“إن انتهى ما تريد قوله، فهل يمكنني الآن أن أتحدث؟”
“…نعم، تفضلي أولاً.”
كان ردي الوحيد الممكن هو الاعتراف بمشاعر الطفل، واحترام قراره. أن أقرّ بأن عواطفه ليست شيئًا يمكنني التحكم به.
“بادئ ذي بدء، أعلم جيدًا أنه بغض النظر عما أفعله لكم، لا يمكنني أن أكون بمثابة أمكم الحقيقية.”
رسمتُ على شفتيّ ابتسامة ألطف من أي وقت مضى، حرصتُ فيها أن يبدو صوتي عاديًا وهادئًا في أذني كاردييل.
“لذا، لا أشعر بالأسى بسبب مجرد لقب، يا كَار.”
وفي تلك الأثناء، كدتُ أن أترك مشاعري السيئة تتدفق، لكنني تمالكتُ نفسي بصعوبة، جمعتُها بعناية، ثم أعدتُها إلى صندوقٍ عميق في قلبي، أغلقته طبقةً فوق طبقة
.
“يا لها من نعمة حقًا.”
لأنني لستُ من النوع الذي يغرق في عواطفه. أنا شخصٌ يرى أن الوقت ثمين جدًا لأهدره في الغرق بمشاعر لا تغير شيئًا من الواقع. لديّ الكثير من المسؤوليات التي يجب أن أتحملها. أؤمن أن عليّ استغلال كل يوم يُمنح لي بأقصى كفاءة ممكنة.
“لذا…”
أنا بخير. يجب أن أكون بخير بسبب عمري، وبسبب المكانة التي أقف فيها. لقد ودّعتُ إلى الأبد تلك الأيام التي كنتُ أستطيع فيها التعبير عن كل فرح وحزن وألم، والشعور بالظلم لعدم قدرتي على التحمل، منذ أن أصبحتُ دوقة دايرن.
الآن أنا شخصٌ بالغ. أعيش يومًا بعد يوم دون أن أتشبث بما فقدته، أو أضيّعته، أو ما لا يمكنني امتلاكه، وهذا بحد ذاته ثقيلٌ بما يكفي.
واليوم، أنا هنا بصفتي حامية هؤلاء الأطفال، وبصفتي أمّ هذا الطفل الواقف أمامي، سواء أقرّ بذلك كاردييل أم لم يفعل، فهذا ما يقوله القانون، وما يمليه قلبي أيضًا.
“لكن أتمنى ألا ترفع جدارًا بيننا كثيرًا. مهما كان الأمر، يا كَار، فالأطفال بحاجة إلى حامٍ بطريقة أو بأخرى حتى يبلغوا سن الرشد.”
رفعتُ فنجان الشاي الذي كنتُ قد وضعته جانبًا، لكنه كان قد برد بالفعل. لم يمنحني الطعم الذي أرجوه، لكنه كان كافيًا لترطيب حلقي.
“بالمناسبة، لم أنسَ يومًا حدود دوري.”
لذا، إن تخلّيتم عني يومًا ما، فلا بأس.
“لا تقلق، يا كَار. حتى لو أصبحتَ الدوق، لن أطالبك بشيء.”
لن أتأذى.
“…ما الذي تقولينه الآن؟”
لكن تعبير كاردييل، بعد أن استمع إلى حديثي حتى النهاية، تجمد وتقلّص بطريقة مخيفة. كان التعبير النادر الذي ارتسم على وجهه غريبًا عليّ. وبينما كنتُ أحدق فيه لأفهم نواياه، عضّ كاردييل شفته السفلى وأطلق أنينًا خافتًا:
“أوه”.
“لقد أسأتي فهمي. لم أقصد ذلك.”
“هم؟”
هل كان هناك شيء قد أسيء فهمه؟ أمالتُ رأسي، فأعاد كاردييل تصحيح جلسته.
“أنا لا أقول إنني لا أعترف بكِ، زوجة … أعني، بكِ، كحامية بمنزلة أمي.”
“ألم تقلّ للتو إنك تميّز بيني وبين الدوقة السابقة؟”
“أميّز، نعم. لكن التمييز لا يعني أنني أعتبركِ أقل من أمي الحقيقية.”
“….”
“أنا…”
تردد كاردييل ولم يُكمل جملته دفعة واحدة. كان وجهه المعبّر بالألم، وهو يعقد حاجبيه، محيرًا لي. لم يسبق لهذا الطفل أن أظهر مثل هذا الكم من التعابير من قبل.
لكنني لم أستعجله. أغلقتُ فمي مجددًا، وأصغيتُ إليه بهدوء. بعد صمتٍ طويل، تابع كاردييل أخيرًا، وهو يشد قبضته على يده الموضوعة على ركبته:
“في الحقيقة، أنا لا أحب أمي الحقيقية كثيرًا.”
“…؟”
ما قاله بعد ذلك جعلني أشك في سمعي.
“أنتِ تعلمين ذلك جيدًا. أطفال النبلاء، منذ لحظة ولادتهم، يُسلمون إلى المربيات. كما فعلتِ مع أسيل، لم تُرضعني أمي يومًا من ثديها.”
“….”
أسيل هو اسم طفلي الأول الذي فقدته مبكرًا. لويري أسيل دايرن، صبيٌ لطيف بشعر أسود وعينين زرقاوين صافيتين كالسماء. لكن، كما قال كاردييل، لم تُتح لي فرصة إرضاعه بنفسي. زوجي أصرّ على منع ذلك، بحجة أن جسدي سيتضرر.
وعلى سبيل الذكر، كان ذلك الزوج يكره حتى أن أحمل وألد، للسبب ذاته. حسنًا، أستطيع تفهم ذلك إلى حد ما. رعاية طفل حديث الولادة كالحرب، ولذا لا تقوم نساء النبلاء بتربية أطفالهن بأنفسهن. المربيات يُستأجرن لإرضاع الأطفال بدلاً من ذلك.
وبهذا، يصبح ارتباط أطفال النبلاء العاطفي بمربياتهم أقوى من ارتباطهم بأمهاتهم الحقيقيات. وكان كاردييل كذلك.
“تربيتُ بالكامل على يد مربيتي. كان والدي يضربني يوميًا بالعصا، وأمي… كل ما فعلته هو نصيحتي بأن أطيع والدي لأتعرض للضرب أقل.”
يبدو أن الدوقة السابقة كانت امرأة هشة للغاية. لم تفكر يومًا في معارضة زوجها، بل كانت تخشاه وتتجنبه، تاركة تربية الأطفال بالكامل.
“هل تعلمين؟ عندما توفيت أمي، لم أشعر بالحزن، ولا حتى بالشفقة.”
“كَار…”
“بل شعرتُ بخيانة.”
فرد كاردييل قبضتيه اللتين كان يعتصرهما، ودفن وجهه في كفيه. لكنني لاحظتُ، من تحت يديه، فكه المرتجف وهو يمضغ مشاعره المكبوتة.
“إن أنجبتني… كان يجب أن تتحملي المسؤولية. لكنها كانت تتجاهلني دائمًا وتختبئ، ثم رحلت في النهاية هاربة بمفردها… شعرتُ أن ذلك جبن.”
تنفس بصعوبة بين شفتيه المطبقتين. نهضتُ مسرعة واقتربتُ منه، ناولته منديلاً، فأخرج وجهه من بين يديه ببطء، وهدّأ أنفاسه.
هل ينبغي أن أقول إن ذلك محظوظ؟ كاردييل لم يكن يبكي. لكن عينيه الحمراوين وأنفه المحتقن بدا وكأنهما يحبسان عواطف عنيفة لم يستطع إطلاقها.
“أعلم أن لأمي ظروفها. كان لديها أسباب تجعلها تعيش منحنية. على الأقل، كان عليها الانصياع لوالدي لتبقى على قيد الحياة.”
أعرف ذلك جيدًا. كانت الدوقة السابقة لدايرن حديث الساعة في الأوساط الاجتماعية يومًا ما. ابنة أخ الإمبراطور غودفري، التي خاضت صراعًا مريرًا على العرش.
كانت تحمل دماء العائلة الإمبراطورية، لكن بعد هزيمة جدها في تلك المعركة، كان بقاؤها على قيد الحياة امتنانًا كافيًا لعائلة نبيلة سقطت. لم يكن بإمكانها طلب المساعدة من أحد، ولا قبولها.
“أنا أفهم أمي. لا أريد كرهها، ولا أحمل ضغينة لها الآن.”
أجل، هكذا إذن.
مررتُ يدي بحذر على ظهر كاردييل. ظهره المعتاد على الاستقامة بدا اليوم منحنيًا قليلاً.
هذا الطفل، الذي يقول إنه يفهم أمه، ولا يكرهها، ولا يحمل ضغينة لها… يبدو وكأنه يقنع نفسه بذلك قسرًا، حاملاً عبء مشاعر لم يتمكن من التخلص منها.
لو كان بإمكانه لوم الآخرين، أو تبرير نفسه ولو قليلاً، لكان قلبه أخف وطأة. لكن ابني الأكبر، المسلح بقشرة صلبة وباردة كالدرع، لكنه رقيق من الداخل، لا يفعل ذلك. يفضل تعذيب نفسه على أن ينفق عواطفه في الحكم على الآخرين أو كرههم.
“لكن فهمها لا يعني أنني أقبلها. بالنسبة لي، الأم التي أنجبتني هي، في الحقيقة، أقرب إلى شخص غريب تمامًا. بل إن…”
تحولت عينا كاردييل لتحدقان بي بوضوح. أمسك المنديل الذي أعطيته له برفق، ووضع يده الأخرى بلطف فوق يدي المستقرة على الطاولة.
“أنتِ من كنتِ لي أمًا أكثر من أي شخص آخر.”
آه…
“كما أحببتِني أنا وإخوتي دائمًا كأبنائك.”
شعرتُ بقلبي يرتجف كأنه سينفجر.
“وأنا أيضًا أراكِ كذلك.”
شعرتُ بوخزٍ حاد من حلقي إلى مؤخرة عنقي، لم أعد أستطع التركيز.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 130"