لقد كان يزوّدها بالماء المقدس لأجل توازن جسدها، لكن لم يخطر له أن تضطر لشربه مرارًا في فترة وجيزة كهذه، بل وهي تنزف دمًا أيضاً.
“الماء المقدس إذن؟ أيمكنني أن أسأل… ما تشخيص مرضك على وجه الدقة؟”
“همم… لم يصدر التشخيص بعد…”
تذكّر أنه في المرة السابقة زعمت أنّ السبب هو المشد، وأن لا مشكلة تذكر.
كلماتها المترددة جعلت عنقه يتصلّب، وتوتّرت ملامحه وهو يضغط على فكه.
“تشربين ماءً مقدسًا من غير أن تعلمي الداء أصلاً؟ مهما كان نافعًا، فالتعاطي بلا روية لا يصحّ.”
خرج صوته مثقلاً بالكبت.
“أعلم ذلك… لكنني على الأقل أتحسن فورًا حين أشربه. انظر… حتى الآن بعد أن شربته أشعر بتحسن ملحوظ. هاه…”
ابتسمت وهي تزفر براحة، غافلة عن قلقه الظاهر، وكأنها أخيرًا استطاعت أن تتنفس.
وكم بدا وجهها مطمئناً حتى صعُب عليه أن يلحّ عليها بالسؤال أكثر.
لم تسعفه الكلمات، فاكتفى بتحريك شفتيه بلا صوت.
فجأة قطعت لويسا الصمت:
“على كل حال… هل تظن أن الوضع في الخارج بات آمنًا؟ لست أظن أنني قادرة على الذهاب لتناول الطعام بهذا الحال…”
تنبه رافاييل على وقع كلماتها، فارتاع.
مثل هذا الانفجار يستدعي الخروج فورًا لمتابعة الموقف، لكنّه كان منغمسًا بها حتى نسي العالم من حوله.
وكان وقع ذلك صاعقًا؛ بل الأشد صدمة أنه، رغم إدراكه، لم يقدر على النهوض فورًا.
‘وماذا لو خرجت وتركتها هنا تنهار؟ لقد نزفت كثيرًا، ولا يعقل أن تكون بخير حقًا…’
هكذا برّر لنفسه، مقنعًا ذاته أنّ أي أحدٍ مكانه سيتصرف بالمثل.
“… يبدو أن الوضع قد هدأ، لعلّهم سيطروا عليه. لكن من الأفضل أن تعودي إلى القصر لتتلقي العلاج على يد الطبيب الخاص بكِ.”
“أجل، هذا أفضل… أما أنت، فلا بدّ أن تتحقق من الموقف، أليس كذلك؟”
“أنا…”
ساعدها على الاعتدال، لكن صوته انكسر وتردّد في الإكمال.
استرابت لويسا من تردده، وما كادت ترفع بصرها حتى…
طَرقٌ خفيف على باب العربة قطع الموقف.
“هل أنتما بخير؟”
وما لبث أن فُتح الباب بعجلة، فإذا بوجه شاب عيناه سوداوان واسعتان يطلّ بقلق.
“القائد؟! يا إلهي… ما الذي حدث هنا؟”
كان ذلك آندي وايت، نائب قائد فرقة الفرسان المقدّسين.
جال بعينيه متفحصًا، وما إن وقع بصره على لويسا حتى ازداد ذهوله.
“هل استُدعيت الفرقة إلى الجوار؟”
“نعم، سيدي. النائب أمر بالاستنفار، فبعضنا جاء سريعًا إلى هنا.”
أجاب آندي بانضباط، لكن فضوله ما زال بادياً في عينيه، وهو يتفحص أرضية العربة الملطخة بالدم.
قال رافاييل بلهجة آمرة:
“أحضروا عباءة ومركبة أخرى فورًا.”
فتساءل آندي متردداً:
“… ألا ينبغي استدعاء طبيب أيضًا؟”
وقبل أن يجيب رافاييل، بادرت لويسا بصوت ضعيف لكنها واثقة:
“أنا بخير، مجرد إصابة بسيطة. يمكنني أن أراجع طبيب القصر حالما نعود، فقط وفّروا لنا عربة يا سيدي.”
“مفهوم… سأعود حالاً.”
انحنى آندي باحترام، وأغلق الباب دون أن يزيد كلمة، رغم أن ما رآه لم يكن إصابة بسيطة قط.
وفيما كان يبتعد، لم يستطع أن يمنع نفسه من التذمّر همسًا:
“… هذا مختلف تمامًا عن كل ما يُشاع.”
لويسا المشهورة بحدة الطبع، بدت في غاية الهدوء والأدب، أما رافاييل الذي شاع أنه يكره خطيبته حدَّ النفور، فلم يظهر في عينيه سوى القلق والشفقة.
‘من يكره إنسانًا يحدّق فيه هكذا؟! بل إن سيدي رافاييل لا يملك أن يُلقي مثل تلك النظرات أصلاً… ليس هذا من طباعه.’
هزّ رأسه ذاهلاً، بينما قدماه تسابقان الريح.
الحقيقة التي رآها بعينيه في العربة صدمتْه أكثر من الحادث نفسه.
لم يمضِ حتى ساعتان على خروجها لتناول الطعام حتى عادت إلى قصر الدوق.
ترجّلت لويسا من العربة، مرتديةً عباءة سوداء، وهي ممسكة بيد رافاييل.
“ما رأيك أن تري الأمر لطبيب البلاط الإمبراطوري؟”
“لا بأس، أعرضه على طبيب الدوقية الخاص فحسب.”
“لكنه قال إنه لم يتمكّن بعد من تحديد المرض بدقة، أليس كذلك؟”
“……صحيح، لكنني بخير حقاً.”
لقد سألها قبل الانطلاق، وها هو يسألها ثانية بعد وصولهما.
أضافت ثلاث مرات متتالية أنها بخير حقاً، غير أن ملامحه لم تَبدُ مقتنعة البتة.
غامت عينا لويسا بحرج.
صحيح أنه يحق له أن يشك بعدما يرى ذلك المشهد للمرة الثانية، لكنها رغم ذلك لم تستطع كتمان شعور بالظلم.
‘أنا بخير تماماً… تأثير الماء المقدس يعمل مباشرة……’
أحسّت بإحساسٍ مشؤوم أن مثل هذه المواقف ستتكرر لاحقاً أيضاً.
ولحسن الحظ أنها لم تعد تفقد وعيها في كل مرة تتقيأ فيها الدم كما حدث في البداية، لكن اليوم على وجه الخصوص، وبسبب الدم الغزير الذي لفظته وهي تتظاهر بأنها بخير، أصابها دوار واضح.
وما جدوى تنقية جسدها من المانا الملوثة وتنظيفه إن كانت ستقصر حياتها من فرط النزيف؟
‘يا لخيبة حظي… لو أنني أتقيأ الدم وأنا وحدي لما كان لذلك أي أثر، لكن لماذا يحدث لي هذا دوماً أمام الناس……’
بدأ الصداع يطرق رأسها.
صحيح أنها تستطيع في الوقت الراهن تفادي الجواب بقولها إنها تحتاج إلى الراحة وإرجاع رافاييل، لكنها كانت متيقنة أنه في المرة المقبلة سيلحّ عليها أكثر.
ولم يكن بوسعها أن تصرّح له صراحة بأن ما يحدث ما هو إلا نتيجة عمل جسدها على تنقية المانا.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات