يمتلك كل شيء تقريبًا، ولذلك فلن يرضيه أي شيء عادي، وهذا ما جعل الأمر معقدًا.
كان اهتمامه منصبًّا بعض الشيء على الآثار القديمة، لكنها لا تدري متى ستجد فرصة للذهاب إلى دار المزادات.
‘متى أطلب من ديميان أن يرافقني؟’
ربما في الأسبوع المقبل أو الذي يليه.
فالذهاب إلى المزاد لا يضمن بالضرورة أن تجد ما يعجبها، والأريح أن تضع في حسبانها تكرار الزيارة أكثر من مرة.
‘……لكنني أشعر بالنعاس فعلًا.’
لم يحن وقت العشاء بعد، ومع ذلك كان جسدها مثقلاً بالكسل. لا تدري أهو بسبب انشغالها الكبير بعد فترة من الراحة، أم لأن نهاية الأسبوع تبدأ من الغد فانحلت أعصابها.
على كل حال، أجفانها أخذت تثقل شيئًا فشيئًا.
مدّت لويسا يدها نحو الوسادة لتستريح، فإذا بصوت طرق الباب يفاجئها، فانعقد حاجباها بتبرّم.
“آنستي، عذرًا على إزعاج راحتك، لكن لديكِ ضيف.”
مع صوت ماري الحذر، لمعت في عيني لويسا البنفسجيتين بريق مفاجئ.
ضيف؟ أيمكن أن يكون…؟
قفزت لويسا من مكانها وأسرعت نحو الباب، وضعت يدها على المقبض وفتحته فجأة، حتى ارتجفت ماري دهشة واتسعت عيناها.
“إنه في الأسفل الآن؟ لكن لماذا تقولين ضيف وكأنك تتكتمين؟ يكفي أن تقولي إن جلالته حضر.”
–”آه! آنستي!”
مدّت ماري يدها بسرعة وأمسكت بذراع لويسا التي كانت تهمّ بالنزول، بينما لويسا تجمع شعرها المبعثر على كتف واحد.
“أعتذر… شعرت أنه لابد أن أخبركِ قبل أن تنزلي، فاندفعت.”
حين التقت عيناها بعيني ماري المرتبكتين، رأت الخادمة ترطّب شفتيها اليابستين بقلق.
“الذي ينتظرك في الأسفل ليس جلالته.”
“……ماذا؟ إذن من؟”
من غير رافاييل لا يزورها أحد سوى البارون ألبيرت أو الكونتيسة داليو، لكن من ملامح ماري لم يكن الأمر كذلك.
بينما كانت لويسا تترقب تفسيرًا، فتحت ماري فمها بحذر كأنها لا تدري كيف تصوغ الكلمات. فما إن سمعت ما قالت حتى عقدت لويسا حاجبيها بشدة.
“إنه أمير مملكة فيرديتان، يقول إنه أرسل إليك أكثر من مرة خطابات خطبة.”
“أمير؟”
أفلت من لويسا ضحكة ساخرة، ورفعت يدها إلى جبينها.
“يا للوقاحة حقًا.”
أكان كبرياؤه قد جُرح من كثرة الرفض؟ أيتجرأ هكذا ويطرق باب القصر رأسًا؟ إنه تصرّف غاية في الغرور.
صحيح أن مملكته أصغر من الإمبراطورية، لكنها تملك بعض القوة، وهي مشهورة بوفرة حقول النفط حتى لُقّبت بأرض الفرص.
“……أتريدين أن أقول له إنك متوعكة؟”
“بما أنه تكبّد عناء المجيء بنفسه، فالأرجح أنه سيقول إنه سينتظر حتى أتعافى.”
“قد يكون الأمر كذلك……”
“على كل حال، سأنزل. إن لم تُجدِ الرسائل نفعًا، فلأصرّح له مباشرة.”
تنفست لويسا تنهيدة ضجر وهمست:
“آه، ما أتعسه من إزعاج.”
***
جلست لويسا في مواجهة أمير فيرديتان ونظرت إليه بعينين باردتين.
يبدو أنه قدّم نفسه قبل أن يجلس، لكن ما بقي في ذهنها أنه الأمير الثالث، وأنه جاء خصيصًا للقائها لأنه أراد رؤيتها بنفسه.
“أدرك أن قدومي وقاحة، لكن فضولي لا يعرف صبرًا. شعرت أنني إن لم أرك الآن فلن أراك أبدًا، فجمعت شجاعتي وجئت.”
“آه، فهمت.”
‘ليته أبقى قليلًا من تلك الشجاعة في صدره بدل أن يريقها هنا.’
كادت أن تقولها، لكنها كتمت أنفاسها واكتفت بإيماءة بطيئة.
“في مملكتنا تُعدّ المرأة الشجاعة مقياسًا للجمال، ولهذا حين سمعت ببطولاتك المتناقلة حتى أقاصي البلاد، لم أعد أهنأ بنوم. لكن ما فاجأني أني وجدتكِ أرقّ بكثير مما توقعت.”
فأجابته لويسا:
“همم، بطبيعة الحال، كلما تناقل الناس الحديث بالغوا في تضخيمه.”
ومع أن الحديث يتعلّق بأمر جلل، وقد حرصت هي على كتمان شأن الشياطين، بحيث لا مجال لتفاصيل تنسج منها إشاعات، إلا أن الأمير بدا عاجزاً عن كبح انفعاله، حتى احمرّ وجهه الأسمر المائل إلى السمرة.
وضعت لويسا فنجان الشاي جانباً، وحدّقت في الأمير بثبات. وقد رأت أن وقت الكلام قد حان، فهي قد أدّت ما يكفي من واجب المجاملة.
قالت بنبرة هادئة لكنها حاسمة:
“إذن، هل انتهى الغرض من زيارتك؟”
ارتجف طرف شفتي الأمير، إذ صدمه وقع كلماتها.
قال ضاحكاً:
“هاها، كما توقعت، أنتِ بجرأتكِ لا تعرفين التردد.”
“إن كنتُ قد أثقلت عليكَ الحديث فإني أعتذر.”
“لا، لا، بل يعجبني الصدق. ولقد كنتُ أنا أول من وقع في سوء الأدب.”
هذا جيد، فهي كانت تعلم أن مجرد قدومه المباغت هو عين الجفوة، فلم تر داعياً لتكلّف اللباقة.
قالت بارتياح:
“جيد إذن، فدعني أكون صريحة بدوري. لقد بعثتَ برسائل خطبة، وأنا أرسلتُ ردّاً واضحاً بالرفض. لم يخطر ببالي أبداً أنكَ ستطرق بابي بنفسكَ، وهذا حقاً يربكني ويزعجني.”
ابتسم ابتسامة متكلفة وقال:
“هاها، أتفهم ذلك.”
قالت بجدية:
“مع تقديري لتكبّدكَ عناء السفر، لكني لا أرى بقاءكمَ طويلاً في هذا المجلس صواباً. كما تعلم، لي خطيب.”
مال الأمير إلى الأمام وقال:
“ما دمنا نتكلم بصراحة، أودّ أن أسمع منكِ كل شيء.”
“عفواً؟”
“هل أنتِ و خطيبكِ بخير معاً حقاً؟”
قطّبت لويسا حاجبيها وقد ضاق صدرها.
فقال:
“قيل لي إن كثيراً من الخطّاب أرسلوا طلباتهم إليكِ. حتى وإن كنتِ قديسة عظيمة، فكيف يتجرأون على ذلك إن كان لكِ خطيب؟”
قالت ببرود:
“إذن خلاصة القول إنكَ صدّقتَ هذه الشائعات الواهية، وبنيت عليها خطبتك؟”
ابتسم الأمير متصنّعاً وقال:
“آنسة بليك، أدرك أنكِ غاضبة، لكن يجدر بكِ أن تواجهين الواقع.”
قاطعته قائلة:
“سموك، نحن نلتقي للمرة الأولى، ومنذ البداية إلى الآن لم أر منكَ سوى الوقاحة.”
اختفى التعبير عن وجهها، واستبدلته ببرود شديد وكأنها لم تعد ترى جدوى في إظهار أي انفعال. ثم أردفت ببطء:
“أظن أن الذي ينبغي أن يواجه الواقع ليس أنا، بل أولئك الذين يصدّقون مثل هذه الأباطيل.”
قال بارتباك:
“أتقولين إنها محض كذب؟”
“نعم.”
كان جوابها قصيراً وحاسماً. ثم أمالت رأسها قليلاً، تحدّق في الأمير الصامت كأنها تسأله: هل هذا يكفي؟ فخيم الصمت الثقيل على الغرفة.
نهضت لويسا ببطء، وقد رأت أن لا جدوى من الاستمرار. فهبّ الأمير بدوره متردداً، والخيبة بادية في عينيه.
قال بلهجة إقناع:
“في فيرديتان، يُنصح الرجل أن يجرّب ويخالط نساءً قبل أن يتزوج. أما أنتِ، فذلك الرجل الذي معكِ لم يكن إلا الأول. ألا ترين أن قرار العمر كلّه مبكر جداً؟”
فأجابته بلا تردد:
“أنا بالأصل لم أكن مهتمة بالحب. لولا أنني التقيت بجلالته، لما كان حتى ذلك الأول موجوداً.”
ابتسم ساخراً وقال:
“هذا أمر لا يُعرف إلا بمرور الوقت. أحقاً لا تشعرين بأي أسف؟”
وحين عجز عن هزّها بإشاعة الخلافات، لجأ إلى التلويح باسم بلاده والتشدّق. ثم ما لبث أن دار حول الطاولة واقترب منها.
فجأة جثا على ركبة واحدة، ووضع يده على صدره بإجلال. فتسعت عينا لويسا المائلة إلى البنفسجي دهشة.
قال برجاء:
“لا ترفضي هكذا! امنحيني فرصة واحدة فقط!”
“……ماذا؟”
“مرة واحدة فقط، دعينا نخرج معاً ولو لموعد قصير. أشعر أني إن رحلت الآن فسأندم العمر كله.”
قالت بحدة:
“سموك، ألا تذكر أن لي خطيباً؟ وأن خطيبي هو جلالة إمبراطور هذه الإمبراطورية؟”
‘هل يسعى لخلق أزمة دبلوماسية؟’
لقد نفد صبرها من هذا الجنون المتصاعد.
فتراجعت إلى الوراء بوجه متضايق، لكنه تقدم خطوة زاحفاً على ركبته، وكأنه يستجديها ألا تهرب.
‘لماذا يتصرف هكذا؟ أكأن وراءه ما يمنعه من العودة وحيداً إلى مملكته؟’
فقد ألقى بكل كبريائه أرضاً.
قالت ببرود:
“أتيت بغتةً وأثقلتني بالحرج، ثم ها أنت تركع لتضغط عليّ. يكفيني من مشهدك هذا أن أعلم أن لا أثر فيه لأي احترام لي.”
قال متوسلاً:
“إنما أفعل هذا من شدّة حرصي! أرجوكِ، أمنحيني فرصة واحدة فقط!”
فقالت لويسا منزعجة:
“سموك، اهدأ رجاءً! انهض الآن!”
“إن منحتني فرصة، سأنهض.”
‘هل أتركه هكذا وأغادر؟’
******
ترجمة : سنو
بالنسبه لقُراء المواقع.
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول والواتباد. وممكن لو انحظر حسابي بالواتباد بعيد الشر بتلاقوني هناك ( ملاحظه، الي يدخل ويطلع رح ياخذ حظر )
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 129"