ارتد الوحش غريزيًا إلى الوراء ثم توقف في مكانه من جديد. وظلّ يحدّق طويلًا في الزهرة التي انبثق منها الضوء.
وبينما يقف الوحش جامدًا لا يقترب ولا يبتعد، أخرجت لويسا تلك الزهرة قليلًا من بين قضبان الحديد.
فمدّ الوحش ذراعه التي بدا كأن السحر الاسود قد انحسر عنها بعض الشيء.
ومع تقلّص المسافة شيئًا فشيئًا بينه وبين الزهرة المقدّسة، ما إن لامس وبره البني طرفها حتى انفجر الضوء متعاظمًا، كأن القوة المقدسة الكامنة فيها قد تضاعفت.
“أه؟ أههه؟”
“ما الذي… يحدث؟”
وسرعان ما تعالت همهمات الفرسان المحيطين بالمكان. حتى ديميان والدوق بليك لم يجدا ما يقولان، وقد انفرجت شفتاهما بدهشة لا تكاد تصدَّق.
“…أهذا حقًا تطهير؟”
أما لويسا، فقد نظرت مذهولة إلى الزهرة ثم إلى الوحش، فلم تكن تتوقع أن يظهر الأثر بهذه السرعة، إذ لم تكن سوى محاولة عابرة لبثّ قوة التطهير فيها.
لكن ما إن لامس الوحش نورها حتى تبدّد السحر الاسود، وانبثقت سحبٌ من دخان أسود تصاعدت وتلاشت في السماء.
وما إن انقشع الدخان حتى ظهر كائن يقفز بخفة…
أرنب صغير أبيض.
“أيمكن أن تكون كل الوحوش في الخارج مجرد حيوانات متحوّلة؟”
قالها الدوق بليك وهو يقطّب جبينه محدّقًا بالأرنب الذي لم يهرب بل التصق بالقضبان وهو يرتجف من الخوف.
“علينا التأكد أولًا. هل كل الحيوانات تحوّلت إلى وحوش، أم أن بعضها فقط كذلك.”
تنفست لويسا الصعداء إثر كلام ديميان.
بدا أن العودة المبكرة إلى العاصمة لن تكون ممكنة.
ولأن الأرنب لا يمكن تركه في أرض يعجّ بها الوحوش، وضِع داخل قفص صغير في الجانب الآمن خلف الحدود.
وحين تذكرت لويسا الأرنب الذي ظلّ يرتجف حتى بعد رحيلها، تمددت على سريرها بوجه متعب. فقد لم يغب عن ذهنها منذ عودتها سوى الرغبة في الاستلقاء، وكان ذلك وحده كافيًا ليجعلها تشعر بالسعادة.
حتى تناول الطعام بدا مرهقًا، وما كادت تفكر أنها لا تريد الحراك مطلقًا حتى دوّى طرقٌ على بابها.
‘أيعقل أن هناك عملًا آخر؟’
كانت تعرف أنه بانتظارها اجتماع بعد العودة، لكنها لم تستطع مقاومة شعور التثاقل.
“ادخلي.”
انفتح الباب ودخلت ماري التي كانت خرجت لترتيب بعض الثياب. وما إن رأت لويسا مطروحة بلا حول على السرير حتى هرعت إليها.
“آنستي! آه… هل أنتِ بخير؟ تبدين منهكة للغاية.”
جلست ماري على ركبتيها قرب السرير وعيناها تفيض قلقًا.
“نعم… متعبة فقط…”
لم تحاول لويسا إنكار الأمر، بل زفرت آهة ورفعت عينيها نحو ماري.
“طبيعي أن تكوني مرهقة، لقد ذهبتِ مباشرة لتفقّد الحدود فور وصولك إلى الشمال. هل آتي لكِ بالطعام إلى هنا إن كنتِ متعبة؟”
“الطعام؟ أين والدي وأخي؟”
“لقد أوصاني سيّد القصر أن أخبرك أنكِ غير مضطرة للنزول إن بدوتِ متعبة.”
“حقًا؟”
تساءلت لويسا في نفسها إن كان من الأفضل ألا تنزل أصلًا، فالأمر سيقرره والدها وديميان على أي حال ثم يخبرونها به. وما لبثت أن أومأت مقتنعة، فابتسمت ماري مطمئنة.
“إذن متى ترغبين أن أجهّز لك الطعام؟ ربما تحتاجين قليلًا من الراحة قبل ذلك؟”
“صحيح. كم الساعة الآن—”
غير أن الطرق على الباب قاطعها فجأة، فالتفتت هي وماري معًا نحو الباب.
“ادخل… هاه؟”
اتسعت عينا لويسا فجأة، حتى إنها جلست منتصبة دون أن تشعر من فرط الدهشة بمن دخل الغرفة.
“لويسا.”
كان رافاييل.
لم تتوقع قدومه اليوم أبدًا، فقد حسبت أنه سيأتي بعد أيام، وهي لم تمكث في الشمال سوى منذ الأمس.
رمشت بعينيها سريعًا وقالت:
“ما الذي تفعله هنا؟”
“وجدت وقت فراغ، فجئت.”
“وقت فراغ؟”
حدّقت فيه لويسا بملامح غير مصدّقة.
في هذه الأوقات؟
“نعم. أردت أن أراك، فأنهيت أعمالي سريعًا وجئت.”
“ولكن… كان بوسعك أن تنتظر عطلة نهاية الأسبوع.”
“أردت فقط أن أطمئن بنفسي إن كنتِ تتأقلمين جيدًا.”
تراوحت حججه بين شتى الأعذار، فما كان من لويسا إلا أن ضحكت بذهول وهي ترفع يدها لتغطي عينيها، مسندة جبينها إلى راحتها.
