هل هو فضول مفرط من فارس صارم؟ حتى وإن كان الأمر كذلك، فرافاييل بالتحديد لم يكن من النوع الذي يتصرف على هذا النحو.
في القصة الأصلية، كان صحيحًا أن لديه بعض الضعف أمام الضعفاء، لكنه لم يكن قط شخصًا واسع التدخل في شؤون الآخرين.
كان صارمًا تجاه اقتراب أي أحد منه، وقاسيًا بلا رحمة إذا تجاوز أحدهم الحدود التي رسمها لنفسه.
لكن أن يُبدي هذا القدر من الاهتمام تجاه شخص يكرهه بشدة؟
‘من غير المنطقي أن يكون قلقه عليَّ صادقًا… هل يخفي نية أخرى؟’
أخذ عقل لويسا يعمل بسرعة.
وأول ما خطر ببالها هو ما الفائدة التي قد يجنيها إن كانت مريضة؟ والجواب الأرجح كان “فسخ الخطوبة”… لكن ما علاقة المرض بذلك؟
‘الصحة وفسخ الخطوبة… آه! صحيح.’
أهم ما يحافظ عليه أفراد العائلة الإمبراطورية هو نقاء سلالتهم، وهذا يعني أن الشريك المستقبلي يجب أن يكون سليم الجسد تمامًا.
فإذا انكشف أن صحتها معتلة، فلن تحقق شرطًا أساسيًا من شروط الانضمام للعائلة المالكة، ما يمنح رافاييل ذريعة رسمية لطلب فسخ الخطوبة.
‘هذه هي! … هاه، ربما لا بأس. كنتُ في الأصل أنوي انتظار أن يطلب هو الفسخ ليقدّم لي تعويضًا، لكن بما أنني أخطط لجني المال بطرق أخرى، فقد يكون من الأفضل فسخ الخطوبة الآن بدل الاستمرار في هذا الإزعاج.’
وفوق ذلك، فإن مرضًا مجهول السبب سيكون بالنسبة له بمثابة مرض عضال، مما يسهّل عليه تبرير الفسخ بحجة احتمال وجود مشكلة وراثية.
قالت بخفض رأسها:
“… أعتذر. كان عليَّ إخبارك أولًا، لكن لم أستطع فتح فمي، فانتهى بي الأمر إلى الكذب.”
ضاق حاجباه الوسيمان.
“منذ متى؟”
قالها بهدوء، وكأنها تنهيدة.
“منذ ما بعد الخطوبة… ربما لهذا رغبت في الإنكار أكثر. فأنا أعلم أنني وأنا بهذه العلة لا ينبغي أن أكون بجوار شخص بمقامك.”
لكن نيتها في تمهيد الطريق أمامه ليطلب فسخ الخطوبة باءت بالفشل، إذ فسّر رافاييل الأمر على أنه محض إخفاء بدافع القلق من الفسخ، كما توقع هو تمامًا.
بل ذهب أبعد من ذلك وقال بجدية:
“… إذا لم يمضِ وقت طويل، فربما يمكن علاج الأمر. عليكِ أن تخضعي لفحص على يد طبيب القصر الإمبراطوري.”
‘… ماذا؟’
تيبّس عنق لويسا وهي التي كانت تنتظر فقط أن يغادر بسلام.
‘من الصعب عليّ خداع الطبيب الخاص، فكيف بطبيب القصر الإمبراطوري…؟’
ولو انكشف أمر طبيعتها الفريدة، فستكون مصيبة أكبر.
رفعت رأسها بسرعة وقالت:
“لقد أجريت فحصًا بالفعل! لم يجدوا أي خلل في جسدي، لكننا ما زلنا نبحث عن السبب بما أن حالتي هكذا.”
“تقيأتِ دمًا، ويقولون لا خلل في جسدك؟”
اخترق أذنها صوته الخافت الممسوك والذي يوحي بعدم التصديق وكأنه على وشك اقتيادها مباشرة إلى طبيب القصر إلامبراطوري.
‘لم أكن أتوقع أن يكون بهذه الدرجة من الفضول… لقد كنت مخطئة. انسِ فسخ الخطوبة، الأفضل أن ألتزم الهدوء الآن.’
عينيها غيمتا، وبنصف استسلام راحت تكرر عليه نفس النظرية التي كانت تلقيها على طبيبها الخاص:
“… في الحقيقة، لم أخبرك لأن الأمر ليس خطيرًا. ربما يكون المشد قد ضغط على أعضائي الداخلية فتسبّب في إصابة بسيطة.”
“ما الذي تقولينه الآن؟”
“وأنا أظن ذلك أيضًا، لذا أعتقد أنني سأتحسن قريبًا.”
“ضغط على الأعضاء؟ وهل يمكن لذلك أن يجعلكِ تتقيئين كل هذا الدم؟”
كانت نظراته المليئة بالريبة تثقل عليها، وبدا في عينيه اتهام مبطن بأنها تقول كلامًا لا يعقل.
‘آه… حتى التفكير في الرد بات مرهقًا.’
ولإخفاء ملامح الضيق التي ارتسمت على وجهها، ضغطت بيدها اليمنى على عينيها المرهقتين، ثم قالت فجأة:
“سموك… هل جرّبت ارتداء مشد من قبل؟”
أنزلت يدها وتمتمت بنبرة غامضة.
“… ماذا؟”
“لم ترتده، أليس كذلك؟”
“وهل هذا سؤال أصلًا؟”
“نعم، وأنا جادة.”
“…….”
“سموك، إن لم تكن قد جربت ارتداء المشد من قبل فلا تتحدث عنه. فهذه معاناة لا يفهمها إلا من جرّبها… صدقني، بالكاد تستطيع التنفس فيه، إنه مروّع بحق.”
كان على وجهها تعبير واضح يقول “وما أدراك أنت؟”، فتراخت الملامح الحادة التي كان رافاييل يراقبها بها، لتحلّ محلها دهشة طفيفة.
“إذا كان مروّعًا إلى هذا الحد… فلماذا ترتدينه إذن؟”
سأل دون أن يدرك أنه طرح سؤالًا غبيًا.
“أظن أنه يمكن تشبيه المشد عند آنسات المجتمع بسيف الفارس… مع فارق أنه بدل أن يحمي الجسد، فهو يدمّره. لكن ما الحيلة؟”
ابتسمت لويسا بخفة بنبرة تجمع بين السخرية والاستسلام.
“على كل حال، أفضّل أن نتوقف عند هذا الحد. فالموضوع يخص قوام آنسة، وأظن أنه من الأفضل التحفّظ في الحديث عنه.”
ألقى عليها رافاييل نظرة مترددة.
كان كلامها قفزة منطقية غريبة، لكن الإصرار على مناقشتها قد يبدو وقاحة.
وأكثر ما علق في ذهنه كان ذلك الوجه الجريء الذي أبدته قبل قليل…
لقد ظنّ أنها تغيرت كليًا، فإذا بها تفاجئه بتصرف يذكّره تمامًا بجرأتها في صغرها:
“المخلوقات المتوحشة مهما بلغت قوتها، فأبي أرهَب منها بكثير! سترافق شخصًا بهذه الهيبة، لذا ستكون بخير!”
“… لكن في النهاية الدوق بشر.”
“وهل سبق أن رأيت أنتَ أبي وهو غاضب؟!”
“ها أنتِ ذا ثانية! هل ستستمر في مناداتي بـ أنتَ؟”
“لن أتوقف! هيهي~ المهم، إذا لم تره غاضبًا فلا تتحدث. في عيد ميلاد أمي فقط يصبح مرعبًا لدرجة أن الوحوش نفسها ستهرب منه!”
حتى آنذاك، كانت طفلة متقدمة على سنها، وتجادله بجرأة.
‘يبدو أن عليَّ مراقبتها أكثر… ثمة أمر غير مريح.’
حاول أن يقطع سيل أفكاره، لكنه وجد نفسه يعود إليها من جديد.
لا يعرف لماذا، لكن رغم تأكيدها أنها بخير، بقيت تشغله على نحو مزعج.
هز رأسه قليلًا، ثم وضع على الطاولة صندوقًا كان قد أعده سلفًا.
“… أحضرت هذا تحسبًا. أعلم أنه ليس دواءً لكل داء، لكنه ينظّم الجسد من الداخل، وربما يفيدك قليلًا.”
فتح الصندوق الخشبي الفاخر، فكشف عن قوارير زجاجية مألوفة.
اتسعت عينا لويسا حتى صارتا كفوانيس.
“هاه… ماء مقدس…!”
غطّت فمها بكفّيها من فرط التأثر، فأربك ذلك رافاييل وأثار في حلقه شعورًا غريبًا يوشك أن يضحكه.
“همم… في فرقة الفرسان المقدسين نحصل على كمية مخصصة، ولأنني لم أستعمل حصتي مطلقًا، فقد تراكمت عندي كمية أكبر من المعتاد. على أي حال، هذا الشيء يفيض عندي، وأهديه لك، فلا تسيئي الفهم.”
كانت عينها البنفسجية اللامعة تتأمل القوارير بتركيز، ثم رفعت بصرها إليه وقالت:
“ثلاث قوارير… يا إلهي، لماذا أشعر وكأن هناك هالة نور خلفك يا سموك؟ أهذه هي القداسة بعينها…؟”
هل مشكلتها في رأسها؟
راحت تتمتم لنفسها وهي مبهورة، فأخذ وجه رافاييل يتصلب بجدية.
بدا له أن عينيها تشعّان بريقًا خاصًا، ووجنتاها ترتسم عليهما حمرة طفيفة… حتى هو، وهو من لا يعبأ بالمشاعر، رأى أن هذا هو وجه شخص واقع في الحب حتى أذنيه.
تنهد تلقائيًا.
‘لا يعقل… هل وقعت في حبي من جديد؟ هذا سيء.’
ثم جمد فجأة، إذ خطر له فجأة:
‘لكن… لماذا أشعر أنني أرى هذا الوجه لأول مرة؟’
شعور غامض بالانزعاج تسلل إلى صدره.
“سموك، هل تناولت طعامك؟ أنت مثقل بالمهام، ومع ذلك تخصّص لي وقتك الثمين… يا لك من إنسان نبيل! وإن ضاق وقتك بسبب ارتباطنا، فلا تتردد في استدعائي إلى المعبد، سأأتيك في الحال!”
نظر إليها وهو يشعر وكأنها تلوّح بيديها الصغيرة أمامه لتستدرّ اهتمامه، ثم صرف بصره عنها.
‘ألا تشعر بالخجل؟ إنك تلوّحين برغبتك في رؤيتي في كل وقت بلا أي تحفّظ.’
مد يده يلامس أذنه بلا مبالاة، متمتمًا في نفسه:
‘لا بد أنني لم ألاحظ من قبل لأنها لم تكن تهمّني. وبالمحصلة… ما شأني أنا بهذا؟’
ورغم أن الصيف ما زال بعيدًا، شعر بحرارة غريبة تسري في جسده.
أنزل يده، وألقى عليها نظرة أخرى.
“… لا داعي لكل هذا. فقط الفترة الأخيرة كنت مضغوطًا بسبب ترتيب جداول الإرسال مع فرقة الفرسان الملكية، لكن حتى موعد الإرسال، لن نضطر لتقليل اللقاءات.”
“فرقة الفرسان الملكية؟ آه… بسبب الطاقة المُظلمة؟”
كان هذا الأمر معروفًا لدى الجميع؛ فالطاقة المُظلمة بدأت تزحف من أطراف البلاد نحو الداخل، ومعها تزداد حوادث الوحوش.
“صحيح.”
“آه… حقًا، أنت تتحمل مشقة عظيمة.”
كانت العائلة الإمبراطورية قد حاولت في البداية كتمان الأخبار خشية الفوضى، لكن مع تفاقم انتشار الوحوش، اضطرت مؤخرًا للتخطيط لإرسال بعثات للتحقق من الوضع.
‘هذا ليس غريبًا… فالمخلوقات التي كان من المفترض أن تظهر في الشمال فقط، بدأت تنتشر في كل مكان.’
ولهذا حازت البطلة في القصة الأصلية على اهتمام أكبر؛ ففي حين أن المعبد يملك كهنة للشفاء، فإن ظهور قديسة قادرة على التطهير كان بمثابة معجزة منقذة.
———
ترجمة : سنو
الحسابات صارت تنحذف من الواتباد ، وإذا مالقيتو حسابي لا تلوموني فهذول الكوريين يحذفونها ، فمنشان هيك تعو تيليجرام عامله جروب انشر فيه الروايات ملفات وإذا انحذف حسابي مراح ارجع له.
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات