ضاقت عيناه فجأة، وهو يتأمل نظراتها المترقبة، وشعر بإحساس مبهم، وكأنه بدأ يفهم.
‘هل تخفي مرضها خشية أن أطلب فسخ الخطوبة؟’
خاطرة مباغتة، لكنها بدت منطقية.
ولو كان هذا صحيحًا، فلن تجيب على أي سؤال مهما حاول الاستفسار.
‘هاه… إلى هذا الحد…’
زفر أنفاسه، متعجبًا من نفسه.
‘ما أنا بالنسبة لها حتى تتكلف كل هذا؟’
ألقى نظرة فاحصة على وجهها.
كان شاحبًا من أثر الدم الذي تقيأته، وعيناها البنفسجيتان مليئتين بإرهاق لا يخفى.
‘منذ متى لم تعد نظراتها تزعجني؟’
لا يذكر أنه تبادل معها النظرات يوم الخطوبة، لكنه كان متأكدًا من شيء واحد، إن في الماضي كان مجرد التقاء العيون بها يثير في جسده قشعريرة؛ فقد كانت نظراتها آنذاك ثقيلة، مشبعة بالهوس والرغبة، وهو ما جعله يتجنبها أكثر.
لكن ها هو الآن يتحدث إليها وجهًا لوجه بلا نفور، وكأن الأمر طبيعي… أمر يثير الدهشة حقًا.
‘هل بدأ هذا منذ الخطوبة؟’
الغريب أنه صار يشعر وكأنها تنظر إليه ببرود وبساطة، بل وفي بعض الأحيان كان يلمح في عينيها لمحة ضجر.
‘… وما أهمية ذلك؟ فهي على أي حال ما زالت ترغب في حبي.’
يكفي أنه بمجرد أن أنكرت مرضها وحاولت إخفاءه، فقد أكدت ذلك بطريقة غير مباشرة.
إذن لا جدوى من الإطالة، فالأفضل أن يعود بها إلى القصر ليتولى الأطباء علاجها بدل أن يضيع وقته بالكلام.
‘حقًا… لماذا أشغل نفسي بهذا؟ أليست هي المرأة التي لطالما تمنيت اختفاءها من أمامي؟ سواء كانت مريضة أم لا، كان يكفيني أن أرحل وأتركها.’
ظل يحدق فيها بضع ثوانٍ، ثم أدار رأسه جانبًا.
“… لن أسألك أكثر، عودي الآن.”
“آه! شكرًا لك.”
“هل جئتِ وحدكِ؟”
“لا، جئت مع أخي، سأعود معه، فلا تشغل نفسك يا سموّك!”
ربما كان ذلك الطبع المخفي الذي يمنعه من التعامل بقسوة مع من يظهرون ضعفهم أمامه.
فتح عينيه أخيرًا وعليه مسحة من الاستسلام ثم التفت إليها ببطء وقال:
“لن أجد هذا الأسبوع وقتًا لوجبة أخرى، فلنكتفِ بفنجان شاي بسيط.”
“آه، نعم! لا بأس.”
“سآتي إلى القصر غدًا.”
“… ماذا؟ غدًا؟”
اهتز صوتها المرح فجأة بارتباك واضح، لكن رافاييل تجاهل الأمر ومضى في طريقه.
وفي المكان الذي تركه خلفه، مرّت نسمة باردة عابرة.
* * *
في صباح اليوم التالي، بدأت لويسا يومها بوجه منهك يعلوه الإرهاق.
‘وكأني لم أنم أصلًا.’
بالأمس وبينما كانت تتقيأ دمًا فجأة، تمالكت نفسها ولم تفقد وعيها… لكن لسوء حظها كان رافاييل شاهدًا على ذلك.
‘تظاهرت بأنه نبيذ… لكن هل سيصدق؟ أنا نفسي لو كنت مكانه لما صدقت.’
أرهقها التفكير في الأمر منذ الأمس حتى بدت عيناها الغائرتان ترفّان ببطء.
كانت تتمنى أن يتغاضى عن الحادثة لكونه شخصًا غير مهتم بها، لكن يبدو أن عناد رافاييل لا يسمح له بذلك.
‘يبدو أن عليَّ شرب الماء المقدس بوتيرة أكبر… ما الفائدة من ادّخاره وقد انقلب الوضع عليَّ هكذا؟’
وبالفعل، ما إن افترقت عنه أمس حتى أخرجت قارورة الماء المقدس التي كانت تحتفظ بها للطوارئ وشربتها كاملة، ثم عادت إلى ديميان لتجد أن كيان ساينف قد اختفى لحسن الحظ.
لكن، وإن كان رافاييل مشكلة، فإن المشكلة الأكبر كانت ديميان.
فعلى الرغم من أنها تجنبت أن يراها وهي تتقيأ، بدا أنه أدرك بعضًا من حقيقة الأمر، إذ كان مظهره متوترًا للغاية.
لم يستطع اتباع تعليماتها كما أرادت، بل بقي قريبًا ينتظرها بقلق، وما إن ظهرت حتى أسرع يخبرها أنه جهز طبيبًا في القصر بانتظارها، وحثها على العودة فورًا.
‘هل أخبر ديميان ببعض الحقيقة؟ أنه أمر مرتبط بقدرتي على التطهير مثلًا…؟ ربما من الأفضل أن أجد شخصًا واحدًا على الأقل يساعدني، ويبدو أنه مستعد لتصديق كلامي إلى حدّ ما.’
تذكرت كيف قضت الأمس تختلق الأعذار للطبيب، مدّعية أن إصابتها داخلية لم تشفَ بعد، وأنها فقط تحتاج لشرب المزيد من الماء المقدس بانتظام، فارتسمت على وجهها ابتسامة ساخرة.
“آنستي، إذا استمرّت لديكِ أعراض تقيؤ الدم، فقد يصبح خطر النزيف المفرط أمرًا لا يمكن تجاهله… آه، أشعر بالخجل الشديد. عجزتُ عن معرفة سبب الأعراض بدقة… سامحيني.”
وكما توقعت، لم يُجدِ عذرها نفعًا، بل جعل الأمر يبدو أكثر سوءًا.
كانت نظرة الطبيب المليئة بالشفقة شبيهة بنظرة من يواجه مريضًا بمرض عضال.
‘فوضى… كل شيء فوضوي.’
جلست لويسا إلى الطاولة، تحدق بخواء عبر النافذة كدجاجة مريضة.
حتى عندما دوّى طرقٌ خفيف على الباب، لم تحرك بصرها، وكأنها تعرف تمامًا من الطارق.
“لويسا، هل أنتِ بخير؟”
كما توقعت، كان ديميان، الذي لم يتوقف عن زيارتها كلما سنحت له الفرصة منذ الأمس.
‘… لقد بدأت أشعر بالانزعاج.’
أومأت له بلا حماسة، وكأنها تقول “أنا بخير، فقط دعني وشأني.”
“وجهك شاحب. أما ترغبين في شيء تأكلينه؟ في مثل هذه الأوقات يجب أن تحرصي على تناول طعام مغذٍّ.”
لم تعرف ما الذي يعنيه بـ مثل هذه الأوقات، لكنها اكتفت بابتسامة باهتة توحي وكأنها فهمت.
“متى سيأتي رافاييل…؟ هل سيبدأ بالتحقيق؟ حسنًا، إن فعل، فسأكرر نفس الكذبة، إصابة داخلية بسبب المشد. سواء صدق أم لا، هذه قصتي ولن أغيرها.’
وفي ذهنها، كانت تخطط بالفعل لكيفية المراوغة.
‘بالمناسبة، متى سيأتي روزيه؟ سيكون من الأفضل أن يزورني أولًا ويكسر هذا الجو الكئيب.’
طرق آخر على الباب.
“آنستي، ولي العهد قد وصل.”
‘… دائمًا الشخص غير المناسب في الوقت الخطأ.’
“هل كان من المقرر أن تلتقي بولي العهد اليوم؟ إذا كنتِ متعبة فسأخبره بأنكِ بحاجة للراحة.”
“… لا أظنه سيغادر.”
فالشخص الذي جاء بدافع الفضول لمعرفة ما حدث بالأمس لن يرحل بهذه السهولة.
“لا بأس، قال إنه سيكتفي بفنجان شاي، فلن يطيل.”
أجابت بلا مبالاة وهي تنهض، ولم تلحظ تغيّر ملامح ديميان الذي بدت عليه الصدمة وهو يفتح عينيه متسائلًا:
‘لن يغادر…؟ لا يكون ولي العهد أيضًا مهتمًا بها…؟’
لم تكن تدرك أنها دون قصد أوقدت شعلة شكوك في عقل شقيقها المتعلق بها حدّ الجنون.
فتح باب غرفة الاستقبال، ودخل رافاييل مرتديًا زي الفرسان المقدسين وقورًا كما اعتاد.
كانت عيناه الخاليتان من أي انفعال مثبتتين إلى الأمام، لكن ما إن رآها حتى تحرك بصره نحوها.
“طاب مساؤكِ.”
“يشرفني لقاؤك يا سمو ولي العهد.”
أمسكت طرف فستانها وانحنت قليلًا في تحية رسمية، فردّ هو بإيماءة هادئة.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
الله على سوء الفهم مع البطل