لم يَشغَل لويسا حين دخلا غرفته سوى رغبتها في ألا تُفلت دفء جسده، فما إن أوصدا الباب حتى اندفعا نحو بعضهما كالعطاش، يبحث كلٌّ منهما عن شفتَي الآخر ليتبادلا حرارة القُبَل.
في الخارج كان صخبُ المفرقعات يُدوّي ويُضيء السماء حتى بدا النهار، أمّا في الداخل فقد أحكمت الستائر حجب كل ضوء، ولم يبقَ سوى شمعة يتيمة تذيب ليلًا طويلاً.
‘ها قد انتهى بي الأمر إلى أن لا أعود إلى القصر حقًا.’
كانت لا تزال نصفَ مستيقظة فشعرت بالارتباك قليلًا، لكنّها لم تندم.
كان بوسعها أن ترفض، لكنها اختارت أن تكون معه؛ لأنها بدورها أرادته.
غير أنّ المشكلة الوحيدة أنّ قوة رافاييل تفوق ما تحتمل. ورغم محاولته الترفق والتماسك، فإن ذلك أيضًا أرهقها حتى كادت تتساءل: هل عليَّ أن أتمرّن كمن يمارس رياضة؟
قال وهو يطبع القُبَل بلا انقطاع على خصلاتها العسلية، ويداه الحارّتان تلامسان بشرتها برفق:
“هل آمرُ بإحضار منشفة دافئة؟ ربما يُخفف كمّادٌ على خصرك من ألمك.”
أجابت وهي تئن بخفوت:
“لا بأس… أظنني سأرتاح قليلًا إن استلقيت فحسب. لكن… كم الساعة الآن؟”
“أحسبها قاربت الثانية بعد الظهر. لا بد أنّك جائعة، سأأمر بالطعام.”
“آه─ إذن غداء، لا إفطار؟”
“لقد نمنا متأخرين.”
“وذاك بسبَـبك أنت. أنا طلبتُ أن نتوقف…….”
“صحيح. الخطأ خطئي.”
قالها بابتسامة خفيّة وهو يُقبّل خدها.
رمقته لويسا بنظرة جانبية قبل أن تدرك نفسها متأخرة.
“لكن… ألن تذهب إلى عملك؟”
“اليوم أخذتُ عطلة. لحظة فقط، سأُعطي التعليمات بخصوص الطعام.”
“نعم.”
ولم يكن يرتدي سوى رداء فضفاض، فما إن تحرك حتى بدا صدره العريض واضحًا، فاشتعل وجهها خجلًا وأسرعت إلى رفع الغطاء حتى أنفها.
بالأمس في الظلمة لم ترَ الكثير، لكن في الضوء صار منظره غريبًا عليها بعض الشيء.
حاولت أن تصرف بصرها عنه، فإذا بها تلمح بريقًا خاطفًا: كان في يده خاتمان مختلفان يزينان إصبعيه.
“عيد ميلاد سعيد يا رافاييل.”
قالتها متأخرة بعدما شغلها بالأمس عن قولها.
توقّف في مكانه وقد استدار إليها، لتذوب ملامحه بعدها في ابتسامة صافية سعيدة كمن ملك الدنيا، فابتسمت معه.
شَعره المبعثر، صدره المكشوف، مظهره الحرّ الطليق، كل ذلك جعل صورته القديمة بزيّه العسكري الصارم لا تخطر لها ببال.
بدا مختلفًا حدّ أن قلبها ارتجف.
“شكرًا لأنك وُلدت.”
وشكرًا لأنك عرّفتني على هذا الشعور.
عادت لويسا تفكر ‘لقد كان حسنًا أنني عشت.’
***
بعد أن تناولا طعامًا خفيفًا واستحما في ماء ساخن أرخى عضلاتها، جلست لويسا على الشرفة تحتسي الشاي بهدوء، فيما كان رافاييل بجوارها يمسك يدها بيد، ويطالع أوراقًا باليد الأخرى.
قالت مترددة:
“قد يكون غير مريح أن تراجع الأوراق هنا، يمكنك أن تذهب إلى مكتبك إن شئت.”
خشيت أن يكون قد بقي مرافقًا لها فقط لأنه لا يطمئن لتركها وحدها.
“لا، هذه مجرد أوراق عاجلة ألقي نظرة عليها. واليوم عطلة، فلن أغادر الغرفة.”
“آه…….”
“أليس أنكِ ربما تريدين بعض الوقت وحدك، وأنا لا أستوعب ذلك؟”
“لا! أبدًا، ليس كذلك.”
“حسنًا إذن. لو كان الأمر كذلك لابتعدتُ، لكن…….”
وضع الأوراق جانبًا، وأمسك خدها بلطف، ثم قال:
“لكنني سأكون حزينًا.”
وانحنى يُقبّلها طويلًا قبل أن يرفع رأسه قليلًا ويُمرر إبهامه على شفتيها كما لو كان يأسف على الفُرقة.
“كنتُ سأظن أنك بدأتِ ترغبين في وقتٍ وحدك، وأنا لا أزال أريد أن أبقى معك.”
“……وأنا أيضًا أريد أن أبقى معك.”
“هذا مطمئن. إذن، متى ترين أن يكون موعد زواجنا مناسبًا؟”
“آه، موعد الزواج؟”
“نعم. اليوم الذي ترغبين فيه سيكون هو اليوم.”
‘اليوم الذي أريده؟ بالنسبة لي، ما إن أنهي بعض أمور الشمال فلن يهمني متى كان…… في الماضي كنت سأقول إنني لن أتزوج أبدًا، وسأعيش وحيدة، لكن كم هو عجيب تقلب القلب؛ فحين فتحت له قلبي صار الزواج مرغوبًا.’
صحيح أن مقعد الإمبراطورة ثقيل الوطأة، لكنه لم يعد يعني شيئًا أمام رغبتي في أن أكون معه.
“ما رأيك بخريف العام المقبل؟”
فالبقاء على علاقة حب جميلة ليس سيئًا، لكن الزواج قادم لا محالة، ومع كل ما مررتُ به لم أرَ داعيًا للتأجيل.
“أظن أن الشمال سيكون قد استقر بحلول ذلك الوقت.”
“العام القادم يرضيني بالطبع، لكن ألا تخشين أن تجهدي نفسك بتسريع أمور الشمال؟”
“لا، لقد بدأت أرى معالم الحل، وسيُسرع العمل من الآن.”
وأسندت رأسها إلى كفه الكبير الذي كان يُحيط خدها، ورفعت بصرها إليه بنعومة.
“ستكون رحلتنا الأولى معًا هي رحلة شهر العسل إذن.”
“صحيح… رحلة شهر عسل.”
تمتم رافاييل، وقد غمرت ملامحه انفعالات الفرح.
“من الآن فصاعدًا سنستطيع أن نتقاسم أشياء كثيرة معًا. إن كان لكِ ما تتمنين فصارحيني به، فغالبًا سيكون هو ما أريده أنا أيضًا.”
أومأت لويسا وهي تضيّق عينيها بابتسامة رقيقة.
“سنراكم ذكريات كثيرة، ما دمنا معًا. آه، وإن تزوّجنا فربما يأتي يوم يكون لنا فيه أطفال أيضًا.”
لكن ما إن نطقت حتى تجمّد وجهه قليلًا، وبدا أنّ الأمر لم يَرُق له تمامًا.
“رافاييل؟ ما هذه النظرة؟ أليس لك رغبة في الأطفال؟”
رمقها بصمت طويلًا، ثم أطرق بصره كمن يفرّ من المواجهة.
“……نعم. ليست لدي.”
‘لا أطفال؟ هذا خارج كل توقعاتي.’
قالت بهدوء:
“هل تشرح لي السبب؟ لن أُرغِمك على شيء تكرهه، لكننا مقبلان على زواج، وأرى أن مثل هذه الأمور ينبغي أن نتحدث عنها بصراحة.”
هزّ رأسه إقرارًا بما قالت، لكن شفتيه لم تُخرجا صوتًا، فقط ارتجفت قليلًا وكأن أمرًا يخفيه يمنعه من الكلام.
ولم يلبث طويلًا حتى نطق بتحفّظ:
“لا أريد أن تمرضي.”
“……ماذا؟”
رمشت لويسا سريعًا بدهشة.
ظنت أن المسألة تتعلق بماضيه أو بوراثة العرش أو بشيء من ذلك القبيل، لكن أن تكون هي السبب، فذاك ما لم يخطر لها أبدًا.
“الحمل يُرهق جسد المرأة، وأحيانًا يُهدّد حياتها. وأنا لا أطيق أن أضعك في ذلك الخطر. جسدك ضعيف أصلًا…….”
لم تحتج إلى أن تسمع أكثر.
رفعت يديه عن وجهها، ثم أمسكت وجنتيه بكلتي كفيها.
“رافاييل، قبل كل شيء أنا بصحة جيدة جدًّا.”
لم تكن قد أنهت عبارتها بعد حتى كان قد أطبق جفنيه وكأن كلماتها تؤلمه.
خرج نفسه مضطربًا من صدره.
“إن كان همّك خوفي عليّ هو ما يجعلك ترفض التفكير في الأمر، فأتمنى أن تعيد النظر بهدوء. على كل حال، أنا نفسي لست أفكر في الأطفال الآن. لقد ذكرتُ ذلك فقط لأننا نتحدث عن الزواج، ولم أُعطه معنًى عميقًا.”
فتَح عينيه من جديد، وفي صفائهما ارتسم وجهها الواثق المنتظر لجوابه.
“……إن كان كذلك، فعدم إنجابهم لا يضر. الحق أن وجودك يكفيني. أمّا ولي العهد القادم فيمكن إيجاده خلال فترة حكمي بطرق أخرى.”
ابتسمت بخفوت ثم قالت:
“ربما أثرتُ الموضوع عابرًا، لكن بما أننا بدأنا فيه، فدعني أقول هذا، أريدك شريكًا لحياتي، لا حارسًا يحميني فحسب.”
“لويسا، وأنا كذلك. لكن بما أنّك مررتِ بوقت ضعُفت فيه صحتك، أردت أن أكون أكثر حذرًا.”
“الحذر جيد، لكن إن كنت أقول إنني بخير وأنت تُصرّ على القلق، فهذا لن يُعدّ سوى إفراط في الحماية.”
شهق رافاييل نفسًا طويلًا، وعيناه بين الحيرة والصَدمة.
****
ترجمة : سنو
بالنسبه لقُراء المواقع.
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول والواتباد. وممكن لو انحظر حسابي بالواتباد بعيد الشر بتلاقوني هناك ( ملاحظه، الي يدخل ويطلع رح ياخذ حظر )
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 136"