وحين همّ ديميان بالنهوض، أشار إليه رافاييل بتردّد.
“أودّ أن أوصلها بنفسي… هل تسمحان لي؟”
انعقد حاجبا الدوق بليك. فمهما يكن رافاييل خطيبها، إلا أنّ دخوله غرفتها مرارًا بلا استئذان وهوما يزالان غير متزوّجين لم يرق له قط، فكيف بهذا الموقف.
كان ساكتًا لأنه يرى ابنته راضية، لكنّه لم ينسَ كيف أهملها رافاييل في الماضي وأتعب قلبها، فانفلتت من داخله غصّة دفينة على شكل اعتراض.
“أعذرني، لكن مثل هذه الأمور الخاصة ينبغي أن يتولاها أهل البيت. نحن سنتكفّل بها.”
تفاجأ رافاييل، وقد نهض بالفعل متوقّعًا أن يُؤذن له. نظر إليه بذهول، فيما ديميان ألقى على والده نظرة تفهّم.
هو الآخر رغم أنه شجّع علاقة أخته بالرجل الذي أحبّته، إلا أن رفض رافاييل السابق الجافّ كان قد آلمه كثيرًا.
الآن وإن كان رافاييل قد أحسن، إلا أن قليلًا من الغيرة أو العتاب الصغير مفهوم في نظره.
فتقدّم ديميان نحو لويسا كأنه أمر بديهي:
“سأتولّى حملها.”
“لا، أنا سأفعل.”
بكثير من الحرص رفعها الدوق بنفسه، بينما التقط ديميان البطانية المنزلقة عن الأريكة وأعاد تغطيتها بها برفق.
كان المشهد غارقًا في دفء عائلي خاص، حتى شعر رافاييل بالغربة بينهم. وعلى الرغم من أنه خطيب رسمي، بل كأنه نصفُ فرد من العائلة، إلا أنهم عاملُوه ببرودٍ لم يترك له موطئ قدم.
“بلغني أنّك ستعود اليوم. إنّنا نُقدّر عظيمًا ما تبذله ليلًا ونهارًا من أجل الإمبراطورية، ونرفع لك أسمى آيات الشكر.”
“سأرافقك إلى الباب.”
بذلك الوداع المهذّب، خرج الدوق من الغرفة، فيما وجد رافاييل نفسه يغادر القصر وهو يشعر وكأنه طُرد برفق. لم يتمكّن حتى من رؤية وجه لويسا وهي تستند برأسها إلى كتف والدها.
وحين صعد إلى عربته، ألقى نظرة طويلة نحو نافذة غرفتها، وقد ثقل في عينيه مزيج من الشوق والانشداد.
‘لا… هذا لا يصلح.’
كان ينوي أن يمضي الأمر ببطء حتى لا يُثقل على لويسا، لكن موقف اليوم أقنعه أنّ عليه أن يعجّل بترسيخ مكانه كفرد من العائلة.
خارج النافذة، كانت المناظر تهتزّ بفعل الرياح العاصفة.
***
بدأت التجارب على نحوٍ جاد.
في البداية اختيرت الوحوش التي تقترب أحيانًا من حدود السور، وكان الدوق بليك بنفسه يتقدّم ممسكًا بالزهرة المقدّسة ليواجهها.
كان يرى أن المخاطرة مسؤولية القائد قبل غيره، وأنه إن باشر بنفسه ضمِن سلامة الجميع. فازدادت هيبته واحترام الفرسان له حتى بلغ السماء.
“هل أحاول أنا الآن؟”
“بهذه السرعة؟ ألا تنتظر قليلًا؟”
ابتسم ديميان باعتذار، وقد بدا له الأمر غريبًا؛ فهي لا تريد سوى تجريب قوة التطهير من وراء البوابة، بينما يمنعها الآخرون حتى من الاقتراب.
“بهذا البطء سيستغرق الأمر وقتًا طويلًا. فلنجرب التطهير أولًا، وإن لم يفلح نلجأ لإعطائهم القوة المقدسة تدريجيًا.”
“لكننا نضع السلامة أولًا، ولا بأس إن طال الزمن.”
رمقت لويسا ظهر والدها العريض وهو يتقدّم نحو الوحش حاملاً الزهرة، وقالت في سرّها بسخرية:
‘وتقولون السلامة أولًا؟’
لو قامت هي بالأمر مباشرة لانتهى سريعًا، لكنهم جاؤوا بها إلى هنا ليمنعوها من فعل شيء.
شعرت أن صبرها أوشك على النفاد.
‘كان يكفي أن ننهي الأمر بسرعة ونعود للراحة، فلماذا هذا التباطؤ؟’
تقدّمت نحو البوابة بوجه متجهم.
“لويسا!”
“علينا أن نحاول كل وسيلة لإنهاء هؤلاء الوحوش سريعًا. أيّ حديث فارغ هذا عن التمهّل؟”
“سلامتك أولى، وهذا أمر وافق عليه جلالة الإمبراطور بنفسه.”
“…جلالته؟”
“نعم. فلا حاجة إلى الاستعجال.”
أمسك ديميان بذراعها بحذر وأبعدها عن البوابة، مهدئًا نبرته.
“أما عن الوقت الطويل، فلا أظن أن جلالته يرضى بذلك.”
أمالت رأسها، وقد بدا عليها الشكّ في تفسيره. أما هو فاكتفى بابتسامة متكلّفة وربت على كتفها.
“فلنعتبر اليوم مجرد استطلاع. غدًا قد نجد أحد الوحوش أهدأ، فنجرّب قوة التطهير عليهل. اتفقنا؟”
“لكننا تأكدنا بالفعل أن التطهير ينجح، فما معنى استطلاع آخر؟”
“هاها…يا الهي، أختي صارت ثاقبة النظر اليوم. لماذا أنتِ ذكية هكذا؟”
“آه، كفى.”
تملّصت من مزاحه الذي لم تشكّ للحظة أنه جاد فيه، إذ إن كل كلمة من ديميان تأتي من قلبه.
ثم تقدّمت بخطوات حاسمة نحو والدها، متجاوزة نظرات الفرسان الحائرة بين منعها وتركها.
في تلك اللحظة، كان أحد الوحوش قد اندفع عشوائيًا فابتلع جزءًا من الزهرة المقدسة، ليُطلق بعدها صرخة وحشية وهو يتراجع.
“أبي.”
“…لويسا. ابتعدي، الأمر خطير.”
“ولِمَ تسلك الطريق الأصعب من دوني؟ أليس يكفي أن أقف هنا وأبثّ قوى التطهير؟”
أشار الدوق بليك إلى الفرسان ليفتحوا البوابة الحديدية، ثم تقدم نحوها. كان وجهه مبللاً بالعرق من شدة التوتر، فازداد عبوس لويسا سوءاً.
قال بصرامة:
“لا يوجد شيء كامل في هذه الدنيا. قد تكوني وُفقتِ بالأمس في التطهير سريعاً، لكن إن لم ينجح الأمر هذه المرة، فعلينا أن نستعد لجنون الوحش.”
فردّت بثبات:
“صحيح، لكن لدينا هذه البوابة المحكمة، والفرسان من حولنا، وأنت تحميني أيضاً، أليس كذلك يا أبي؟”
كان صوتها هادئاً، يحمل ثقة راسخة.
ارتجفت وجنة الدوق للحظة وهو يحدّق إليها بوجه متصلّب.
“هُمم… طبعاً، هذا أمر بديهي. لكننا ما زلنا في مرحلة نحتاج فيها إلى المزيد من التأكد.”
قالت بحماس:
“إذن، هل يمكن أن نبدأ مباشرة من الغد؟”
“الغد… أراه مبكراً بعض الشيء.”
“……فبعد غدٍ إذن؟”
“بعد غدٍ أيضاً… لا.”
“حسناً، فاليوم الرابع؟”
“اليوم الرابع يوافق العطلة الأسبوعية، أليس كذلك؟ يجب أن يرتاح الفرسان.”
‘متى اعتادوا فجأة على الراحة؟’
تساءلت لويسا في نفسها.
فهي تعلم أنهم كانوا يعملون بنظام المناوبة.
لم تجد ما تقول.
فانعقد حاجباها وهي تقول:
“إذن نبدأ من الأسبوع المقبل.”
“الأسبوع المقبل… أيضاً لا.”
“بل يجب أن يكون الأسبوع المقبل حتماً. لقد جئنا إلى الشمال من أجل هذا، والوقت يضيع بلا جدوى.”
ابتسم الدوق ابتسامة خفيفة وهو يرمقها بنظرة كأنه يقول: أنت تحبين الراحة كثيراً، فلم العجلة؟
لكنها ردّت فوراً:
“ذاك فقط حين لا يكون هناك ما يجب إنجازه. أما إن تراكم العمل، فلا أطيق تركه هكذا. أفضّل أن أنهي كل شيء بسرعة، ثم أرتاح بطمأنينة.”
قال برضا:
“فكرة طيبة.”
“أليس كذلك؟ لهذا السبب، الأسبوع المقبل سنبدأ التجربة حتماً!”
في تلك اللحظة، كان الدوق يومئ برأسه معجباً بعزيمتها، لكنه توقف فجأة، مدركاً الأمر.
لقد كان يؤجل الأمر بدافع من شعور بالذنب، لأنه هو من جرّ ابنته إلى خطر كهذا، وأيضاً لأنه كان يتمنى لو أن رافاييل يوليها اهتماماً أكبر. غير أنّ لويسا لم تكن تفكر بالتراجع مطلقاً.
لقد بدأت بالفعل تراقب المكان بعين فاحصة، وكأنها تضع خططاً للعمل الأسبوع المقبل. فابتسم الدوق ابتسامة واهنة وهو يمد يده نحوها. لكنه تراجع سريعاً حين لمح آثار دماء الوحش على ثيابه.
إلا أن لويسا أمسكت يده المتسخة دون تردد، وقالت بابتسامة هادئة:
“ينبغي أن تتناول الغداء وأنت تعمل، أليس كذلك؟ فلنغتنم الفرصة ونأخذ قسطاً من الراحة.”
ثم قادت والدها نحو الخيمة ممسكة بيده بإصرار، وغير مبالية بما علق عليها من دماء.
كان وجهها الذي اعتاد الجمود قد ازداد إشراقاً بالمقارنة مع الماضي، حتى ارتسمت على شفتي الدوق ابتسامة دافئة عميقة.
وفي تلك اللحظة، كان ديميان يتابع المشهد بعينين مفعمتين بالسرور، فاقترب وهو يبتسم ابتسامة مشرقة.
*****
ترجمة : سنو
بالنسبه لقُراء المواقع.
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول والواتباد. وممكن لو انحظر حسابي بالواتباد بعيد الشر بتلاقوني هناك ( ملاحظه، الي يدخل ويطلع رح ياخذ حظر )
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 125"