“ذلك ما يجب أن أقوله أنا. ثم لا بدّ من رؤية ردّة فعل الحيوان تجاه شخص آخر حتى نتأكد، أليس كذلك؟”
مع ذلك، سحب رافاييل يد لويسا المترددة ومدّ يده هو نحو القفص.
وما إن اقترب حتى أخرج الثعلب خطمه من بين القضبان متبعًا يدها، لكنه حين فوجئ بيد رافاييل أمامه كشف أنيابه.
أطلق صوتًا خافتًا مهدّدًا وفتح فمه كأنه سيعض، مما اضطر رافاييل إلى سحب يده سريعًا.
قال بتأنٍ:
“إن كان هذا الثعلب وحده من يتصرف هكذا، فقد يكون بالفعل تعرّف على من أنقذه. لكن إن كانت معظم الحيوانات المُطهّرة تُبدي هذا السلوك، فربما هو أثر جانبي لعملية التطهير.”
“صحيح. أنا أيضًا لاحظت ردود فعل مشابهة من بعض الحيوانات العاشبة. في البداية ظننتها مجرد حيوانات وديعة بطبعها، لكن الآن يبدو أن الأمر مختلف.”
تراجعت لويسا خطوة إلى الوراء والتقت عيناها بعيني رافاييل.
“كنت أنوي تقسيم جزء من الغابة وإطلاق هذه الحيوانات فيه. لو كانت أكثر ألفة مع البشر لكان القرار أسهل، لكنني الآن أتساءل إن كان من الصواب إطلاقها في مناطق مخصّصة على أي حال.”
“سيكون الأمر بخير. الحذر من البشر غريزة في كل وحش.”
“على كل حال، قبل أن نطلقها لا بد أن أجرّب ملامستها بنفسي واحدة تلو الأخرى. أعلم أنّ الجميع يقلق، لكن لا بدّ من التحقق حتى يطمئن قلبي.”
“لويسا، لستِ مضطرة إلى إنهاء كل شيء دفعة واحدة. يمكنكِ التمهّل. صحيح أن لديك قدرة تساعدنا جميعًا، لكن هذا لا يعني أنّه واجب مفروض عليكِ، ولن يجرؤ أحد على محاسبتك أو تحميلك المسؤولية.”
تشبثه بآخر جملة جعلها تفكر بعمق.
هي دائمًا ما تقول إن الأمر بخير وستفعل بقدر المستطاع، لكن الواقع أنّها تتحمل أكثر مما يجب لأنها الوحيدة القادرة على ذلك.
كانت تذهب يوميًا مع الفرسان، وتواصل العمل حتى يضطر والدها أو شقيقها إلى إقناعها بالعودة، ثم لا تكفّ عن التفكير في الخطط والمتابعة حتى في القصر.
ربما لأنها تعلم أن أي خطأ قد يؤدي إلى كارثة، وربما لأنها بعد الزواج ستقضي أغلب وقتها في العاصمة، لذلك شعرت بالحاجة إلى إنهاء كل شيء بأكثر صورة مثالية ممكنة.
“…… بعد الزواج، كم من المرات سأستطيع القدوم إلى الشمال؟”
“متى رغبتِ تستطيعين. بل نستطيع أن نأتي معًا كل عطلة نهاية أسبوع إن شئتِ.”
“أظن أنني استعجلتُ لأنني أردت إنهاء الأمور كلها قبل الزواج. لم أفكر إلا في حسم السبب بسرعة.”
تمتمت بخفوت قبل أن ترمق الثعلب بنظرة عابرة.
“سأتعامل مع الحيوانات برويّة. الأمر لا يستوجب حلاً عاجلاً.”
ابتسم رافاييل راضيًا ورفع يدها ليطبع قبلة على بشرتها.
عندها ذابت الصلابة التي كانت مرسومة على شفتيها منذ زمن، وحلّت مكانها ابتسامة رقيقة تبادلاها بصدق.
***
مرّ الوقت سريعًا.
فبالأمس فقط كانت مشغولة بالعمل والتحضيرات، وها هو اليوم قد أتى… يوم الزفاف.
تنفست لويسا بعمق محاولة تهدئة توترها.
تمنّت لو استطاعت أن تتعامل مع الموقف ببرود كما تفعل دائمًا، لكن ارتعاشة قلبها اليوم لم تخفَ.
ولعل السبب أنّ هذا اليوم يمثل نقطة تحوّل في حياتها.
“لويسا، إنكِ حقًا رائعة الجمال!”
“…… كم أنتِ فاتنة.”
ناداها الدوق بليك وديميان اللذان كانا بانتظارها خارج غرفة الاستعداد.
وما إن وقع بصرهما عليها حتى لزمهما الصمت للحظات، قبل أن يتمكنا من نطق كلمات الإعجاب.
أما الدوق فقد بدت على وجهه مشاعر متضاربة، لكن أكثرها وضوحًا كان الأسى.
“ليتني حاولت الاقتراب منك أسرع من هذا. الآن فقط أشعر أن أسرتنا تكتمل، ومع ذلك أنتِ تغادرين.”
ابتسمت لويسا برفق:
“أنا لا أرحل إلى بلد آخر. سأزور الشمال كثيرًا، فلا داعي للقلق.”
“صحيح… يجب أن أُودّعكِ بابتسامة.”
ابتسم الدوق وأمسك يدها، فبادر ديميـان إلى الإمساك بيدها الأخرى قائلاً:
“كوني سعيدة. وأخبِرينا بكل ما يحدث معك، حتى إن كان أمرًا بسيطًا.”
“حسنًا، أعدك.”
خفض عينيه وقال بنبرة حزينة:
“يؤلمني رحيلكِ بهذه السرعة. في عينيكِ ما زلتِ أختي الصغيرة.”
ضحكت لويسا برفق:
“وأنت أيضًا عليك أن تجد شريكة حياتك قريبًا، عندها لن تشعر بفراغي.”
“مكانك مختلف. فأنتِ أختي التي سأظلّ أحملها في قلبي طوال العمر.”
أخفى شفتيه بيده هامسًا، محاولاً التماسك. أما هي والدوق فانفجرا بالضحك على أسلوبه العاطفي.
“آنستي، لم يتبقَّ سوى عشر دقائق على دخولك!”
“بهذه السرعة؟”
“نعم، هل تشعرين بأي انزعاج؟”
كانت ماري تجثو أرضًا لترتب تنانير فستانها حتى لا تتجعّد.
“لا، أنا بخير. ماري، قفي الآن. إذًا… هل انتهت التجهيزات؟”
“نعم! كل شيء مثالي.”
صرخت المصممة بحماسة وهي تضم كفيها إلى صدرها.
وارتسمت على وجوه الخادمات بجوارها ابتسامة مبتهجة، حتى احمرّت وجناتهن من الانفعال وهن يغطين أفواههن لكبح ضحكاتهن.
‘ردّات فعلهن مبالغ فيها…’
فكرت لويسا وهي تعود بنظرها إلى المرآة.
رأت فيها عروسًا ترتدي ثوبًا أبيض ناصعًا، وتضع تاجًا صغيرًا يتصل بطرحة طويلة، مشهد عادي لكنه بدا لها مختلفًا.
الغريب أنها ارتدت فستانًا أبيض مشابهًا في حفل الخطوبة، ومع ذلك بدا اليوم وكأنها ترتديه لأول مرة.
ربما لأن قلبها تغيّر.
ابتسمت بهدوء.
لم تكن لتتخيل يومًا أن حياتها ستنقلب هكذا.
يوم الخطوبة كانت تعتقد أن الزواج لن يتم، لكن ها هي الآن عروسًا، وقد سلّمت قلبها بصدق لرجل لم تتوقع أن تحبه بهذه القوة.
“آنستي، حان وقت الخروج.”
“آه، نعم.”
لويسا أرسلت نظرة سريعة نحو ماري، ثم خطت خطوة حذرة إلى الأمام.
امتزج وقع كعب حذائها في الردهة مع أنغام البيانو الهادئة التي كانت تتردد هناك.
بسبب الزينة الفاخرة التي أحيطت بها قاعة القصر، تألق الثريا كأن ذرات من الذهب تناثرت في الهواء، فيما ملأ عبق الزهور العطرة المكان كله.
وما هي إلا لحظات حتى انفرج الباب الضخم من الجانبين، فدخلت في مجال بصرها صورة رافاييل وهو يقف قبالة الكاردينال محدقًا نحوها.
وحين التقت نظراتهما في الفضاء، ارتسمت ابتسامة على شفتيهما معًا.
كلما اقتربت من رافاييل أكثر، ازداد خفقان قلبها بجنون.
كان النبض العارم يملأ جسدها مثل أنغام الموسيقى التي تتردد في القاعة، حتى حين أمسك يدها لم يتوقف ذلك الخفقان.
انحنى ليضع قبلة خفيفة على ظاهر كفها، ثم قادها لتقف إلى جواره أمام الكاردينال.
‘يا إلهي… لم أتوقع أن أرتجف إلى هذا الحد.’
خلال مجريات حفل الزواج، حاولت لويسا مرارًا أن تلتقط أنفاسها بعمق.
لم تستوعب ما كان يقوله الكاردينال، حتى إن ذهنها بدأ يضطرب وكأنها تسبح في فضاء خفيف لا يمس الأرض.
“…إذن، أخيرًا، مع قبلة القسم أُعلن رسميًا اتحادكما زوجًا وزوجة.”
فجأة اقترب وجه رافاييل والتقت شفتاهما بلطف.
دوّت القاعة بالتصفيق والموسيقى التي غمرت الجو بفيض من البهجة.
“أشكركِ… لأنكِ قبلتني بقلب رحب.”
“وأنا أيضًا أشكرك.”
عانقت كلمات المودة أنفاسهما، ورشحت فوق شفتيهما أنفاس دافئة.
قبّلته لويسا مرة أخرى ثم ابتعدت قليلًا لتجد عينيه الزرقاوين المليئتين بالعاطفة تعكسان صورتها كاملة.
عاشت حياتها من دون أن تختبر طعم الحب يومًا، لكنها الآن لم تكتفِ بالشعور به فقط، بل باتت تراه حتى بعينيها.
“أحبكَ.”
كانت تلك الكلمة التي لطالما سمعتها منه ولم يسبق أن قالتها بلسانها، والآن همست بها في أذنه.
ارتسمت على وجهه سعادة غامرة جعلت قلبها يفيض بدوره.
أجل، لقد غدا كل شيء حولهما حبًا صافيًا.
***
ذلك الحفل الذي بدا كأنه لوحة فنية خالدة، ظل حديث الناس طويلًا.
فرافاييل ولويسا اللذان طالتْهما يومًا شائعات سيئة لا تنقطع، ما لبثا أن أثبتا للجميع عكس ذلك.
كانا لا يفترقان، ويُظهران حبّهما بلا حرج.
وسرعان ما خمدت تلك الشائعات، ولم يبقَ سوى لقب “الزوجين المثاليين” اللذين يمثلان رمز الحب في أرجاء الإمبراطورية.
“لويسا…”
لكن، حتى حياتهما لم تخلُ من التحديات. فقد جاء أول اختبار لهما بعد خمس سنوات من الزواج، حين رُزقا بطفل.
*****
اومققققق طفلل!! طيب ليش نمتو مع بعض وزنيتو وانتو اصلا هتتزوجو ذا السؤال في بالي ماقدرتش امسك نفسي والله.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات