‘لو اجتمعتُ بهؤلاء الثلاثة في مكان واحد، فلن أجني سوى التعب.’
أرسلت لويسا إيماءة إلى ديميان الواقف بهدوء خلفها، تفيد أنها تترك إليه أمر والدها، ثم غادرت الغرفة.
أما رافاييل، فعلى الرغم من أنه كان يملك الكثير ليقوله، فقد بدا وكأنه عقد العزم على لزوم الصمت إلى أن تسمح له لويسا بالكلام.
ظل يتبعها في طريقها إلى الغرفة، يفتش بعينيه كل موضع يمرّان به، وكأنه يتأكد مرة بعد مرة أن ما حولها سليم، ثم هدأ قلبه قليلًا متأخرًا.
قادته إلى شرفة ذات نوافذ تطل على منظر الغروب، حيث امتزجت ألوان البرتقالي والبنفسجي في السماء.
بدا واضحًا أنه ما إن وصله خبر إصابتها، انطلق على الفور، ومن خلال البوابة السحرية ركب الخيل وتبعه رفاقه في عجل، إذ لم تبدأ العربات بالوصول إلا الآن.
تنهدت لويسا مرة أخرى حين رأت المشهد من بعيد.
“لو أصابكَ مكروه في عجلتك، ماذا كنت ستفعل؟ والحال أن الأمر لم يكن يستحق كل هذا.”
أجاب رافاييل بصرامة:
“لا وجود لصغير أو كبير فيما يخصك، كل شيء له أهميته، فلا تقولي مثل هذا الكلام مجددًا.”
أدهشها إصراره حتى أطلقت ضحكة خفيفة من فرط العجب؛ كيف له أن ينفعل أكثر منها؟
“المسافة ليست قريبة، لا بد أنك فقدت صوابك من شدة القلق. إنه مجرد خدش في ذراعي، وهذا يبعث على الإحراج أكثر من أي شيء.”
“ليس في الأمر أي إحراج. المهم أنكِ جُرحتِ، وذلك وحده كافٍ.”
“حسنًا، معك حق.”
ثم سأل بقلق ظاهر في عينيه:
“كيف وقع ذلك؟”
مدّ يده مترددًا نحو ذراعها، لكنه لم يجرؤ على لمس الضماد، فاكتفى بأن يمسك بكفها.
كان برد يده غير معتاد؛ لعلّه من نسيم ربيع الشمال البارد، أو من أثر الصدمة والهلع.
وما إن التقت حرارتهما حتى خفّ التوتر المرسوم على ملامحه.
ابتسمت لويسا وكأنها تسلّم بالأمر، وأخذت تروي ما جرى منذ البداية دون أن تترك شيئًا.
ولم يكن الأمر عسيرًا عليه أن يتصوره، فقد شهد بنفسه سابقًا كيف تُدار الأمور عند الحدود أثناء إجازته هناك.
قال متجهمًا:
“هذا تقصير فادح. كان يجب أن يكون الحرس أشد حرصًا على حمايتك.”
“لا تقل ذلك. أنت رأيت بنفسك المرة السابقة كم يطوّقني الفرسان في كل لحظة عند الحدود. لكنني أنا من طلبت أن يبتعدوا قليلًا لأجل الراحة، فلا ذنب عليهم.”
“ومع ذلك…”
“ثم إن أخطر الوحوش التي تُطهَّر تُعزل في أماكن بعيدة منذ البداية. أما هذه الثعلبة، فهي من أولئك الذين أبدوا وُدًّا نحوي منذ البداية، ولذلك أردت وضعها في قفص قريب لمراقبتها.”
كانت تُربّت على يده بكفها الأخرى وتشرح بلطف لتحاول طمأنته وإقناعه بأن لا داعي للقلق. وصوتها الرقيق سرعان ما هدّأ قلبه القَلِق.
تمتم رافاييل:
“من الجيد أن الأمر لم يتجاوز هذا الحد.”
وأضاف متنهدًا:
“صحيح أن الأفضل أن لا تصابي البتة، لكن…”
أجابت مبتسمة:
“لكن لا حيلة لنا. فعملي يتعامل مع الوحوش.”
قال بوجه متألم:
“ما يحزنني أنكِ الوحيدة القادرة على أداء هذا العمل. وكأننا نلقي بكل الخطر عليك وحدك.”
“أفكر في الأمر على أنه اجتهاد في سن الشباب. وما إن ينتهي هذا كله فلن أفعل شيئًا بعدها.”
ضحكت وهزّت كتفيها بخفة، فارتسمت أول ابتسامة حقيقية على وجه رافاييل منذ قدومه.
“حسنًا. من الآن فصاعدًا عيشي حياة مريحة، ولا تقومي إلا بما يُدخل السرور إلى قلبك.”
ثم مد يده الأخرى يُزيح خصلة شعر عن أذنها هامسًا:
“لستِ مطالبة بفعل أي شيء.”
قالت مترددة:
“لكن حين نتزوج رسميًا، لا بد أن أقوم ببعض الواجبات، أليس كذلك؟”
فضحك وقال:
“كلا. هناك من يقوم بالأعمال. أما أنت، فافعلي ما تشتهين فقط.”
هزّت رأسها بقوة وكأنها تُعلن عزمها على ذلك.
نظر إليها مطوّلًا، ثم ارتسمت على عينيه نظرة مؤسفة وهو يتمتم:
“……لكن، هل تُسرعين بإنهاء عملك بسبب الزواج الامبراطوري؟”
رمشت لويسا بدهشة.
فأردف رافاييل:
“إن كان الأمر كذلك، يمكننا تأجيل الزواج. لستِ مضطرة لأن تجهدي نفسك لأجلي.”
ابتسمت لويسا وأجابت بصوت هادئ لكن حازم:
“لا يمكن أن يكون هذا صحيحًا. الزواج أمر يخصّنا نحن الاثنين، فلماذا تظن أنني أُجبر نفسي وحدي؟ أنا أيضًا أريده، وأنتظر ذلك اليوم بفارغ الصبر، وكلما كان أسرع كان أفضل.”
كان صوتها هادئًا لكنه حاسم. فتنفس رافاييل الصعداء وأسند رأسه قليلًا إلى يدها الممسكة به.
لقد كان يخشى أن يسمع منها ما يدل على إنهاكها، لكنه ارتاح بعد ردها.
رفع رافاييل بصره إليها وهو يجلس مائلاً، ثم مدّ يده الأخرى، فمرّر أنامله برفق على وجنتها قبل أن يطوّق عنقها من الخلف بلطف، جاذبًا إياها ليقرب رأسها.
وقال بصوت منخفض:
“بسببك… أكاد أفقد أنفاسي.”
“لماذا؟ بسبب خوفك علي؟”
ابتسمت مازحة، فانحنت عيناه بابتسامة رقيقة.
“لا، بل لأنني أحبكِ أكثر مما أحتمل.”
“همم─. لا يبدو كذلك…… لكن، سأعتبر الأمر كما تقول.”
“أشكرك.”
“لا داعي للشكر.”
وبينما كانا يتبادلان حديثًا عابرًا لا أهمية له، لم تفارق البسمة شفاههما.
ظلّا يتهامسان بأصوات دافئة عذبة، حتى توقفت الهمسات حين التقت شفتاهما أخيرًا.
ولم يفترقا إلا بعد أن غاب آخر خيط من ضوء الشمس.
“…… هل هناك شيء ترغبين به في يوم ميلادك؟”
“ميلادي؟”
“نعم. بعد غد.”
“آه، صحيح، إنه عيد ميلادي.”
غمغمت لويسا بدهشة وهي ترمش بعينيها، وكأنها استوعبت الأمر للتو. ثم خطر ببالها أنّ الضجة في القصر ربما كانت بسبب هذا.
“يكفيني أن تكون بجانبي في ذلك اليوم. لكن ألا يجدر بك أن تعود سريعًا؟ لقد جئت مسرعًا من أجلي، أليس كذلك؟”
“كنت أنوي الحضور غدًا على أية حال، ولو متأخرًا.”
“حقًا؟ حسنًا، طالما أن عملك لم يتأثر فهذا يطمئنني.”
“نعم. في الحقيقة، وددت لو أبقى حتى تلتئم ذراعك تمامًا، لكن عليّ أن أعود بعد يوم ميلادك مباشرة.”
قال ذلك وهو يرمق ذراعها المصابة بنظرة قلقة، وقد تجعّد جبينه كأنه هو من يتألم.
“سيشفى خلال أيام قليلة، أؤكد لك. الجرح مجرد خدش، حتى أن الضماد مبالغ فيه.”
“ومع ذلك، يجب الاعتناء به حتى النهاية. لا تنسي أنه كان وحشًا.”
“صحيح. لكن حسب ما لاحظت، المخلوقات التي خضعت للتطهير لم تعد سوى حيوانات عادية. على فكرة، كنت أنوي رؤية الثعلب غدًا… هل تود أن تأتي معي؟”
“الثعلب نفسه الذي جرح ذراعك؟”
“نعم. أظن أنّ الأمر يستحق الملاحظة عن قرب.”
ظهر الاستياء واضحًا على ملامحه، لكنه سرعان ما تبسّم ابتسامة صغيرة مستسلمة، وأومأ موافقًا.
فقد رأى أن الأفضل أن يكون معها عندما تقترب من ذلك الحيوان.
***
أثار فوضى عارمة، تقولين؟”
“نعم. لقد ظلّ يعوي ويضرب بقفصه طوال الليل… حتى أزعج بقية الحيوانات، فلم يهدأ المكان حتى مطلع الفجر.”
جلست لويسا أمام الثعلب تتأمل ذيله الذي كان يهتزّ بخفة، وقد بدا أليفًا وهو يمدّ رأسه نحوها مطيعًا.
غير أنّ كلمات الحارس صححت انطباعها الأول عنه.
فتمتمت:
“كأنه يعرف من أنقذه.”
تدخّل رافاييل، وهو واقف بجوارها:
“يبدو كذلك. يكفي النظر إليه الآن لنعرف كم يتلهف للاقتراب منك.”
“معك حق… لكنه فعلاً يتصرف وكأنه يتدلل عليّ.”
ثم أضاف بتحذير:
“لكن لا تقتربي أكثر. لا نعلم متى ينقلب الوحش على طبيعته.”
“أفهم ما تقول، لكن لن أعرف إلا إذا جرّبت لمسه بنفسي. سأمدّ إصبعي فقط، قليلاً لا أكثر.”
تنهّد رافاييل بعمق وقال:
“…… إن تجرأ على إيذائك، فلن أتردد في قتله.”
“أعلم ذلك.”
لم يكن بوسعه أن يرفض رغبتها، فوافق أخيرًا.
عندها مدّت لويسا سبابتها بحذر نحو قضبان القفص.
اقترب الثعلب بلا تردد، واستنشق رائحتها أولاً، ثم ما لبث أن دفع رأسه ليدلّك أصابعها بحنو، وكأنه كان ينتظر هذه اللحظة.
“يا للغرابة…”
تمتمت بدهشة.
فقال رافاييل:
“بالفعل، إنه يظهر لك وُدًّا غير عادي.”
“نعم. لا أثر للسحر الاسود فيه بعد الآن. أليس غريبًا؟ أيمكن أن يكون قد تعرّف إلى من طهّره؟”
“لا أجد تفسيرًا أفضل من هذا. حسنًا، سأجرّب أن أمدّ يدي بنفسي.”
“ماذا؟ جلالتك أنت؟! ماذا لو جُرحت؟”
****
ترجمة : سنو
بالنسبه لقُراء المواقع.
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول والواتباد. وممكن لو انحظر حسابي بالواتباد بعيد الشر بتلاقوني هناك ( ملاحظه، الي يدخل ويطلع رح ياخذ حظر )
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات