ما إن جلست ميلودي في جانب الخيمة حتى ارتفعت الضوضاء من ناحية مقاعد المتفرجين. فخرجت لترى أشخاصًا بثياب رثّة يزاحمون النبلاء في المدرجات ويجلسون في المقاعد المحجوزة.
“ما هذه الرائحة؟ أنفي يكاد يتعفن!”
“كيف يسمحون لهؤلاء بالجلوس في هذه المقاعد الباهظة؟”
وحين خلع القادمون أرديتهم البالية، انكشفت وجوههم المتسخة التي لم تزل عليها بقعٌ حمراء باهتة، وكانت آثار المرض ظاهرةٌ بوضوح.
“آه! ما ذاك؟”
“أليس هذا الوباء؟”
“إنه مرض التحجّر السحري! لا شك فيه!”
انتشرت الهمهمات كالعاصفة. و تراجع بعض الجالسين خطواتٍ إلى الوراء، وآخرون غطوا أنوفهم وأداروا وجوههم. حتى أن بعضهم تفوّه بالشتائم وأثار شجارًا.
“لماذا سمحوا لهؤلاء بدخول الساحة؟”
“ماذا لو كان المرض معديًا؟ من سيتحمّل المسؤولية؟”
“إنهم أناسٌ أنقذهم وليّ العهد!”
“وهل يُعَدّ هذا شفاءً؟”
اقتربت ميلودي منهم بابتسامة مرحبة، وقد بدا من بعيدٍ أن أماكنهم خلت من حولهم، الأمر الذي لفت الأنظار.
وما إن رأوها حتى توجّس أهل الأحياء الفقيرة ثم انحنوا برؤوسهم.
“يكفينا أننا نجونا بحياتنا، فكيف نشكركم على دعوتنا أيضًا؟ إننا لا نعرف كيف نرد هذا الجميل.”
“من أنقذ حياتكم هو وليّ العهد. وهذه الدعوة اليوم أيضًا برعايته، فاجعلوا الشكر له.”
قالت ذلك بوضوح وبنبرة واثقة، حتى يسمعها كل من يبحث عن مثار للحديث.
“ألسنا نثقل عليكم بمجيئنا؟”
“لقد تأكد وليّ العهد بنفسه أن مرض التحجّر ليس معديًا. فلا تقلقوا، استمتعوا بالمشاهدة براحة.”
وزعت ميلودي عليهم أدواتٍ سحرية صغيرة لضبط الحرارة، ووضعت بعضها على المقاعد الفارغة.
كانت تشبه المصاصات في شكلها، كأنها لعبٌ لطيفة، لكنها صُممت لتبريد الهواء المحيط والتخلص من الرائحة الكريهة، لتستبدلها بعطر عشبي لطيف.
“آه، ما أروع هذا الهواء المنعش!”
“رائحتي غريبة!”
“ليست رائحة، إنها عطرٌ أيها الأحمق.”
تحت الشمس الحارقة، وبين من يلوّحون بمراوحهم ليمسحوا عرقهم، جلس أولئك المساكين بوجوه مريحة وابتساماتٍ مطمئنة.
“ألا تشمّون رائحةً عطرة؟”
“أظنها آتيةٌ من هؤلاء الناس.”
“لا بد أن أنوفكم خدعتكم. كيف تختفي الروائح الكريهة التي تفوح منهم منذ قليل؟”
“ربما بسبب تلك الأدوات السحرية.”
بدأت نظراتٌ فضولية تتجه نحوهم، ومع ذلك ظلّ محيطهم فارغًا بعض الشيء.
‘لم يثقوا بعد، إذاً.’
قيل أن الجهل يولّد الخوف. وكل ما عرفه الناس كان مجرّد شائعات قرأوها في الصحف، فليس غريبًا أن يتوجسوا.
ولهذا خططت ميلودي أن تُظهر اليوم، هنا بالذات، قوة الأدوات السحرية. بأن تُنقذ شخصًا أمام أعينهم مباشرة.
