أنهى ديونيس مقابلته وغادر القصر الإمبراطوري مبكرًا. و لم يتجه إلى قصره، بل اندفع بفرسه نحو أطراف العاصمة.
“أحضار صانعة الأدوات السحرية إلى القصر كان هباءً إذاً.”
قال روهان ذلك، الذي كان يتبعه ملتصقًا بجانبه وهو يشد لجام فرسه.
“كان أمرًا متوقعًا.”
تنهد بخفة وهو يبطئ سرعته.
في الحقيقة، لم يكن يأمل منذ البداية. إذ إن البحث عن اعتراف أو عدل من الإمبراطور لم يكن سوى وهمٍ أحمق.
ما علق آماله عليه هو احتمال أن يرى الإمبراطور أن الإمساك بيد صانعة الأدوات السحرية قد يجلب له مكاسب أعظم.
غير أن المعبد، على الأقل في هذه اللحظة، قد وضع على الكفة شيئًا أثقل بكثير.
“ألا ينبغي أن نخبر الآنسة ويني؟”
“لا حاجة لذلك. بل أخبرها أنني أوصيت بأن تُعنى بكل ما تحتاجه ما دامت في القصر.”
“كما تأمر.”
توقفا عند كوخ مهترئ في ضواحي العاصمة.
“هنا يتبين نفع عشرات خطط الطوارئ.”
ابتسم ديونيس ساخرًا وهو يستعيد في ذهنه خطط ميلودي التي كتبتها بعناية. و من بينها ما إذا لم يصدقهم الإمبراطور، أو ما إذا وقف في صف المعبد.
كان حسنًا أنها قد أعدت لهذا منذ زمن، حتى لو لم يكن الطريق الذي يفكر فيه الآن مطابقًا تمامًا لخطتها.
‘لن يضر أن أغيره قليلًا على طريقتي.’
دخل المكان، فإذا بكاهنٍ مكموم الفم معصوب العينين يتخبط على الأرض. وحين أحس بوجودهم أخذ يرفس ويصدر حركاتٍ مضطربة.
“ممف!”
انحنى الرجل الذي كان في انتظار ديونيس، الجاسوس الملقب بالغراب.
كان مغطى بالسواد من رأسه حتى قدميه، وعيناه الرماديتان فوق وجهه مليئةٌ بالندوب تشعان ببرودة قاتمة.
“أونيون سيراي. إنه كاهن. كنت أفكر كيف أخرجه من الملاذ المقدس، لكنه هرع إلى حانة ما إن انته، تجمّعهم الصباحي. فكان الأمر أسهل مما توقعت.”
ناول الغراب وثيقةً تُثبت أنه شارك في المراهنة على أحد متسابقين في بطولة القتال.
كان رهانًا شائعًا، تربح المال إذا خمّنت الفائز. لكن المبلغ المدون لم يكن أبدًا في متناول راتب كاهن.
“يبدو أن يديه كانت تحكّه شوقًا للقمار. والنتيجة؟ قصاصة ورق بلا قيمة.”
وأضاف ساخرًا أن كل الذين راهن عليهم قد سقطوا في التصفيات المبكرة.
ثم صرف ديونيس بصره عن الوثيقة، وحدق بالكاهن.
“أنت رجلٌ لم تحظَ بحب المعبد.”
نزع العصابة عن عينيه، فانكمش أونيون من وهج الضوء المفاجئ، وما إن لمح ديونيس واقفًا أمامه حتى تجمد في مكانه.
فتح فمه مذعورًا ورفع يديه الموثوقتين مشيرًا إليه.
“الد……الدوق؟! لماذا، لماذا أنا……!”
في تلك اللحظة، ركله الغراب وأمسك بعنقه. فانبعث من حلق الكاهن أنينٌ متحشرج تحت قوةٍ تكاد تسحق عظامه.
“كك……!”
“أحسن التحية لفالكاراس.”
“غخ……هاا……هه.…”
وحين أفلَت قبضته، جلس أونيون على ركبتيه مضطرب الأنفاس كمن نجا من موتٍ محقق.
“أرى……السلالة العظيمة أمامي.”
انحنى ديونيس حتى صار في مستوى نظره.
“لا ترتعب، فما أريده مجرد طلبٍ صغير.”
“وإن لم أوافق……هل، هل ستقتلني؟”
“أقتل كاهن؟ هل تراني بتلك الوحشية؟”
أسقط الغراب أمامه رزمة أوراقٍ مبعثرة. فبدأ أونيون يقلبها بعجلة، وعيناه تجولان فوق السطور باضطراب، حتى أخذت يداه ترتجفان أكثر فأكثر.
اختلاسٌ من أموال المعبد، عمليات احتيال شتى ضد العامة……كل فساده كان مثبتًا فيها.
“كـ……كيف حصلتم على هذا؟!”
“لم تبذل جهدًا كبيرًا لإخفائه أصلًا.”
ابتسم الغراب ساخرًا، فالمشكلة أنه كان يظن نفسه في مأمن بما يكفي ليتمادى.
فارتسم ظلٌ ثقيل على وجه أونيون.
أونيون كان من أسرةٍ بمرتبة بارونية، لم تكن عائلةً عظيمة، غير أن زواج أخته من أحد الكونتات فتح له أبواب النعمة. ولولا ذلك ما كان ليدخل إلى المعبد الكبير، إذ إن قواه الروحية لم تكن مميزة.
هل كان الكونت يحب أخته إلى حد أنه يغطي على فضائح أخيها؟
أونيون جفّ حلقه من التوتر، ثم همس بشفتيه اليابستين،
“ما……ما الذي ترغب به؟ سأفعل ما تأمرُ به……”
“أتعلم ما هو الآن؟”
رفع ديونيس قنينةً زجاجية وأخذ يلوّح بها ببطء.
كان بداخلها سائلٌ صافٍ أزرق اللون. ما إن رآه أونيون حتى عرفه فورًا، فقد كان الشيء ذاته الذي أراه له كبير الكهنة حين أمره أن يتنبأ بنشر الوباء.
“هـ.…!”
اتسعت عيناه، وكان ذلك الرد كافيًا. فابتسم ديونيس بسخرية، لم يعد هناك داعٍ للرحمة، فهو شريكٌ في الجريمة.
“إذاً كنتَ تعلم.”
أومأ ديونيس برأسه، وفي اللحظة نفسها أمسك الغراب بفك أونيون بعنف، و عندما فتح فمه صبّ السائل الأزرق في حلقه.
“كك!”
تفلت جزءٌ منه، لكن الباقي اضطر لابتلاعه. و سرعان ما شحب وجهه والرعب يتسرب إلى كل خلية فيه.
“كنت فضوليًا……ماذا يحدث إن شربه كاهن؟ لا ضرر أن نتحقق مسبقًا.”
قال ديونيس ذلك بصوتٍ هادئ لا يليق بفعله القاسي، وكانت ابتسامته آخر ما رآه أونيون قبل أن يُعاد تكميمه وتعصيب عينيه.
“أسرع مما ظننت.”
لم تمضِ نصف ساعة حتى فكوا رباطه. و استعاد بصره، فحدق بذعر في يديه. كانت يده ملطخةً بالحمرة، وأصابعه أخذت تجف وتتصلب كالحجر.
قيل أن الجرعة الأكبر تُسرّع الأثر. و لم يكن يعلم أن ماءً مقدسًا كان يُسقى له منذ أيام، وأنه بدأ الآن يتفاعل.
وقد بدا أن من يمتلك قوةً روحية أقوى تتدهور حالته أسرع.
“آه……يداي……!”
“بهذا المعدل لن يمضي يومٌ كامل.”
“ماذا……تقصد؟”
“أعني حتى تموت.”
أخيرًا أدرك الحقيقة، فزحف نحو قدميه محاولًا التشبث به، لكن روهان حال بينهما.
“سأفعل أي شيء……أرجوكَ، دعني أعيش!”
“أنا لا أثق بالكهنة. فلنبدأ بعقدٍ مكتوب.”
كان ديونيس يتحدث وكأن شيئًا لم يحدث.
ثم بدأ أونيون يقرأ العقد، لكنه هز رأسه رافضًا.
“هـ……هذا……لكن مرت عشرون سنة منذ اختفى القدّيس. لم يعُد واحدٌ بعده. لن يصدقني أحد!”
في الحقيقة، لقد أصبح كاهناً فقط لأن الكرسي كان شاغرًا.
“لكن من يعرف ذلك سوى الكهنة؟”
وكان محقًا. العامة ما زالوا ينتظرون ظهور القدّيس في الأيام المقدسة.
وإذا نطق بكلمات قليلة بإيعاز من كبير الكهنة، صدقها الناس كأنها رسالةٌ من السماء. لا سيما في أيام المهرجان التأسيسي، فالكلمة في مثل هذا اليوم تكون أثقل من أي وقتٍ مضى.
“أي مؤامرة ستكون إذاً؟”
“ما يطلبه مخلّصي.”
لم يفهم أونيون كلامه، لكنه في النهاية وقّع على العقد. فحياته كانت أثمن من أي شيء.
“وقّعتُ……الآن أعطني الدواء.”
ابتلع بسرعة ما أعطاه له الغراب وخرج مسرعًا من الكوخ.
أما ديونيس، فجمع العقد وألقى نظرةً على الكوخ الخالي.
هنا أيضًا كان قد أبرم عقدًا مع ميلودي. وحين تذكرها اشتد شوقه إليها.
“أين ميلودي؟”
“ما زالت في ساحة البطولة.”
“إذاً فلنذهب إليها.”
ثم امتطى جواده وانطلق دون تردد.
***
كان المشهد في المعبد تحت وهج مئات الشموع رائعًا، لكنه لم يكن ليغري كبير الكهنة. فقد كانتا عيناه مشتعلةً غضبًا وهو يحدق في الكاهن الراكع أمامه.
“ما أجرأهم! مجرد صانع أدوات سحرية يقلد قوى القداسة لم يكفه، بل أراد أن يبرهن عليها أيضًا؟”
انحنى الكاهن الذي روى ما جرى في ساحة البطولة برأسه أعمق.
“وجود سمو ولي العهد هناك جعل رفضها مستحيلًا.”
قطّب سيريل جبينه.
لقد تأكد أنهم يجهلون أمر الحجر السماوي. فلو لم يظنوا أن الوباء طبيعي لما تجرؤوا على هذا التحدي.
لم يكن سوى غرورٍ بألعابهم السحرية وكبرياءٍ زائف.
“يبدو أنهم لم يكتشفوا بعد ما يسبب المرض.”
_________________________
اقول انطم بس
ديونيس فنتاااااستك طلع من الامبراطور وحط كلامه على جنب وراح يجهّز خطة بكل روقان🥰
اهم جزء في الفصل انه اشتاق لميلودي ينينيمسمسنيميميميههههعااااااااااااااااا العرس قريب
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات