ارتجفت عينا لويسا قليلًا، ولم تعرف بمَ تردّ على ما سمعته من حديثٍ مذهل وما شهدته من تغيّرٍ عجيب، فاكتفت بأن تتحرك شفتاها بلا صوت.
“……شعرك.”
انفلتت كلماتها بصوتٍ خافتٍ كأنّه أنفاسٌ متقطّعة.
لم تُكمل جملتها، لكن الإلهة فهمت قصدها، فسحبت ببطء يدها التي كانت تمسح خدّ لويسا، ونظرت إليها بعينٍ وادعة.
[يبدو أن النهاية قد اقتربت. يجب أن أُنهي الحديث سريعًا.]
“أأنتِ بخير؟ ألن تتعافين بالراحة؟”
[……كل شيء سيمضي وفق سنن العالم. أما أنتِ، فعيشي كما يجري النهر ولا تقلقي. لا حاجة للهم يا طفلتي الحنونة.]
ضحكت الإلهة ضحكةً هادئة وهي تزيح خصلات شعرها الرمادي الكالح، ثم أمسكت بيد لويسا وكأنها هي التي تواسيها، وأعادت نظرها إلى مجرى النهر.
[لقد أعدت الزمن إلى عشر سنواتٍ مضت. كان الأمر يتطلب وقتًا طويلًا حتى أُصلح روحك التي بَلِيَت تحت وطأة السحر الاسود. لذلك أرسلتك إلى عالمٍ مختلف، وغرستك في جسد إنسان لم يبقَ منه سوى قشرته بعد أن تلاشت روحه ليكون التوافق ممكنًا. لكن للأسف، كان المكان الذي أُلقيتِ فيه قاسيًا. أعتذر لكِ من قلبي لأنكِ عانيتِ بسببي.]
“آه…….”
‘قشرة بلا روح، أي إنّ ذلك الجسد كان قد مات أصلًا؟’
تغيّم وجه لويسا.
فهي تعرف أكثر من أيٍّ كان مرارة الرفض والمهانة التي عانتها داخل تلك الأسرة.
وكان أشد ما يحزنها أنّ طفلة صغيرة في عمرها آنذاك انتهى بها المطاف إلى الموت.
غصّ صدرها بالأسى.
“إذًا ما أريتِني إياه في الحلم كان واقعًا حقيقيًا. تفرّقوا، وافترس بعضهم بعضًا، ثم هلكوا شرّ هلاك……”
[نعم. وفي عالمهم يسمّون ذلك جزاءً وفاقًا. لقد نالوا ما استحقّوه.]
لكن نبرة الإلهة أوحت وكأنّ ما أُظهر لم يكن كل شيء.
ترددت لويسا، ثم هزّت رأسها؛ فهؤلاء لم يعودوا مهمين الآن، وما ينتظرها في الحاضر أهم بكثير.
تنفست ببطء قبل أن تنطق:
“إذن أنا حقًا لويسا بليك…… كنتُ أنا منذ البداية.”
[أجل. ولحسن الحظ أنّكِ في هذه الحياة أيقظتِ قواك المقدسة سريعًا، فغيّرتِ أشياء كثيرة. لقد غيّرتِ رافاييل، وأسرتك، بل والعالم من حولك.]
“ومن كانت تسكن هذا الجسد قبل دخولي؟”
[مجرد أثرٍ عالق من السحر الاسود منذ حياتك السابقة. اختفى بمجرد أن سكنتِ الجسد.] ( هنا قصدها مو حياتها الي في عالم ثاني، بل الوقت الي كانت تلاحق فيه رافاييل وماكانت لويسا حقتنا فيه )
أثر من السحر الاسود؟ إذًا لهذا كانت تلتصق بها كيانات كما حصل مع بيلا وتنجذب إلى ساينف؟
كلّما سمعت، بدا الأمر أدهى من الخيال. وصار يثقل كاهلها التفكير بكيفية مواجهة ما ينتظرها.
“……لا أدري ما الذي يجب أن أفعله. الإمبراطورة اختفت، ولا أعرف ما الذي يخطط له ساينف. إنه شيطان، كيف أقاتله؟ ألستُ عاجزة أمامه؟”
[لقد فقد معظم قوته الآن، وأنتِ قادرة على مجابهته. سينشغل بجمع التضحيات ليستعيد ما ضاع، وكل ما عليكِ فعله هو منعه واستخدام قوتك ضده. أنتِ ذكية يا صغيرتي، وستفهمين سريعًا الطريق.]
بدأ خرير الماء يخفت شيئًا فشيئًا.
رفعت لويسا بصرها عن الأرض.
بدا المشهد أمامها ضبابيًا، فتساءلت: هل أصاب عينيها خلل؟ فركت عينيها بيديها، ثم أدركت فجأة أنّها لم تعد تشعر بيد الإلهة التي كانت تمسك بيدها قبل لحظة.
أدارت رأسها بخوف.
[لقد نفد الوقت.]
دخلت صورتها المتلاشية في مجال الرؤية؛ نصف جسدها صار شفافًا، وعلى شفتيها ابتسامة باهتة.
مدّت لويسا يدها لتتشبث بها، لكن قبضتها لم تلامس سوى الفراغ.
[أعتذر لأنّي أُحَمِّلك عبئًا ثقيلًا، لكن أرجو أن نلتقي ثانيةً لا بوجهٍ باكٍ، بل بوجهٍ باسـمٍ سعيد.]
انحنت الإلهة وطَبعت شفتيها على جبينها كقبلةٍ وداعية.
لم يكن هناك أي شعورٍ ملموس، لكن دفئًا غريبًا سرى في أوصال لويسا.
رمشت ببطء نحو سقفٍ غريب، ثم أزاحت عينيها جانبًا، فإذا برافاييل يحدّق بها بوجهٍ يحمل كل هموم الدنيا.
وعلى مقربةٍ منه كان يقف الدوق بليك وديميان، تبدو على ملامحهما كآبة لا توصف.
تأملت وجوههم جميعًا، ثم رسمت على محياها ابتسامةً باهتة.
“……أنا بخير.”
“…….”
“قد لا تصدقون.”
“……إذن الحمد لله. ألا تشعرين بألم في جسدك؟”
مدّ الدوق بليك يده بحذر ليمسح جبينها.
كانت يده خشنة، لكنها لامستها برفقٍ عظيم، كما لو يلامس شيئًا نفيسًا.
أغمضت لويسا عينيها للحظة تحت لمسته ثم فتحتهما من جديد.
“لا، أشعر فقط أنّني فقدت الوعي. هل ظللتُ نائمة طويلًا؟”
“يومٌ كامل.”
“ماذا؟ كل هذا الوقت؟”
أرادت أن تنهض فزعةً، لكن الدوق أسرع إلى كبح كتفيها.
“تمهّلي.”
“آه…… شكرًا. إذن ماذا عن ساينف؟”
‘سمعت أنّه جُرح…… فهل فرّ هاربًا؟’
توقف الدوق عن ترتيب الوسادة خلفها للحظة، ثم تكلم رافاييل من حيث كان يراقب بصمت:
“إذن كان ساينف حقًا من هاجمك؟”
‘آه، إذًا لم ير شيئًا بنفسه.’
أومأت لويسا برأسها.
قطّب رافاييل حاجبيه ووضع يده على جبينه وكأنه يعاني صداعًا، ومن نظرته فهمت لويسا على الفور أنّ ساينف قد أفلت.
“إذن اختفى ساينف؟”
“نعم……. بلغنا خبر اختفائه عند الفجر، فجئنا لنطمئن عليك. لكن طرقنا الباب طويلًا ولم نتلقَّ أي رد. كان مغلقًا بسحرٍ ما، حتى أنّنا لم نستطع كسره…….”
“يبدو أنه هو من وضع الحاجز. لقد استخدم السحر بالفعل.”
“الآن، قلتِ السحر؟”
حتى أثناء حديثه، ناولها رافاييل كوب ماء. وبمجرد أن وقع بصرها عليه أحسّت بعطش متأخر، فارتشفت منه قليلًا لترطّب حلقها ثم استأنفت:
“ذلك الشيطان الذي ذكره الماركيز ديميتري… كان هو ساينف.”
ارتسمت الدهشة على وجهي الدوق بليك وديميان.
شيطان؟ أيعقل هذا؟
لم يبدُ كلامها واقعيًا، ومع ذلك انتظرا ما ستقوله بعد ذلك.
“عليّ أن أخبر أسرتي أيضًا بكل ما يتعلّق بالإمبراطورة. يبدو أنّ الأحداث قد بدأت بالفعل.”
لقد حان وقت الاستعداد معًا.
فالخصم لم يكن بشرًا، وإذا ما توانوا في التصرف قد تكون العواقب وخيمة.
تلاقت نظراتها مع رافاييل، فعمّ صمت قصير قبل أن يومئ برأسه موافقًا.
“……حسنًا. لكن عليك أن تستريحي أولًا. سأشرح لهم الأمر بنفسي.”
“إذًا سأغتسل ثم أنزل.”
نظرت لويسا من النافذة فعلمت أنّ النهار قد أشرق.
ولشدّ ما بدا أنّ الجميع لم يغادروا مكانهم وظلوا ينتظرون استيقاظها، فقررت أن يكون الحديث أثناء تناول الطعام.
“هل يطيب لكم أن نتناول الطعام جميعًا؟”
“بالطبع. انزلي على مهل.”
“سنكون بانتظارك في قاعة الطعام.”
“نعم. آه، ولكن… أين نحن الآن؟ هذا ليس غرفتي.”
“غرفتك تضررت، فقد انهار أحد جدرانها، فنقلناك إلى غرفة الدوق.”
“آه…….”
انهار الجدار؟ يا ترى أي معركة دارت هناك؟
أطرقت لويسا مذهولة، ثم بلعت ريقها الجاف.
أدركت أنّ عليها أن تتصدّر الأمر بنفسها.
فالمسألة الآن كيف ستواجه المستقبل، وهذا ما أثقل ذهنها بالهموم.
‘إن أخفقت، فلن تكون حياتي وحدها الثمن، بل سينهار العالم بأسره.’
كم كان أجمل حين عاشت كل ذلك على أنه مجرد رواية.
تنهدت بعمق.
***
بمساعدة ماري، التي كانت عيناها متورمتين من كثرة البكاء، استطاعت لويسا أن تتهيأ بسرعة.
لم يكن مشهد الغرفة المهدمة وهي نفسها مطروحة فاقدة الوعي أمرًا سهلًا على ماري، ولهذا ظلت طوال الوقت تحدّق بها والدموع تترقرق في عينيها.
“سمعت كل ما جرى. فلنأكل أولًا ثم نتحدث.”
كان الدوق بليك بانتظارها عند أسفل الدرج حين نزلت.
رمشت لويسا غير مرة قبل أن تضع يدها في يده.
“لا بد أنّك فزعت كثيرًا؟”
“……أعتذر.”
“ماذا؟”
لم تكن تتوقع منه اعتذارًا.
حدّقت فيه بدهشة.
“كان يجب أن أضعك في المقام الأول، لكني لم أفعل. وحتى لو استُخدم السحر، كان ينبغي أن أشعر بالأمر، لكنني لم أدرِ بشيء… حقًّا لا عذر لي.”
كانت ملامح الرجل القوي دائمًا توحي بالصلابة، غير أنّ حاجبيه الكثيفين بدا عليهما الانكسار الآن.
فما كان من لويسا إلا أن شدّت على يده وهمست:
“لا تقُل هذا! لا ذنب لكَ. لقد عرفتَ حقيقة ساينف، أليس كذلك؟ إنه مجرد شيطان متخفٍّ في هيئة بشر.”
“ومع ذلك فهو العدو الذي علينا مواجهته في النهاية. أخشى ألا أستطيع حمايتك كما ينبغي…… وهذا ما يرعبني.”
وما هي إلا لحظات حتى بلغا باب قاعة الطعام.
قبل أن يفتح الدوق الباب، جذبت لويسا يده لتجعله ينظر إليها.
“أبتاه، لست طفلة ضعيفة تنتظر الحماية فقط. أنت تعرف قدراتي.”
ارتجف بصره البنفسجي قليلًا.
ولم تلحظ من قبل كم زادت التجاعيد على وجهه، إذ كانت الهموم مرسومة بوضوح على ملامحه.
*****
ترجمة : سنو
بالنسبه لقُراء المواقع.
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول والواتباد. وممكن لو انحظر حسابي بالواتباد بعيد الشر بتلاقوني هناك ( ملاحظه، الي يدخل ويطلع رح ياخذ حظر )
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 112"