هبت عاصفة عاتية وضربت ساينف. فأسرع ليعقد ذراعيه متقاطعتين أمام وجهه ليحتمي بها.
غير أنّ جسده أخذ يتراجع قليلاً إلى الخلف، فاستشعر الخطر.
عندها كوَّن بيده سيفًا من دخان أسود مركز، ثم غرسه عميقًا في الأرض.
دوّى صوت انفجار.
قعقعة!
وانشقت الأرض، وتطاير غبار رمادي كثيف.
ومع انقشاعه ببطء، ظهر ساينف مطأطئ الرأس.
“تبا لكِ… أيتها الوغدة.”
رفع رأسه وهو يضغط على أسنانه بقوة، وإذا بوجهه مليء بجروح كأنه قُطع بسيوف.
الدم الأسود اللزج يتدفق من بين الشقوق الممزقة في جلده.
أما لويسا فاستغلت اندفاعتها لتستجمع من جديد ما تبقى لها من قوّة مقدّسة حتى شعرت أن عقلها يكاد يذوب. وتحوّلت هالتها المضيئة إلى دائرة عظيمة رسمتها في السماء.
تساقطت بتلات الأزهار بفعل الرياح العاصفة، ثم أخذت تدور لتطوّق قاعة الكنيسة كأنها عاصفة زهور تسجن الجميع في دوامة.
تلاقى بصر لويسا وبصر ساينف وسط الفراغ.
وما إن جمعت لويسا كفيها الممدودتين حتى انطلقت الأزهار الدوارة فجأة بسرعة هائلة نحو ساينف.
“تشه… تفاهة كهذه؟”
انتزع ساينف سيفه من الأرض، فاشتعلت منه نيران هادرة كادت أن تخترق السماء.
‘كأن شيئًا يعترضها…’
قطّبت لويسا حاجبيها.
أرادت أن تحبس ساينف داخل دوامة الأزهار المضيئة، غير أن النيران التي أطلقها جعلت البتلات تتوقف عند مسافة ثابتة لا تستطيع تجاوزها.
‘لا، بهذا الشكل لن يجدي…’
خطت خطوة للأمام محاولةً تكثيف قوّتها عن قرب.
لكن ما إن وضعت قدمها حتى توقفت حركتها.
في تلك اللحظة انطلقت صرخة وحشية مدوّية من بعيد.
“كييييييك!”
فالتفت الجميع نحو مصدر الصوت.
ترددت ضربات ثقيلة، دوّيها يهز الأرض وكأنها تقترب شيئًا فشيئًا.
لم يكن صوت وحش واحد أو اثنين، بل أصوات عشرات امتزجت معًا.
“لا تتهاونوا! ابقوا متأهبين!”
“أمرك!”
صرخ آندي يأمر الفرسان بحراسة الجدران والأبواب، فيما أعادت لويسا قدميها إلى التقدّم نحو ساينف الذي كان يبتسم ابتسامة ساخرة مشوبة بالدماء.
“آنسة!”
“لويسا، لا تفعلي!”
ركض من حولها محاولين إيقافها، لكنها كانت أسرع بخطوة.
وصلت إلى مسافة قريبة من ساينف، وأخرجت قارورة ماء مقدّس.
رفع سيفه وضحك بوقاحة وهو يهوي به عليها. لكن لويسا لم ترمش حتى لحظة واحدة وهي تنظر إلى السيف القادم.
“بل أنا من يجب أن يقول هذا… أترى أن سيفًا مثله سينجح معي؟”
أتسعت عينا ساينف في دهشة، وفي اللحظة نفسها توقّف سيفه المشتعل فجأة في الهواء، كأن جدارًا غير مرئي اعترضه.
ابتسمت لويسا ببرود، وأطبقت أصابعها على القارورة بقوة.
‘إن لم يجدي أي شيء… فلا مفر من القتال باليدين.’
لم تعرف من أين انبثق هذا الإصرار. ربما كان السبب تلك الأصوات المفزعة التي تعصف بالخارج، أو لعلها غريزة كامنة ظهرت حين وصلت إلى أقصى حدودها.
بلا أي تردد، مدت قبضتها نحو ساينف.
كانت ضربة ساذجة في ظاهرها. فاستهزأ ساينف وحاول تجنبها، غير أنه فجأة شعر كأن قيدًا غير مرئي كبّل جسده. فتجمّدت حركته، واتسعت عيناه.
بووم!
اصطدمت قبضتها بقوة مدمّرة أسفل ذقنه.
“ـ…!”
طار جسده إلى الخلف بعنف، ارتطم وكأنه سقط على صخرة قاسية، فأحس بثقل الألم يدوّي في رأسه حتى كاد أن يفقد وعيه.
والجروح التي فتحتها الهالة المقدّسة قبل قليل تمزقت أكثر، حتى أخذ جلده يتقيّح.
“مجرد ماء مقدّس…؟! لِم…؟ آآآاااااه!”
كانت المياه تتسرب من القارورة المحطمة في قبضتها وتنسكب على وجهه، وتحرقه كما لو سكبت عليه أحماض حارقة.
صرخ وهو يتلوّى بلا حول ولا قوة.
لم تترك لويسا أي تفصيل يفوتها.
بالطبع، لم تكن لتُحضِر ماءً مقدسًا عاديًا، بل ماءً نقعت فيه هالتها المقدسة بنفسها خصيصًا له، فكان تأثيره أضعاف ما توقعت.
وبينما هو يصرخ فاقد التركيز، أعادت لويسا تحريك البتلات الدائرة حولها، فأسرعت لتشكل قفصًا بيضويًا أحاط به وأغلق عليه.
“ككككـآآاااه!”
“حافظوا على صفوفكم!”
في الخارج، كانت الفوضى تزداد.
الوحوش التي اقتحمت قاعة الكنيسة تتصادم بجنون مع الحاجز المقدس الذي نشرته لويسا حول المكان.
كلما ارتطم أحدها بالحاجز تبخر كالدخان، غير أن آخرين كانوا يتدفقون بلا توقف.
توالت الصدمات، والجدار المقدس بدأ يتشقق شيئًا فشيئًا.
زمّت لويسا شفتيها وتقدمت أكثر نحو ساينف الذي كان يصطدم بالجدار الأبيض محاولًا الفرار وهو يصرخ بوحشية.
‘لا بد أن ألمسه مباشرة.’
تذكرت حين ضربته بقبضتها أن القوة المقدسة بلغت أوجها عند الملامسة المباشرة، إلى جانب فاعلية الماء المقدس.
لقد وجدت الحلّ ببديهة غريزية.
الخوف قد تلاشى منذ زمن. ما بقي في ذهنها الآن لم يكن سوى فكرة واحدة: يجب القضاء على هذا الشيطان فورًا.
‘لا بأس… أستطيع فعلها.’
الترجمة الصحيحة والواضحة، بأسلوب فصيح وسلس، غير حرفي، دون نقصان:
جمعت لويسا حفنة من البتلات في يديها.
ترددت للحظة تفكر في صنع فتحة صغيرة لتدخل يديها عبرها.
لكن ذلك التردد لم يدم طويلاً، إذ انبثق من بين الشقوق المتصدعة يد ساينف قبلها.
“اوهغ─!”
قبضت يده الضخمة المنتفخة بالعروق على عنقها النحيل كأنها توشك أن تحطمه. ومن بين الشقوق برزت عيناه الحمراوان المتقدتان.
“أمسكتك.”
ضغط على عنقها بقوة أشد، لكن لويسا بدل أن ترتجف رعبًا، أمسكت ذراعه المكبّلة لرقبتها، وارتسمت على شفتيها ابتسامة مرتجفة.
‘وأنا… أمسكتك أيضًا.’
فجأة انفجر نور أبيض مبهر.
كان ضغط قبضته يسحق حنجرتها، والسحر الاسود يغزو جسدها، غير أنها لم تتوقف، بل واصلت تدفق قوّتها المقدّسة دون هوادة.
ارتجف خد ساينف وهو يشعر بجلده يتغير كأنما يتآكل.
يده لم تعد تستجيب كما يشاء، وألم متواصل ينهش أعصابه، دفعاه إلى أن يزمجر بغيظ ممزوج بالعجز:
“لو لم يكن هذا الجسد الوغد… لو كنت في هيئتي الحقيقية لَما…!”
كان ذلك أول مرة يذوق فيها الشيطان طعم الندم.
لطالما عاش أسير شهواته، متسلطًا فوق الآخرين، أما وقد انحصر في جسد بشري، فقد وجد نفسه يتعلم ما لم يرد يومًا أن يتعلمه، ويذوق عجزًا لم يختبره من قبل.
عندها فقط أدرك كم كان اندفاعه طائشًا.
أحلامه بامتلاك جحيمه الخاص تلاشت، وصار لا يملك سوى مرارة الندم.
القوة المقدسة التي تجمعت في زهور لويسا انسابت عبر ذراع ساينف ثم توغلت في جسده: في كتفيه، في صدره، وفي عنقه.
جلده تشقق مثل أرض يابسة أصابها جفاف شديد.
“اتركيني… أتركيني!”
كان يصرخ بجنون محاولًا انتزاع ذراعه، لكن وجهه شحب مذعورًا.
وفي تلك اللحظة، اخترق صدره طرف سيف جميل يشع بالنور.
لم يمسّها السيف، فقد توقف عند الحدّ المطلوب، لكنه شلّ حركته تمامًا.
حتى صرخة الألم لم يستطع إخراجها.
تراخت قبضته على عنقها، وانطلقت لويسا تسعل بشدة، ثم التفتت خلفه لترى رافاييل وقد ظهر، فابتسمت له ابتسامة باهتة.
هبّت نسمة عليلة. وحشدت لويسا آخر ما تبقى من قواها، وضخته في جسد ساينف.
انتشر النور الأبيض على ذراعه، فانعكس في عينيه على هيئة ذعر حقيقي.
“أخيرًا… انتهى الأمر.”
ابتداءً من ذراعه التي أمسكتها، أخذ جسده يذوب بسرعة ويتفكك، حتى تحوّل كله إلى دخان أسود تبخر في الهواء.
ظلّ السيف المغروس فيه يشلّ جسده ويقيّده عن الحركة، حتى إنه لم يستطع سحب ذراعه، فبات عاجزًا بالكامل.
وقبل أن يختفي، راحت شفتاه تتحركان كأنهما تترجّيان شيئًا ما. لكنها لم تكن نهاية شيطان، بل كانت موتًا بائسًا أشبه بمصير البشر الضعفاء الذين قتلهم هو ذات يوم.
لم يتبقَ من وجوده سوى اسم ساينف البشري، أما اسمه الشيطاني فقد تلاشى بلا أثر.
تطوّح السيف وسقط على الأرض بصوت معدني رنان. واندفعت لويسا بين ذراعي رافاييل متقبّلة حضنه.
أحاط وجهها صدره الواسع، وملأ أذنيها خفقان قلبه السريع، فكان صوته أدفأ ما سمعت.
أغمضت عينيها بهدوء وهي ترى من بعيد الوحوش وقد بدأت تتبخر وتذروها الرياح مع دخانها الأسود.
نسمة صافية داعبت خدّيها.
“هاه…”
‘الآن حقًا… لن أفعل شيئًا بعد اليوم. سأعيش مترفة، مسترخية، آكل وألهو حتى آخر عمري.’
***
تساقطت ورقة صفراء من شجرة خريفية، فهوت مع الريح حتى استقرت على حافة النافذة.
فُتحت عين لويسا نصف المغلقة، وقد كانت مسندة رأسها على الطاولة بخمول تحت وهج الشمس الدافئ.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 120"