أما رافاييل، فحاول إخفاء ارتباكه بسعال خافت وهو يمرر يده في شعره، وقد احمرّت أذناه خجلًا.
‘آه… إنني محبوبة حقًا.’
لطالما ظنت أنها ستظل وحيدة دومًا، لكن من حولها صاروا اليوم ممتلئين بأشخاص يمدّون لها يد العون. حتى خُيّل إليها أن الرب قد أعدّ هذه النعمة مسبقًا لتخفيف ما قاست في رحلتها الشاقة.
وما إن انقشعت عتمة اللحظة حتى استحوذ بريقه على بصرها، مشرقًا أبهى من شمس الظهيرة.
كانت عيناه نصف مغمضتين وقد ارتخت ملامحه بنعاس لطيف، ولأنها عرفت أن مثل هذه اللحظة تنتهي دومًا بقبلة، قررت هذه المرة أن تسبق هي.
فرفعت قدميها قليلًا، وأمالت رأسها، ثم طبعت قبلة خفيفة على وجنته الناعمة.
ارتفع صوت خافت لطيف مع اتساع عينيه في دهشة.
“…شكرًا لقدومك.”
“لويسا.”
“لكن، أقول هذا احتياطًا فقط… لا تأتِ كثيرًا من فضلك. فمهما كانت قوتك، لا يمكن لجسدك أن يصمد أمام تراكم الإرهاق.”
خفضت نظرها إلى يدهما المتشابكتين.
لم تكن سوى أطراف أصابعهما متلامسة، لكن خاتمين متماثلين في اليد اليسرى كانا يلمعان بوضوح.
وبينما كان الخاتم المكوّن من الألماس وحده يزداد اليوم بريقًا لافتًا، رفعت نظرها من جديد نحوه.
“أنا جادة… أقول هذا بدافع القلق عليك.”
كان يريد الاعتراض، لكنه لم يستطع الرد أمام نبرتها التي جمعت بين اللطف والحزم، فاكتفى بالصمت.
“…سآتي مرة واحدة في الأسبوع.”
قالها بعد برهة، وعيناه تنطقان بأنه لا يمكنه التنازل أكثر من ذلك.
“مرة في الأسبوع؟ أليس ذلك كثيرًا؟”
“أكثر من ذلك لن يكون ممكنًا. ثم إن هذا جدول لا يرهق جسدي.”
رفع رافاييل يديها المتشابكتين إلى صدره وقبض عليهما بقوة أشد كأنما يتوسل.
“لويسا، إن الابتعاد عنك بحد ذاته أمر شاق، فكيف تريدين مني ألا آتي لرؤيتك؟ هذا قاسٍ للغاية.”
“لا، لم أقل لا تأتي إطلاقًا.”
“لكنكِ قلتِ إن مرة في الأسبوع كثيرة. أما أنا فأراها قليلة.”
‘وكأنه يظن أن الشمال ليس إلا الحي المجاور!’
ابتسمت لويسا بسخرية خفيفة.
“حسنًا، ليكن مرة في الأسبوع. لكن بشرط: إن ظهرت لديك أعمال عاجلة، لا تأتِ مُرهقًا، بل التزم بما هو ممكن.”
“…ذلك لن يحدث.”
يا له من رجل عنيد.
حتى أنه حرّر يديها وتراجع خطوة للخلف، كأنه يرفض أصلًا أن يَعِد بذلك.
لم تستطع لويسا سوى أن تضحك من موقفه.
***
اجتمع على المائدة أشخاص نادرًا ما يلتقون: الدوق بليك، وديميان، ورافاييل.
وكانت الأحاديث كلها منصبّة على العمل. ولا عجب، فقد شهدوا اليوم اكتشافًا جديدًا حول الوحوش، فظلّ النقاش محتدمًا حتى بعد الطعام وأثناء احتساء الشاي.
“إذن، سنتجه نحو تجربة الأمر على كل وحش على حدة؟”
“نعم. هناك وحوش تقترب أحيانًا من البوابة الحديدية، وقد نفكر في إجراء التجارب عليها.”
هزّ رافاييل رأسه موافقًا بجدية، ثم ألقى نظرة نحو لويسا.
كانت تحتسي الشاي بملامح فاترة، وقد ارتسمت في عينيها لمحة نعاس.
“أعلم أنكِ أكثر من سيتأثر بالأمر، لكن رجائي أن تحرصي على سلامتك أولًا. إن وجدتِ أي خطر ولو يسيرًا، يجب أن يتوقف الاختبار فورًا. فما يهمّ هو أمانك قبل أي شيء.”
“طبعًا.”
“والتجارب ستسير ببطء شديد، حتى لا تُرهق أحدًا.”
عند كلام ديميان والدوق، تجهم وجه رافاييل قليلًا.
“…هذا سيعني أن إقامتكم هنا ستطول كثيرًا، أليس كذلك؟”
“بلى، ستطول كثيرًا. فالمكان واسع، والحدود هنا أشد برودة من غيرها، لذا علينا أن نأخذ وقتنا.”
ارتسمت على وجه رافاييل ملامح متناقضة.
كان مسرورًا أن صحتها ستُراعى، لكن فكرة بقائها طويلًا في الشمال عنت أنه لن يراها إلا مرة في الأسبوع، وهو أمر ثقيل على قلبه.
فهو في أعماقه، لا يريد سوى أن يراها كل يوم، لذا لم يستسغ فكرة هذا البُعد القاسي، وكأن العتمة خيّمت على عينيه لمجرد التفكير فيه.
*****
ترجمة : سنو
بالنسبه لقُراء المواقع.
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول والواتباد. وممكن لو انحظر حسابي بالواتباد بعيد الشر بتلاقوني هناك ( ملاحظه، الي يدخل ويطلع رح ياخذ حظر )
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 124"