إذن.”
“….. “
“أظن أنني كنت مخطئًا. أردتُ فقط أن أوجهكِ للطريق الصحيح، لكن يبدو أنني كنت متعجرفًا. أنتِ دائمًا تقدّمين الآخرين على نفسك…”
“فهمت…”
أجابت باقتضاب، وهي لا تصغي إلا بالقدر الذي يمنع استمرار حديثه طوال الليل.
كانت تعرف أن علاقتهما في الماضي لم تكن جيدة، لكنها لم تستغرب الأمر.
فالدوق كان باردًا، بينما ديميان أبدى دائمًا اهتمامًا بها، غير أن نفورها منه كان من طرف واحد.
كان في نظرها مجرد رجل كثير الكلام والانتقاد مهما كانت نواياه حسنة.
“أنا آسف لأنني أسأت فهمكِ طوال هذا الوقت.”
بدأ بصر لويسا يبهت شيئًا فشيئًا.
أمسكت ماري بمنديل لا تعلم من أين أخرجته وبدأت تشهق، والطبيب حجب أنفه وكأنه يصد دموعه، أما ديميان فبدا في قلب المشهد الدرامي، يذرف دموعًا تليق بوجهه الوسيم.
“لويسا… هل تغفرين لي هذه المرة على الأقل؟”
طال الجو المشحون أكثر مما توقعت، وكلما طال، ازداد رأس لويسا ثِقلاً.
‘لا أدري عن كثرة انتقاده، لكن مؤكد أنه كثير الكلام…’
كان النعاس قد بدأ يثقل جفونها، ولم تعد تفتح عينيها إلا نصف فتحة.
خشيت أن تغلبها الغفوة فجأة، فرفعت يديها لتفرك جفنيها.
“أمم…”
اهتزت نظرات ديميان الحانية وقد بدا شديد التأثر، بينما كانت عيناه البنفسجيتان اللامعتان تمتلئان بالدموع، على عكس عيني لويسا الجافتين.
‘لماذا أقاوم النوم أصلًا؟ أنا مريضة، ومن حقي أن أنام…’
كان القرار محسومًا.
وما إن استسلمت حتى انسحب وعيها كطائرة ورقية انقطع خيطها وابتعدت في السماء.
—–
ترجمة : سنو
الحسابات صارت تنحذف من الواتباد ، وإذا مالقيتو حسابي لا تلوموني فهذول الكوريين يحذفونها ، فمنشان هيك تعو تيليجرام عامله جروب انشر فيه الروايات ملفات وإذا انحذف حسابي مراح ارجع له.
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
واتباد : punnychanehe
واتباد احتياطي : punnychanehep
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 3"