مع انتهاء كل جولة من المباريات، بدأ المصابون يُنقلون إلى الخارج. وكالعادة، كان المعبد يولي علاج أبناء الأسر النبيلة أولويته.
أما ميلودي فاتجهت نحو أولئك الملقَون أمام الخيمة دون أن يلتفت إليهم أحد. و كان أولهم فارسًا جُرح في فخذه.
“هل تسمح لي أن أعالجكَ؟”
“بـ…..بهذا الشيء تقصدين؟”
قال الفارس ذلك، وعيناه تتسعان خوفًا حين رأى الأداة السحرية في يدها. لكن ك عندما لاحظ أن الكهنة لا ينوون الاقتراب منه، أومأ أخيرًا موافقًا.
“آه…..تباً. عالجيني، أرجوكِ.”
“لا تقلق، لن يؤلمكَ ولن يستغرق وقتًا طويلًا.”
وضعت ميلودي أداة على شكل (ㄷ) فوق موضع الجرح.
ــ “اشفِه.”
و ما إن نطقت صيغة التعويذة حتى انبعث ضوءٌ أخضر لامع وبدأ الجرح يلتئم. فنظر الفارس مذهولًا إلى ساقه.
“كـ….كيف.…؟ ما الذي.…؟”
لم يستطع حتى أن يُتمّ كلامه، يتنقل ببصره بين ميلودي والأداة. فابتسمت له ابتسامةً رحيمة.
“كيف تشعر الآن؟”
“أ…..لا أشعر بأي ألم!”
ومع توالي العلاج، أخذ الذهول ينتشر بين الحاضرين.
“ما هذا بحق؟”
“أتُعالج الناس بأداةٍ سحرية؟”
“وليس بقوة مقدسة؟!”
صحيحٌ أن الأدوات لم تُجدِ كثيرًا مع الجروح المتقيحة أو الحروق، لكنها قادرةٌ على التئام الجروح وإصلاح العظام المكسورة، وهو أكثر ما ينتج عن مباريات القتال.
وكانوا يضيفون إليها عقاقير باهظة الثمن لتسريع الشفاء.
في البعثة السابقة، كان الكاهن الأعظم شديد الحرص على ألا يُسلب المعبد مكانته كحامي الشفاء المقدس. لذلك، هذه المرة أيضًا، لن يصمت.
ولم يطل الأمر حتى سنحت الفرصة. إذ جاءها بعض الكهنة مباشرة.
“توقفي عن العلاج في الحال!”
قالوا ذلك بحدة. فأشارت ميلودي إلى المصابين،
“ومن سيعالج هؤلاء إذاً؟”
“هناك معالجون مختصون!”
“لكنهم قلّة. حتى لو عملوا دون راحة، سيظل كثيرون يتألمون بانتظار دورهم.”
“مهما يكن، استخدام أدواتٍ صُنعت من وحوش أمرٌ لا يُغتفر! أتريدين التعدي على المجال المقدس؟!”
صرخ كاهنٌ شاب غاضبًا، كاشفًا عن رفضه القاطع، غير مبالٍ بحال المرضى. فابتلعت ميلودي ما في صدرها من ضيق وأظهرت وجهًا مطمئنًا.
“كل ما أريده هو مساعدة الناس. لم يخطر ببالي يومًا أن أتحدى ما هو مقدس.”
كانت فالكاراس إمبراطوريةً قائمة على القداسة، ونادرًا من لا يؤمن بالإلهة.
والمشكلة لم تكن في الإيمان نفسه، بل في من يستغلونه لفرض سلطتهم.
ومع ذلك، كان من الحكمة أن تُخفي أي مظهر يُفهم منه إنكارٌ القداسة.
“على أي حال، توقفي حالًا!”
قال ذلك كاهن مسنّ وهو يلوّح بيده بحزم. فالتفتت ميلودي نحو المرضى الذين لم يتلقوا علاجًا بعد. وكان أحد الشبان يضغط على ساقه النازفة وهو يتأوه من الألم.
“إذاً، تريدون أن نترك هؤلاء يتألمون حتى تتعفن جراحهم وهم ينتظرون دورًا قد لا يأتي أبدًا؟”
بدأ الناس يهمهمون باستياء. فتقدّم شابٌ وصاح،
“صحيح! المعبد لم يهتم بنا يومًا!”
“ولن يهتم بمعالجتنا مستقبلًا أيضًا! لذلك ليس أمامنا إلا أن نتلقى العلاج بهذه الطريقة!”
“أفهم مخاوفكم، لكن في الحملة السابقة ثبت أمام الكاهن الأعظم نفسه أن الأدوات السحرية لم تسبب المرض. وإن كنتم ما زلتم غير مطمئنين، فيمكنكم أن تباركوها بالقداسة كما كان يفعل قسم الأدوات السحرية عند بيعها.”
بمجرد أن أعادت فتح هذا الملف القديم، ارتسم الارتباك على وجوه الكهنة. وأخذ الناس يحدقون فيهم متسائلين وكأنهم يسمعون بذلك لأول مرة.
“إذاً، هذا يحل الأمر!”
هتف أحد الحضور.
“اهممم.”
فتنحنح الكاهن المسن،
“الأدوات السحرية المعيبة هي سبب المرض. ومهما باركناها فلن ينفع ذلك.”
سألت ميلودي، وقد بدت على ملامحها دهشةٌ صادقة،
“وكيف جزمتم أن الأدوات هي السبب؟”
“لأنها وُجدت مشتركةً في كل المناطق الموبوءة.”
قال ذلك بصرامة. فردّت ميلودي وقد اتسعت عيناها بدهشة أكبر،
“وهل لم يُعثر هناك إلا على الأدوات فقط؟ ألا يمكن أن يكون السبب حيوانًا أو حشرةً تنقل العدوى مثلًا؟”
“لا، لكن الملابسات تشير بوضوح إلى..…”
“لا بد أن لديكم دليلًا قاطعًا، أليس كذلك؟ فالمعبد لا يعمل إلا على بيّنة.”
كانت كلماتها مصاغةً وكأنها تُقِرّ بالأمر، لكن وقعها بدا كسكين لاذع. فصرخ كاهن شاب وقد اضطرب،
“الأشخاص الذين شربوا من الماء المُطهّر بتلك الأدوات هم أنفسهم الذين أصيبوا بالمرض! هل هناك دليلٌ أوضح من هذا؟!”
فأجابت ميلودي بثبات، متظاهرةً بالسذاجة،
“لكن إن كانت الأدوات هي السبب فعلًا، فلماذا لم يُصب صانعوها نحن، رغم أننا تعاملنا معها أكثر من أي أحد؟”
“كيف تجرئين! ألا يكفيكِ تدنيس المقدسات حتى تشكيك في المعبد ذاته؟!”
لم يستطع الكاهن العجوز كبح غضبه، فرفع يده ملوّحًا.
لكن قبل أن يُكمل حركته، قبض أحدهم على معصمه.
“أوه…..عذرًا، كان رد فعل تلقائي لا أكثر.”
قالت تاليا ذلك بابتسامة متهاونة، ثم أضافت،
“أنا مكلّفةٌ بحماية هذه الآنسة، فاعذروني.”
كان صوتها يحمل خفة مصطنعة، لكن عينيها أطلقتا تحذيرًا صريحًا. فاحمرّ وجه الكاهن غيظًا.
وفي تلك اللحظة—
شقّ صوتٌ خافت لكنه حادّ الأجواء بينهما،
“ماذا كنتَ تنوي أن تفعل لها الآن؟”
_______________________
ديونيس؟ ايه تكفى
ميلودي تجنن حجّرت لهم من كله جهة ماعاد يمديهم 😭
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 94"